23 تشرين الثاني 2024 الساعة 14:45

ظاهرة «الانتحار» في ظل اضمحلال مصادر الأمل بغد أفضل

2019-10-07 عدد القراءات : 1196
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير آمنة الدبش)
شبح الانتحار يطرق أبواب قطاع غزة مجدداً ويلوح في الأفق على شهقة اليائسين بصخب الحياة وفقدان الأمل وعدم الاحساس بالأمان وانسداد الأفق في شتى المجالات،والإحباط واليأس، ما شكل ملاذاً للخلاص وهرباً من المسؤولية والواقع المرير.
مستقبل أجيالنا الشابة في خطر، لا يكاد يمر شهر إلا وخبر صادم بين الحين والآخر عن واقعة انتحار مأساوية تهتز لها القلوب وتقشعر لها الأبدان. أجيال فقدت قيمتها تحت ظلال قبضة تصفية الحسابات التي تتسع فجواتها مع تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب الفقر والبطالة واستمرار الحصار الإسرائيلي الخانق.
وأشار المحامي يحيي محارب من مركز الميزان لحقوق الإنسان، إلى أن ارتفاعاً في حالات الانتحار مقارنة مع الأعوام الماضية، حيت سُجلت خلال العام 2019 (9) حالات انتحار، فيما لم يتلق المركز أية إحصائيات لمحاولات انتحار.
ورصدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (6) حالات انتحار منها (5) منها بالضفة الفلسطينية وواحدة فقط في قطاع غزة، رغم ارتفاع عدد الوفيات في ظروف غامضة بقطاع غزة، والذي وصل لـ(27) حالة و(15) في الضفة. موضحة أن النيابة العامة في قطاع غزة تمتنع عن توضيح ظروف الوفيات رغم مطالباتها المتكررة.
وتشير التقديرات الطبية والحقوقية إلى وجود عشرات محاولات الانتحار شهرياً، لا يتم الإفصاح عنها، ويكتنفها الغموض والتعمية، وأصبحت تدق ناقوس الخطر، وتعتقد بعض الأوساط أن أسباب الانتحار ترجع لارتفاع معدلات الاكتئاب والاضطرابات النفسية بالمجتمع والتي بلغت ما نسبته ((%20. مؤشرات سلبية تواصل الجهات الرسمية المختصة التهرب من الإفصاح عنها ووضع سبل المعالجة لها قبل أن تتحول لظاهرة.
الجوع والفقر كافران
بنبرة حزينة، ودموع منهمرة، وكلمات متقطعة، قال أبو محمد السكسك والد المنتحر خليل من محافظة رفح، لمراسلة «الحرية»:ابني أنهى حياته بالانتحار شنقاً جراء مروره بحالة نفسية سيئة نتيجة تراكم الديون عليه وفشله في سدادها بعدما لجأ لكثير من الجهات لمساعدته، دون جدوى.
وأوضح السكسك أن نجله كان قبل عشر دقائق من الواقعة جالساً مع عائلته وبحالة من اليأس والإحباط يردد «عاوز اطلع للأعلى لأرتاح»، ولم يدرك والده أن الراحة تعني الخلاص من الحياة.
وناشد السكسك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس برسالة، دعا فيها لإنقاذ شباب قطاع غزة قبل فوات الأوان. وفي وسط حديثه، انهمرت دموعه «أفتى خطيب الجامع بصلاة الجمعة أن المنتحر خليل كافر»، محملاً الحكومة والمسؤولين في قطاع غزة المسؤولية الكاملة عن وفاة نجله خليل، قائلاً «خليل ليس كافراً، لكن الجوع كافر، الفقر كافر، الذل كافر، خليل ليس كافراً لكن اجتمعت عليه كل أدوات الكفار».
وأقدم (م .ح) 26 عاماً من شرق مدينة غزة على حرق نفسه، لعدم تمكنه من سداد ديونه لمؤسسة تيسير الزواج، وضربه وإهانته من عائلته أمام زوجته، ما اثر سلباً على حالته النفسية فتعرض لنوبة اكتئاب حادة، أنهت حياته.
أما المواطن (ك.ب)38  عاماً من موظفي الأجهزة الأمنية الفلسطينية تفريغات 2005 ، لا تعترف السلطة الفلسطينية بهم كموظفين رسميين وتصرف رواتب مقطوعة لهم، قال «أصبحنا فريسة لسيف القهر والإذلال، وضريبة الانقسام التي ولدت وزادت حجم معاناتنا الإنسانية التي لا تنتهي بعد، أتمنى الموت في كل لحظة، وأفكر فعلياً بالانتحار لعدم توفير أبسط مقومات الحياة لأطفالي، بعد خصم القرض البنكي أتقاضى راتبا شهريا أقل من 20 دولاراً، ألا يحق لي أن أقدم على إنهاء مأساتي».
تدفعني للانتحار
المواطنة (ف.س) 40 عاماً من غزة تقول «مشكلتي هي أمي لا أعرف كيف أتعامل معها، اشعر أنها تكرهني لدرجة انها لا تقبل حتى الحديث معي، وتحرض أخوتي علي، أشعر بأنني وحيدة في هذا العالم ، أصبت قبل فترة بجلطة دماغية ولم تفكر لحظة واحدة ان تأخذني بين أحضانها مثل باقي الأمهات، العكس كانت تسمعني أقسى الكلمات، لهذا فكرت مراراً بالهروب أو الانتحار حتى أتخلص من هذا الشعور المؤلم والقاسي، تتمتم والدموع بعينيها من أصعب الابتلاءات هو ابتلاء الأهل».
وأوضح الدكتور محفوظ عثمان أخصائي الأمراض النفسية أن العديد من الأسباب تدفع الإنسان للانتحار، منها الاكتئاب والضغوطات النفسية التي يعيشها اهالي قطاع غزة وتحديداً فئة الشباب الذين وقعوا ضحية الانقسام السياسي. مؤكداً أن الواقع الاقتصادي الصعب والحصار الإسرائيلي المرير ألقى بظلاله السلبي علي الشباب الفلسطيني بانعدام الثقة بالنفس والمستقبل المجهول والخوف من العجز، فيقوده كل هذا للتفكير بالانتحار.
ووجه عثمان رسالة للشباب وهي«الاحتجاج على الظلم والقهر والتمرد على قمع أحلام وطموحات الشباب الضائع  بدوامة الخلافات السياسية التي نتج عنها البطالة والفقر وسلب إرادة أبناءنا، فعلينا إنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا».
بدوره، أكد المدير العام لبرنامج غزة للصحة النفسية الدكتور ياسر أبو جامع، وجود ازدياد ملحوظ في مستويات الصدمات النفسية لدى المواطنين، جراء الأوضاع المعيشية، والتي تزيد خطورتها مع شعور الإنسان باليأس، وأن حياته أصبحت لا هدف منها ولا معنى لها.
وأضاف أبو جامع، «أننا نقوم بدعم ومساعدة الأشخاص الذين تراودهم أفكار الانتحار قبل إقدامهم علي فعل ذلك، ومتابعتهم بشكل دوري تحت إشراف الطبيب النفسي».
من جهته، لفت أخصائي واستشاري الطب النفسي في وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور فضل عفانة إلى وجود العديد من حالات الانتحار الفجائية أثناء وقوع الأزمة جراء انهيار القدرة على التعامل مع ضغوطات الحياة، مثل المشاكل المالية، انهيار علاقة ما ، مضيفاً «اقتران النزاعات والعنف وسوء المعاملة والشعور بالعزلة بقوة بالسلوك الانتحاري»،منوهاً بارتفاع معدلات الانتحار الفعلي بين الذكور بينما ترتفع معدل المحاولات بين الاناث.
ودعا عفانة للتشخيص والعلاج والرعاية المبكرة للمصابين باضطرابات نفسية أو الاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان والاضطرابات العاطفية، وضرورة تدريب العاملين الصحيين غير المتخصصين في تقييم وإدارة السلوك الانتحاري، وتوفير رعاية ومتابعة ودعم مجتمعي لهم.
متمردو الواقع
وشهد قطاع غزة في غضون 48 ساعة فقط حالة انتحار أودت بحياة الشاب كرم صبحي طيور (24 عاما) من محافظة رفح شنقاً، ومحاولتي انتحار لشاب وشابة.
«وباء الانتحار» يتفشى في قطاع غزة جراء فقدان أمل شباب القطاع وخروجهم عن السيطرة مع تعالي صرخاتهم المدوية لأصحاب القرار لتخفيف معاناة سكان القطاع غزة وزرع الأمل في نفوسهم.
لمن نشكو مآسينا..؟ طرفا الانقسام غارقان في العسل صمّ وعميّ!! وشباب غزة يستنشقون الموت ويرسمون نعشهم بحرارة قهرهم، ويدفنون بحسرة الذل والمهانة، افتحوا النوافذ، واسمحوا للشعب العظيم أن ينشر أشرعته ويبسط جناحيه ليقول كلمته «ارحلوا عنا، كفاكم ظلماً وشرذمةً».■

أضف تعليق