23 كانون الأول 2024 الساعة 17:46

إصلاح المنظمة من أهم متطلبات المواجهة (1/2)

2020-02-27 عدد القراءات : 967
• من نتائج الوضع الحالي للمنظمة الفوضى السياسية في طرح البدائل لخطة ترامب – نتنياهو؟
• البرنامج الوطني (المرحلي) هو من كرس الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية لعموم الشعب الفلسطيني في الـ48 والـ67 والشتات
• البرنامج الوطني (المرحلي) وقواعد الائتلاف الوطني هي الأسس المثبتة لبناء م.ت.ف
• تعرضت «الشرعية الثورية» والموقع التمثيلي لمنظمة التحرير للاهتزاز حين بدأت محاولات تجاوز البرنامج السياسي (المرحلي) وقواعد الائتلاف الوطني
• الانتفاضة الوطنية الكبرى (87) حسمت الجدل بشأن البرنامج الوطني (المرحلي) والموقع التمثيلي للمنظمة على أسس ائتلافية
• أوسلو انقلب على ما حققته الانتفاضة، وعّرض البرنامج ووحدة الحقوق ووحدة الشعب، والموقع التمثيلي لمنظمة التحرير إلى مخاطر كبرى
(1)
■ تكاد دائرة الإجماع تنغلق على الرأي القائل بضرورة إصلاح أوضاع م.ت.ف، كأحد المتطلبات الضرورية والملحة لإنجاح المواجهة الوطنية «لخطة ترامب – نتنياهو». وأن من أسباب تقدم «الخطة» إلى الأمام، وتحقيقها خطوات خطيرة، حالة الوهن التي تصيب م.ت.ف، ومؤسساتها، وفي المقدمة منها اللجنة التنفيذية وغياب دوائرها، والخلافات الكبرى بين فصائلها، (فضلاً عن الانقسام بين فتح وحماس) وحالة التهميش التي أصابت المجلس الوطني ، والمجلس المركزي، خاصة الذي عقد دورتيه الأخيرتين (29+30) في غياب اثنين من كبار الأعضاء في المنظمة، أي الجبهتان الديمقراطية والشعبية، فضلاً عن غياب فصائل علقت عضويتها في المنظمة، كالجبهة الشعبية – القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة وفصائل أخرى مازال الواجب الوطني يتطلب توفير حل لعضويتها في المؤسسة الوطنية، كجبهة النضال برئاسة خالد عبد المجيد، والتحرير الفلسطينية برئاسة أبو نضال الأشقر، وفتح الانتفاضة برئاسة أبو حازم. كما أن بعض القوى، التي لا يمكن تجاهلها، والتي لها وجودها الفاعل في الحالة الوطنية، كالمبادرة الفلسطينية، برئاسة مصطفى البرغوثي، ما زالت خارج التمثيل في اللجنة التنفيذية.
أضف إلى هذا كله الخلاف السياسي الواسع على البرنامج البديل لخطة « ترامب – نتنياهو» بين من يتمسك بأوسلو والتزاماته حتى الآن، وبين من يدعو لطي صفحته، يدعو لإعادة تنظيم الصفوف، تحت راية البرنامج الوطني (المرحلي) بشعاره المعروف، «العودة وتقرير المصير والاستقلال»، وبين من يقول بتقادم هذا البرنامج، ويدعو إلى العودة إلى «نقطة الصفر»، أي برنامج الدولة الواحدة، باعتباره الرد الجذري على المشروع الصهيوني، وبين من لا يزال حتى الآن يدعو إلى تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، معتبراً الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد للحل مع دولة الاحتلال. وقد تطول صفحة «البدائل»، بحيث يصعب على المراقب أن يقرأ ملامح «البرنامج الوطني» المتفق عليه وطنياً  لمواجهة صفقة ترامب – نتنياهو، ولعل هذه « الفوضى»، وهذا الخلط الواسع في «البدائل»، هو من نتائج الحالة «المتشققة» التي تعيشها م.ت.ف، ويمكن في السياق نفسه القول إن حالة «التشقق» هذه أسهمت إلى حد كبير في إحداث هذا الكم الهائل من البلبلة السياسية، الأمر الذي يعيدنا إلى العنوان نفسه، أي إصلاح أوضاع م.ت.ف. بعدما بات الاعتراف بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، خارج أي نقاش.
الإصلاح، من خلال هذه المقدمة ذو شقين:
1) سياسي، أي الاتفاق على البرنامج الوطني الجامع للكل الفلسطيني.
2) مؤسساتي، أي إعادة بناء المؤسسة الوطنية على أسس ديمقراطية تؤهلها للقيام بأعباء قيادة الشعب وقواه السياسية في تنفيذ البرنامج الوطني■
(2)
■ م.ت.ف، حسب التعرف، هي الجبهة الوطنية المتحدة للشعب الفلسطيني، رغم حالة «التشقق» التي تعيشها مؤسساتها. هي ليست مجرد إطار تلتقي فيه فصائل العمل الوطني بل هي الإطار الموحّد للشعب الفلسطيني وقواه السياسية؛
ولدت م.ت.ف بقرار رسمي عربي، وبقيت علاقة الشارع السياسي الفلسطيني فيها مركبة. فهي من جهة شكلت له إطاراً،  وسقفاً سياسياً، يحتمي تحته من وطأة التشرد والتهجير، ووطأة العلاقة المعقدة مع الدول العربية المضيفة. وهي، من جهة أخرى، بنظره، أسيرة القرار الرسمي العربي، تبقى مثاراً للشك في صدقية قرارها. وحلت هزيمة حزيران 67 لتلحق بالمنظمة ضرراً كبيراً، إذ باتت قيادتها جزءاً من المشروع القومي العربي المهزوم، إلى أن حررتها المقاومة المسلحة من هزيمتها، وانتقلت بها من مؤسسة، بنيت بقرار من جامعة الدول العربية، والرعاية المباشرة للنظام في القاهرة، إلى إطار يجمع مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، بتمظهراتها الفصائلية. ومع ذلك بقيت م.ت.ف، في موقع «رمادي» في حسابات الأنظمة العربية، بين من يدعمها بكل قوة، باعتبارها البديل الجاهز للرد على الهزيمة، وبين من رأى فيها منافساً لموقعه «التاريخي» في تمثيل القضية الفلسطينية، وفي أية تسوية قد تقوم في المنطقة، لحل النزاع مع إسرائيل.■
(3)
■ فقط، مع البرنامج الوطني (المرحلي)، برنامج «السلطة الوطنية المقاتلة»، برنامج النقاط العشر، برنامج العودة وتقرير المصير والدولة الفلسطينية المستقلة، احتلت م.ت.ف، موقعها، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، في الإطار الرسمي العربي، وفي الإطار الرسمي الدولي، في جامعة الدول العربية، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعبرها في المنظمات القارية والإقليمية وغيرها.
احتلت م.ت.ف موقعها التمثيلي، وشكلت ائتلافاً وطنياً بين كافة التيارات والطبقات السياسية في الحالة الوطنية وفي المجتمع الفلسطيني، على قاعدة برنامجها الوطني (المرحلي). وبالتالي فإن أي اعتراف بالمنظمة وموقعها التمثيلي، لا يمكن أن يكون منفصلاً عن الاعتراف ببرنامجها الوطني الإئتلافي (المرحلي)، الذي منحها بطاقة الدخول إلى المجتمع الدولي ممثلاً لشعب فلسطين وثورته، ومقاومته المسلحة وخياراته الوطنية. ومن المفيد هنا أن نلاحظ الرحلة التي قطعتها حركة حماس، على سبيل المثال، منذ انطلاقتها حتى الوصول إلى «وثيقة نيسان»، أي الاعتراف بالمنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، والإقرار بالبرنامج الوطني (البرنامج المرحلي)، كان الترابط بين هاتين الخطوتين قضية ملزمة، وإلا فقد موقف حماس منطقه السياسي. وهذا يقودنا إلى القول أن أية دعوة (أو الإعلان) بالتخلي عن البرنامج الوطني (المرحلي) باعتباره بات متقادماً، لصالح برنامج آخر، لم يقدم حتى الآن أي من الأطراف الفلسطينية خطته الواضحة، بشأنه، ومواصلة الإقرار، في الوقت نفسه، بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، هو موقف سياسي يفتقر إلى الواقعية السياسية، ولا ينسجم مع نفسه ويقوم على التناقض بين برنامج المؤسسة وموقعها التمثيلي، لأن الفصل بين م.ت.ف، وبين برنامجها السياسي، هو فصل تعسفي من شأنه أن يفقد المنظمة موقعها التمثيلي، وموقعها الإطار الإئتلافي. فالتمثيل قام على قواعد البرنامج الوطني (المرحلي). والإئتلاف تمّ حول البرنامج الوطني(المرحلي). هذان أساسان، إذا ما تمّ الإخلال بأحدهما، فإن هذا سيقود إلى الإخلال بالثاني. من هنا، على سبيل المثال، عندما اختارت القيادة السياسية خيار أوسلو، وصف خيارها بأنه إخلال بقواعد الإئتلاف. (أي قواعده السياسية البرنامجية). كما وصفت خطوتها بأنها تضعف الموقع التمثيلي للمنظمة. فوحدانية موقع المنظمة التمثيلي، تنطلق من تمثيلها لوحدة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ومن صونها لوحدة الشعب، الملتف حول حقوقه، أي حول برنامجه الوطني( المرحلي) وفي السياق حول حامل هذا البرنامج، أي م.ت.ف.
لذلك من أهم شروط إصلاح أوضاع م.ت.ف، هو طي صفحة أوسلو وقيوده والتزاماته، لصالح البرنامج الوطني (المرحلي) الذي أعادت المؤسسة الوطنية التأكيد عليه في قراراتها، في المجلس المركزي في 5/3/2015، وفي 15/1/2018، وفي المجلس الوطني في 30/4/2018. وكذلك في الاجتماع القيادي الفلسطيني في 25/7/2019، وفي الاجتماع القيادي الفلسطيني في 28/1/2020، وفي أكثر من اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي أكثر من جولة حوار وطني في القاهرة [الأعوام 2011، 2013، 2017] وفي عمان (2013) وبيروت (2017)، وأخيراً وليس آخراً، في وثيقة الوفاق الوطني في مدينة غزة في 26/6/2006■
(4)
■ بعد الاتفاق على الأساس السياسي البرنامجي لائتلاف م.ت.ف، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وجبهته الوطنية الموحدة في معركة الاستقلال وتقرير المصير والعودة. يبقى الجانب التنظيمي، أي أسس بناء المؤسسة ودوائرها وهيئاتها القيادية واتحاداتها الشعبية وغير ذلك مما تستدعيه ضرورات تنظيم الشعب الفلسطيني في معاركه الوطنية، وضرورات توفير عناصر الصمود والثبات، والتقدم إلى الأمام.
في مرحلة الكفاح المسلح، كانت الشرعية الثورية، هي المعبر نحو التمثيل الفلسطيني. اختار الشعب منظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً له، ومنحها حق التحدث باسمه، انطلاقاً من قناعته ببرنامجها، وأدائها النضالي لهذا البرنامج. عبر عن ذلك في محطات كبرى، منها، على سبيل المثال محطة الانتخابات البلدية في الضفة الفلسطينية عام 1967، حين اجتاحت لوائح الجبهة الوطنية في الضفة الفلسطينية المجالس البلدية، باعتبارها ذراع  م.ت.ف في الداخل. وشكلت تلك الانتخابات استفتاء معلناً، اعترف الجميع، بما في ذلك سلطات الاحتلال، بنتائجه. كما تمثلت الشرعية الثورية لمنظمة التحرير الفلسطينية في «يوم الأرض»، في مناطق الـ 48، في 30/3/1967 حين انطلق الفلسطينيون العرب يرفعون راية فلسطين ويهتفون أن م.ت.ف، هي ممثلهم الشرعي والوحيد. توحد الشعب تحت سقف برنامجه الوطني ( البرنامج المرحلي)، وتحت سقف ممثله السياسي، أي المؤسسة الوطنية الائتلافية التي ضمت في صفوفها القوى الفلسطينية حاملة البرنامج الوطني (المرحلي) والمقاتلة والمناضلة، من أجل تحقيقه، في بحر متلاطم من التطورات العربية والاقليمية والدولية العاصفة■
(5)
■ الشرعية الثورية بدأت تتعرض لاهتزازات، حين بدأ الائتلاف الوطني يتعرض لتجاوزات على يد أحد التيارات النافذة في م.ف.ت، وبما يتعارض مع معايير البرنامج الوطني (المرحلي). بدأ الأمر، يحتدم مع ولادة مبادرة الأمير فهد (ولي العهد في العربية السعودية)، وأخذ أشواطاً أوسع بعد خروج القيادات الفلسطينية من بيروت نحو التشتت مرة أخرى في عواصم العالم العربي. بعض الفصائل علق عضويته في م.ت.ف، وذهب في تشكيل أراده أن يكون موازياً. والبعض الآخر، حاول أن يختطف م.ت.ف، نحو تحالفات وتقاطعات مع بعض العواصم العربية في مشاريع تسوية، تتعارض في معاييرها مع البرنامج الوطني (المرحلي) ومع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. وتعرضت م.ت.ف لاهتزازات، عرضت موقعها التمثيلي للمس من أكثر من طرف وأكثر من جانب. وكان واضحاً أن الأسس التي تضمن الموقع التمثيلي للمنظمة قد تعرضت للمس. الأساس الأول هو البرنامج السياسي(البرنامج المرحلي) والأساس الثاني هو قواعد الائتلاف الوطني التي تضمن صحة التمثيل وتضمن صون المنظمة جبهة وطنية متحدة لعموم الشعب. شهدت أوضاع المنظمة مخاضاً سياسياً عنيفاً، خاضت في سياقه الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والقوى اليسارية والديمقراطية في الحالة الفلسطينية نضالاً مريراً، لاستعادة وحدة المنظمة، وحدة البرنامج، والوحدة الائتلافية، وقد تمثل ذلك في نيسان 1987 حين استعادت المنظمة وحدتها الوطنية على الأسس المشار إليها: البرنامج، وقواعد الائتلاف. وأكدت التجربة مرة أخرى صحة الترابط بين الأساسين، البرنامج والموقع التمثيلي، واشتراط صون الموقع التمثيلي، بصون البرنامج الوطني (المرحلي)■
(6)
■ الانتفاضة الوطنية الكبرى، في نهاية العام 1987، حققت، في انطلاقتها سلسلة أهداف دفعة واحدة. من بينها أنها أعادت الشرعية الثورية إلى م.ت.ف، حين جددت اعترافها بالمنظمة، وحين رفضت العروض السياسية لاعتمادها بديلاً لها، وكان شعارها الدائم «م.ت.ف عنواننا». من بينها أيضاً أنها جددت شرعية وصوابية وجماهيرية البرنامج الوطني (المرحلي) الذي أعادت م.ت.ف التأكيد عليه في وثيقة الاستقلال الشهيرة. ومن بينها كذلك أنها عزلت جانباً كل الدعوات، والسيناريوهات، لطرح البدائل عن المنظمة وعن برنامجها الوطني (المرحلي)، وأكدت أن البرنامج المرحلي هو الوحيد القادر، في سياق موازين القوى، والمعطيات القائمة، على استنهاض عناصر القوة في صفوف الشعب الفلسطيني، وكسب تأييد الرأي العام. كما أكدت أن الائتلاف الوطني، ممثلاً في مؤسسات م.ت.ف [مع الكثير من النواقص والشوائب والثغرات] هو الاطار المؤسساتي الوطني القادر على رص الصفوف في مواجهة الاحتلال.
غير أن انقلاب أوسلو، أطاح بكل هذا دفعة واحدة، مغلباً المصالح الفئوية على المصالح الوطنية العليا، فأعاد عقارب الساعة إلى الوراء، فأصاب الخلل الصف الوطني بكل عناصره، وتشتتت اللجنة التنفيذية، وباتت على حافة الانهيار، وتعرض الموقع التمثيلي للمنظمة، في أعين المواطنين، إلى التشكيك، خاصة وأن اتفاق أوسلو أخل بمصالح الفلسطينيين داخل إسرائيل، فبات عليهم البحث عن حل خاص بهم، كما أخل بمصالح اللاجئين في الشتات، فبات التوطين وإعادة التهجير خطراً يتهددهم. كما أخل بمصير مدينة القدس التي استبعدت عن المفاوضات، كما عرضت الأرض المحتلة إلى «أرض متنازع عليها»، دون اشتراط وقف الاستيطان كأحد المتطلبات الرئيسية لضمان سير المفاوضات■

أضف تعليق