16 تشرين الثاني 2024 الساعة 04:28

جثامين الشهداء في «مقابر الأرقام» وثلاجات الاحتجاز.. إلى متى؟

2019-12-15 عدد القراءات : 529
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير وسام زغبر)
بدموع منهمرة وبعبارات مليئة بالحزن والوجع، احتضنت والدة الأسير الشهيد سامي أبو دياك نجلها شهيداً بعدما حرمها الاحتلال الإسرائيلي من احتضانه حياً، كما تأملها الأسير أبو دياك في وصيته قبيل استشهاده على سرير المرض «إلى كل ضمير حي، أنا أعيش في ساعاتي وأيامي الأخيرة، لا أريد الآن سوى أن أغادر الحياة وأنا في أحضان والدتي، لا أريد الموت وأنا مكبل اليدين والقدمين أمام سجان يعشق الموت ويتغذى على آلامنا ومعاناتنا».
ولكن الأسير أبو دياك عاد إلى حضن أمه شهيداً كي تودعه قبل أن يُشيّع جثمانه في موكب جنائزي في العاصمة الأردنية عمان ليوارى الثرى، بعد أن أفرجت قوات الاحتلال عن جثمانه من ثلاجات الاحتجاز بعد 10 أيام من استشهاده جراء سياسة الإهمال الطبي المتعمد في 26 تشرين ثان (نوفمبر) 2019 في مستشفى سجن الرملة، تاركاً خلفه خمسة من الشهداء الأسرى في «مقابر الأرقام» وثلاجات الاحتجاز.
وقالت والدة الشهيد أبو دياك، «المؤلم أنك لا تستطيع ضم ابنك المريض بالسرطان لصدرك أو تخفف عنه أوجاعه وآلامه، والألم الأشد عندما يسمح لك بضمه تجده جثة هامدة باردة من صقيع ثلاجات الاحتجاز الإسرائيلية». مضيفة بحرقة «كنا نتمنى أن يدفن بمسقط رأسه في بلدة سيلة الظهر بجنين».
وقال والد الشهيد سامي، «طالبنا عدة مرات من محكمة الاحتلال الإفراج عن ابننا بحكم المرض لنتمكن من علاجه، لكنها رفضت طلبنا في كل مرة». مضيفاً، أن «المعاناة التي تعرض لها الشهيد سامي زادته إيماناً بعدالة القضية الفلسطينية». وطالب بالعمل على تحرير كافة الأسرى من سجون الاحتلال الإسرائيلي.
تسليم جثمان الأسير أبو دياك من ثلاجات الاحتجاز الإسرائيلية بعد 10 أيام على استشهاده، يفتح ملف استرداد جثامين الشهداء في «مقابر الأرقام» وثلاجات الاحتجاز التي تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي احتجازهم في مخالفة لاتفاقية جنيف الأولى في مادتها السابعة عشر التي تلزم الدول المتعاقدة باحترام جثامين ضحايا الحرب من الإقليم المحتل وتمكين ذويهم من دفنهم وفقاً لتقاليدهم الدينية والوطنية.
وتواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز (304) جثامين لشهداء فلسطينيين وعرباً بواقع (253) جثمانا في ما يسمى بـ«مقابر الأرقام» و(51) جثماناً في ثلاجات الاحتجاز، ومن بينهم (5) من الجثامين تعود لأسرى في سجون الاحتلال أقدمهم الشهيد أنيس دولة أحد قادة  العسكريين في القوات المسلحة الثورية التابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والمحتجز منذ العام 1980، وعزيز عويسات منذ (2018)، فارس بارود، ونصار طقاطقة وبسام السايح في (2019)، بينما ترفض الاعتراف بمصير (68) مفقوداً.
وقرر وزير الجيش الإسرائيلي نفتالي بينت (27/11)، إبقاء احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين وعدم إعادتهم لعائلاتهم، كـ«سياسة ردع ضد الإرهاب».
ويستند جيش الاحتلال الإسرائيلي في إيجاد صلاحية لاحتجاز الجثامين على قانون الطوارئ 133 لعام 1945، وصيغته المعدلة الحاليّة التي تعود لشهر كانون الثاني (يناير) لعام 1948 التي تعطي صلاحيات للقائد العسكري باحتجاز ودفن جثامين مؤقتًا واستغلالها كورقة مفاوضات.
خطوة شعبوية
وعدَّ نائب وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق يوسي بيلين قرار بينت، خطوة شعبوية تستعيد أفكار قديمة عديمة الجدوى تظهر إسرائيل منتهكة لحقوق الإنسان. مشيراً إلى أن عدم إعادة الجثامين الفلسطينية، يريد بينت من هذه الخطوة أن يترك بصمة على الأمن الإسرائيلي في فترته الزمنية المحدودة وإبقاء احتجاز الجثامين انتظاراً لإبرام صفقة تبادل للأسرى.
ويشار إلى أن الكنيست الإسرائيلي كان قد صادق بالقراءة التمهيدية في 27 شباط (فبراير) 2018 على قانون احتجاز جثامين الشهداء بالأغلبية، وبموجب مشروع القانون «لا تعيد الشرطة الجثث لذويهم، إلا إذا تأكدت من عدم تحوّل الجنازة لمسرح للتحريض أو لدعم المقاومة».
ومن داخل خيمة الاعتصام في قرية بيت سيرا غربي رام الله وسط الضفة الفلسطينية مسقط رأس الشهيد يوسف عنقاوي، طالبت والدته كفاية، الجهات الرسمية الفلسطينية كافة، على مستوى الرئاسة والحكومة ووزارة الخارجية بالرد على تصريحات بينت. مشيرةً إلى أنها وأمهات الشهداء المحتجزة جثامينهم منذ عام 2015، والبالغ عددهم (51) شهيداً، يعتزمن إقامة اعتصام أمام مؤسسات رسمية فلسطينية، للمطالبة بالتحرك الفعال لقضية أبنائهم، قائلة وهي تغالب دموعها: «51 والدة شهيد طلبن مني أن أوصل هذه الرسالة».
ويأتي ذلك الاحتجاز ضمن سياسة الاحتلال، والتي عادت إلى الواجهة في عام 2015 خلال انتفاضة القدس، أقدمهم الشهيد عبد الحميد أبو سرور، من بيت لحم الذي استشهد واحتجز جثمانه في 18 تموز (يوليو) 2016، فيما احتجز أكثر من 230 من جثامين الشهداء لفترات مختلفة منذ عام 2015.
وطالبت فصائل العمل الوطني والمؤسسات العاملة في مجال الأسرى وذوي الشهداء (8/12)، في مذكرة موجهة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنين بالضغط على الاحتلال من أجل تسليم جثامين الشهداء المحتجزة.
وقالت الفصائل، إنه «بالتزامن مع استرداد جثمان الشهيد سامي أبو دياك من سلطات الاحتلال الذي تم تسليمه للأردن الشقيق، نطالب الصليب الأحمر الدولي وكل المؤسسات الحقوقية والدول الصديقة بالضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي من أجل الإفراج عن جثامين الشهداء المحتجزة وضرورة تسليمهم لذويهم، ليتسنى دفنهم في الأرض الفلسطينية».
من جهتها، قالت نائبة مديرة الصليب بثينة خضر، إن «الصليب الأحمر يعمل بشكل دائم ومستمر من أجل متابعة ملف الشهداء المحتجزين والأسرى في سجون الاحتلال».
وشكل الجسد الفلسطيني هدفاً أساسياً لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم يتوقف الحال على أجساد الأحياء بل طالت أجساد الأموات بالاحتجاز تارة كورقة ضغط تفاوضية أو استخدامها كوسيلة ردع، وهو الإدعاء «القانوني» الذي استندت الهيئة الموسعة للمحكمة العليا الإسرائيلية بقرارها في ملف احتجاز الجثامين المرفوع أمامها منذ تموز (يوليو) 2018، والقاضي بمنح صلاحية للقائد العسكري باحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتاً لغرض استغلالهم في عمليات تبادل للأسرى.
 (15) جثماناً من غزة
ووفق مركز الميزان لحقوق الإنسان، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلية احتجاز جثامين (15) فلسطينيًا من قطاع غزة استشهدوا في مسيرات العودة وكسر الحصار شرقي قطاع غزة منذ 30 آذار(مارس) 2018، بينهم طفلان.
وأكد رئيس الحملة الوطنية سالم خلة، أن دولة الاحتلال هي الوحيدة التي تنتهك حقوق الموتى بأبشع الأشكال. موضحاً أن الحملة تبذل جهداً قانونياً لاسترداد جثامين الشهداء، لكن الاحتلال يضرب بعرض الحائط أي قرار يصدر من أية جهة قانونية دولية، لاسترداد جثمان شهيد واحد.
وأضاف خلة، «لا تكتفِ إسرائيل في انتهاك حقوق الإنسان في حياته، بل تواصل ذلك حتى في مماته». فيما اعتبر محامي ملف الجثامين المحتجزة محمد أبو سنينة، استمرار الاحتلال احتجاز جثامين الشهداء، جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
ويرى مراقبون فلسطينيون أن احتجاز جثامين الشهداء في «مقابر الأرقام» وثلاجات الاحتجاز، انتهاك فاضح لمبادئ القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وشرعة حقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية.
جرائم حرب
ويوضح المراقبون أنه لا بد من الإقرار بإحجام القيادة الرسمية الفلسطينية عن خوض معاركها الميدانية في القضايا الوطنية الرئيسة ومنها ملف احتجاز جثامين الشهداء إلى جانب قضايا الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، واقتصارها على البيانات والتصريحات الصحفية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وطالب المراقبون القيادة الرسمية بتعجيل إحالة قضايا الأسرى الشهداء، وملف جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال الإسرائيلي إلى محكمة الجنايات الدولية باعتبارها جرائم حرب، لمقاضاة الأفراد والجهات المسؤولة عن هذه الجرائم.
ووصف وزير الأسرى السابق عيسى قراقع، إجراءات دولة الاحتلال باحتجازها جثامين الشهداء في مقابر تحمل أرقاماً، بإجراءات النازية التي كانت تحرق جثامين القتلى. مشيراً إلى أنّ استمرار هذا الاحتجاز، يؤكد مصداقية ما كُشف مؤخراً بأن «إسرائيل تقوم بسرقة أعضاء جثامين الفلسطينيين، والمتاجرة بها».
فيما قال مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية عمر رحال، إن «إسرائيل تواصل انتهاك القانون الدولي ولا سيما اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، عبر احتجاز جثامين الشهداء في «مقابر الأرقام» وثلاجات الاحتجاز، وكذلك انتهاك الشرائع السماوية التي تدعو لتكريم الشهداء والموتى ودفنهم وفق التقاليد الدينية والوطنية». ■
نشر في مجلة الحرية الفلسطينية  العدد1754

أضف تعليق