الأمن الداخلي في غزة مسألة سياسية
■ التفجيرات الانتحارية التي طالت حواجز الأمن في غزة، في حادثين متلاحقين، ليست مجرد عملية عابرة، يمكن معالجتها عبر التحقيقات الأمنية، وعبر الإحالات إلى القضاء.
هي، وقبل كل شيء، حدث سياسي خطير، إذا لم تتم معالجته بالعمق المطلوب، فإنه معرض لأن يتكرر، وإن بأساليب وأشكال أخرى.
والدليل على أنه حدث سياسي، أن حركة حماس، وقبل أن تحقق بالحادثين، وأن تجلو الحقيقة حولهما، سارعت إلى اتهام جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية، ما يعني أن حماس أرادت إدراج الحادث الشنيع، في إطار الانقسام بينها وبين فتح، في ظل حالة احتراب بين الطرفين وصراع على السلطة.
اللافت للنظر، أن أطراف الحركة الوطنية، حين كانت تتعرض لحادث مماثل، كانت توجه أصبع الاتهام فوراً إلى الموساد الإسرائيلي وعملائه. أن تتوجه حماس فوراً بإصبع الاتهام إلى فتح، قبل التحقيق، وبالمقابل، أن تتهم فتح بدورها حماس بأنها تريد زرع الفوضى في الضفة، (في إشارة غريبة عجيبة إلى تصاعد الانتفاضات والهبات الشعبية المتنقلة) فهذا في حد ذاته، أمر يعكس خطورة الحالة السياسية التي يعيشها هذان الطرفان، وكأن كل طرف منها بات خصماً رئيساً للطرف الآخر، على حساب الصراع مع الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، ولا ينظر إلى الطرف الآخر إلا بعين الريبة والتوجس.
والدليل على أنه حدث سياسي، أن المجموعة التي قامت بالجريمة، تنتمي إلى جهة أصولية، ليست نبتة برية، بل نبتت في ظل سياسيات كانت حركة حماس أدمنت على فرضها على القطاع، مباشرة بعد انقلابها على السلطة في 14/6/2007، بدعوى أسلمة (حمسنة) غزة.
ولما اصطدمت بالجدار، بدأت تتراجع عن مواقفها وسياساتها، وترخي قبضتها الأمنية (المغلفة بالدعوات الدينية)، لتبدو في عيون أطراف أصولية (تساوقت في زمن ما مع حماس) أنها بدأت ترتد عن مواقفها الإسلامية، وتتراجع عن وظيفتها «الإخوانية»، وتقترب من المشروع الوطني (خاصة بعد ورقتها السياسية الشهيرة، وتصريحات قياداتها بشأن القبول بالبرنامج الوطني). وبالتالي فإن خلفية التفجير الإجرامي كانت بالأساس خلفية سياسية بذرائع دينية.
وأخيراً وليس آخراً، وللتأكيد أن الحدث سياسي، أن المجموعة الإرهابية تخفت خلف ستائر وطنية إسلامية، عبر التسلل، والتعايش، ما يطرح سؤلاً كبيراً عن مدى خطورة الاندساس الذي يمكن أن تتعرض له القوى الوطنية والإسلامية بعدما تبين أن شروط الانتماء، القائمة على خلفيات دينية، سهلت على المندسين خطواتهم، وفي ظل استهداف متعدد الألوان، والمقاصد تتعرض له حركتا حماس والجهاد، بشكل خاص.
ولعل من أهم الخلاصات، التي يمكن إضافتها، في هذا السياق، هو ضعف، بل ربما، (وبحذر شديد) غياب المنظومة الأمنية في قطاع غزة. وإلا ما الذي يفسر وجود خلية تجاوز عدد أفرادها العشرة، خططت، ونفذت، على دفعتين، والمنظومة الأمنية عاجزة عن كشف الحدث قبل وقوعه.
الأمن الحقيقي، هو الذي يمنع الحدث قبل وقوعه، وليس فقط من يكشف حقائق الحدث وملابساته، بعد وقوعه.
وهذا ما يقودنا إلى خلاصتين:
1) الأولى أن سلطة الأمر الواقع (أي حماس) تفتقر إلى رؤية سياسية تدير من خلالها القطاع.
2) الثانية أن القطاع يفتقر إلى منظومة أمنية.
* * *
• في القضية الأولى، لا يمكن لحماس أن تمتلك رؤية سياسية تصب في خدمة المشروع الوطني، إلا من خلال إنهاء الانقسام، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية، الحامل الوطني الموحد للمشروع الوطني الموحد. ونحن هنا، لا نكرر كلاماً يكاد يفقد مضمونه وتأثيره، بل نحاول أن نشير إلى الثغرة الأكبر التي تنخر السور الوطني الفلسطيني، وتكاد أن تدمره. وإلا ماذا يفسر لنا أن حماس، سارعت إلى توجيه الاتهام إلى السلطة الفلسطينية. وأن السلطة اتهمت حماس أنها تعيش صراعات داخلية، بينما الفاعل الحقيقي كان خارج دائرة الاتهام.
وعندما ندعو لإنهاء الانقسام، وتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولياتها إزاء القطاع، فليس ذلك معناه أننا نوافق على الرؤية السياسية للسلطة، بل هي خطوة في إطار مشروع متكامل، لإنهاء الانقسام السياسي والإداري والمؤسساتي والبرنامجي، لصالح برنامج العودة وتقرير المصير والاستقلال، أي البرنامج البديل لأوسلو، برنامج المقاومة والانتفاضة سبيلاً إلى الخلاص من الاحتلال.
أما في القضية الثانية، وهي ليست مفصولة عن الأولى، بل واحدة من ترجماتها العملية، فإن الخلاصة المهمة أنه لا يمكن صون أمن القطاع بمعزل عن صون أمن المقاومة، والعكس صحيح، وإلا فإن هذا الأمر معرض للاختراق. فالمنظومة الأمنية يسهل اختراقها، والعبث بها.
وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها أمن القطاع وأمن المقاومة لحدث خطير. والذاكرة حافلة بالأمثلة، وإن لم نكن هنا في معرض استعراضها. الأمر الذي يتطلب حل أزمة الانقسام، ووضع نهاية لسياسات التوجس، ووضع نهاية للحالة الفلسطينية التي يستطيع أطراف كثر أن يخترقوها، مستفيدين من حدة الاستقطاب الثنائي، القائم على الإحتراب، وعلى الصراع غير المبدئي.
وفي ظل إنهاء الانقسام، يصبح ممكناً الفصل بين الأمن الداخلي للقطاع، وبين أمن المقاومة، ووظيفة الدفاع عنه، في سياق منظومة أمنية متكاملة، يكون لكل طرف فيها وظيفته ودوره، وآليات أدائه، لا تزاحم فيها ولا تنافس، ولا نظرات شك وريبة.
فضلاً عن أن إعفاء المقاومة من مسؤوليات الأمن الداخلي، يمكنها من الاستدارة نحو واجبها الرئيس: الدفاع عن القطاع ومقاومة الاحتلال.
* * *
نشطت وسائل الإعلام العبرية في سرد ما قالت إنه وقائع جريمة التفجير. وتعددت روايات الصحف الإسرائيلية، حاملة في طياتها ما يسهم في زعزعة الثقة بالمقاومة وبأمنها الداخلي، وقدرتها على لعب دور الأمن الوقائي ضد مشاريع التخريب والعدوان. ما وفر الفرصة لصحافة العدو، هو الارتباك الذي أصاب إعلام حماس، وتعدد مصادر المعلومات فيها لديها، والتناقضات بينها، وتصادف الحدث مع زيارة وفدي حماس والجهاد إلى القاهرة، وما حاولت بعض الأطراف تفسيره، بما يخدم مشروع العدو زرع الفتنة في الصفوف.
ولقد سبق لحماس أن وعدت، في حوادث سابقة، أن تكشف الحقائق حولها. لكنها لم تقدم، حتى الآن، للرأي العام، في معظم الحوادث، ما يقنعه بالحقيقة. هذه مسألة من شأنها أن تضعف ثقة المواطن بمقاومته، على تعدد فصائلها، ما يساعد آخرين على مواصلة التعبئة في أن المقاومة باتت عبئاً على المواطن ولم تعد حارساً له وصوناً لأمنه.■
هي، وقبل كل شيء، حدث سياسي خطير، إذا لم تتم معالجته بالعمق المطلوب، فإنه معرض لأن يتكرر، وإن بأساليب وأشكال أخرى.
والدليل على أنه حدث سياسي، أن حركة حماس، وقبل أن تحقق بالحادثين، وأن تجلو الحقيقة حولهما، سارعت إلى اتهام جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية، ما يعني أن حماس أرادت إدراج الحادث الشنيع، في إطار الانقسام بينها وبين فتح، في ظل حالة احتراب بين الطرفين وصراع على السلطة.
اللافت للنظر، أن أطراف الحركة الوطنية، حين كانت تتعرض لحادث مماثل، كانت توجه أصبع الاتهام فوراً إلى الموساد الإسرائيلي وعملائه. أن تتوجه حماس فوراً بإصبع الاتهام إلى فتح، قبل التحقيق، وبالمقابل، أن تتهم فتح بدورها حماس بأنها تريد زرع الفوضى في الضفة، (في إشارة غريبة عجيبة إلى تصاعد الانتفاضات والهبات الشعبية المتنقلة) فهذا في حد ذاته، أمر يعكس خطورة الحالة السياسية التي يعيشها هذان الطرفان، وكأن كل طرف منها بات خصماً رئيساً للطرف الآخر، على حساب الصراع مع الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، ولا ينظر إلى الطرف الآخر إلا بعين الريبة والتوجس.
والدليل على أنه حدث سياسي، أن المجموعة التي قامت بالجريمة، تنتمي إلى جهة أصولية، ليست نبتة برية، بل نبتت في ظل سياسيات كانت حركة حماس أدمنت على فرضها على القطاع، مباشرة بعد انقلابها على السلطة في 14/6/2007، بدعوى أسلمة (حمسنة) غزة.
ولما اصطدمت بالجدار، بدأت تتراجع عن مواقفها وسياساتها، وترخي قبضتها الأمنية (المغلفة بالدعوات الدينية)، لتبدو في عيون أطراف أصولية (تساوقت في زمن ما مع حماس) أنها بدأت ترتد عن مواقفها الإسلامية، وتتراجع عن وظيفتها «الإخوانية»، وتقترب من المشروع الوطني (خاصة بعد ورقتها السياسية الشهيرة، وتصريحات قياداتها بشأن القبول بالبرنامج الوطني). وبالتالي فإن خلفية التفجير الإجرامي كانت بالأساس خلفية سياسية بذرائع دينية.
وأخيراً وليس آخراً، وللتأكيد أن الحدث سياسي، أن المجموعة الإرهابية تخفت خلف ستائر وطنية إسلامية، عبر التسلل، والتعايش، ما يطرح سؤلاً كبيراً عن مدى خطورة الاندساس الذي يمكن أن تتعرض له القوى الوطنية والإسلامية بعدما تبين أن شروط الانتماء، القائمة على خلفيات دينية، سهلت على المندسين خطواتهم، وفي ظل استهداف متعدد الألوان، والمقاصد تتعرض له حركتا حماس والجهاد، بشكل خاص.
ولعل من أهم الخلاصات، التي يمكن إضافتها، في هذا السياق، هو ضعف، بل ربما، (وبحذر شديد) غياب المنظومة الأمنية في قطاع غزة. وإلا ما الذي يفسر وجود خلية تجاوز عدد أفرادها العشرة، خططت، ونفذت، على دفعتين، والمنظومة الأمنية عاجزة عن كشف الحدث قبل وقوعه.
الأمن الحقيقي، هو الذي يمنع الحدث قبل وقوعه، وليس فقط من يكشف حقائق الحدث وملابساته، بعد وقوعه.
وهذا ما يقودنا إلى خلاصتين:
1) الأولى أن سلطة الأمر الواقع (أي حماس) تفتقر إلى رؤية سياسية تدير من خلالها القطاع.
2) الثانية أن القطاع يفتقر إلى منظومة أمنية.
* * *
• في القضية الأولى، لا يمكن لحماس أن تمتلك رؤية سياسية تصب في خدمة المشروع الوطني، إلا من خلال إنهاء الانقسام، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية، الحامل الوطني الموحد للمشروع الوطني الموحد. ونحن هنا، لا نكرر كلاماً يكاد يفقد مضمونه وتأثيره، بل نحاول أن نشير إلى الثغرة الأكبر التي تنخر السور الوطني الفلسطيني، وتكاد أن تدمره. وإلا ماذا يفسر لنا أن حماس، سارعت إلى توجيه الاتهام إلى السلطة الفلسطينية. وأن السلطة اتهمت حماس أنها تعيش صراعات داخلية، بينما الفاعل الحقيقي كان خارج دائرة الاتهام.
وعندما ندعو لإنهاء الانقسام، وتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولياتها إزاء القطاع، فليس ذلك معناه أننا نوافق على الرؤية السياسية للسلطة، بل هي خطوة في إطار مشروع متكامل، لإنهاء الانقسام السياسي والإداري والمؤسساتي والبرنامجي، لصالح برنامج العودة وتقرير المصير والاستقلال، أي البرنامج البديل لأوسلو، برنامج المقاومة والانتفاضة سبيلاً إلى الخلاص من الاحتلال.
أما في القضية الثانية، وهي ليست مفصولة عن الأولى، بل واحدة من ترجماتها العملية، فإن الخلاصة المهمة أنه لا يمكن صون أمن القطاع بمعزل عن صون أمن المقاومة، والعكس صحيح، وإلا فإن هذا الأمر معرض للاختراق. فالمنظومة الأمنية يسهل اختراقها، والعبث بها.
وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها أمن القطاع وأمن المقاومة لحدث خطير. والذاكرة حافلة بالأمثلة، وإن لم نكن هنا في معرض استعراضها. الأمر الذي يتطلب حل أزمة الانقسام، ووضع نهاية لسياسات التوجس، ووضع نهاية للحالة الفلسطينية التي يستطيع أطراف كثر أن يخترقوها، مستفيدين من حدة الاستقطاب الثنائي، القائم على الإحتراب، وعلى الصراع غير المبدئي.
وفي ظل إنهاء الانقسام، يصبح ممكناً الفصل بين الأمن الداخلي للقطاع، وبين أمن المقاومة، ووظيفة الدفاع عنه، في سياق منظومة أمنية متكاملة، يكون لكل طرف فيها وظيفته ودوره، وآليات أدائه، لا تزاحم فيها ولا تنافس، ولا نظرات شك وريبة.
فضلاً عن أن إعفاء المقاومة من مسؤوليات الأمن الداخلي، يمكنها من الاستدارة نحو واجبها الرئيس: الدفاع عن القطاع ومقاومة الاحتلال.
* * *
نشطت وسائل الإعلام العبرية في سرد ما قالت إنه وقائع جريمة التفجير. وتعددت روايات الصحف الإسرائيلية، حاملة في طياتها ما يسهم في زعزعة الثقة بالمقاومة وبأمنها الداخلي، وقدرتها على لعب دور الأمن الوقائي ضد مشاريع التخريب والعدوان. ما وفر الفرصة لصحافة العدو، هو الارتباك الذي أصاب إعلام حماس، وتعدد مصادر المعلومات فيها لديها، والتناقضات بينها، وتصادف الحدث مع زيارة وفدي حماس والجهاد إلى القاهرة، وما حاولت بعض الأطراف تفسيره، بما يخدم مشروع العدو زرع الفتنة في الصفوف.
ولقد سبق لحماس أن وعدت، في حوادث سابقة، أن تكشف الحقائق حولها. لكنها لم تقدم، حتى الآن، للرأي العام، في معظم الحوادث، ما يقنعه بالحقيقة. هذه مسألة من شأنها أن تضعف ثقة المواطن بمقاومته، على تعدد فصائلها، ما يساعد آخرين على مواصلة التعبئة في أن المقاومة باتت عبئاً على المواطن ولم تعد حارساً له وصوناً لأمنه.■
أضف تعليق