26 كانون الأول 2024 الساعة 11:23

هل يصلح الأدباء للحُكم؟

2019-09-08 عدد القراءات : 732

تونس ( الاتجاه الديمقراطي)

بعد ترشّح أحدهم في تونس.. هل يصلح الأدباء للحُكم؟
ستشهد تونس قريباً استحقاقها الرئاسي. العديد من الوجوه أعلنت ترشحها وغوضها غمار السباق نحو الرئاسة، من بين هؤلاء الكاتِب الصحفي والروائي الصافي سعيد. هذه ليست المرة الأولى التي يترشح فيها سعيد للإنتخابات. إذ سبق لصاحب رواية "حدائق الله" و"الإغواء الملكي" وغيرها، الترشّح لانتخابات الرئاسة التونسية 2014، والتي فاز فيها الرئيس الراحِل الباجي قايد السبسي.
ترشح الصافي سعيد يدفعنا إلى طرح السؤال حول مدى صلاحية الأدباء لتولّي مناصب سياسية، خاصة إذا كانت رفيعة مثل منصب رئيس الدولة. في هذا التقرير نعرض لكم تجارب أدباء تولّوا مقاليد الحُكم في بلادهم.
جون جنار.. رئيس يوزّع المناشِف مجاناً
البداية عند جون جنار، صاحب كتاب "الهندي الأحمر الأيسلندي.. سيرة مجنون" كانت قد بدأت بمزحة، عندما أعلن تكوينه حزباً سياسياً بعنوان "الحزب الأفضل"، على أن يترشّح عنه لمنصب عُمدة مدينة ريكافيك، عاصمة أيسلندا، وقد اختار له، حسبما ذَكَر في كتابه، "أقبح رمز يمكن أن يمثل الحزب، ألوانه كريهة وليست مُتناسقة"، ولكن بدأت المزحة تنقلب إلى فعلٍ سياسي حقيقي.
وعلى غير المُتوقَّع استمرت شعبيته في الارتفاع. في حين لم يكن لجنار هدف سوى السُخرية من السياسيين الأيسلنديين الذين تسبَّبوا في حدوث الأزمة المالية في البلاد، حتى إن وعوده الانتخابية جاءت ساخِرة، كأن يوفّر المناشف في حمّامات السباحة مجاناً.
أثناء تلك السُخرية حدث ما لم يتوقَّعه جون جنار، وهو فوزه بالانتخابات، ليصبح عُمدة المدينة بين الأعوام 2010 - 2014، وفي تعليقه على ذلك قال في مقابلة مع صحيفة "الغارديان": "هناك طُرُق عديدة تستطيع من خلالها أن تصبح مشهوراً في أيسلندا، معظم هذه الطُرُق يتطلَّب شخصية أيسلندية غريبة الأطوار، وهذا أنا".
وبرغم جهل جون جنار بالعمل السياسي، إلا أنه استطاع أن ينال رضا شريحة كبيرة في فترة تولّيه حُكم المدينة، فبجانب تنفيذه برنامجه الانتخابي وتوفيره المناشف لحمّامات السباحة مجاناً، خفَّض المصاريف المدرسية أيضاً، وعمل على تحسين المستوى المعيشي للعمّال، إلا أن هناك مَن لم يرضوا عن حُكمه، لا سيّما هؤلاء الذين ظنّوا أنه سيجعل المدينة أكثر مرحاً.
سونغور.. بين براغماتية الرئيس ومثاليّة الشاعر
كما ينحاز الشعراء إلى رؤاهم ويتوحَّدون معها، انحاز ليوبولد سيدار سينغور، الرئيس الأسبق لدولة السنغال، ومؤلّف نشيدها الوطني، إلى وجهات نظره أثناء فترة حُكمه. فعند تولّيه الحُكم في العام 1960 صاغ كثيراً من توجّهاته بوصفه شاعراً في الأساس، ينحاز إلى اختياراته بشكلٍ مُطلَق، فأسَّس في البداية للسنغال كدولةٍ تقوم على الحزب الواحد، وسحق بعنف حركة الاحتجاج الطلابية، على عكس ما يمكن أن يتوقّعه البعض من التركيبة النمطية لشخصية الشاعر.
وظهرت كذلك انحيازات سونغور، المولود عام 1906، في محاولة نشره فكرة (الزنوجة)، حيث كان يطالب دوماً بالتخلّص من تراث النظرة المغلوطة المُكبِّلَة لقدرات الشخصية الإفريقية، من خلال إعادة التباهي بأفريقيا، وحثّ الشعب على الاعتزاز بعاداتهم وتمجيد الأبطال الإفريقيين، وربما لا نتعجَّب إن عَلمنا أن أول دواوينه الشعرية كان بعنوان "قربان أسود"، ما يوحي بحضور رؤيته الشعرية كمكوّن رئيسٍ في رؤيته الفكرية والسياسية.
لكن ذلك لا يعني أنه كان يؤسِّس لديكتاتوريةٍ تقدّس الحاكِم الفرد للشعب الجاهِل المُغيّب، حيث
اعتنى سونغور في المقابل بالتعليم كحقلٍ لتنمية الوعي بالذات وبالعالم، وهو ما أكَّده الرئيس عبدو ضيوف، الذي تولّى الحُكم بعد تنازل سونغور عنه في العام 1980، في المُقدّمة التي كتبها لكتاب "الرئيس الإنساني قصّة حياة ليوبولد سيدار سنغور" لكريستيان روش.
فاتسلاف هافيل.. الحُكم على خشبة مسرح العَبَث
لم يكن الكاتِب المسرحي فاتسلاف هافيل يتخيَّل حين عرض أولى مسرحياته "حفلة في الحديقة"، عام 1963، والتي تنتمي إلى "مسرح العَبَث"، أنه سيُنتَخب في العام 1989 رئيساً لجمهورية تشيكوسلوفاكيا. في مشهدٍ عبَثي تماماً، انتقل فيه هافيل من موقع المُعارِض للسلطة إلى أعلى هرمها، بعد أن قضى شطراً من حياته ناشِطاً سياسياً مُعارِضاً، دخل خلالها السجن أكثر من مرة، بعد أن لمع بنشاطه كمُعارضٍ في مشاركته في صوغ الوثيقة التي سُمّيت "ميثاق 77" احتجاجاً على قمع الحريات، وكذلك مساهمته في تأسيس "لجنة الدفاع عن المُضطهدين" عام 1979.
بعد تولّيه الحُكم، تصرَّف هافيل بمثالية الكاتب في مواقف عدّة، فمنح عدداً كبيراً من السجناء عفواً عاماً، وهو ما قوبِل باستهجانٍ كبير، ولم يختلف الموقف كثيراً عند انسحاب بلاده من حلف وارسو، والذي عدَّه هافيل من أهم إنجازاته، لكنه لم يستطع تجاهُل النتائج الكارثية لذلك على اقتصاد بلاده، فالبنية التحتية لذلك الحلف كانت جزءاً من النسيج العضوي لاقتصاد البلاد.
حصل الرئيس التشيكي السابق على جائزة غاندي للسلام، لإيمانه بمبادئ الزعيم الهندي الكبير، ومحاولته تطبيق العديد منها، وقد ترك هافيل لنا ما يزيد عن 20 عملاً مسرحيّاً؛ ونال منصباً رفيعاً في (منظمة حقوق الإنسان)، كما احتل المرتبة الرابعة في مجلة Prospect magazine  لأفضل مئة مُفكّر على مستوى العالم، تكريماً لمُنجزه الإبداعي الذي تُرجِم إلى لغاتٍ عالميةٍ عدّة، وقد توفّى هافيل في عام 2011 بعد صِراعٍ مع مرض السرطان.
هل يصلُح الكاتب للعمل السياسي؟
طرح الكاتِب طاهر عبد الرحمن على أعضاء "نادي القرّاء المُحترفين" بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وهو "غروب" معنيٌّ بالقضايا الثقافية المهمّة، سؤالاً حول مدى صلاحية الكتّاب والمُفكّرين لممارسة العمل السياسي؛ ومن ثَمَّ جاءت الإجابات مختلفة الرؤى وإن اتفقت على قُدرة الكتّاب والمُفكّرين على أداء تلك المهمّة، حيث أكَّد الشاعر أحمد ناصر صلاحيتهم لذلك، مشيراً إلى أن نجاحه في تلك المهمة من عدمه "لا يتوقّف عليه بمفرده"، أمَّا محمّد الحناوي، فاستشهد بونستون تشيرشل، رئيس وزراء بريطانيا، أثناء الحرب العالمية الثانية، والذي قاد بلده إلى النصر، مُضيفاً: "كان كاتِباً وله كتب مشهورة عن التاريخ البريطاني.. أنا عندي مذكّراته عن الحرب العالمية الثانية، وأسلوبه رائِع في الكتابة والسرد".
أسماء التهامي ذهبت إلى قضيةٍ أخرى، وهي محاولة الأديب الجَمْع بين نشاطه الأدبي وعمله السياسي، حيث أكَّدت أن من ناحية تفرّغه للسياسة فقط، يصلُح، مُعتبرة أيّ شخص يصلُح للعمل السياسي طالما توفَّر فيه شرط التفرّغ، مُرجَّحة فشله إذا حاول الجَمْع في نفس الوقت بين الأدب وعمله في السياسة، مُضيفة: "لأن بناء الأفكار والكتابة عموماً مُحتاج إلى تفرِّغٍ تامٍ وعقلٍ صافٍ ليس مُشتتًا".

أضف تعليق