23 كانون الأول 2024 الساعة 12:39

عودة «الخائبين» وسؤال «المشتركة»

2019-07-13 عدد القراءات : 1077
تشهد الخريطة الحزبية في إسرائيل تغيرات على وقع عودة عدد من الشخصيات المعتزلة أو المتنحية إلى واجهة المشهد السياسي والحزبي، من بينها إيهود باراك وعمير بيرتس ونيتسان هوروفيتس (ميرتس) وربما تسيفي ليفني تلميذة ارئيل شارون.
ينضم هؤلاء إلى حزب «أزرق – أبيض» بقيادة غانتس ضمن شعار وحيد هو إسقاط نتنياهو، دون أن يمتلك أياً منهم برنامجاً ملموساَ يمكن أن يشكل بديلاً عما يطرحه ويمارسه رئيس الوزراء وحزبه وائتلافه الحكومي في السياسة والاقتصاد.
لذلك، يركزون على ملف فساده وإمكانية أن يؤدي فتح تحقيق رسمي معه إلى إزاحته ووضع حد لطموحاته في الاستمرار على رأس الحكومة للمرة الخامسة على التوالي.
في الوقت نفسه، تحاول مكونات «القائمة المشتركة» إعادة لملمة صفوفها والاستفادة من تجربتها السابقة وتطويرها في مواجهة محاولات تهميش وإقصاء الأحزاب العربية في سياق تصاعد السياسات العنصرية بحق الفلسطينيين في أراضي الـ 48.
عودة «المعتزلين» ظاهرة معروفة في العمل السياسي والحزبي الإسرائيلي. ونتنياهو نفسه أحد رموزها الماثلين أمامنا، وقد عاد في العام 2009 ونجح في تشكيل الحكومة ورئاستها عندما أفشل بالتعاون مع باراك مساعي تسيفي ليفني لتشكيلها بعد أن حصل حزبها «كاديما» على الحصة الأكبر من مقاعد الكنيست.
لكن نجاح هؤلاء المعتزلين في تحقيق إنجازات إثر عودتهم يتطلب دائماً توافر شروط ذاتية وموضوعية مترابطة، منها خريطة المنافسين داخل الحزب الذي عاد إليه وخارجه، ومدى قدرة «العائد» على صياغة تحالفات تعزز موقعه وتحقق طموحاته، وقد توفر هذا الأمر أمام بنيامين نتنياهو، الذي خلت أمامه الساحة من منافسين جديين منذ العام 2009، حتى جاء حليفه السابق أفيغدور ليبرمان ومنعه من ترجمة فوز معسكر اليمين في الانتخابات السابقة إلى إنجاز بتشكيل حكومته الخامسة، عندما رفض الانضمام إليها وحرمه الأكثرية البرلمانية التي يحتاجها لتحقيق ذلك، وأبقاه واقفاً على قدم واحدة عند عتبة الـ 60 صوتاً.
ويسجل لنتنياهو داخل الليكود أن نجح في تدعيم موقع الحزب وزيادة مقاعده في الكنيست، وترسيخ دوره القيادي في الائتلافات الحكومية التي شكلها منذ العام 2009 وحتى اليوم. كما يسجل له في حزبه قدرته على المناورة في محطات كثيرة استطاع فيها تجاوز تحديات واجهت حكومته خاصة في العام 2010عندما نشأت تجاذبات بين حكومته وإدارة باراك أوباما حول ملف الاستيطان والمقدمات المطلوبة لإحياء عملية التفاوض التي كانت قد توقفت أواخر ولاية الرئيس جورج الابن في العام 2008، على خلفية ما جاء في خطاب أوباما في جامعة القاهرة صيف العام 2009، ودعا فيه إلى تجميد الاستيطان ووقف هدم منازل الفلسطينيين بعد أن تحدث عن حقهم في دولة تخصهم.
لكن الأمر مختلف تماماً بما يخص إيهود باراك العائد على رأس حزب جديد في مواجهة نتنياهو،وهو الذي كان ساعده الأيمن ليس فقط في المناورة والالتفاف على مساعي تسيفي ليفني في تشكيل الحكومة، بل وفي إضعاف حزبه هو «العمل» عندما عمل على شقه والتحق مع معظم كتلته البرلمانية بحكومة نتنياهو بالضد من قرار الحزب في ذلك الوقت. ومنذ أن تولى باراك قيادة «العمل» في العام 1999 وفاز في تلك الانتخابات، بدأ الحزب مسلسل تراجعه، وخرج خاسرا في انتخابات العام 2001 في مواجهة الليكود بقيادة شارون. لذلك لا يوجد أي رصيد لدى باراك يسجل لصالحه لا في مواجهة نتنياهو وسياساته و«فرديته» التي ينتقدها الآن، ولا في الحرص على مصالح حزبه وتدعيم موقعه في الخريطة الحزبية والسياسية الإسرائيلية.
وحال بيرتس الذي فاز مؤخراً برئاسة حزب العمل ليس أفضل حالاً في ظل غياب هوية الحزب وبرامجه الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تميزه عن غيره من الأحزاب، ربطاً بالشعارات التي رفعها على امتداد العقود التي أعقبت تأسيسه. ولم يشكل عمير بيرتس حالة قيادية قادرة على توحيد الحزب والنهوض به، وبقي شخصية متنحية داخله، ومن الواضح أن عودته مرة أخرى إلى رئاسة الحزب إنما جاءت بفعل الأزمة القيادية التي يعانيها الحزب منذ أكثر من عشرين عاماً.
وفي حال عودة تسيفي ليفني، إلى العمل السياسي فإنها محكومة بوضع الأحزاب المصنفة في خانة اليسار والوسط ومدى قدرتها على بلورة برنامج مشترك في مواجهة الليكود وحلفائه، وهو أمر مستبعد بسبب التقارب الشديد بين مختلف الأحزاب الصهيونية في الحكومة والمعارضة في الشق السياسي من البرنامج وخاصة في ما يتعلق بسبل حل الصراع الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي، والموقف من الحقوق الوطنية الفلسطينية في العودة وقيام الدولة المستقلة على كامل حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ضمن ما سبق يتحرك بنيامين نتنياهو وحلفاؤه من أجل تجاوز العقدة التي منعتهم من تشكيل الحكومة عقب الانتخابات السابقة ويدرسون الاحتمالات المتاحة في الزج مجدداً بالأحزاب اليمينية المتطرفة الصغيرة لتدعيم معسكر نتنياهو ووضع البدائل في حال ظهور صعوبات تمنعهم مجدداً من الحصول على الأكثرية البرلمانية للازمة لتمرير تشكيل الحكومة القادمة برئاسة نتنياهو.
 بما يخض الأحزاب العربية، تواصل الأحزاب التي شكلت سابقاً «القائمة المشتركة» إعادة التجربة وتوحيد جهود هذه الأحزاب على مشارف الانتخابات القادمة والاستفادة من الدروس حول تلك التجربة على قاعدة إعلاء مصالح الجماهير العربية في أراضي الـ 48 الوطنية والسياسية والحقوقية فوق أية مصالح واعتبارات حزبية ضيقة. وربما الاتفاق (حتى الآن) ما بين هذه الأحزاب حول ترتيب الأسماء العشرة الأولى في القائمة الموحدة يشكل مقدمة مشجعة لنجاح هذه المساعي.
ومن نافل القول إن السياسات العنصرية الصهيونية القائمة وتصاعدها بحق أهلنا في أراضي الـ 48 تشكيل من المفترض أن تكون حافزاً أساسياً لتوحيد جهود الأحزاب العربية في مواجهة هذه السياسات التي يعبر عنها «قانون القومية» العنصري وفي ظل الهجمة الأميركية – الإسرائيلية الموحدة على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده على يد ما يسمى «صفقة القرن».
لقد أدى تشكيل «القائمة المشتركة» على أبواب انتخابات العام 2015 إلى زيادة نسبة التصويت العربي بعدما لمست الجماهير العربية في أراضي الـ 48 أن هناك جدية من قبل أحزابها في التعامل مع حقوقها وطموحاتها الوطنية والاجتماعية، فيما حصل العكس بعدما فشلت هذه الأحزاب في تكرار التجربة عشية الانتخابات الماضية، وقد أدى الإحباط جراء هذا الفشل إلى عزوف الكثيرين عن التصويت في الانتخابات. وضمن هذه الأجواء كانت الأحزاب الصهيونية هي المستفيد الأكبر إذ حصدت خلال الانتخابات الماضية أكثر من 30% من الأصوات العربية لصالحها.
الأحزاب العربية أمام امتحان المسؤولية الوطنية مرة أخرى ونحن على مشارف الانتخابات القادمة، في ظل تفاؤل تدفع باتجاهه الجماهير الفلسطينية في أراضي الـ 48 من زاوية الأمل بقدرة هذه الأحزاب على تجاوز هذا الامتحان... بنجاح.

أضف تعليق