23 تشرين الثاني 2024 الساعة 04:03

«اللجوء الإنساني» ومشاريع التهجير الجماعي للاجئين الفلسطينيين (2/2)

2019-10-12 عدد القراءات : 685
(3)
«اللجوء الإنساني» ومدى انطباقه على اللاجئين الفلسطينيين
اللجوء الانساني الذي يكثر استخدامه هذه الايام من قبل البعض، ليس جديدا، بل هو واحد من انواع اللجوء التي تعتمد عليها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وفقا للتفويض الممنوح لها بنص اتفاقية عام 1951.. لكن هل يمكن للمفوضية، وانطلاقا من ولايتها، ان تتعاطى مع جميع حالات اللجوء؟
سبب التساؤل يعود الى الخلفية القانونية المحكمة التي تعتمد عليها الاطراف المعادية لحق العودة في طرح برامجها ومشاريعها بهدف تحقيق اختراق ومس في احد اهم اضلع حق العودة، وقد وردت تفاصيل هذا السيناريو، وبعد ذلك دعوات صريحة وعلنية، في تسجيل صوتي لاحد الاشخاص الذين شاركوا في تحرك امام السفارة الكندية في بيروت حيث قال ما حرفيته، وهو كلام يعكس بدقة ما يخطط له: "التقينا بأحد مسؤولي السفارة الكندية ورفضوا التجاوب مع مطلبنا بقبول طلبات "اللجوء الانساني" فطلبوا منا اولا نقل سجلاتنا من وكالة الغوث الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" حتى تتمكن السفارة من التدخل. وهنا تكمن الخطورة فيما يحدث، رغم ان هذا المسار، فيما لو تم اعتماده فعلا، فهو غير قانوني ويتحايل على العديد من المواثيق والاعراف الدولية بل حتى على اتفاقية عام 1951.  لكن قبل نقاش مسألة نقل الملفات، والمقصود بذلك الحماية، وطبيعة العلاقة بين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ووكالة الغوث، فمن المفيد الاشارة بشكل مختصر ماذا يعني مصطلح "اللجوء الانساني" وما هي مدلولاته.
"اللجوء الانساني" في شكله البسيط "هو ان تمنح دولة ما الامن والامان لاحد الاشخاص وتوفر له الحماية من خطر ما". وحتى تمنح الدولة حمايتها لهذا الشخص فلا بد من توافر بعض الشروط اهمها:
1) ان اللجوء الانساني لا يمنح الا لحالات فردية تدرس كل واحدة منها بظروفها واسبابها على حده، وهو لا يمنح لحالات جماعية والا تحول الامر الى تهجير جماعي وتعديا على سيادة الدول التي لها وحدها حق حماية جميع مواطنيها.. وهذا ما يحصل بالنسبة لبعض اللاجئين الفلسطينيين الذين يرفعون هذا الشعار، عن سوء او حسن نية، وهم غير مدركين لماهية هذا المفهوم.
2) ان يكون طالب اللجوء قد وصل حدود الدولة التي يطلب اللجوء فيها، اي لا يمكن طلب "اللجوء الانساني" من خارج حدود هذه الدولة. وبالتالي فان قبول اي سفارة او بعثة دبلوماسية لطلبات لجوء انساني من قبل لاجئين فلسطينيين تحت عنوان "اللجوء الانساني" انما يشكل مخالفة للقانون الدولي ولنصوص اتفاقية اللاجئين التي تحدد عمل المفوضية السامية، ولا يمكن تفسير هذا الامر الا باعتباره جزءا من عملية سياسية بقوالب انسانية وتسعى الى تحقيق اهداف سياسية تخدم اطرافا ودولا بعينها وتحديدا اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية اللتين اعلنتا صراحة نيتهما تصفية قضية اللاجئين بعيدا عن نصوص القرارات الدولية وعبر دعوة دول العالم لفتح ابوابها لاستقبال لاجئين فلسطينيين..
3) ان يكون طالب اللجوء الانساني قد تعرض لحالات انسانية معينة تستوجب منحه "اللجوء الانساني" ومنها على سبيل المثال ان يثبت انه معرض لتهديدات بالقتل او بالسجن خارج اطار القانون او ملاحقته بسبب آرائه وانتماءاته السياسية..
لقد مثلت الحروب في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها سببا كافيا لقبول العديد من دول اوروبا وكندا والولايات المتحدة واستراليا طلبات لجوء انساني، وفتحت امام الملايين عبر العالم من طالبي "اللجوء الانساني" نافذة انسانية قبلت بموجبها طلبات لجوئهم، لكن هناك اعتقاد خاطئ من مواطني دول ومن لاجئين (فلسطينيين تحديدا) بامكانية تقديم وقبول طلباتهم "للجوء الانساني" الى تلك الدول، وهو ما يؤكد حقيقتين:
الاولى هي ان اطراف دولية تستغل اللاجئين الفلسطينيين من زاوية التركيز على سوء اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية لاحداث شرخ داخل مجتمع اللاجئين بحيث تتحول المشكلة من صراع فلسطيني اسرائيلي الى صراع فلسطيني فلسطيني وهو ما يقود الى تصدع في الموقف الوطني العام المتمسك بحق العودة..
الثانية ان جميع حالات اللجوء، مهما كانت تصنيفاتها واشكالها، فهي اولا واخيرا امر يتحدد استنادا الى مصالح الدول ووفقا لسياساتها الخارجية التي تضعها بالاستناد لاحتياحاتها الاقتصادية، وبالتالي فان العامل الانساني هو آخر ما تفكر به هذه الدول التي يعتبر الكثير منها من داعمي ومؤيدي اسرائيل بل ويمدونها بكل عوامل البقاء والاستمرار ما يجعل شعارات "اللجوء الانساني" اسما بلا مضمون الا من زاوية استخداماته السياسية.
واذا كان طالب اللجوء السياسي يستهدف الحصول على ثلاثة مزايا هي: الحماية، اللجوء والعيش، فان طالب "اللجوء الانساني" يسعى للحصول على ميزتين فقط هما: اللجوء والعيش بلا حماية. وهناك فارق بين الحالتين ولكل منهما سلبياته على طالب اللجوء خاصة في حالة اللاجئين الفلسطينيين التي لا تتشابه مع اي من حالات اللجوء الاخرى التي تتحدث عنها العديد من الوثائق الدولية لكون تلك الوثائق تفترض ان طالب اللجوء الانساني لديه دولة يمكن ان يعود اليها اذا ما انتهت الاسباب التي دفعته لطلب اللجوء، اما في الحالة الفلسطينية فان طالب اللجوء يستهدف الحصول على جنسية تلك الدولة، لكن ليس بشكل مجاني، بل مقابل رفع صفة اللجوء عنه. ومن هذه النقطة بالظبط يسعى البعض من اعداء الحقوق الفلسطينية، خاصة حق العودة، الذين يخططون ويشرفون ويمولون، الى ايجاد رابط ما بين التفويض الممنوح لمفوضية الامم المتحدة للاجئين وذلك التفويض الممنوح لوكالة الغوث.

 
(4)
وكالة الغوث ومفوضية اللاجئين
تختلف وكالة الغوث في تعاطيها مع اللاجئين الفلسطينيين عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)  في تعاطيها مع لاجئي العالم. ففي حين يتحدد تكليف (تفويض) الأونروا (UNRWA) بتنفيذ برامج الإغاثة والتشغيل  للاجئين الفلسطينيين، فإن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين معنية بتقديم الحماية ومساعدة اللاجئين والبحث عن حلول مستدامة لمعاناتهم اي استبدال وطن بوطن. ويمكن أن يشمل تكليف المفوضية السامية بالمعنى الذي تنص عليه إتفاقية اللاجئين لعام 1951، اللاجئين الفلسطينيين كما تُعرِّفهم وكالة الغوث، إنما حصراً في حال وجود هؤلاء خارج مناطق عمليات الأونروا الخمس.
وبحسب تعريف الأونروا الذي جاء نتيجة النكبة وما ولدته من مآسي، يطلق لقب لاجيء فلسطيني على« أي شخص كان محل إقامته الطبيعي يقع ضمن نطاق الانتداب على فلسطين خلال الفترة ما بين 1 حزيران (يونيو) 1946 و 15 أيار (مايو) 1948 والذي فقد منزله وسبل عيشه على حد سواء نتيجة الحرب التي قامت عام 1948 بين العرب وإسرائيل، ويكون بذلك مؤهلاً لحمل اللقب والتسجل لدى وكالة الأونروا. ويُؤهَّل للتسجيل لدى وكالة الأونروا الأشخاص المتحدرين من اللاجئين الفلسطينيين، ولكن لا يستفيد من خدمات الوكالة إلا الذين يعيشون في واحد من الميادين الخمسة المشمولة في عملياتها».
أما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فتعريفها جاء بسبب الحرب العالمية الثانية وتداعياتها، وهي تعرِّف اللاجيء وفق المادة الاولى من إتفاقية عام 1951 بأنه «كل شخص يوجد بنتيجة أحداث وقعت قبل تاريخ 1 كانون الثاني (يناير) 1951 نتيجة خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو إنتمائه إلى فئة إجتماعية معينّة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد»
وتشير الفقرة جيم من الاتفاقية الى الحالات التي تسقط فيه صفة اللجوء عن اللاجئ وهي:
1. إذا استأنف باختياره الاستظلال بحماية بلد جنسيته،
2. إذا استعاد باختياره جنسيته بعد فقدانه لها، أو
3. إذا اكتسب جنسية جديدة وأصبح يتمتع بحماية هذه الجنسية الجديدة، أو
4. إذا عاد باختياره إلي الإقامة في البلد الذي غادره أو الذي ظل مقيما خارجه خوفا من الاضطهاد، أو
5. إذا أصبح، بسبب زوال الأسباب التي أدت إلي الاعتراف له بصفة اللاجئ، غير قادر علي مواصلة رفض الاستظلال بحماية بلد جنسيته،
والفقرة الهامة التي تعنينا هنا هي الفقرة دال التي نصت على ان "لا تنطبق هذه الاتفاقية علي الأشخاص الذين يتمتعون حاليا بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
فإذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سوي نهائيا يصبح هؤلاء الأشخاص، بجراء ذلك، مؤهلين للتمتع بمزايا هذه الاتفاقية".
يتضح مما سبق، أن اللاجيء هو الذي أصبح من دون حماية وطنية نتيجة تركه بلده بسبب خوفه، الأمر الذي يستوجب أن تتم حمايته دوليا. لكن هذه الحماية، وبالتالي، صفته كلاجيء، تسقطان عنه إذا إكتسب جنسية جديدة وأصبح يتمتع بحماية الدولة التي منحته هذه الجنسية.
كما أن اللاجيء يفقد وضعه كلاجيء إذا إستعاد باختياره جنسيته الأصلية بعد فقدانه لها. لكن إذا تم ذلك قسراً، ولو إستفاد من حماية الدولة المضيفة، فإن صفة اللاجيء لا تسقط عنه. أي أن اللاجيء يفقد صفة اللاجيء في حالتين إثنتين؛ الاولى: إذا إكتسب جنسية جديدة وأصبح يتمتع بحماية دولة هذه الجنسية؛ والثانية: إذا إستعاد باختياره جنسيته بعد فقدانه لها.
غير أن هناك بعض اللاجئين الذين لا يمكنهم الإستفادة من مزايا هذه الاتفاقية التي تنطبق فقط على الاشخاص الذين لا يتمتعون بحماية دولية، ولا تنطبق على الاشخاص الذين يتمتعون بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وعندما تتوقف تلك الحماية أو المساعدة لأي سبب فان هؤلاء الأشخاص يصبحوا مؤهلين للتمتع بمزايا هذه الاتفاقي.
لكل هذه الأسباب، يمكن الإستنتاج أن إتفاقية سنة 1951 لا تنطبق على اللاجيء الفلسطيني لأنه يتلقى مساعدة من مؤسسة أخرى هي وكالة الغوث، رغم أنها لا تؤمن الحماية السياسية للاجئين بل الحماية الاجتماعية.
هذا الإستطراد حول الوضعية القانونية للاجئين بشكل عام واللاجيء الفلسطيني بشكل خاص، يرمي إلى توضيح طبيعة التفويض الممنوح لوكالة الغوث الذي يقتصر على الحماية الإجتماعية عكس التفويض الممنوح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وإستثناء إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين بشكل صريح ومقصود اللاجيء الفلسطيني من تعريفها، جاء نتيجة مراعاة الظروف السياسية التي تحيط بقضية اللاجئين الفلسطينيين وتمييزهم عن حالات اللجوء العامة.
اما بشأن تعريف الاونروا، ولكي يمكن إعتبار هذا الشخص او ذاك لاجئا ينبغي أن يتلقى المساعدة من الاونروا أولا، ويكون مسجلا لديها ثانيا، ومقيما في مناطق عملياتها ثالثا (أي في لبنان، سوريا، الاردن، الضفة الغربية، قطاع غزة). وواضح من خلال هذا التعريف أن الصبغة الإقتصادية هي الغالبة عليه، وبالتالي لا يمكن القبول به بشكل مطلق لتحديد من هو اللاجيء، بالأبعاد السياسية والقانونية التي يتضمنها هذا التعبير على خلفية التخوفات التي عبر عنها سابقا في أوساط اللاجئين، من أن يتم استغلال واستخدام وكالة الغوث لتكون رأس حربة لمشاريع سياسية تستهدف قضية اللاجئين وحق العودة من مدخل تقليص خدمات وكالة الغوث. وهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد صحة هذه التخوفات، خاصة عندما يتم الربط، وبشكل متعمد، بين الخدمات التي تقدمها وكالة الغوث وأعداد المسجلين في قيودها:

(5)
المفوضية والوثيقة التفسيرية بشأن الحماية
رغم التحفظ الذي ابدته العديد من القوى الفلسطينية حول الوثيقة التي اصدرتها مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين في كانون الاول 2017 بعنوان "المبادئ التوجيهية للحصول على الحماية" والمتعلق بفحص مدى قابلية تطبيق البند (1- د) من اتفاقية عام 1951 على وضع اللاجئين اللاجئين الفلسطينيين، الا ان استعراض بعض ما حملته هذه الوثيقة من تفسيرات لصلاحياتها يؤكد ان المفوضية غير معنية بطلبات لجوء تقدم من لاجئين فلسطينيين يتلقون مساعدات من وكالة الغوث.
ان توضيحات وتفسيرات المفوضية تجيب عن تفسيرات واسئلة يسعي البعض للقفز فوقها حول ما اذا كان للاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون مساعدة من الاونروا ان يقرروا، من تلقاء انفسهم، ان ينقلوا ملفاتهم من وكالة الغوث الى المفوضية، حيث تجيب هذه الاخيرة في الاستنتاجات النهائية بالنفي قاطع، الا اذا كان طالب الحماية غير مسجل اصلا في قيود الوكالة ومقيم في خارج مناطق عمليات الاونروا الخمسة.
وحتى تتوقف عمليات الاستخدام السياسي، الغير بريئة، ومحاولات اللعب على وتر الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة للاجئين والمهجرين الفلسطينيين، نجد لزاما علينا عرض بعض مما تضمنته تلك الوثيقة، بهدف وضع حد لحالة التضليل والكذب والخداع التي تمارسها اطراف لها علاقة مباشرة بالمشاريع التصفووية المطروحة لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.
اذا كانت اتفاقية عام 1951  تشير نصا بأن "هذه الاتفاقية لا تنطبق على الأشخاص الذين يتمتعون حاليا بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة"، فان الهدف من ذلك هو بكل تأكيد هو تجنب اي ازدواجية وتداخل في الاختصاصات بين المفوضية والاونروا. وتعتبر وثيقة المفوضية، السابق ذكرها، ان من شأن التفسير الضيق لهذا النص ان يؤدي الى حرمان العديد من اللاجئين الفلسطينيين من الحصول على الحماية، رغم انهم يتمتعون بصفة اللاجئ، مما يخلق ثغرات في نظام الحماية. ومنطق هذا التفسير هو ان العدالة تفترض ان يتمتع جميع اللاجئين الفلسطينيين بالحماية، لكن إن استجدت ظروفا قاهرة تمنع اللاجئ من التمتع بهذه الحماية، كالتواجد خارج اطار مناطق عمليات الاونروا الخمسة، فان اللاجئ يصبح مؤهلا للتمتع بحماية المفوضية.
ولعل التفسير الاهم هنا هو ان الاسباب التي ادت الى ترك مناطق عمليات الاونروا، كالعمل والدراسة او غير ذلك، هي ليست حاسمة.  والامر المحوري هو ما اذا كانت الحماية او المساعدة المقدمة من الاونروا قد توقفت بسبب واحد او اكثر من الاسباب الموضوعية لتركها او منعها من الاستفادة من الحصول على الحماية من الاونروا. بل حتى لو تواجد اللاجئ في مناطق خارج العمليات، فان حماية الاونروا تبقى قائمة طالما ان اللاجئ قادر على العودة بأمان الى منطقة العمليات ليستظل بتلك الحماية..
ان مسألة نقل التفويض والحماية من منظمة الى اخرى هو ليس بالامر اليسير، وقد اشارت اليه المفوضية حرفيا، وهذا امر برسم كل من يدعو الى نقل سجله وحمايته من الاونروا الى المفوضية، ظنا منهم ان هذا امر يسهل قبول طلبات ما يسمي "اللجوء الانساني". فتشرح الوثيقة الصادرة عن المفوضية الاسباب الموضوعية التي تجعل من يريد التقدم بطلب الحماية ان يكون مشمولا بحماية المفوضية، وتحددها بأربعة نقاط:
النقطة الاولى: هي في حالة انهاء الاونروا بشكل مفاجئ بما يبقي اللاجئين دون حماية، وهذا امر يتطلب حكما قرار من الجمعية العامة للامم المتحدة صاحبة الولاية الاساسية التي هي من انشأ وكالة الغوث عام 1949 وفقا للقرار رقم (302). وفي هذه الحالة فان جميع اللاجئين الفلسطينيين، وليس فئات منهم، يصبحوا مشمولين بحماية المفوضية. وطالما ان الاونروا موجودة بقرار دولي، فان اي كلام آخر يصبح كلاما سياسيا للاستهلاك والاستخدام المحلي، ولن يكون له اية تداعيات في التطبيق العملي.
النقطة الثانية: ان وقف تقديم الحماية او المساعدة من الاونروا للاجئين الفلسطينيين، سيحتاج ان يكون قد تقرر انه حدث في منطقة عملها او على نطاق البلد بأكمله امر ما. وقد يحدث هذا اذا تعذر على الاونروا القيام بمهامها مثلا، على الرغم من استمرار وجودها، واذا تم اثبات هذا الامر بقرار من الجمعية العامة بان الاونروا لا تستطيع مواصلة عملها او من خلال تقارير الاونروا بأن انشطتها قد توقفت..
النقطة الثالثة: التهديد بالحياة للاجئ وتهديد امنه وحريته بما يجبره على مغادرة منطقة عمليات الاونروا وبالتالي صعوبة تمتعه بالحماية. ومن امثلة التهديد الجماعي والفردي على سبيل المثال الصراعات العسكرية وانعدام الامن والعنف على اساس الجنس او التعذيب خارج القانون او الاتجار بالبشر او الاعتقال التعسفي..
النقطة الرابعة والاخيرة هي تلك المتعلقة بظروف قاهرة عملية وقانونية بحيث تمنع اللاجئ من الاستفادة من مزايا حماية الاونروا ومنها كمثال: اغلاق الحدود وعدم قدرة اللاجئ على الدخول الى منطقة العمليات او عدم وجود وثائق سفر تسمح له بالانتقال الى منطقة عملياته او قتال دائر بين فصائل مسلحة او وجود اخطار جدية في طريق العودة الى مناطق العمليات وغير ذلك من اسباب قاهرة تجعل اللاجئ غير قادر عمليا على الاستفادة من حماية وكالة الاونروا..
وان كنا نوافق على ان سبب اصدار هذه الوثيقة هو احتمالي فقط ومتعلق بتزايد المخاطر على قضية اللاجئين ومن ضمنها وكالة الغوث، فاننا نفهم هذه الوثيقة على انها تأتي لمنع الازدواجية في الصلاحيات، وبالتالي فان امر تمتع اللاجئ الفلسطيني بالحماية التي توفرها المفوضية العليا هو امر يبقى مشروطا بتوافر ظروف واسباب تستدعي التدخل القانوني من قبل المفوضية لتوفير ما تعجز وكالة الغوث عن توفيره..
انطلاقا من ذلك، يمكن فهم تحفظات بعض الفصائل على الوثيقة وخشيتها من تجاوز المفوضية للتفويض الممنوح لها، على خلفية اذا ما ارادت المفوضية الدخول من باب توفير الحماية السياسية فالاولوية هي اعادة اللاجئ الى بلده الاصلي فلسطين وهذا ما هو غير متوافر في اللحظة الراهنة، لهذا السبب ينبغي الحذر من اية مساعي دولية تهدف الى العبث بالتفويض الممنوح لوكالة الغوث ووظائفها المحددة في قرار تاسيسها الرقم (302) باعتبارها وكالة دولية مؤقتة تعنى بتقديم الخدمات والإغاثة للاجئين الفلسطينيين حصرا الى حين تطبيق القرار (194) بعودة جميع اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها في العام 1948..
ان الحديث عن "سيناريوهات بديلة" لمرحلة ما بعد وكالة الغوث يجب ان يبقى في حدود الاستراتيجيات المحتملة فقط ومن زاوية ان تكون منظمات الامم المتحدة جاهزة على الدوام للاستجابة لأي حدث طارئ.. وغير ذلك فلا يمكن فهم اي خطوة يمكن ان تقدم عليها المفوضية خارج اطار ما سبق ذكره الا باعتبارها استجابة صريحة للدعوات الامريكية والإسرائيلية التي تعمل على الغاء الوكالة في اطار السعي المباشر لالغاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة..
(6)
التهجير الجماعي واجراءات وزارة العمل اللبنانية
لا يمكن فهم اجراءات وزارة العمل اللبنانية الا في اطار توقيتها السياسي المترافق مع بدء الخطوات الميدانية للمشروع الامريكي الذي يلتقي في اغلب استهدافاته مع ما يطرحه الاسرائيليون بشكل صريح وعلني خاصة ما له علاقة بأعداد اللاجئين المسجلين في وكالة الغوث وعدم الاعتراف بهم، وطرح سيناريوهات تهجيرية للتخفيف من هذه الاعداد..
ان اجراءات وزارة العمل، وبالواقع الميداني، لن تقود سوى الى اقفال السوق اللبنانية امام العمال الفلسطينيين والمهنيين من حملة الشهادات الجامعية، خاصة في ظل اسوأ اشكال الاستنساب في تطبيق القوانين اللبنانية على اللاجئين، ما يعني ان الباب الوحيد الذي سيكون مفتوحا ومشرعا امام الفلسطينيين هو باب التهجير الجماعي بحثا عن حياة افضل خارج لبنان، خاصة في ظل انعدام سبل الحياة والحصول على الحد الادنى من مقومات العيش.
هذه السياسة لم تعد سرا، بل هي ممارسات تتحرك بشكل يومي في مجالات السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والاعلام والنظرة العنصرية تجاه اللاجئ الفلسطيني في لبنان وحقوقه الانسانية. فالسياسة اللبنانية باتت ملموسة من جميع الفلسطينيين بأن الدولة اللبنانية بجميع مؤسساتها تنتهج سياسة مدروسة تهدف الى محاصرة الفلسطيني وجعل حياته في لبنان جحيما لا تطاق. ورغم معارضة قوى لبنانية تتعاطف مع الفلسطينيين وحقوقهم، الا ان الواقع الفعلي هو واقع الحرمان من ادنى شروط الحياة وعلى خلفية تقدير بعص المسؤولين اللبنانيين انهم غير قادرين او غير مستعدين او لا يريدوا مواجهة المشروع الامريكي الاسرائيلي، خاصة في الشق المتعلق بقضية اللاجئين، لذلك يكون الحل الامثر سهولة هو بالسعى لطرد وتهجير القسم الاكبر من اللاجئين بحيث اذا ما فرض التوطين بغير رضى لبنان، فانه يتحمل حينها اعدادا ليست بالكبيرة..
على هذه الخلفية يمكن فهم التسهيلات التي تقدم لبعض اللاجئين الفلسطينيين من مؤيدي "اللجوء الانساني" الذين تجمعوا اكثر من مرة امام السفارة الكندية الواقعة في منطقة لها حساسية طائفية معينة، اضافة الى اعتصامات امام مقر الامم المتحدة وآخر امام وكالة الغوث، وقد حازت هذه التحركات على تراخيص مسبقة من الاجهزة اللبنانية المعنية، في خطوة واضحة تؤشر الى دعم بعض الاطراف في لبنان لسياسة التهجير الجماعي للاجئين الفلسطينيين نقيضا للموقف الرسمي اللبناني الذي يؤكد دعمه لحق العودة..
ولتاكيد مسألة عدم التوازن والمساواة من قبل الاجهزة اللبنانية المعنية في تعاطيها مع كل اللاجئين الفلسطينيين، فقد دعا بعض الفلسطينيين في اطار المحاججات مع وزارة العمل الى التوجه نحو الحدود مع فلسطين المحتلة فما كان من مجلس الأمن الفرعي في الجنوب الا ان اجتمع للبحث في تحركات اللاجئين احتجاجًا على اجراءات وزارة العمل وقرر المجلس بوجوب الاستحصال على الموافقات الرسمية اللازمة عند اقامة أي تجمعات أو تظاهرات أو مسيرات مهما كان نوعها وذلك تحت طائلة المساءلة والملاحقة القانونية.
لذلك فقد ربط البعض بين اجراءات وزارة العمل بشأن العمال الفلسطينيين وبين مشاريع التهجير الجماعي التي لم تخرج الى العلن الا بعد ان بدأت التحركات الشعبية في المخيمات رافضة لتلك الاجراءات، وكأن هناك نوع من التنسيق ما بين مافيات وسماسرة الهجرة وبعض التيارات السياسية في لبنان، ما يؤكد حقيقة ان هناك أطرافا لبنانية وفلسطينية متواطئة، تخطيطا وتمويلا ولوجستيا، مع التطبيقات الميدانية لصفقة القرن..
نختم بالقول: ان اللاجئين الفلسطينيين ينتمون الى فئة اجتماعية واحدة تعاني تداعيات اللجوء على مختلف المستويات، وان ظروف وصعوبات الحياة خاصة في جانبها الاقتصادي ليست سوى نتائج المشروع الامريكي الاسرائيلي لقناعة الامريكيين الذين يعيشون "عقدة العقوبات" بأهمية هذا النوع من الحروب، بعد ان فشلت جميع اشكال الحروب السابقة في تحقيق اهدافها، فكانت الحرب الاقتصادية وحروب التجويع في مسعى جديد لايصال اللاجئين الى حالة من اليأس والاحباط علها تساهم في اختراق جدار  الرفض والصمود للاجئين الفلسطينيين..
ان كنا نوافق على ذلك المنطق الذي يميز بين هجرة طوعية تفرضها طبيعة وتعقيدات الحياة وتطورها، وهجرة مفروضة تأتي في سياق سياسي مخط له، الا ان هذا يجب ان يدفعنا الى التحذير من ان الهجرة تحولت من ظاهرة فردية يمكن أن تحدث في أي مجتمع، إلى ظاهرة جماعية تهدد بإفراغ التجمعات والمخيمات الفلسطينية من لاجئيها.. ما يجعلنا ندق ناقوس خطر حول النتيجة التي يمكن أن نصل إليها على المستوى الوطني، إذا ما استفحلت هذه الظاهرة.
ان المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان وفي قطاع غزه تتعرض لاستهداف واضح واستنزاف لطاقاتها البشرية عبر خلخلة الاستقرار الاجتماعي للاجئين وتشجيعهم على الهجرة وإضعاف عناصر التماسك السياسي والاجتماعي داخل المخيمات، وهي النقاط التي أبقت قضية اللاجئين نابضة بقوتها حتى اليوم. وذلك في إطار استكمال التطبيقات الميدانية للمشروع الصهيوني الذي ما زال يراهن على العامل البشري باعتباره أحد العوامل الحاسمة في الصراع.
إن جميع الهيئات الفلسطينية على مستوى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والفصائل واللجان الشعبية والمؤسسات والمثقفين والناشطين، مدعوين جميعاً الى تحمل مسؤولياتهم لجهة البحث عن حلول للمشكلات الاجتماعية ووضع خطة وطنية تستجيب للحد الادنى من مطالب الشباب وطموحاتهم سواء على المستوى السياسي باستعادة الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام بما يبعث برسالة اطمئنان الى كل الشعب بالسعي الجدي نحو معالجة البيت الداخلي، أو على المستويين الامني والاقتصادي، والتعاطي مع ظاهرة هجرة الشباب الفلسطيني باعتبارها خطر يهدد المجتمع الفلسطيني.

أضف تعليق