17 تشرين الثاني 2024 الساعة 23:45

غزة تضمد جراحها..

2019-11-23 عدد القراءات : 719
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير وسام زغبر)
بعد أن وضعت الحرب أوزارها وهدأ أزيز الطائرات وتوقفت أصوات المدافع، بدأ الفلسطينيون بتقديم واجب العزاء والبحث بين ركام البيوت المهدمة خلال يومي العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة ولملمة ما تبقى لأصحابها الأحياء من ذكريات قتلتها صواريخ الاحتلال الإسرائيلي.
الحزن خيّم على قطاع غزة خلال الثماني والأربعين ساعة من العدوان الإسرائيلي الذي ساده حالة من الخوف والرعب في قلوب الأطفال بعد كل صوت انفجار يسمعونه، وحالة من الهموم والبكاء على النساء اللواتي فقدن فلذات أكبادهن.
فكل بيت له حكاية ولكل قصة مأساة تسردها آلة الحرب العدوانية الإسرائيلية بأشكالها المتعددة التي ألقت لهيب صواريخها وحقدها الأعمى على بيوت المواطنين الآمنين في منازلهم في قطاع غزة.
ففي تمام الساعة الرابعة من فجر يوم الثلاثاء (12/11) أطلقت طائرات الاحتلال الإسرائيلي لهيب حممها الصاروخية على منزل القيادي البارز في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بهاء الدين أبو العطا ما أدى لاستشهاده وزوجته في جريمة اغتيال جسدية جبانة.
وسردت الطفلة ليان بهاء أبو العطا (11 عاماً) جزءاً من حكايتها، التي ربما ستكره عيد ميلادها التي فقدت فيه أغلى ما تملك، الأب والأم، بالقول: «كنت في غرفتي نائمة مطمئنة بعد أن عدت لمنزلنا بعد فترة من وجودي في بيت عمتي للاحتفال بعيد ميلادي بحضور والدي، قبل أن يقصف الاحتلال الإسرائيلي الغرفة التي ينام بها أبي وينضم لقائمة الشهداء إلى جانب أمي». مضيفة: «بابا نادراً ما بنشوفه ودايماً مشتاقين له، ما بنام بالبيت كونه مطارداً، واليوم كان يوم ميلادي، لكنه استشهد قبل ما أشوفه وأخذ أمي معاه».
وقالت ليان: «استيقظت من صوت القصف، ناديت على أبي وأمي دون أن يردوا عليّ، أصبت في قدمي إلى جانب أخوتي الأربعة تعرضوا لإصابات، وأبلغت أن أبي وأمي استشهدا بعد عودتي من المشفى لمنزل جدتي». ليان أجهشت بالبكاء على فقدان أغلى ما تملك بعد كلمات موجعة سردتها «شو عملنا علشان يقصفونا، ويقتلوا أمي وأبوي!».
عنوان الجريمة
فلم تكن ليان بهاء أبو العطا عنوان جريمة إسرائيلية جديدة بدأتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي أفقدتها والديها، فكان لعائلة عبد العال شكلاً آخر من التضحية عندما «استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بعدد من الصواريخ «المنجرة» التي يعمل بها الشهداء الثلاثة في حي التفاح شرقي غزة الذين لا يزيد عمر أكبرهم وأسمه أحمد عن الـ(23) ربيعاً فيما أصغرهم لا يتجاوز الـ(15) ربيعاً»، وفق ما قال والدهم أيمن عبد العال.
ثمن لقمة العيش
وأضاف عبد العال: «جرى إبلاغي بأن الاحتلال قصف مكان عمل أبنائي الثلاثة أحمد وإبراهيم وإسماعيل ما أدى لنقلهم لمشفى الشفاء ومن ثم لثلاجات الموتى». وتابع حديثه وعيونه تمتلئ بالدموع على أبنائه الثكلى بالقول: «دفعنا ثمن لقمة العيش أرواح أبنائنا الشهداء الثلاث».
وقالت شقيقة الشهداء الثلاث والحزن يخيم على وجهها، «أخي أحمد كان سيزف الشهر القادم بعد أشهر قليلة على خطبته، ولكن الاحتلال بصواريخه سرق فرحتنا وحولها لأطراح».
أما الشهيدان إبراهيم الضابوس وعبد الله البلبيسي فقد رحلا بعد أشهر قليلة على زفافهما. حيث رحل الضابوس شهيداً بعد شهرين من حفل زفافه بعروسه ليلتحق بركب الشهداء.
أما والده الذي ذهب إلى مصر ليتلقى العلاج رجع لغزة فور سماعه خبر استشهاد نجله إبراهيم كالصاعقة، تاركاً علاجه ليواري جثمان نجله إبراهيم الثرى.
واستشهد الطفل أمير رأفت عياد برفقة شقيقه إسلام ووالده في استهداف إسرائيلي أمام منزلهم في حي الزيتون شرقي غزة (13/11) بعد أقل من أسبوع على مفارقة أمه المطلقة لحضانة والده، حيث تقول أمه المكلومة وهي تحتضنه مرات ومرات: «ابني طفل بريء، ماذا عمل حتى يستهدفوه».
فيما أن والدة إسلام عياد التي هرعت لخارج منزلها فور سماعها صوت القصف الإسرائيلي، والتي تتساءل، «ماذا ارتكب ابني، أي خطر شكلّه وأخيه وزوجي ليستهدفوا بهذه البشاعة؟».
أما الطفلة الرضيعة ليان محمد شراب (9 أشهر) التي ودعت والدها محمد الذي استشهد في قصف إسرائيلي بمحافظة خانيونس جنوب قطاع غزة وحرمها الاحتلال في مطلع عمرها دون أن تدرك هذه الطفلة أنها أصبحت بلا أب، لكنها ستدرك أن الاحتلال حرمها من حنان والدها وتركها ذكرى في جعبة زوجته. وتقول زوجة الشهيد شراب «حرم الاحتلال الطفلة من والدها، طفلة في نعومة أظافرها، متعلقة بوالدها بمجرد رؤية صورته».
وجع وحسرة
فيما لم يمض على زواج محمد ومروة أبو عمرة سوى ثلاثة أسابيع قبل أن تلقي طائرات الاحتلال الإسرائيلي أحلامهما البسيطة في مهب الريح وتتركهم في العراء بلا مأوى بعد تدمير منزليهما في بلدة القرارة جنوبي شرق القطاع.
وقال محمد وهو يقلب كفيه على ما أصابه من وجع، «شقتي التي تعبت في بنائها لثلاث سنوات لتكون عش الزوجية أصبحت ركاماً». مضيفاً: «نجلس الآن فوق التراب، لا ذهب ولا مال، شقا العمر ذهب بلا عودة، خرجنا بدون شيء سوى ملابسنا التي على أجسادنا».
وختم الاحتلال الإسرائيلي حلقات عدوانه قبل سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بمجزرة عائلة السواركة (ملحوس) التي استشهد خلالها (8) أفراد من أبنائها من بينهم (5) أطفال وسيدتين ورجل، بعد قصف منزلهم المكون من الصفيح في منطقة البركة بدير البلح وسط قطاع غزة بأربعة صواريخ دمرت ما تبقى من ذكرياتهم.
وتقول نور السواركة ابنة الـ(12) ربيعاً :«ماذا فعلنا لإسرائيل نحن الأطفال، وماذا ذنب والدتي وأخواني الشهداء وأولاد عمي يستشهدوا ويصابوا، ويطلق عليهم صواريخ كبيرة تقتلهم ويحرمونا إياهم».
بنك أهداف الاحتلال
وتروي نور الحكاية، فتقول: «استيقظت على صوت الصواريخ، فهربت مسرعة من البيت لأرض مجاورة وبقي أخوتي في المنزل، وقفت خائفة ولا أعرف ماذا حدث لهم، وبعد أن توقف الصواريخ، رجعت لبيتي ولم أجده، فتحول لحفرة واسعة عميقة، وعرفت أن والدتي استشهدت وإخوتي اثنين كذلك وأولاد عمي».
أطفال بعمر الورد بنك أهداف الاحتلال الإسرائيلي، أطفال ناموا ليلتهم الأخيرة على وسادتهم قبل أن يواروا الثرى في مواكب تشييع الشهداء.
فيما اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه قتل عائلة فلسطينية بقصف منزلها في قطاع غزة عن طريق الخطأ، حسب صحيفة هآرتس العبرية.
ونقلت الصحيفة (18/11)، عن جيش الاحتلال أنه «قدّر أن المبنى في دير البلح كان خالياً ولم يدرك أنه كانت تسكنه عائلة». وأضاف الجيش أنه «يحقّق في الغارة التي وقعت قبل ساعات قليلة من بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة».
وتابع الجيش: «نحن على دراية بالادّعاء أن أشخاصاً غير مسلحين أصيبوا وسط قطاع غزة، ونحن نحقق في ذلك».
أين القانون الدولي
وردت عواطف السواركة (35 عاماً) عمة الأطفال الشهداء والجرحى، على مزاعم الاحتلال الإسرائيلي بالقول: «هذه شماعة الاحتلال التي يعلق عليها جرائمه، واعتقد أن سكوت العالم هو من شجعه على ارتكاب الجرائم». وتضيف: «لا أعلم أين القانون الدولي وأصحاب الضمائر في العالم تأتي لترى ما حدث، بأي وجه حق قصفت المنازل؟».
فيما فند الصحفي الإسرائيلي في «هآرتس» جدعون ليفي (17/11) مزاعم الاحتلال قائلاً: «الطيار الذي قام بالقصف لا يعرف. وقادته والوزير ورئيس الأركان الذين أمروه بفعل ذلك لا يعرفون(..)، والمتحدث الذي كذب بوقاحة لم يعرف. هم دائما يعرفون كل شيء، وفجأة هم لم يعرفوا».
وقد قدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تعازيه لعائلة السواركة (ملحوس) في دير البلح وسط قطاع غزة، التي استشهد ثمانية من أفرادها جلهم نساء وأطفال جراء عدوان الاحتلال عليها.
ودعا فرحان حق، نائب المتحدث باسم غوتيريش، إسرائيل إلى إجراء تحقيقات. مضيفاً: «في حالة عائلة السواركة، من الواضح أنها مأساة».
فيما عاد الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية (16/11) بعد غياب قسري تعود للعدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر، دون عودة ستة طلاب جراء استشهادهم تاركين خلفهم ذكريات لن تمحوها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
واكتست المدارس بحدادها على طلابها لتعلن أن المسيرة التعليمية متواصلة، وأن الشهداء نالوا شهاداتهم قبل الجميع. فيما أعلنت وزارة التربية والتعليم استشهاد ستة من طلابها وتضرر 15 مدرسة. ■
* نشر في مجلة الحرية في العدد 1751

أضف تعليق