«كورونا» غزة: لا أحد يأبه!
الفلسطينية سهاد من مدينة غزة وهي متزوجة ومقيمة في الولايات المتحدة الأميركية منذ 30 عاماً، قررت مع صديقتيها، زيارة عائلاتهن في غزة بعد غياب 9 سنوات، فوالدة سهاد مريضة وشقيقها موقوف لدى جهاز الأمن في غزة.
وبعد حجز التذاكر سافرن في 10 آذار/ مارس 2020، من نيوجرسي الى إسطنبول ومن ثم القاهرة، وحينها لم تكن حكومة حماس قد أعلنت بعد عن إجراءات الحجر للعائدين من الخارج إلى غزة.
السفر من الولايات المتحدة إلى القاهرة استغرق أقل من يوم، والسفر من القاهرة إلى غزة استغرق 48 ساعة، عدا عن التأخير الإجباري لظروف الطقس والعاصفة الرملية التي اجتاحت مصر وعطلت الحياة فيها. وبذلك اضطرت الصديقات إلى الانتظار في القاهرة حتى 16 آذار، أي بعدما بدأ العمل بإجراءات الحجر الصحي لمواجهة فايروس «كورونا» في 13 من الشهر ذاته.
وكي تصل سهاد بسرعة اضطرت إلى التسجيل عبر شركة لتسهيل السفر من القاهرة إلى غزة تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية المصرية. تكلفة الرحلة 800 دولار أميركي، وهي ربما أغلى من تكاليف تذكرة الطائرة من نيوجرسي إلى القاهرة.
مفاجأة سهاد وصديقتيها كانت عندما تم إخبارهن بأن عليهن المكوث في الحجر الإجباري مدة 14 يوماً، وبعد الوصول إلى معبر رفح تم نقل العائدين البالغ عددهم نحو 200 مواطن، من نساء وأطفال ورجال مسنين مرضى، ومنهم من أجرى عمليات جراحية وعاد على عجل كي لا يبقى في مصر.
تم نقلهم في حافلات من المعبر بعد تعقيم الحقائب إلى مركز الحجر وهو مدرسة جنوب قطاع غزة، من دون حقائب أو أي أغراض شخصية في طقس بارد وظروف صعبة وقاسية. أقامت سهاد وصديقتاها في مركز الحجر الصحي في الغرفة- الفصل، حيث لا تتوفر شروط الحجر الصحي المناسب، مع غياب الخصوصية، والنقص في المياه المستخدمة للنظافة الشخصية، والحمامات غير صالحة للاستخدام، وعدم توفر مكان للاستحمام (دوش) أو ماء ساخن في الطقس البارد.
حتى اللحظة لم تسجل غزة أي حالة إصابة بـ«كورونا»، وفي الضفة الغربية انخفض عدد المصابين إلى 31 مصاباً.
سهاد وصديقاتها احتججن على ظروف الإقامة وليس على الحجر، نظراً لغياب الخصوصية والشروط التي يجب أن تتوفر في الحجر، وحصلن على وعد بنقلهن إلى فندق، غير أنهن مع تحسّن شروط الإقامة فضلن البقاء في المدرسة، مركز الحجر. سهاد إجازتها ثلاثة أسابيع ضاعت منها ستة أيام في الطريق، وستخسر 14 يوماً في الحجر، وبذلك لا يتبقى من الإجازة سوى يومين، وهي تخشى ألا ترى والدتها المريضة وشقيقها المعتقل، وقد تضطر للعودة مباشرة في حال تعذّر تمديد إجازتها.
حكومة غزة أرادت إظهار قدرتها على مواجهة الفايروس وإقامة مراكز الحجر فظهرت صور لمركز حجر جديد خصصته في مدرسة جنوب القطاع، ما أثار غضب الناس واحتجاجهم، وأكدت إفادات المحجوزين في أماكن الحجر، مدارس رفح، أنّها كانت تجربة مهينة، ومست شعور الناس بكرامتهم وعدم احترام خصوصيتهم والسرية والخشية من الوصمة المحتملة بالمرض بواسطة الحجر الصحي الإلزامي، الذي شكل ويشكل هاجساً للمحجورين العائدين من الخارج الذين لم يستوعبوا الحرمان من الحرية، حيث الحجر بالقوة الإجبارية ووفق المواثيق الدولية والقانون الفلسطيني.
في قطاع غزة، بلغ عدد الحالات في مراكز الحجر الصحي 1198 عائداً من معبر رفح ومعبر بيت حانون/ ايرز، تم توزيعهم على 18 مركزاً غالبيتها مدارس وفندق واحد ومستشفيات للمرضى.
السؤال في حال ظهرت حالات إصابة أو تفشي الفايروس، هل تستطع غزة مواجهة الخطر؟
حتى اللحظة لم تسجل غزة أي حالة إصابة بـ«كورونا»، وفي الضفة الغربية انخفض عدد المصابين إلى 31 مصاباً، بعد تعافي 17 مصاباً، كانوا في الحجر الصحي، ومع بداية الحجر بشكل رسمي وبدء تحضير مراكز الحجر ظهر عجز غزة وضعف إمكاناتها المحدودة، ومدى عمق أزمتها بـ«كورونا» ومن دون «كورونا»، فالآلاف في العزل المنزلي، وأماكن الحجر. غزة ليست معصومة من إمكان تفشي فايروس «كورونا»، والحصار ليس سبباً كافياً لحمايتها وقد لا تكون الأكثر تحصيناً وأمناً، فبنيتها هشة ونظامها الصحي ضعيف.
أزمة حكومة غزة أنها لا تملك الإمكانات المطلوبة لمواجهة الكوارث والأزمات، إضافة الى المبالغة والحرص على إثبات أن غزة خالية من «كورونا»، وما يهمهما إظهار أن غزة المدينة الفاضلة.
مشهد مدرسة رفح مؤذٍ والأذية الأكبر هي النقاش المقيت الذي اتسم بالكراهية والمناكفات على حساب كرامة الناس واحترام آدميتهم، وانصرف الناس للنقد على أهميته، لكن ليس على حساب المعايير الأخلاقية والإنسانية والوطنية.
والسؤال في حال ظهرت حالات إصابة أو تفشي الفايروس، هل تستطع غزة مواجهة الخطر؟ وحال النظام الصحي صعب والنقص الشديد في الادوية التي تحتاجها المستشفيات عموماً، فـ48 في المئة من الأدوية غير متوفرة إضافة إلى 26 في المئة من المستلزمات الطبية وفق «منظمة الصحة العالمية».
مع استمرار الحصار والانقسام وغياب قيم التضامن والتعاون والانتصار للذات، وفي أوقات الأزمة والكوارث والحروب، يخرج الزعماء لمخاطبة الناس بلا جدوى، وفي غزة الفصائل الفلسطينية تحركت متأخرة وأيضاً بلا جدوى. ولم يخرج أي قائد فصيل يخاطب الناس بكلمة خير، حتى أن قائد حماس لم يخاطب الناس وكان بإمكانه أن يعلن عن موافقة الحركة على إعلان حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس محمود عباس في الخامس من آذار، لكنه لم يفعل. وتطبيق حال الطوارئ كان يمكن أن يوفر على غزة أشياء كثيرة منها تخصيص الفنادق للحجر بدل المدارس وبناء غرف جديدة للحجر.
القطاع الخاص يتذرع بعدم قدرته على تقديم المساعدة وتعرضه لأزمات وانهيارات خلال سنوات الحصار، ودورات العدوان الحربية الإسرائيلية على القطاع، وأن القطاع الصناعي مشلول والقطاع الزراعي أيضاً، بعدما تم تدميرهما، أما قطاع السياحة والفنادق فمتوقف. لكن هناك واقع آخر، فالمصارف والشركات الكبرى الاحتكارية لا تزل تعمل وتحقق أرباحاً خيالية، حتى أن الرئيس محمود عباس دعا القطاع الخاص إلى مشاركة الحكومة في مواجهة خطر كورونا.
قامت شركات ومؤسسات على استحياء بالتبرع، لكنها لم تكن على مستوى الخطر، حتى أصحاب الفنادق غابوا عن النقاش العام مثلهم مثل أصحاب المصارف، القوة المالية الضاربة، والأكثر تسجيلاً للربح، ولم تقدم أي مبادرة جدية في مواجهة «كورونا» وخطره القاتل في غياب واضح لأي شعور بالمسؤولية تجاه الناس.
المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية تتطلب المساهمة في جهود التصدي لخطر «كورونا»، واستنهاض العقل الجمعي في التفكير في مواجهة خطر التفشي، علماً أن حكومة غزة عاجزة عن إقناع المجتمع بجديتها في مواجهة الفايروس، كما أن قسماً كبيراً من المجتمع ومؤسساته بخاصة المصارف والشركات المالية والتجارية الكبرى غير مبالية، وكأنها تخلت عن مسؤوليتها الاجتماعية.■
وبعد حجز التذاكر سافرن في 10 آذار/ مارس 2020، من نيوجرسي الى إسطنبول ومن ثم القاهرة، وحينها لم تكن حكومة حماس قد أعلنت بعد عن إجراءات الحجر للعائدين من الخارج إلى غزة.
السفر من الولايات المتحدة إلى القاهرة استغرق أقل من يوم، والسفر من القاهرة إلى غزة استغرق 48 ساعة، عدا عن التأخير الإجباري لظروف الطقس والعاصفة الرملية التي اجتاحت مصر وعطلت الحياة فيها. وبذلك اضطرت الصديقات إلى الانتظار في القاهرة حتى 16 آذار، أي بعدما بدأ العمل بإجراءات الحجر الصحي لمواجهة فايروس «كورونا» في 13 من الشهر ذاته.
وكي تصل سهاد بسرعة اضطرت إلى التسجيل عبر شركة لتسهيل السفر من القاهرة إلى غزة تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية المصرية. تكلفة الرحلة 800 دولار أميركي، وهي ربما أغلى من تكاليف تذكرة الطائرة من نيوجرسي إلى القاهرة.
مفاجأة سهاد وصديقتيها كانت عندما تم إخبارهن بأن عليهن المكوث في الحجر الإجباري مدة 14 يوماً، وبعد الوصول إلى معبر رفح تم نقل العائدين البالغ عددهم نحو 200 مواطن، من نساء وأطفال ورجال مسنين مرضى، ومنهم من أجرى عمليات جراحية وعاد على عجل كي لا يبقى في مصر.
تم نقلهم في حافلات من المعبر بعد تعقيم الحقائب إلى مركز الحجر وهو مدرسة جنوب قطاع غزة، من دون حقائب أو أي أغراض شخصية في طقس بارد وظروف صعبة وقاسية. أقامت سهاد وصديقتاها في مركز الحجر الصحي في الغرفة- الفصل، حيث لا تتوفر شروط الحجر الصحي المناسب، مع غياب الخصوصية، والنقص في المياه المستخدمة للنظافة الشخصية، والحمامات غير صالحة للاستخدام، وعدم توفر مكان للاستحمام (دوش) أو ماء ساخن في الطقس البارد.
حتى اللحظة لم تسجل غزة أي حالة إصابة بـ«كورونا»، وفي الضفة الغربية انخفض عدد المصابين إلى 31 مصاباً.
سهاد وصديقاتها احتججن على ظروف الإقامة وليس على الحجر، نظراً لغياب الخصوصية والشروط التي يجب أن تتوفر في الحجر، وحصلن على وعد بنقلهن إلى فندق، غير أنهن مع تحسّن شروط الإقامة فضلن البقاء في المدرسة، مركز الحجر. سهاد إجازتها ثلاثة أسابيع ضاعت منها ستة أيام في الطريق، وستخسر 14 يوماً في الحجر، وبذلك لا يتبقى من الإجازة سوى يومين، وهي تخشى ألا ترى والدتها المريضة وشقيقها المعتقل، وقد تضطر للعودة مباشرة في حال تعذّر تمديد إجازتها.
حكومة غزة أرادت إظهار قدرتها على مواجهة الفايروس وإقامة مراكز الحجر فظهرت صور لمركز حجر جديد خصصته في مدرسة جنوب القطاع، ما أثار غضب الناس واحتجاجهم، وأكدت إفادات المحجوزين في أماكن الحجر، مدارس رفح، أنّها كانت تجربة مهينة، ومست شعور الناس بكرامتهم وعدم احترام خصوصيتهم والسرية والخشية من الوصمة المحتملة بالمرض بواسطة الحجر الصحي الإلزامي، الذي شكل ويشكل هاجساً للمحجورين العائدين من الخارج الذين لم يستوعبوا الحرمان من الحرية، حيث الحجر بالقوة الإجبارية ووفق المواثيق الدولية والقانون الفلسطيني.
في قطاع غزة، بلغ عدد الحالات في مراكز الحجر الصحي 1198 عائداً من معبر رفح ومعبر بيت حانون/ ايرز، تم توزيعهم على 18 مركزاً غالبيتها مدارس وفندق واحد ومستشفيات للمرضى.
السؤال في حال ظهرت حالات إصابة أو تفشي الفايروس، هل تستطع غزة مواجهة الخطر؟
حتى اللحظة لم تسجل غزة أي حالة إصابة بـ«كورونا»، وفي الضفة الغربية انخفض عدد المصابين إلى 31 مصاباً، بعد تعافي 17 مصاباً، كانوا في الحجر الصحي، ومع بداية الحجر بشكل رسمي وبدء تحضير مراكز الحجر ظهر عجز غزة وضعف إمكاناتها المحدودة، ومدى عمق أزمتها بـ«كورونا» ومن دون «كورونا»، فالآلاف في العزل المنزلي، وأماكن الحجر. غزة ليست معصومة من إمكان تفشي فايروس «كورونا»، والحصار ليس سبباً كافياً لحمايتها وقد لا تكون الأكثر تحصيناً وأمناً، فبنيتها هشة ونظامها الصحي ضعيف.
أزمة حكومة غزة أنها لا تملك الإمكانات المطلوبة لمواجهة الكوارث والأزمات، إضافة الى المبالغة والحرص على إثبات أن غزة خالية من «كورونا»، وما يهمهما إظهار أن غزة المدينة الفاضلة.
مشهد مدرسة رفح مؤذٍ والأذية الأكبر هي النقاش المقيت الذي اتسم بالكراهية والمناكفات على حساب كرامة الناس واحترام آدميتهم، وانصرف الناس للنقد على أهميته، لكن ليس على حساب المعايير الأخلاقية والإنسانية والوطنية.
والسؤال في حال ظهرت حالات إصابة أو تفشي الفايروس، هل تستطع غزة مواجهة الخطر؟ وحال النظام الصحي صعب والنقص الشديد في الادوية التي تحتاجها المستشفيات عموماً، فـ48 في المئة من الأدوية غير متوفرة إضافة إلى 26 في المئة من المستلزمات الطبية وفق «منظمة الصحة العالمية».
مع استمرار الحصار والانقسام وغياب قيم التضامن والتعاون والانتصار للذات، وفي أوقات الأزمة والكوارث والحروب، يخرج الزعماء لمخاطبة الناس بلا جدوى، وفي غزة الفصائل الفلسطينية تحركت متأخرة وأيضاً بلا جدوى. ولم يخرج أي قائد فصيل يخاطب الناس بكلمة خير، حتى أن قائد حماس لم يخاطب الناس وكان بإمكانه أن يعلن عن موافقة الحركة على إعلان حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس محمود عباس في الخامس من آذار، لكنه لم يفعل. وتطبيق حال الطوارئ كان يمكن أن يوفر على غزة أشياء كثيرة منها تخصيص الفنادق للحجر بدل المدارس وبناء غرف جديدة للحجر.
القطاع الخاص يتذرع بعدم قدرته على تقديم المساعدة وتعرضه لأزمات وانهيارات خلال سنوات الحصار، ودورات العدوان الحربية الإسرائيلية على القطاع، وأن القطاع الصناعي مشلول والقطاع الزراعي أيضاً، بعدما تم تدميرهما، أما قطاع السياحة والفنادق فمتوقف. لكن هناك واقع آخر، فالمصارف والشركات الكبرى الاحتكارية لا تزل تعمل وتحقق أرباحاً خيالية، حتى أن الرئيس محمود عباس دعا القطاع الخاص إلى مشاركة الحكومة في مواجهة خطر كورونا.
قامت شركات ومؤسسات على استحياء بالتبرع، لكنها لم تكن على مستوى الخطر، حتى أصحاب الفنادق غابوا عن النقاش العام مثلهم مثل أصحاب المصارف، القوة المالية الضاربة، والأكثر تسجيلاً للربح، ولم تقدم أي مبادرة جدية في مواجهة «كورونا» وخطره القاتل في غياب واضح لأي شعور بالمسؤولية تجاه الناس.
المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية تتطلب المساهمة في جهود التصدي لخطر «كورونا»، واستنهاض العقل الجمعي في التفكير في مواجهة خطر التفشي، علماً أن حكومة غزة عاجزة عن إقناع المجتمع بجديتها في مواجهة الفايروس، كما أن قسماً كبيراً من المجتمع ومؤسساته بخاصة المصارف والشركات المالية والتجارية الكبرى غير مبالية، وكأنها تخلت عن مسؤوليتها الاجتماعية.■
أضف تعليق