15 تشرين الثاني 2024 الساعة 10:45

«ليكود» بدون نتنياهو؟!

2019-09-16 عدد القراءات : 702
■خلص كثير من المحللين الإسرائيليين إلى أن نتنياهو أعاد تأسيس حزب «الليكود» منذ أن عاد إليه قبيل انتخابات الكنيست الثامنة عشرة التي جرت العام 2009. وأنه ضخ فيه النشاط والحيوية ومكنه من التربع على رأس الهرم السياسي والحزبي في إسرائيل، بعد سلسلة متصلة من التراجعات والهزائم الانتخابية كادت أن تودي به نحو الاضمحلال والتلاشي.
واعتقد بعض هؤلاء أنه لهذا السبب لا تلتفت قيادات الحزب باهتمام إلى دعوات التخلص من نتنياهو، بعدما ثقل عليه الملف القضائي، وكثر خصومه، وفشل في تشكيل الحكومة عقب الانتخابات السابقة، وأنه من الممكن جدا أن يتكرر هذا الفشل، الذي من شأنه أن يعرض شعبية الليكود للتآكل.
هذا الاعتقاد واهم لأنه يفترض رسو العلاقات الداخلية في الأحزاب الصهيونية على قاعدة من «حفظ الجميل»، مع أن تمسكهم (حتى الآن) بنتنياهو صحيح، لكن .. لأسباب أخرى.
يتفق مؤيدو نتنياهو وخصومه على أنه يتمتع بمواصفات قيادية وقدرة على المناورة مكنته من صياغة تحالفات مصلحية أفشلت مسعى رئيسة «كاديما» تسيفي ليفني في تشكيل الحكومة مع أن حزبها حاز على العدد الأكبر من مقاعد الكنيست عقب انتخابات العام 2009. وعلى أهمية هذه المواصفات والقدرات، إلا أن نجاح نتنياهو فيما ذكر تمكنه من الاستمرار على رأس الليكود والائتلاف الحكومي طيلة السنوات الماضية يعود بالأساس إلى نجاحه في تقديم الليكود كحزب يعبر عن مصالح اليمين الصهيوني في السياسة والاقتصاد وغيرهما. ولهذا تمكن من جمع تأييد الغالبية اللازمة لتشكيل تلك الحكومة بعد انتخابات أكدت نتائجها تسارع الانزياح نحو اليمين واليمين المتطرف، كما أكدت تواصل مسار الضعف والتآكل في الأحزاب الصهيونية التي صنفت في خانتي الوسط واليسار. وهو مسار متصل ومستمر .. ومتسارع.
ومنذ خطابه في جامعة «بار إيلان» أواسط حزيران 2009، دأب نتنياهو على طرح عناوين برنامجه بقسميه، الاستعماري التوسعي والاجتماعي ـ الاقتصادي. وقد أعلن أن البناء الاستيطاني في الضفة كما هو في تل أبيب «شأن إسرائيلي داخلي». وعلى الرغم من أن جميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية اشتغلوا بنشاط في توسيع الاستيطان، إلا أن نتنياهو حوَّل الاستيطان في الضفة والقدس إلى خطاب رسمي معلن وخاض على خلفيته تجاذبات حادة مع إدارة أوباما، الذي دعا في خطاب له (4/6/2009) إلى تجميد مؤقت للاستيطان ووقف هدم منازل الفلسطينيين.
وحول التسوية، قطع نتنياهو مع مسألة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بشكل واضح وعلى مرحلتين. الأولى، من خلال المناورة في جدول أعمال المفاوضات عبر رفض الخوض بأي من القضايا الأساسية لـ«الحل الدائم»، وتمترس خلف مطلب تحقيق الشروط الأمنية والتوسعية الإسرائيلية أولا. والثانية وبعدما دفع بسياسته هذه إلى قلب طاولة المفاوضات، وجد الفرصة متاحة لطرح خطته «السلام الاقتصادي»، التي تنسف القضية الفلسطينية وتختزل حل الصراع بمجموعة من الإجراءات الاقتصادية لتحسين حياة سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقزم الكيانية الفلسطينية المستقبلية عند حدود ولاية السلطة الفلسطينية الإدارية على التجمعات السكنية الفلسطينية باستثناء القدس وغور الأردن.
وإذا كانت إدارة أوباما لم تلفت جديا إلى خطة نتنياهو وقللت من شأن جدواها، إلا أن «السلام الاقتصادي» باتت في قلب الخطة الأميركية، مع مجيء إدارة ترامب واتحاد عناوين الصفقة الأميركية مع المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي كما بلوره نتنياهو.
وفق هذا البرنامج مضى نتنياهو في قيادة «الليكود» والائتلاف الحكومي، ووفقه أيضا حصد معسكره اليميني أغلبية مقاعد الكنيست في جميع الانتخابات التي جرت منذ العام 2009. لذلك، يفهم من استمرار نتنياهو على رأسي حزبه والحكومة طيلة السنوات الماضية على أنه تجديد دوري للانحياز إلى البرنامج الاستعماري الذي طرحه، دون أن نتجاهل عامل غياب المنافس الجدي (من ضمن البرنامج) على رئاسة الليكود والائتلاف. أما على الجانب الاقتصادي ـ الاجتماعي، فقد ساهم ضياع الهوية لدى حزب العمل وغيره ممن صنفوا في خانة اليسار في تمرير الكثير من سياسات نتنياهو الاقتصادية، مع أنها ووجهت باحتجاجات ومظاهرات في محطات عدة ، لكنه كان يلجأ دائما إلى الهروب نحو الملف الأمني ليشد انتباه الجمهور عن الأزمات الاقتصادية والمعيشية.
على ذلك، من الممكن أن تقع تطورات تضع نتنياهو خارج المعادلة السياسية القائمة في إسرائيل، ومن الممكن أن يستمر. والمهم في كل من الاحتمالين هو السؤال عن البرنامج الذي يحمله البديل ، وهذا واضح على اعتبار أن المشروع السياسي الذي يحكم دولة الاحتلال هو برنامج الليكود الذي بلوره نتنياهو وبات بوصلة للحزب، وهو برنامج اليمين الصهيوني الحاكم الذي شكل ائتلافه الحكومي على أسس هذا البرنامج وعناوينه. وبالمقابل، لم يطرح «أزرق ـ أبيض» برنامجيا وسياسيا سوى ما يؤكد ـ برأي المحللين الإسرائيليين ـ أن هذا الحزب ليس إلا « ليكود» آخر.
من هذه الزاوية، يفهم أن الأحزاب الصهيونية التي ترفع شعار واحد فقط في السباق الانتخابي «يسقط نتنياهو»، إنما تريد استثمار أزماته في ملفات الفساد وصراعه مع ليبرمان من أجل تحسين فرصها في نتائج الانتخابات، ويسوق «أزرق ـ أبيض» فكرة حكومة وحدة مع الليكود بدون نتنياهو على أمل خلخلة صفوف جمهور الحزب وحلفائه.
أيام فقط وتجري الانتخابات، وجميع المتسابقين متوجسون كل من موقعه. وفيما عدد المقاعد التي تتحقق بنتائج الانتخابات هو الهاجس الأول لدى الجميع، فإن نتنياهو مسكون بهاجس إضافي عن فرصته في تشكيل الحكومة الخامسة في ظل تصاعد قوة ليبرمان بحسب استطلاعات الرأي، والذي يبدو أنه مازال مصرا على موقفه من نتنياهو وعدم تمكينه من تشكيل حكومة برئاسته المنفردة.
حسابات وخطط كثيرة لدى الأطراف المؤثرة في السباق الانتخابي، ويراهن كل من الحزبين الكبيرين على ضعضعة صفوف الآخر وإحداث اختراق بين حلفائه أو انشقاق في داخله. وسيبقى الجواب معلقا ، ولن تكون النتائج الرسمية للانتخابات كافية  كي يكون الجواب شافيا، بل ينبغي الانتظار إلى ما بعد التكليف بتشكيل الحكومة ومآلات هذا التكليف. فهل سيشكل نتنياهو أخيرا حكومته الخامسة .. أم أن تطورات غير محسوبة قادمة على الطريق تحسم موضوعة حكومة وحدة؟.. والسؤال أيضا : هل سيكسب نتنياهو رهانه على «رص الصفوف» الذي طالما رفعه شعارا أمام أطراف معسكره كي يعبر الأزمات التي تواجهه.■

أضف تعليق