24 تشرين الثاني 2024 الساعة 01:06

قطاع غزة بين اعتبارات «التهدئة» ووقائع التصعيد

2020-02-15 عدد القراءات : 558
غزة (تقرير وسام زغبر)
كثفَّ شبان فلسطينيون إطلاق بالونات متفجرة صوب البلدات والمستوطنات الإسرائيلية القريبة من القطاع الذي يشهد حصاراً إسرائيلياً للعام الرابع عشر على التوالي، مع إعلان «رؤية ترامب- نتنياهو» في المؤتمر الصحفي بالبيت الأبيض في 28 كانون ثاني (يناير) 2020.
ويتواصل إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون بشكل متقطع من القطاع اتجاه المستوطنات والبلدات الإسرائيلية المحاذية فيما يسمى «غلاف غزة»، تسقط غالبيتها في مناطق مفتوحة. ولم تتبن أو تعلن أية جهة فلسطينية مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ والقذائف اتجاه الغلاف.
وتكرس المنظومة الأمنية الإسرائيلية كافة امكانياتها لتحييد البالونات المتفجرة في الجو عبر أنظمة دفاعية تعمل عبر الليزر، في الوقت الذي يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي جرائمه وممارساته العدوانية ضد القطاع، بقصف الطائرات والآليات العسكرية لأراضٍ زراعية ومواقع تتبع للمقاومة الفلسطينية في أنحاء متفرقة من القطاع، إلى جانب رش الأراضي الزراعية بالمبيدات الكيميائية، وفتح السدود المائية الزائدة ومكب نفايات المستوطنات بين الفينة والأخرى، ملحقة الضرر بالمزروعات والأراضي الفلسطينية وتكبيد المزارعين خسائر كبيرة وتدمير الاقتصاد الفلسطيني.
ولم يكتف جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف الأراضي الزراعية ومواقع للمقاومة في غزة، بل تجاوز ذلك بملاحقة الصيادين وإطلاق النار صوبهم واعتقالهم في عرض بحر القطاع وإطلاق النار صوب المزارعين وصيادي العصافير، إلى جانب توغل قواته وآلياته لعشرات الأمتار داخل القطاع والقيام بأعمال تجريف لأراضي المواطنين في عدة مناطق شرقي قطاع غزة.
وقلل مراقبون فلسطينيون من فرص تصعيد إسرائيلي على قطاع غزة في الوقت الذي تتواصل عملية تنقيط الصواريخ وقذائف الهاون من غزة على إسرائيل، رداً على مماطلة قوات الاحتلال في تنفيذ إجراءات تخفيف الحصار، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع.
استبعاد المواجهة
وأوضح المراقبون أن كلاً من المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال ليستا معنيتين بالتصعيد، ولكن المقاومة تواصل ضغطها على حكومة نتنياهو لإلزامها بتطبيق إجراءات تخفيف الحصار مع قرب الانتخابات الإسرائيلية.
وأجرى الوفد الأمني المصري (10/2) مباحثات مع عدد من الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، من أجل خفض التصعيد القائم وإنقاذ التهدئة الحالية بين القطاع وحكومة الاحتلال، بعد أيام من التوتر ولغرض دعم التدابير الأمنية التي تتخذها «حماس» على الحدود بين قطاع غزة ومصر. كما التقى الوفد المصري مع مسؤولين إسرائيليين قبل يوم من وصولهم للقطاع.
وعرضت إسرائيل على «حماس» حرباً أو تسهيلات. وهدد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو (9/2) بشن حملة عسكرية واسعة في قطاع غزة، مع استمرار التوتر الأمني وإطلاق القذائف الصاروخية والبالونات المتفجرة. فيما ردت حركة حماس بأنها ليست معنية بالتصعيد، لكنها أوضحت أن «أية حماقة إسرائيلية» ستؤدي إلى حرب كبرى.
كما هدد وزير الحرب الاسرائيلي نفتالي بينت خلال جلسة تقييمية عقدها في فرقة غزة بجيش الاحتلال، بتسديد ضربة عسكرية قاسية إلى قادة «المقاومة» في قطاع غزة. وأكد أن الضربة المقبلة ستختلف عن التي سبقتها، وأنه ما من أحد سيكون في مأمن منها.
وهذه السياسة لم تعجب المعارضة الإسرائيلية وتحولت إلى سجال في جلسة خاصة بالكنيست الإسرائيلي (10/2). حيث هاجم رئيس حزب «أزرق - أبيض» بيني غانتس طريقة تعاطي الحكومة الإسرائيلية مع ما وصفه بـ«معاناة مستوطني الجنوب وعجزهم عن إيجاد حل يضمن العودة للهدوء».
خلافات إسرائيلية
فيما أظهر محللون إسرائيليون أن خلافات كبيرة داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية جراء استمرار إطلاق البالونات المتفجرة والصواريخ من قطاع غزة اتجاه البلدات والمستوطنات الإسرائيلية، حيث يرى عسكريون إسرائيليون ضرورة استعادة قوة الردع الإسرائيلية، فيما يرى آخرون عدم جدوى العملية العسكرية الواسعة على قطاع غزة.
وقال ألون بن دافيد المحلل العسكري الإسرائيلي في القناة العبرية العاشرة، إن «الجيش مستعد للدخول في عملية عسكرية في غزة، لكن سندفع الثمن مقابل أي إنجاز قد نحققه، وفي نهاية أي عمل عسكري سنضطر لمناقشة نقس القضايا التي نناقشها في هذه المرحلة أي قبل العمل العسكري».
ونشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بحثاً مطولاً تحت عنوان «سياسة إسرائيل تجاه غزة.. بدائل استراتيجية»، أشار فيه إلى أن قطاع غزة يعاني حصاراً مطبقاً ويعيش على اعتاب أزمة إنسانية كبيرة.
ووفق البحث، فإن «المحرك الأول للمواجهات التي تحدث في قطاع غزة اتجاه إسرائيل هو تحسين واقع السكان»، منوهاً إلى أن استمرار الواقع على حاله سيؤدي في النهاية لانهيار تام في القطاع، ومتوقع أن يكون ذلك خلال العام 2020، الأمر الذي سيدفع المقاومة الفلسطينية إلى المبادرة بتصعيد سيصل إلى مواجهة عسكرية شاملة.
منع التصعيد
وأوضح المعهد، أن منع التصعيد الكبير القادم يتطلب العمل لخمسة حلول منها، أولاها، إدارة الصراع من خلال استمرار الوضع الراهن ومنع الوصول للتصعيد، والوصول الى تفاهمات تقود إلى هدنة طويلة المدى بوساطة مصرية ثانياً، فيما ثالث الحلول وهو العمل على انجاز مصالحة فلسطينية داخلية يتم نقل المسؤولية للسلطة الفلسطينية مع الإقرار على عدم تسليم المقاومة لسلاحها شرط ضبطه، فيما رابع الحلول الفصل التام لقطاع غزة والاعتراف به كدولة، وخامسها توجيه ضربة عسكرية لغزة.
فيما رأى الباحثان أن خيار الوصول لتفاهمات تقود لهدنة طويلة المدى (10-15) عاماً بوساطة مصرية يتم خلالها تخفيف الحصار عن القطاع بشكل كبير مع ضمان أمن إسرائيل وتحسين الواقع المعيشي في قطاع غزة، هو الخيار الأفضل كونه الأكثر ضمانة من بين الحلول الخمسة، حيث أن المقاومة الفلسطينية لن تسلم سلاحها وليس من السهل القضاء على سلاح المقاومة في غزة.
وأوضح المحلل السياسي عدنان أبو عامر أن تأرجح التوتر الأمني في الأراضي الفلسطينية، اليوم في غزة، وغداً في الضفة، أو العكس، يعطي مؤشرات جدية أن انفجار أحد المنطقتين، قد يتسبب باشتعال الأخرى، الأمر الذي تتحسب منه إسرائيل كثيرًا.
قرب المواجهة
وأضاف أبو عامر «من جديد؛ نتنياهو يعلن الاستعداد لعملية تدميرية ضد قطاع غزة؛ لكن أوساطه العسكرية والأمنية ما زالت توصي بالتوصل لتسوية في القطاع... قد يبدو صعباً تصديق أحدهما؛ وعدم الأخذ بظاهر الأقوال؛ لكن ذلك يقرب الجانبين من لحظة الحسم».
وتوقع المحلل السياسي حسام الدجني، ذهاب نتنياهو لمواجهة عسكرية مع القطاع في ثلاث حالات، وهي، وقوع حدث ميداني كبير أو أن يكون العدوان على غزة ضمن متطلبات ملاحق سرية محتملة لـ«رؤية ترامب» أو في حال إدراك نتنياهو أن العملية العسكرية ستنعكس إيجاباً على فرص فوزه بانتخابات الكنيست المقبلة.
ودعا الدجني قادة فصائل المقاومة الفلسطينية إلى إبعاد شبح المواجهة العسكرية والإبقاء على المواجهة الشعبية السلمية في الوقت الذي تستعيد الضفة الفلسطينية المحتلة عافيتها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
رغم توتر الأوضاع في قطاع غزة إلا أن كلاً من المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي ليستا معنيتين بالتصعيد، مع قرب موعد إجراء انتخابات الكنيست الإسرائيلية المزمعة في الثاني من آذار (مارس) القادم، لكن شبح الحرب على القطاع ما زال ماثلاً ما يتطلب يقظة المقاومة وقادتها من أية حماقة إسرائيلية. ■
مجلة الحرية الفلسطينية

أضف تعليق