22 تشرين الثاني 2024 الساعة 10:34

ضد خطاب الكراهية

2019-06-20 عدد القراءات : 800
قبل عام، كشف تقرير محدود لمنظمة لبنانية غير حكومية أن خطاب الكراهية عبر شبكات التواصل في لبنان يصدر عن 94 في المئة من عامّة الجمهور، في حين يشارك 4 في المئة من الصحفيين و 2 في المئة من السياسيين في نشر هذا المحتوى.
لكن عيّنة البحث التي اعتمدها التقرير كما المنهجية عانت من عدة ثغرات تشكك في أرقامها، ومع ذلك تبدو النتيجة منطقية في بلد تتنازعه العصبيات لا الرؤى والبرامج التنموية، وبالتالي فإن مرور هكذا ظواهر مرور الكرام أمر غير مستغرب. لكن في دول العالم التي تؤمن حداً أدنى من الرفاهية والاستقرار لشعوبها، يمثّل خطاب الكراهية على شبكات التواصل مسألة أمن قومي كونه يرتبط مباشرة بالواقع. فعلى سبيل المثال، لاحظت السلطات الألمانية تزايداً في المنشورات المناهضة للاجئين من قبل التيار اليميني عبر الفايسبوك بالتزامن مع ازدياد عدد الهجمات الفردية على اللاجئين، خاصة السوريين منهم.
وفي الولايات المتحدة، هناك مؤشرات ملحوظة على ارتفاع الأعمال المناهضة للأعراق الأخرى غير البيضاء بالتزامن مع ازدياد عدد المنشورات الداعية لتفوق العرق الأبيض عبر الانترنت. أما في مينامار، فقد أقرّت «فايسبوك» بأنها تأخرت في منع حملات البوذيين والعسكريين المناهضة للأقلية الروهينغا ما أدى إلى حصول العديد من عمليات التطهير العرقي من دون إدانة دولية واسعة.
وفي غياب مؤسسات إعلامية لبنانية مهنية أو سلطة قادرة على استخدام أدوات الإحصاء العلمي لمعرفة حجم خطاب الكراهية في لبنان وتأثيره المباشر على المجتمع، فإن جلّ ما يمكننا الحديث عنه هو تداعيات «الكراهية» المألوفة على التايملاين اللبناني، بين كافة شرائح الشعب، من طبقاتها الدنيا ثقافياً وحتى أعلاها، ومن سياسييها إلى فنانيها. مع إغفال الكراهية في الإعلام التقليدي، كونه يخضع للمزاج والتمويل السياسي غالبًا، ويمكن السيطرة عليه عندما يقرر السياسيون ذلك!
في لبنان، وبسبب غياب ثقافة قبول المختلف، يستحضر الجمهور الكراهية بسهولة عند تناول قضايا إشكالية؛ كاللاجئين السوريين ومصير من يرتكبون الانتحار أو حقوق المثليين والزواج المدني وما شاكل. بل إن أي قضية فردية، مهما كانت في جوهرها عادية، تتحول إلى قضية رأي عام يُصدر فيها الجمهور «سمومه» الناجمة عن إحباطاته وعقائده الضيّقة واتجاهاته الفكرية الضحلة وضغوطه اليومية. ويساهم الإعلام التقليدي بشكل كبير في الترويج لهذه الثقافة بهدف رفع «الرايتنغ»، فيندر أن ترى ضيفًا مختصًا في القضية نفسها يحظى بفرصة للكلام أو الحوار، بل يكون في أفضل الحالات جزءا من ديكور الحلقة في مواجهة آخرين من غير الاختصاص العلمي.
الأثر الأول لكل خطاب يحمل في مفرداته ومعانيه بذور العنف اللفظي والعداء هو الاضطرابات النفسية.
تُظهر العديد من الاختبارات النفسية أن «التنمرّ»، باعتباره ظاهرة بشرية عالمية، قد تحولّ إلى سبب رئيسي لتوليد التوتر والكآبة على شبكات التواصل، كما أن غياب المحاسبة على التنمر الإلكتروني سبب مباشر لتمادي المتنمّر في تشويه «الآخر» في أرض الواقع.
وغالبًا ما يكون اثر خطاب الكراهية الذي يستهدف أفرادًا بأنفسهم جماعيًا. فالحلقة الضيّقة المحيطة بالشخص المستهدف عبر شبكات التواصل تميل إلى الحذر خشية تعرضّها للتجربة نفسها، ما يعني انتقال المشاعر السلبية بشكل تلقائي وأسرع بل أشد وطأة من المشاعر السلبية في التواصل الفيزيائي الحقيقي أحيانًا.
أما الأثر الثاني المباشر من انتشار خطاب «الكراهية» فهو «التطرف» الذي لا يكتفي بتشويه الآخر، بل يسعى لإيذائه وإلغائه جسديًا.
ويختلف الناس في مقاربة استخدام «العنف» مع الآخرين لتبرير الدفاع عن معتقداتهم وآرائهم أو الجماعة التي ينتمون إليها، وهذا ما يفسّر تنامي هذه الظاهرة بين الإعلاميين والسياسيين أو ما يتم تصنيفه عادة ضمن النخب الثقافية. فيزداد الاستعداد للتطرف كلما ارتفع دور الفرد في هرم التأثير على شبكات التواصل. بمعنى آخر، ينقسم مستخدمي الإنترنت من الجماعات إلى ثلاثة:
•    المتعاطفون: وهؤلاء أغلبية يظل تأثيرها في إعادة نشر محتوى الكراهية، من دون أن يكونوا بالضرورة منتمين لأي جهة، بل لمجرد حاجتهم إلى الانخراط في موجة جماعية.
•    المنتمون: وهؤلاء أكثر انخراطا في نشر الدعاية، بسبب اعتقادهم بها.
•    الناشطون: وهؤلاء يصنعون المحتوى الذي ينتشر بين المتعاطفين والمنتمين.
يلاحظ الخبراء وأصحاب الاختصاص ارتفاع منسوب الكراهية في الخطاب، وصولًا إلى حد العنف حتى بين أصحاب المرتبة الأولى في الهرم؛ أي الناشطين، بغض النظر ما إذا كانوا إعلاميين أم من فئة تتعامل والشأن العام. وهذا يفسّر التوتر والانفعال المرافق لخطاب بعض الإعلاميين والسياسيين أكثر من غيرهم، بل إن بعضهم يذهب أبعد من ذلك في سلوكه بالمشاركة الفعلية في الأذى بمن يخالفه الرأي.
وفي حين تعمد السلطات السياسية في دول الشرق الأوسط إلى محاسبة طبقتي المنتمين والمتعاطفين، اللتين يقتصر تأثيرهما على الكلام عبر شبكات التواصل، فإن الحاجة أكبر لتعريف خطاب الكراهية وضبطه، خاصة ما إذا كان صادراً عن شخصيات مؤثرة.
وبعد سنوات من المساعي الدولية لتحديد «الكراهية» عبر الإنترنت ومحاولة إيجاد آلية موّحدة لمكافحتها، فإن أغلب السياسات الحكومية في الدول المتقدمة باتت تلقي بهذه المسؤولية على عاتق منصات الإنترنت نفسها، من منتديات وشبكات اجتماعية ومواقع تفاعلية، بالاستناد إلى رقابة ذاتية يتعامل معها المستخدمون من الدول التي لا تعبئ بهذه الظاهرة على أنها استهداف لهم.

أضف تعليق