23 كانون الأول 2024 الساعة 14:34

الأخطاء الطبية بين الإهمال وغياب الرادع القانوني

2019-05-25 عدد القراءات : 952
غزة (خاص الاتجاه الديمقراطي)ــــــــــــــــ آمنة الدبش
■الأخطاء الطبية والإهمال الطبي هواجس تؤرق المجتمع الفلسطيني ويقع ضحيتها العشرات من الضحايا من المرضى الذين دفعتهم الظروف  إلى الوقوع تحت أيدي أطباء معدومي الخبرة ومحدودي الكفاءة. وتعرف الأخطاء الطبية والإهمال الطبي بإخلال الطبيب بالقواعد والأصول المهنية في ظل التقصير في الرقابة وغياب الرادع القانوني.
حالات كثيرة انطفئ نورها ضجت بهم مواقع التواصل الاجتماعي وتعاطفت معهم وسائل الإعلام وتداولت أخبارهم ومعاناتهم.ضحايا فقدوا حياتهم، وبعضهم أصيب بإعاقات دائمة بسبب الأخطاء الطبية التي وقعوا ضحيتها. وهناك أمثلة حية عن ضحايا كثر جراء الإهمال وسوء التقدير أو ضعف الكفاءة فضاعت حقوقهم في ظل صعوبة إخضاع الطبيب للمساءلة القانونية وعدم إثبات ارتكابه للخطأ الطبي، ولم تعترف وزارة الصحة بمسؤولياتها وتكتفي بتشكيل لجان للتحقيق.
...ودون سابق إنذار
لم يعد الطفل عمر أشرف حمدان البالغ من العمر خمس سنوات من سكان مخيم المغازي وسط قطاع غزة قادراً على الحركة بعد أن كانت حركاته وضحكاته تملأ جدران البيت. خطف الخطأ الطبي بريق عينيه فأصبح أسيراً لذكريات مؤلمة تقف على حدود طفولته لتمنعه من استرجاع الفرحة وممارسة اللعب مثل أي طفل آخر، وتقيده بكرسي متحرك ليتجرع مرارة الواقع الأليم.
عمر أدخل المشفى جراء حمى شوكية وارتفاع حاد بالحرارة مكث على إثرها بالمشفى فترة طويلة، وبعدها طلبت إدارة المشفى من والد الطفل الموافقة على أخذ عينة من العمود الفقري، وأثناء أخذ العينة دخل فيروس على العمود الفقري مما أدى إلى شلل الطفل وفقدانه الشعور بقدمه، وخرج عمر عاجزاً عن الحركة جراء إصابته بإعاقة حركية تلازمه طوال حياته بسبب «الخطأ الطبي».
فوق الخطأ .. تزوير!؟
وتوفى الطفل المعتصم بالله سلامة ذو الثلاث سنوات من غزة، نتيجة خطأ طبي، حيث كان يعاني ارتفاعا في درجة حرارته، ولم يهتم الأطباء أو طاقم التمريض بشأنه لمدة ثلاث ساعات، وبعد معاناة تم إعطاؤه إبرة بالخطأ اختلف الطفل فورا بعدها، حيث أصبح وجهه مسوداً واختنق وفارق الحياة. وللأسف استعانوا بجهاز التنفس لكن دون فائدة، فأجهزة المشفى عاطلة وعلى الفور توفي الطفل. وباتصال هاتفي مع والده قال لي، «بوضوح تم تزوير التقرير الطبي بأن الطفل حضر إلى المشفى ميتاً»، ولم يصدر التقرير النهائي لتشريح جثمان الطفل معتصم.
ترملت في ريعان شبابها
«كل شيء كان جميلاً، في الحياة فرح يختبئ خلفه موت، حطم العائلة وترك الشوق والحسرة والجراح التي لا تندمل».. كلمات رددتها زوجة الضحية خلال الاتصال معها لمعرفة الحقيقة التي لا يدري بها أحد. رحل الزوج السند الذي كان لها ولأطفالها كل شيء في حياتهم، ذاقت مرارة الترمل والوحدة لتبدأ رحلة المعاناة. احتسبت وصبرت وضحت بالكثير لتضيء الطريق المظلم لعائلتها من ويلات الحياة.


توفي (أ.م) الذي يبلغ من العمر (43 عاماً) من سكان رفح جراء خطأ طبي أودى بحياته على الفور. وبشكل مفاجئ أدخل الضحية المشفى وبعد إجراء الفحوصات قرر الأطباء إجراء عملية إزالة حصاوى بالمرارة، وهنا كانت الفاجعة، حيث أن أحد الأطباء أخطأ بضرب الكبد أثناء إجراء العملية مما أحدث مضاعفات جسدية، نزيف لم يتوقف بإهمال طبي للضحية أدخل على أثرها العناية المشددة بعد تدهور صحته بالإغماء وفقدان الوعي بالكامل، وهنا كانت النهاية حيث فارق المريض الحياة جراء استهتار «ملائكة الرحمة»، ولم تقدم زوجة المريض أي شكوى بمصابها الجلل.
حرموه من الإنجاب
«بابا».. كلمة بات ينتظر سماعها بفارغ الصبر، لكن القدر شاء أن يحرمه منها ليعيش حياة بائسة أمام مصير مجهول. وباتصال هاتفي مع الضحية الذي طلب عدم ذكر اسمه نظراً لحساسية قضيته.
الضحية (ع.م) الذي يبلغ (21 عاماً) من سكان مدينة غزة، أجرى عملية جراحية «دوالي في الخصيتين» وهو في (18 عاماً) بعد فحوصات مخبرية، تسببت له ضمور في الخصية اليسرى بشكل ملحوظ، وعند مراجعة الأطباء أبلغوه بإجراء صورة تلفزيونية وتحاليل سائل منوي وتفاجأ الضحية بنتيجة التحاليل. وبعد إطلاع الأطباء على التقارير والتحاليل الطبية أبلغوا الضحية بطبيعة المشكلة الواقعة عليه جراء خطأ طبي أثناء العملية، وانه لن يستطيع الزواج والإنجاب بشكل طبيعي. حاول الضحية جاهداً عمل السفر للعلاج خارج قطاع غزة لكن للأسف مُنع من السفر عبر معبري بيت حانون (إيرز) ورفح.  وهكذا.. دُمرت حياة الضحية وحُرم من أبسط حقوقه، كإنسان طبيعي نتيجة خطأ طبي، أدى لضرر صحي ونفسي انعكس على حياته وفقدان مستقبله.
استعرضنا بعض النماذج الحية من واقع الحياة والتي لا يعلم المجتمع الفلسطيني شيئاً، ولم تأخذ صدى، وهناك حالات عدة ذكرت في وسائل الإعلام وأثرت على الشارع الفلسطيني والرأي العام المحلي.
... من منظور قانوني
الأخطاء الطبية ملف معقد جداً يصعب التعامل معه في ظل غياب نصوص قانونية واضحة إزاء ذلك، وهناك حالات وقعت تحت تأثير الخطأ والإهمال الطبي ولم نعلم عنها، وهذا يفسر عدم وجود قاعدة بيانات طبية توضح عدد حالات الأخطاء والإهمال الطبي وكيفية تشكيل لجان التحقيق وغياب التعويض الكافي للمريض وغياب التأمين جراء الأخطاء الطبية.


 
بدوره، أكد المحامي يحيى محارب من مركز الميزان لحقوق الإنسان، لمعدة التقرير، أن الساحة القانونية بحاجة إلى تشريع خاص للنظر بقضايا الأخطاء الطبية. مستدركاً: لكن مهمتنا رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان بما يقدمه الضحايا من شكاوى، ونقوم بتوكيل محام من داخل المركز يقوم بمخاطبة وزارة الصحة عبر مراسلة قانونية، مع العلم أن هناك تقصيرا من الدائرة القانونية التابعة لوزارة الصحة تجاه بعض الشكاوى. وأشار محارب إلى أن لجان التحقيق لا تنصف الضحايا، لذلك المطلوب من ذوي الضحايا اللجوء للمحاكم ورفع قضايا تعويض.
لا إحصائيات رسمية
لا توجد إحصائية رسمية دقيقة عن الأخطاء الطبية لدى قطاع الصحة الفلسطيني سواء الخاص أو العام، فيما تصدر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان تقريراً سنوياً عن الوفيات الناجمة عن  الأخطاء الطبية والإهمال الطبي، حيث سجل تقرير عام 2018 وجود (10) وفيات موزعة على (8) في قطاع غزة و(2) في الضفة الفلسطينية بواقع الجندر (5) ذكور و(5) إناث، فيما الفئة العمرية بواقع (2) من الأطفال و(8) من البالغين. ويذكر التقرير أن الهيئة تلقت (12) شكوى في العام 2018 حول الإهمال الطبي.
حماية قانونية
الأخطاء الطبية ليست مسؤولية فردية بقدر ما هو مسؤولية مشتركة، فالأخطاء غير متعلقة بالأطباء وحدهم، فالمختبرات والطواقم الطبية تقع المسؤولية أيضاً عليهم، وآثار الحصار الإسرائيلي على القطاع والانقسام الفلسطيني انعكسا بشكل كبير على الأداء والإمكانيات.
للطبيب دور مهم كونه مواطناً قبل أن يكون طبيباً، ويعمل على إصلاح مجتمعه من خلال ممارسة دوره المهني. فهو من يعطي الوصفات الطبية ويصدر التقارير للمعنيين. بالمقابل يحتاج الطبيب لحماية قانونية، وتتشكل لجان في المشافي تناقش حالات الوفيات والمضاعفات وأسباب الخطأ للمساهمة في الحد من حالات الإهمال والاستهتار في المؤسسات الصحية مع الإشارة إلى أن ضحية الخطأ الطبي أو ذويهم ملزمون بتقديم تقرير طبي يفيد بوقوع الخطأ، فيما في الغالب يرفض الطبيب الاعتراف بخطئه بل يتضامن مع زميله وبذلك يكون المواطن المريض هو الضحية أولاً وأخيراً. فكفى عبثاً بأرواح الأبرياء وآن الأوان للمضي قدما بوضع نظام قانوني فعال ورادع.■
تنويه: ينشر بالتزامن مع العدد 1727 لمجلة الحرية بشقيها الورقي والالكتروني

 

أضف تعليق