«التسول» في غزة.. حاجة أم مهنة؟!
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (مجلة الحرية_تقرير وسام زغبر)
■يبدو أن الحصار الإسرائيلي أطبق بفكيه على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، ودفع حياة مليوني فلسطيني بشبابهم وأطفالهم ونساءهم نحو المجهول، وساهم بارتفاع نسب الفقر ليصل لـ53% والفقر المدقع لـ33% والبطالة لـ52%، واعتماد أكثر من ٨٠٪ من سكان القطاع المحاصر على المساعدات الإنسانية.
ولم يكف الغزيون حصارهم الإسرائيلي المطبق عليهم للعام الثالث عشر على التوالي، بل زادهم عنوة الإجراءات العقابية لحكومة السلطة الفلسطينية وضرائب سلطة الأمر الواقع بقطاع غزة.
أوضاع مأساوية دفعت بعضاً من مواطني القطاع للنزول إلى الشارع رغبة بسد رمق أبناءهم الجوعى، في ظاهرة تسول تسيء لغزة وجمالها، وتدفع ببعضهم لامتهان التسول، لتخلط الحابل بالنابل بين من يسد رمق أسرته ومن يمتهن التسول.
المارون في الشوارع الرئيسية بمحافظات قطاع غزة، وخاصة شارع عمر المختار في حي الرمال الراقي وسط مدينة غزة والذي يمتد من ميناء غزة مروراً بساحة الجندي المجهول وصولاً إلى سوق غزة التجاري (البلد)، يشكون كثرة المتسولين على قارعة الطرقات، وأمام المولات الكبيرة والمحال التجارية والبنوك وفي المتنزهات وعلى أبواب المساجد إلى جانب أماكن الترفيه على شاطئ بحر غزة، وفي أسواق الخضار.
نماذج للتسول
رجال ونساء وأطفال يستعطفون المارة لإعطائهم مبلغاً من المال ليقضوا حاجيات عائلاتهم المعيشية، ولم يقتصر الحال على الفقراء والمحتاجين فقد أضحى جزء كبير من المتسولين يمارسونها كمهنة في ظل ندرة فرص العمل، ويستخدمون أساليب جديدة لإقناع المواطنين بحججهم مقابل المال.
الأمر تعدى ذلك بأنها أصبحت حرفة تقودها عصابات ولديها خطط عمل يومية توزع المتسولين على أماكن جغرافية وتخص الأحياء الراقية وبأساليب تسول مقنعة للمواطنين، منهم من يحمل تقارير طبية، وآخرين يدعون أنهم فقدوا نقودهم ليعودوا إلى منازلهم في محافظات أخرى، وآخرون يأخذون شكل البيع على مفترقات الطرق للمارة والسيارات بإلحاح، أو تقديم خدمات لأصحاب السيارات، ومنهم نساء يحملن أطفال رضع ويظهرن حاجتهن لإرضاعهن.
ممتهنو التسول في غزة يرفضون الإفصاح عن هويتهم وأماكن سكناهم وينتحلون أسماء أخرى، قصص كثيرة يختلقها المتسولون لإعطائهم المال. بعضهم يستغل عجزه عن العمل، أو كبر سنه أو مرضه الذي يمنعه عن العمل لإعالة أبناءه والعلاج، كما تمتهن العديد من النساء هذه الظاهرة بحجة موت زوجها أو مرضه.
ويروي المواطن حمدي الناجي: «للأسف أصبح التسول ظاهرة خطيرة، أطفال ونساء ورجال، الأمر يحتاج لوقفة جادة من الجهات الحكومية».
ويضيف المواطن حمودة شراب «هناك من يدفعهم ويحثهم لإظهار الصورة القبيحة لغزة، علماً أن التسول موجود في العالم العربي في دول ثرية وفقيرة على السواء».
ويتابع المواطن سامي حمدان قوله: «التسول في كثير من الأحيان هو عمالة أطفال واستغلال، حيث يجبر الطفل لحمل أشياء لا يمكن أن يشتريها أحد من أجل التسول..».
وقفة جادة
من جهته، دعا الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني المطلع على سياسات حكومية بغزة لوقفة جادة من الجهات الحكومية في القطاع ومكونات المجتمع المدني والفصائل والنخب والمثقفين، لإنهاء التسول كلياً، وتوفير بيئة تنموية للمتسول توفر له الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وتوفير حاضنة للمتسولين من قبل وزارة التنمية الاجتماعية بعلاجهم نفسياً واجتماعياً وتربوياً.
وقال إن «عمالة الأطفال هي عمالة إجبارية من بعض الأهالي، ومن بعض العصابات لتشغيلهم»، مضيفاً: «بعض الحالات رفضت إدراجها في برنامج الحماية الاجتماعية لوزارة التنمية الاجتماعية، لحصولها يومياً ما بين 50-100 دولاراً».
وشدد الدجني على ضرورة إظهار الصورة الجميلة لقطاع غزة التي تعبر عن النضال الفلسطيني، وهذه مهمة الأجهزة الأمنية والقضاء ووزارة التنمية الاجتماعية والصحة النفسية، لافتاً إلى أن المواطن دوره مهم في الحد من التسول، بإعطاء المال لمن يستحق وحتى لا يتمادى المتسول في نشر الأمراض الاجتماعية التي تنعكس على المجتمع بأكمله.
بدوره، أرجع المحلل الاقتصادي ماهر الطباع أسباب «التسول» إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة الناجمة عن ارتفاع نسب الفقر والبطالة، مضيفاً: أن «معالجة تلك الظاهرة وخاصة الممتهنين تقع على عاتق الجهات الحكومية الفلسطينية».
وكان المتحدث باسم الشرطة بغزة المقدم أيمن البطنيجي، أكد في تصريحات صحفية سابقة أن الشرطة أوقفت متسولين يتخذون التسول مهنة لهم، وآخرين يشكلون عصابات لتشغيل فتيات وأطفال للتسول وجمع الأموال لصالحهم. مشيراً إلى أن القانون الفلسطيني يمنع أي مواطن من استخدام التسول كوسيلة للاسترزاق.
يذكر أن قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004 في المادة 43، يحظر استغلال الأطفال في التسول كما يمنع تشغيلهم في ظروف مخالفة للقانون أو تكليفهم بعمل من شأنه أن يعيق تعليمهم أو يضر بسلامتهم أو بصحتهم البدنية أو النفسية.
وأطلقت في قطاع غزة العديد من الحملات التطوعية الميدانية لمكافحة ظاهرة التسول، استهدفت الأماكن التي ينشط فيها التسول وأصحاب المحال التجارية والمتسولين في حي الرمال الراقي.
خطة علاجية
وكشفت وزارة التنمية الاجتماعية في غزة أنها بصدد إطلاق خطة وطنية متكاملة لمعالجة ظاهرة التسول في نهاية الشهر الجاري بالرغم أن الأعداد لم تتجاوز 200 حالة تقريباً في كافة محافظات القطاع، والتي تأتي استكمالاً لعمل اللجنة الدائمة التي أطلقتها في آذار/مارس الماضي بالتعاون مع القطاعات الحكومية والأهلية المختلفة ولم تستكمل لأسباب تتعلق بعدوان الاحتلال ومسيرات العودة وقضايا داخلية وعدم توفر موازنة.
وأوضح مدير عام الرعاية الاجتماعية في وزارة التنمية الاجتماعية رياض البيطار أن التسول ليس ظاهرة بل هو مشكلة وسلوك سلبي فردي يجرمه القانون، ولدينا خطة علاجية تتصف بالاستمرارية نظراً لبنيتها التكاملية من عدة وزارات وهي «التنمية الاجتماعية» والصحة والأوقاف والمباحث العامة لوزارة الداخلية والنيابة العامة إلى جانب رجال الإصلاح والمخاتير، وتوفر موازنة للتنفيذ.
وقال البيطار: «نقسم المتسولين إلى نوعين، أحدهما من الممتهنين والذي نتخذ بحقه إجراءات قانونية، والثاني من المضطرين الذين نستهدفهم اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً وترفيهياً». مضيفاً: «رصدنا نحو 90 حالة تسول، جرى معالجة عدد كبير منها، ويجري معالجة البقية»، نافياً في الوقت نفسه وجود عصابات للمتسولين بل أقصى ما يتوفر هي أسر كاملة من الأب والأم والأبناء، إلى جانب بعض الأطفال والنساء المجبرين على التسول، وهناك سوء فهم لمفهوم التسول لدى الأطفال.■
■يبدو أن الحصار الإسرائيلي أطبق بفكيه على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، ودفع حياة مليوني فلسطيني بشبابهم وأطفالهم ونساءهم نحو المجهول، وساهم بارتفاع نسب الفقر ليصل لـ53% والفقر المدقع لـ33% والبطالة لـ52%، واعتماد أكثر من ٨٠٪ من سكان القطاع المحاصر على المساعدات الإنسانية.
ولم يكف الغزيون حصارهم الإسرائيلي المطبق عليهم للعام الثالث عشر على التوالي، بل زادهم عنوة الإجراءات العقابية لحكومة السلطة الفلسطينية وضرائب سلطة الأمر الواقع بقطاع غزة.
أوضاع مأساوية دفعت بعضاً من مواطني القطاع للنزول إلى الشارع رغبة بسد رمق أبناءهم الجوعى، في ظاهرة تسول تسيء لغزة وجمالها، وتدفع ببعضهم لامتهان التسول، لتخلط الحابل بالنابل بين من يسد رمق أسرته ومن يمتهن التسول.
المارون في الشوارع الرئيسية بمحافظات قطاع غزة، وخاصة شارع عمر المختار في حي الرمال الراقي وسط مدينة غزة والذي يمتد من ميناء غزة مروراً بساحة الجندي المجهول وصولاً إلى سوق غزة التجاري (البلد)، يشكون كثرة المتسولين على قارعة الطرقات، وأمام المولات الكبيرة والمحال التجارية والبنوك وفي المتنزهات وعلى أبواب المساجد إلى جانب أماكن الترفيه على شاطئ بحر غزة، وفي أسواق الخضار.
نماذج للتسول
رجال ونساء وأطفال يستعطفون المارة لإعطائهم مبلغاً من المال ليقضوا حاجيات عائلاتهم المعيشية، ولم يقتصر الحال على الفقراء والمحتاجين فقد أضحى جزء كبير من المتسولين يمارسونها كمهنة في ظل ندرة فرص العمل، ويستخدمون أساليب جديدة لإقناع المواطنين بحججهم مقابل المال.
الأمر تعدى ذلك بأنها أصبحت حرفة تقودها عصابات ولديها خطط عمل يومية توزع المتسولين على أماكن جغرافية وتخص الأحياء الراقية وبأساليب تسول مقنعة للمواطنين، منهم من يحمل تقارير طبية، وآخرين يدعون أنهم فقدوا نقودهم ليعودوا إلى منازلهم في محافظات أخرى، وآخرون يأخذون شكل البيع على مفترقات الطرق للمارة والسيارات بإلحاح، أو تقديم خدمات لأصحاب السيارات، ومنهم نساء يحملن أطفال رضع ويظهرن حاجتهن لإرضاعهن.
ممتهنو التسول في غزة يرفضون الإفصاح عن هويتهم وأماكن سكناهم وينتحلون أسماء أخرى، قصص كثيرة يختلقها المتسولون لإعطائهم المال. بعضهم يستغل عجزه عن العمل، أو كبر سنه أو مرضه الذي يمنعه عن العمل لإعالة أبناءه والعلاج، كما تمتهن العديد من النساء هذه الظاهرة بحجة موت زوجها أو مرضه.
ويروي المواطن حمدي الناجي: «للأسف أصبح التسول ظاهرة خطيرة، أطفال ونساء ورجال، الأمر يحتاج لوقفة جادة من الجهات الحكومية».
ويضيف المواطن حمودة شراب «هناك من يدفعهم ويحثهم لإظهار الصورة القبيحة لغزة، علماً أن التسول موجود في العالم العربي في دول ثرية وفقيرة على السواء».
ويتابع المواطن سامي حمدان قوله: «التسول في كثير من الأحيان هو عمالة أطفال واستغلال، حيث يجبر الطفل لحمل أشياء لا يمكن أن يشتريها أحد من أجل التسول..».
وقفة جادة
من جهته، دعا الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني المطلع على سياسات حكومية بغزة لوقفة جادة من الجهات الحكومية في القطاع ومكونات المجتمع المدني والفصائل والنخب والمثقفين، لإنهاء التسول كلياً، وتوفير بيئة تنموية للمتسول توفر له الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وتوفير حاضنة للمتسولين من قبل وزارة التنمية الاجتماعية بعلاجهم نفسياً واجتماعياً وتربوياً.
وقال إن «عمالة الأطفال هي عمالة إجبارية من بعض الأهالي، ومن بعض العصابات لتشغيلهم»، مضيفاً: «بعض الحالات رفضت إدراجها في برنامج الحماية الاجتماعية لوزارة التنمية الاجتماعية، لحصولها يومياً ما بين 50-100 دولاراً».
وشدد الدجني على ضرورة إظهار الصورة الجميلة لقطاع غزة التي تعبر عن النضال الفلسطيني، وهذه مهمة الأجهزة الأمنية والقضاء ووزارة التنمية الاجتماعية والصحة النفسية، لافتاً إلى أن المواطن دوره مهم في الحد من التسول، بإعطاء المال لمن يستحق وحتى لا يتمادى المتسول في نشر الأمراض الاجتماعية التي تنعكس على المجتمع بأكمله.
بدوره، أرجع المحلل الاقتصادي ماهر الطباع أسباب «التسول» إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة الناجمة عن ارتفاع نسب الفقر والبطالة، مضيفاً: أن «معالجة تلك الظاهرة وخاصة الممتهنين تقع على عاتق الجهات الحكومية الفلسطينية».
وكان المتحدث باسم الشرطة بغزة المقدم أيمن البطنيجي، أكد في تصريحات صحفية سابقة أن الشرطة أوقفت متسولين يتخذون التسول مهنة لهم، وآخرين يشكلون عصابات لتشغيل فتيات وأطفال للتسول وجمع الأموال لصالحهم. مشيراً إلى أن القانون الفلسطيني يمنع أي مواطن من استخدام التسول كوسيلة للاسترزاق.
يذكر أن قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004 في المادة 43، يحظر استغلال الأطفال في التسول كما يمنع تشغيلهم في ظروف مخالفة للقانون أو تكليفهم بعمل من شأنه أن يعيق تعليمهم أو يضر بسلامتهم أو بصحتهم البدنية أو النفسية.
وأطلقت في قطاع غزة العديد من الحملات التطوعية الميدانية لمكافحة ظاهرة التسول، استهدفت الأماكن التي ينشط فيها التسول وأصحاب المحال التجارية والمتسولين في حي الرمال الراقي.
خطة علاجية
وكشفت وزارة التنمية الاجتماعية في غزة أنها بصدد إطلاق خطة وطنية متكاملة لمعالجة ظاهرة التسول في نهاية الشهر الجاري بالرغم أن الأعداد لم تتجاوز 200 حالة تقريباً في كافة محافظات القطاع، والتي تأتي استكمالاً لعمل اللجنة الدائمة التي أطلقتها في آذار/مارس الماضي بالتعاون مع القطاعات الحكومية والأهلية المختلفة ولم تستكمل لأسباب تتعلق بعدوان الاحتلال ومسيرات العودة وقضايا داخلية وعدم توفر موازنة.
وأوضح مدير عام الرعاية الاجتماعية في وزارة التنمية الاجتماعية رياض البيطار أن التسول ليس ظاهرة بل هو مشكلة وسلوك سلبي فردي يجرمه القانون، ولدينا خطة علاجية تتصف بالاستمرارية نظراً لبنيتها التكاملية من عدة وزارات وهي «التنمية الاجتماعية» والصحة والأوقاف والمباحث العامة لوزارة الداخلية والنيابة العامة إلى جانب رجال الإصلاح والمخاتير، وتوفر موازنة للتنفيذ.
وقال البيطار: «نقسم المتسولين إلى نوعين، أحدهما من الممتهنين والذي نتخذ بحقه إجراءات قانونية، والثاني من المضطرين الذين نستهدفهم اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً وترفيهياً». مضيفاً: «رصدنا نحو 90 حالة تسول، جرى معالجة عدد كبير منها، ويجري معالجة البقية»، نافياً في الوقت نفسه وجود عصابات للمتسولين بل أقصى ما يتوفر هي أسر كاملة من الأب والأم والأبناء، إلى جانب بعض الأطفال والنساء المجبرين على التسول، وهناك سوء فهم لمفهوم التسول لدى الأطفال.■
أضف تعليق