كيف أسهمت الرأسمالية المتوحشة في تفشِّي كورونا؟ قد نكون وصلنا لنهايتها؟
(الاتجاه الديمقراطي)
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي قبل ثلاثين عاماً، أصبح النظام الرأسمالي متحكماً بصورة شبه تامة في العالم، وتركزت معظم موارد الكوكب بين أيدي أقل من 1% من سكانه، فماذا تخبرنا كارثة فيروس كورونا عن مدى فاعلية هذا النظام في حمايتنا من هذا الوباء العالمي؟
انهيار الأنظمة الصحية في النظم الرأسمالية
على الرغم من أن فيروس كورونا ظهر في الصين وتفشى هناك ولم ينتقل إلى أوروبا إلا منذ نحو شهر أو يزيد قليلاً، نجد أن عدد الإصابات والوفيات في القارة العجوز اليوم الإثنين 23 مارس/آذار قد تخطت 180 ألف إصابة وما يقرب من 8000 وفاة، أي أكثر من 60% من الإصابات والوفيات حول العالم، ولا يبدو أن منحنى التفشي قد وصل لذروته بعد.
الحكومة الإيطالية أعلنت قبل أسبوع أن الوضع خرج عن السيطرة، وأنها لم تعد قادرة على مواجهته وحدها، بل واتخذت قرارات لم يكن وارداً مجرد التفكير فيها مثل عدم تقديم الرعاية الصحية لمن هم فوق سن 80 عاماً، أو أن تجرى قرعة بين المصابين لاختيار من تتم تقديم الرعاية لهم، والسبب عجز النظام الصحي هناك عن مواجهة الكارثة.
الأمر ليس مختلفاً كثيراً في إسبانيا، حيث أعلنت الحكومة هناك أمس الأحد 22 مارس/آذار أن الوباء أكثر خطورة من نظيره في إيطاليا، بينما قال رئيس الوزراء البريطاني تصريحه الشهير “ودعوا أحبابكم”، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن كورونا عدو خطير، وأن البلاد في حالة حرب.
الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً تواجه نفس الكارثة، على الرغم من تفشي الفيروس هناك، لا يزال في بدايته مقارنة بأوروبا، وقد انقلبت الثقة المفرطة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قدرة بلاده على احتواء الفيروس إلى قلق واضح من تداعياته وآثاره، وبدأ يلقي باللائمة على الصين لتأخرها في الكشف عن الفيروس مبكراً، في ظل انتقادات حادة يواجهها ترامب بسبب تقليصه ميزانية الصحة العامة في البلاد منذ وصوله للبيت الأبيض مطلع 2017.
الأغنياء في وضع أفضل كثيراً
صحيح أن فيروس كورونا لا يفرق بين غني وفقير ولا أحد بمأمن من الإصابة به، فقد أصيب به مسؤولون كبار ووزراء وبرلمانيون ومشاهير سواء ممثلون أو لاعبو كرة قدم، لكن المؤكد أن هؤلاء يتمتعون بمظلة رعاية صحية هي الأفضل على الإطلاق، عكس غالبية الناس في تلك البلاد.
فداحة الوباء وسرعة انتشاره وعدم وجود لقاح حتى الآن ولا ينتظر التوصل إليه قبل عام أو عام ونصف – بحسب السلطات الصحية المحلية والدولية – تمثل عبئاً هائلاً على الأنظمة الصحية في الدول الرأسمالية المتقدمة، ما يطرح تساؤلات حول دور الحكومات في تلك الأنظمة في توفير الرعاية الصحية الجيدة لجميع المواطنين، بعد أن سيطر القطاع الخاص والشركات العملاقة التي تهدف لتحقيق الربح بالأساس وتقدم خدماتها لمن يقدر على دفع الثمن.
تقليص الخدمات الصحية الحكومية
فكرة النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي لا يرحم تتعرض للانتقاد طوال الوقت، لكن فيروس كورونا فتح “صندوق باندورا” ووضع الرأسمالية في فوهة المدفع، بحسب تعبير مايك ديفيس مؤلف كتاب “عالم الأحياء الفقيرة” و “مدينة الكوارتز”، في مقال له بعنوان “أزمة كورونا وحش تغذية الرأسمالية”.
مقال ديفيس يركز على النظام الرأسمالي المتوحش في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى تاريخه وكيف ساهم وصول ترامب إلى البيت الأبيض تحديداً في إصابة النظام الصحي الفيدرالي بكارثة أصابته بالشلل في مواجهة وباء كورونا.
وكمثال واحد في هذا الصدد، تم تقليص ميزانية الإدارات الصحية في الولايات 21% في موازنة ترامب الأولى عام 2017، كما قام ترامب بإغلاق مكتب الأوبئة التابع للبيت الأبيض والذي كان باراك أوباما قد أنشأه عام 2014 في أعقاب تفشي فيروس الإيبولا لضمان استجابة وطنية سريعة ومنسقة بشكل جيد لمواجهة أي وباء جديد.
فرنسا تلوح بالتأميم
الواقع أن كارثة كورونا لم تعرّ فقط الأنظمة الصحية العامة في الدول الرأسمالية، بل طرحت تساؤلات تتعلق أيضاً بأوضاع العاملين في الشركات العملاقة التي تأثر نشاطها وهنا نتحدث تقريباً عن جميع المجالات، باستثناء القطاع الصحي وصناعة الدواء، وقد شهد قطاع السياحة والطيران انهياراً تاماً تقريباً، فماذا سيحدث لملايين العاملين الذين إما فقدوا وظائفهم بالفعل أو يواجهون هذا الخطر؟
وقد شهدت بريطانيا واقعة قيام أحد الفنادق بطرد العاملين فيه ليجدوا أنفسهم في الشارع حرفياً في هذه الظروف المميتة التي يمر بها العالم، وهو ما أثار موجة جديدة من الهجوم على النظام الرأسمالي المتوحش، فهل تكون خطط دعم الشركات التي تسعى الإدارة الأمريكية والحكومات في أوروبا لتنفيذها كافية لإنقاذ العاملين وأسرهم؟ أم أن تلك المليارات المقترحة – حال إقرارها – ستصب أيضاً في صالح أصحاب رأس المال وكبار المستثمرين أنفسهم؟
وزير المالية الفرنسي كان قد صرح بأن بلاده ستتخذ كافة الإجراءات غير التقليدية لضمان عدم انهيار الشركات الفرنسية الكبرى، ومنها تأميم تلك الشركات لتعود إلى ملكية الدولة، فهل تكون تلك هي الخطوة الأولى على طريق تهذيب الرأسمالية أو حتى القضاء عليها بعد أن توحشت لهذه الدرجة؟
المصدر: عربي بوست
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي قبل ثلاثين عاماً، أصبح النظام الرأسمالي متحكماً بصورة شبه تامة في العالم، وتركزت معظم موارد الكوكب بين أيدي أقل من 1% من سكانه، فماذا تخبرنا كارثة فيروس كورونا عن مدى فاعلية هذا النظام في حمايتنا من هذا الوباء العالمي؟
انهيار الأنظمة الصحية في النظم الرأسمالية
على الرغم من أن فيروس كورونا ظهر في الصين وتفشى هناك ولم ينتقل إلى أوروبا إلا منذ نحو شهر أو يزيد قليلاً، نجد أن عدد الإصابات والوفيات في القارة العجوز اليوم الإثنين 23 مارس/آذار قد تخطت 180 ألف إصابة وما يقرب من 8000 وفاة، أي أكثر من 60% من الإصابات والوفيات حول العالم، ولا يبدو أن منحنى التفشي قد وصل لذروته بعد.
الحكومة الإيطالية أعلنت قبل أسبوع أن الوضع خرج عن السيطرة، وأنها لم تعد قادرة على مواجهته وحدها، بل واتخذت قرارات لم يكن وارداً مجرد التفكير فيها مثل عدم تقديم الرعاية الصحية لمن هم فوق سن 80 عاماً، أو أن تجرى قرعة بين المصابين لاختيار من تتم تقديم الرعاية لهم، والسبب عجز النظام الصحي هناك عن مواجهة الكارثة.
الأمر ليس مختلفاً كثيراً في إسبانيا، حيث أعلنت الحكومة هناك أمس الأحد 22 مارس/آذار أن الوباء أكثر خطورة من نظيره في إيطاليا، بينما قال رئيس الوزراء البريطاني تصريحه الشهير “ودعوا أحبابكم”، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن كورونا عدو خطير، وأن البلاد في حالة حرب.
الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً تواجه نفس الكارثة، على الرغم من تفشي الفيروس هناك، لا يزال في بدايته مقارنة بأوروبا، وقد انقلبت الثقة المفرطة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قدرة بلاده على احتواء الفيروس إلى قلق واضح من تداعياته وآثاره، وبدأ يلقي باللائمة على الصين لتأخرها في الكشف عن الفيروس مبكراً، في ظل انتقادات حادة يواجهها ترامب بسبب تقليصه ميزانية الصحة العامة في البلاد منذ وصوله للبيت الأبيض مطلع 2017.
الأغنياء في وضع أفضل كثيراً
صحيح أن فيروس كورونا لا يفرق بين غني وفقير ولا أحد بمأمن من الإصابة به، فقد أصيب به مسؤولون كبار ووزراء وبرلمانيون ومشاهير سواء ممثلون أو لاعبو كرة قدم، لكن المؤكد أن هؤلاء يتمتعون بمظلة رعاية صحية هي الأفضل على الإطلاق، عكس غالبية الناس في تلك البلاد.
فداحة الوباء وسرعة انتشاره وعدم وجود لقاح حتى الآن ولا ينتظر التوصل إليه قبل عام أو عام ونصف – بحسب السلطات الصحية المحلية والدولية – تمثل عبئاً هائلاً على الأنظمة الصحية في الدول الرأسمالية المتقدمة، ما يطرح تساؤلات حول دور الحكومات في تلك الأنظمة في توفير الرعاية الصحية الجيدة لجميع المواطنين، بعد أن سيطر القطاع الخاص والشركات العملاقة التي تهدف لتحقيق الربح بالأساس وتقدم خدماتها لمن يقدر على دفع الثمن.
تقليص الخدمات الصحية الحكومية
فكرة النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي لا يرحم تتعرض للانتقاد طوال الوقت، لكن فيروس كورونا فتح “صندوق باندورا” ووضع الرأسمالية في فوهة المدفع، بحسب تعبير مايك ديفيس مؤلف كتاب “عالم الأحياء الفقيرة” و “مدينة الكوارتز”، في مقال له بعنوان “أزمة كورونا وحش تغذية الرأسمالية”.
مقال ديفيس يركز على النظام الرأسمالي المتوحش في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى تاريخه وكيف ساهم وصول ترامب إلى البيت الأبيض تحديداً في إصابة النظام الصحي الفيدرالي بكارثة أصابته بالشلل في مواجهة وباء كورونا.
وكمثال واحد في هذا الصدد، تم تقليص ميزانية الإدارات الصحية في الولايات 21% في موازنة ترامب الأولى عام 2017، كما قام ترامب بإغلاق مكتب الأوبئة التابع للبيت الأبيض والذي كان باراك أوباما قد أنشأه عام 2014 في أعقاب تفشي فيروس الإيبولا لضمان استجابة وطنية سريعة ومنسقة بشكل جيد لمواجهة أي وباء جديد.
فرنسا تلوح بالتأميم
الواقع أن كارثة كورونا لم تعرّ فقط الأنظمة الصحية العامة في الدول الرأسمالية، بل طرحت تساؤلات تتعلق أيضاً بأوضاع العاملين في الشركات العملاقة التي تأثر نشاطها وهنا نتحدث تقريباً عن جميع المجالات، باستثناء القطاع الصحي وصناعة الدواء، وقد شهد قطاع السياحة والطيران انهياراً تاماً تقريباً، فماذا سيحدث لملايين العاملين الذين إما فقدوا وظائفهم بالفعل أو يواجهون هذا الخطر؟
وقد شهدت بريطانيا واقعة قيام أحد الفنادق بطرد العاملين فيه ليجدوا أنفسهم في الشارع حرفياً في هذه الظروف المميتة التي يمر بها العالم، وهو ما أثار موجة جديدة من الهجوم على النظام الرأسمالي المتوحش، فهل تكون خطط دعم الشركات التي تسعى الإدارة الأمريكية والحكومات في أوروبا لتنفيذها كافية لإنقاذ العاملين وأسرهم؟ أم أن تلك المليارات المقترحة – حال إقرارها – ستصب أيضاً في صالح أصحاب رأس المال وكبار المستثمرين أنفسهم؟
وزير المالية الفرنسي كان قد صرح بأن بلاده ستتخذ كافة الإجراءات غير التقليدية لضمان عدم انهيار الشركات الفرنسية الكبرى، ومنها تأميم تلك الشركات لتعود إلى ملكية الدولة، فهل تكون تلك هي الخطوة الأولى على طريق تهذيب الرأسمالية أو حتى القضاء عليها بعد أن توحشت لهذه الدرجة؟
المصدر: عربي بوست
أضف تعليق