16 تشرين الثاني 2024 الساعة 11:44

عمال غزة ضحايا سماسرة «السجلات التجارية»

2019-10-27 عدد القراءات : 1047
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير آمنة الدبش)
سيناريوهات مآسي قطاع غزة لم تنته بعد، وإجراءات تخفيف الحصار تطفو على السطح بين ليلة وضحاها فيما لم يلمس المواطنون الغزيون منها إجراء واحداً لتحسين ظروف حياتهم، ومن هذه السيناريوهات «السجلات التجارية» داخل أراضي الـ48 للتحايل محاولتهم تحسين ظروف معيشتهم بحثا عن بصيص أملٍ.
ويبدو أن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة جراء الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني الداخلي وارتفاع معدلات البطالة لتصل لـ(52%) ومعدلات الفقر لتتجاوز (80%) وعدد العاطلين عن العمل لأكثر من (300 ألف مواطن) وفق إحصائيات رسمية، دفع المواطنون الغزيون بقوة ودون تفكير لتحسين ظروفهم الحياتية والمعيشية عبر وقوع الآلاف منهم في فخ وحيّل سماسرة وتجار الموت.
وتحدث المحاسب مصعب جرغون عن آلية استخراج «السجلات التجارية» بقطاع غزة، مبيناً أنه «يتوجب على التاجر أن يقوم بالتسجيل بالسجل التجاري في وزارة الاقتصاد أولاً ليتمكن من الحصول علي طلب متوافق مع الشروط والآليات منها «صورة بطاقة شخصية، عقد إيجار أي سند ملكية، رخصة بلدية» ورسوم تقدر بـ1000 شيكل (280 دولاراً) من أجل الحصول على سجل فردي أو سجل تجاري لشركة يستطيع من خلاله إضافة عامل أو أكثر يمكنهم من الحصول على «تصاريح تجار».
معركة خفية
قبل أن يشق النهار طريقه تبدأ رحلتهم بالخوف والقلق خلال عملهم داخل أراضي الـ48، حيث المضايقات والملاحقة والمطاردة التي لا تنتهي.
العامل فادي ابو صلاح (52 عاماً) يعمل في مجال البناء انعكس الحصار والإغلاق سلباً على حياته وأحدث شللاً وضرراً نفسياً واجتماعياً كبيراً له على جميع الأصعدة، بعد منعه دخول أراضي الـ48 مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000. حيث يصف أبو صلاح رحلة معاناته الشاقة في اتصال هاتفي لمراسلة «الحرية» بالقول: «حصلت مؤخراً على تصريح دخول لأراضي الـ48 عندما اقترضت مبلغاً من المال لتجهيز أوراقي.. إهانة وذل ونقاط تفتيش من قبل دولة الاحتلال على الحواجز الإسرائيلية، حيث نخوض معركة خفية ونتحرك بحذر».
وأضاف أبو صلاح أنه «يتقاضى 300 شيكل (85 دولاراً) ويعمل خمسة أيام في الأسبوع قبل أن يعود للقطاع يومي الجمعة والسبت وأحياناً يضطر للمبيت هناك في شقة مكتظة يشاركها عمال آخرين لتوفير المال لتسديد ديونه».
وأوضح أنه يخشى انكشاف أمره وسحب تصريحه في أي وقت، «لا يوجد هناك قوانين تضمن حقوقه في حال وقع نزاع بينه وبين صاحب العمل كونه تاجراً وليس عاملاً».
أساليب وحيل
لا يتمكن الكثير من العمال استيفاء شروط الحصول على سجل تجاري، فيعمل بعضهم اتفاق مع بعض التجار الكبار على إدراج أسمائهم ضمن سجل تجاري لأحد تجار الخضار أو المجمدات مقابل مبلغ من المال لا يقل عن 2000 شيكل (560 دولاراً) ليدفعه لتاجر سيمنحه تصريح لا يتعدى مدته شهراً واحداً.
عامل البناء (م. ص) 44 عاماً أتبع هذا الأسلوب، متحدثاً لمراسلة «الحرية»، «تعبت من العمل بدون تصريح، وتحمل الذل والمهانة، وغول الفقر والبطالة، لذا قررت البحث عن تصريح بكل السبل، وبالفعل دفعت ما يزيد عن 700 دولاراً  للحصول علي تصريح لمدة شهر داخل أراضي الـ48».
وأشار إلى أنه يحصل على 500 شيكل (140 دولاراً) يومياً خلال العمل داخل أراضي الـ48 مقارنة بـ(50 شيكل) ما يناله مقابل يوم عمل في قطاع غزة، لكن سرعان ما خفتت آماله بعد تلقيه رفضاً أمنياَ أثناء محاولة التحاقه بعمله مرة ثانية.
عمال آخرون رفضوا الإفصاح عن أسمائهم وقعوا تحت شباك مصيدة سماسرة التصاريح الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعرضوا للاستغلال والابتزاز على يد سماسرة عديمي الضمير الذين يتقاضون أرباحاً كبيرة، ورد أحد العمال بالقول: «ليس لدينا خيار، علينا أن نعمل حتى لو كان يتعين علينا دفع الكثير من المال للمقاول».
وفي هذا السياق، عقبّ وائل خلف عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، بالقول إن، «موقف الحركة النقابية بشكل عام ضد خروج العمال بهذا الشكل للعمل داخل أراضي الـ48، لأن ذلك يعرضهم وينتهك كامل حقوقهم كعاملين لدى الجانب الإسرائيلي، بمعنى انه يفقد العامل أي حق من حقوقه، فيما يتعلق بالأجر وإجازاته والضمان الاجتماعي وإصابات العمل». محذراً العمال من إتباع هذه الطرق للعمل داخل أراضي الـ48.
تقصير النقابات العمالية
وأضاف خلف «المشكلة في النقابات العمالية أنها غير قادرة في إيجاد حلول ما بين خروج العمال بهذا الشكل للعمل في داخل أراضي الـ48 وبين إيجاد فرص عمل لهم في داخل القطاع، ويرجع هذا نتيجة ارتفاع نسب البطالة والفقر، وأنها غير قادرة التأثير على هؤلاء العمال كونهم بالأساس لا يقدمون أنفسهم كعمال بل يقدمون أنفسهم كتجار، بالتالي لا يوجد هناك صلة بين النقابات العمالية وهؤلاء العمال الذين يلجؤون لهذا الأسلوب».
وأشار خلف إلى أن أصابع الاتهام لمن يصدر هذه التصاريح، ويفتح سجلات تجارية من أجل الحصول على عائد مالي لسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، رغم معرفتهم أن هؤلاء ليسوا تجاراً.
ومن جهته، أضاف المهندس هيثم مثقال أبو طه رئيس الغرفة التجارية في رفح، أن «التاجر بعد حصوله على سجل تجاري من وزارة الاقتصاد يلجأ للغرفة التجارية بطلب عضوية، ومن شروط العضوية ان يكون حامل سجل تجاري مصدق من الوزارة».
وأوضح أن السجلات نوعان هما، سجل فردي ورسوم تكلفة تصل لنحو 1450 شيكل رسوم وزارة اقتصاد، شامل عضوية الغرفة وسجل شركة (تضامن، مساهمة، عامة)، ورسوم تكلفة التضامن  ألف دينار أردني مع اشتراك عضوية الغرفة التجارية، والمساهمة تعتمد علي رأس مال الشركة يتجاوز 3 آلاف دولار.
وقال أبو طه: «تقدمنا بخطاب لوزارة الاقتصاد قبل عام، بأن تكلفة الرسوم المطروحة باهظة وترهق التاجر ولكن دون جدوى ولا استجابة».
وبدوره، أكد يعقوب الغندور مدير عام وحدة الشؤون القانونية في وزارة الاقتصاد الوطني ومراقب الشركات في غزة، أن أسباباً كثيرة منها الفقر والبطالة والوضع السيئ أجبرت هذه الفئة من المواطنين على المخاطرة من أجل لقمة العيش. مضيفاً أن «العامل يذهب بإرادته ويعمل في داخل أراضي الـ48 رغم علمه بأنه فاقد لكل حقوقه الاجتماعية والصحية، فلو تعرض أحدهم لحادث ما، فصاحب العمل لا يغطيه».
ليسوا عمالاً
وأضاف الغندور: «التصاريح الممنوحة بالوزارة ليست تصاريح عمال، بل تصاريح تجار، ما يعني انه يحتاج الكثير من الإجراءات للحصول عليه، لذلك يتطلب الحصول على سجل تجاري وفواتير بضاعة».
وأوضح الغندور أن الحلول معقدة وصعبة للغاية في ظل القدرة المحدودة للسوق على امتصاص البطالة المتزايدة. داعياً لخطط إستراتيجية لتخفيف نسبة البطالة وتشغيل العمال العاطلين عن العمل.
من جهته، أكد صالح الزق رئيس لجنة الشؤون المدنية بغزة في تصريح صحفي، أن إجمالي التصاريح الممنوحة للتجار في قطاع غزة خلال عام 2019 بلغ نحو 4 آلاف تصريح، متوقعاً وصولها إلى 5 آلاف تصريح في نهاية العام الجاري.
ويندفع المواطنون الغزيون بتلهف أملاً منهم بإزاحة كابوس الفقر والبطالة والعوز الاجتماعي عبر تحسين ظروف حياتهم بالحصول على  فرصة عمل حتى لو كانت داخل أراضي الـ48، ولكن على ما يبدو أن سماسرة وتجار الموت يتخذون من قوت الطبقة العاملة تجارة لهم ويتركون بلا محاسبة، وما يزيد الطين بلّة عندما تكون تجارتهم بتنسيق مع مؤسسات العمل والتشغيل في قطاع غزة وخصوصاً وزارة الاقتصاد الوطني والغرف التجارية، مما يتطلب إعلاء الصوت عالياً للخروج من هذا النفق المظلم. ■
المصدر: مجلة الحرية في العدد 1747

أضف تعليق