23 كانون الأول 2024 الساعة 08:12

هذه هي حقيقة معركة الفاكهاني في 10/4/1973

2019-05-13 عدد القراءات : 1520
■بعد 46 عاماً، تكشف إسرائيل، عبر تسريب جهاز الموساد إلى الصحفي روبين برغمان (يديعوت أحرونوت 10/5/2019) اللثام عن عمليتها الإجرامية في مدينة بيروت، أطلقت عليها «ربيع الشباب» (أو ربيع الصبا)، استهدفت عدداً من قادة المقاومة الفلسطينية، في حركة فتح، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بشكل خاص.
وهي العملية التي نجح فيها ضباط وجنود إسرائيليون في الوصول إلى منازل عدد من قادة فتح واغتيالهم، في شارع فردان في قلب المدينة وهم أبو يوسف النجار، والشاعر كمال ناصر، وكمال عدوان. وكما أوضحت الصحيفة لأن النجار قائداً للعمليات في فتح، وأن عدوان كان المسؤول عن تحريك خلايا فتح داخل الأراضي المحتلة، أما ناصر فكان ناطقاً باسم م.ت.ف. الرجل الأول في جهازها الإعلامي في بيروت.
وتروي الصحيفة العديد من التفاصيل التحضيرية التي سبقت تنفيذ العملية، وإن الهدف منها كان «الانتقام» لقتلى إسرائيل في عملية ميونخ التي نفذتها خلايا ما كان يدعى آنذاك «منظمة أيلول الأسود»، والتي اتهم الشهيد الراحل صلاح خلف أبو أياد عضو اللجنة المركزية لفتح أنه كان وراء تشكيلها.
وتعترف الصحيفة، أن إسرائيل أشركت في العملية حوالي ثلاثة آلاف جندي، نزل العشرات منهم على شاطئ بيروت عبر 19 زورقاً مطاطياً، نقلها إلى قرب الشاطئ 6 بوارج حربية، كانت جاهزة للتدخل بحراً وجواً (عبر المروحيات) لنجدة المجموعات التخريبية الإسرائيلية إذا ما أصيبت عمليتها بنكسة ما.
وكما اعترفت الصحيفة ونقلاً عن مصادر الموساد فإن النكسة وقعت هي الفاكهاني عندما حاولت مجموعات من الموساد والجنود الإسرائيليين، برئاسة العميد ليبكين شاحاك (الذي أصبح لاحقاً رئيساً للأركان في الجيش الإسرائيلي) اقتحام المبنى المركزي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، لكنها اصطدمت بالحراس واشتبكت معهم في قتال مباشر، مما أضطرها لحمل قتلاها وجرحاها والعودة خائبة إلى شاطئ بيروت. وبعضهم يرتجف خوفاً، كما وصفهم شاحاك شخصياً في تقريره عن العملية.
فماذا الذي جرى في مبنى الجبهة الديمقراطية في الفاكهاني؟
يروي أحد ضباط الجبهة، الذين شاركوا في الدفاع عن مبنى المقر المركزي، وكان في تلك الليلة هو الضابط المناوب. أن أجواء بيروت الأمنية كانت قلقة في تلك الأيام (شهر نيسان من العام 1973) وكان ثمة توتر في العلاقة بين فصائل المقاومة والأجهزة الأمنية اللبنانية، التي أرادت أن تحد من حركة المقاومة، بما في ذلك الحد من حراسات مكاتب القادة الفلسطينيين ومنازلهم، مما اضطرها لتقليص حراساتها إلى الحد الأدنى، مستشعرة الخطر القادم، يضيف أن بوابة بيروت كانت مشرعة في ذلك الوقت لوفود أجنبية، كانت تأتي إلى العاصمة اللبنانية تحت عناوين وتسميات عدة، وأن هذا الأمر دفع جهاز الأمن في الجبهة لاتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية، تخوفاً من عمليات استطلاع قد تتعرض لها مراكز الجبهة ومقراتها، تكون مقدمة لأعمال عدوانية إسرائيلية، خاصة بعد تزايد نشاط منظمة «أيلول الأسود» بعد عمليتها الكبرى في ميونخ، والتي استهدفت الفريق الإسرائيلي في الألعاب الرياضية الأولمبية، بالمقابل تصاعد عمليات الجبهة الديمقراطية في المناطق المحتلة والتي توجتها لاحقاً بعملية معالوت في أيار (مايو) 1974.
وللتأكيد على صحة التقديرات الأمنية يقول لنا المتحدث الضابط في الجبهة الديمقراطية (ع.س) أنه لاحظ قبل عملية الإنزال الإسرائيلية بعشرة أيام، تجول فتاة أجنبية في المنطقة، وفي محيط مبنى الجبهة. وعندما سألت عن أسباب وجودها في المكان، (خاصة وأنه مكتظ بمكاتب ومقرات المقاومة) أدعت أنها مخرجة سينمائية تحاول أن تبحث لنفسها عن أماكن لتصوير فيلم خاص عن بيروت. ولاحظ الضابط الفلسطيني مسؤول الأمن في الجبهة، أنها كانت تتحدث العربية بصعوبة، وتتقاطع هذه المعلومة مع ما جاء في التقرير الإسرائيلي أن جهاز الموساد أرسل إلى بيروت في منتصف كانون الثاني (يناير) 1973 جاسوسة إسرائيلية، تدعى باعيل، وكان إسمها الكودي «نيلسن». وكانت قصة تغطية تواجدها في العاصمة اللبنانية أنها جاءت من أجل إعداد فيلم وثائقي، وحصلت على عقد مع شركة إنتاج بريطانية. وأنها هي التي استطلعت الأهداف المنوي مهاجمتها، كما استطلعت مكاتب تأجير السيارات المنوي استعمالها في العملية، وأنها هي التي قدمت أهم المعلومات الميدانية موثقة بالصور لإنجاح العملية الإستخباراتية.
ليلة العملية
يقول الضابط الفلسطيني مسؤول أمن الجبهة في المبنى المركزي (ع.س) أنه وردت يوم 9/4/1973 من أكثر من مصدر، أنه دخلت إلى بيروت سيارات مفخخة، ينوي أصحابها زرعها في مناطق معينة من المدينة، خاصة حي الفاكهاني، حيث مقرات المقاومة، وفي محيط جامعة بيروت العربية، وفي منطقة الطريق الجديدة.
لذلك، يضيف قائلاً، اتخذنا إجراءات أمنية مشددة على ضوء هذه المعلومات، دون أن يكون لدينا علم بعملية الإنزال التي يتم التحضير لها. من بين هذه الإجراءات أننا طلبنا من قادة الجبهة أن يغيروا تلك الليلة أماكن مبيتهم حتى لا تستهدفهم السيارات المفخخة. كما أمرنا بتخفيض مستوى المناوبة في المقر المركزي حتى الحد الأدنى، وبحيث يقتصر على ضباط الأمن المعنيين والحراسات.
كما يضيف المتحدث ويقول إن الأجواء كانت شديدة التوتر تلك الليلة، وأنه أمر دوريات محمولة مزودة برشاشات لتمشيط محيط المقر المركزي على الدوام، وأنه تم تمويه مقر الحرس في محيط المقر بحيث يبدو الوضع عادياً، بما في ذلك تجهيز موقع لرشاشات دوشكا مخفي عن الأنظار خاصة في ظل تعليمات الأجهزة الأمنية اللبنانية بمنع ظهور المسلح في الأماكن السكنية.
ويقول (ع.س) والذي كان هو نفسه الضابط المناوب، أننا لم نكن نعلم بأن الإنزال قد بدأ على شاطئ بيروت، وأن مجموعات الكوماندوس الإسرائيلي قد بدأت تتوغل في شوارعها وصولاً إلى منازل القادة الثلاثة، النجار، وناصر، وعدوان.
بعد منتصف الليل شوهدت مجموعة راجلة تتقدم نحو المكان بطريقة لفتت نظر الحرس المناوب، فبادر إلى إطلاق النار على المتقدمين حين رفضوا الاستجابة لندائه بالتوقف. ولم يكن بالبال على الإطلاق أن يكون المتقدمون جنوداً إسرائيليين، لكننا فوجئنا بغزارة النيران وهي تنهار على المبنى، وأن المهاجمين لجأوا إلى مبنى مجاور قيد الإنجاز، يبدو أنه كان مستطلعاً مسبقاً من قبل استخباراتهم، ودارت بيننا وبينهم اشتباكات حامية لجأنا فيها إلى الأسلحة الفردية وكذلك إلى مدفع دوشكا الرشاش ولذلك سقط لعناصر العدو أكثر من خمسة قتلى دفعة واحدة، يؤكد المتحدث أنه شاهدهم بأم العين من الطابق الأول للمبنى وهم ملقون على الأرض.
ويؤكد ويضيف أن إحدى المجموعات الإسرائيلية حاولت التقدم نحو المبنى تحت تغطية نارية كثيفة أمنتها لها باقي المجموعات، ومع ذلك فشلت بالوصول إلى مدخل المبنى. ثم فجأة تقدمت بسرعة قصوى سيارة من طراز أميركي، أبوابها الأربعة مفتوحة، وكذلك صندوقها الخلفي، ورمت عند مدخل المبنى عبوة متفجرة، استغلت انفجارها وتصاعد الدخان والغبار لجمع جثث القتلى وحمل الجرحى والانسحاب بهم.
 وفي ذلك الوقت، وكما يشهد سكان المنطقة، حلقت في سماء المكان مروحيتان إسرائيليتان، أطلقتا في الفضاء قنابل الإضاءة لتوفير الغطاء لانسحاب مجموعات الكوماندوس الإسرائيلي، والتيقن من سحب الجثث القتلى والجرحى من المكان.
ويؤكد (ع.س) أن المهاجمين أخلوا المكان، وتركوا وراءهم أسلحة فردية (مسدسات كاتمة للصوت عيار 6مم) وقنابل يدوية، ومتفجرات كانت معدة لتفجير المبنى، وبقايا ضمادات وأدوية ملوثة بالدم، ما يؤكد أنهم حاولوا إنقاذ جرحاهم أثناء الاشتباكات.
وفق تقديرات (ع.س) فإن المجموعات الإسرائيلية كانت تهدف إلى اقتحام المبنى، وتصفية من فيه، وأن المستهدف بشكل خاص أحد قادة الجبهة الذي كان مكتبه في هذا المقر، ومنه كان يتابع مهامه القيادية. وأن المتفجرات التي ألقيت وقعت في أسفل الدرج، ما أدى إلى انهيار أجزاء منه، خاصة في الطابق الأرضي والطابقين الثاني والثالث.
كيف وصفت ( يديعوت أحرونوت) العملية
تقول «يديعوت أحرونوت» التالي:
«في إطار عملية «ربيع الشباب» توجهت سرية المظليين بقيادة ليبكن شاحاك إلى حي آخر في بيروت، وتوقفت عند مبنى مؤلف من سبعة طوابق ويتبع للجبهة الديمقراطية. ولم تكن هذه القوة تعلم بوجود موقع حراسة أمام المبنى بسبب نقص في المعلومات الإستخبارية  (وهذا ما يؤكد صحة قول الضابط /ع.س/ أن موقع الحرس كان مموهاً وغير بارز للعيان). ووقع اشتباك مسلح أسفر عن قتل جنديين إسرائيليين وإصابة ثالث، بجراح خطيرة. بعد ذلك فجرت سرية المظليين المبنى ما أسفر عن مقتل 35 مقاتلاً من الجبهة الديمقراطية».
وفي شهادته يعترف قادة القوة الإسرائيلية أمنون ليبكين شاحاك أن عناصر من الوحدة المهاجمة هربوا من المعركة «ووجدوا لاحقاً على الساحل ينتظرون عودة زملائهم وبين الأصابع المرتجفة، لكل منهم سيجارة».
كم هو عدد الشهداء الجبهة الديمقراطية في معركة مبناها المركزي في الفاكهاني؟
في تلك الليلة خسرت الجبهة خمسة من فرسانها الذين دافعوا بشكل مستميت عن مقر جبهتهم وهم:
1) محمد سالم  أبو الشعر/ خان يونس/ مواليد/ 1945
2) محمد فارس اسماعيل الويس/ حلب (سوري) 1952
3) غانم عبد الرحمن سمارة / كفر مالك/رام الله 1955
4) دياب موسى أبو شحادة / بني سهيلة/ غزة 1945
5) صلاح صبحي أحمد خليل السبع/ عمّان /1951
أما الرفيق المقاتل والذي كان مكلفاً بالحراسة، والذي بادر إلى إطلاق النار وكشف العملية، فقد أصيب برصاصة في رأسه، وبقى يعاني من أثار الجرح إلى أن رحل عنا عام 1996 شهيد، وهو عدنان محمد عمر، مواليد مخيم برج البراجنة / بيروت/1955
كخلاصة أخيرة:
صحيح أن العدو الإسرائيلي يكشف بعد فترة من الزمن عن بعض أسراره، لكنه في معركة الفاكهاني، لم يعترف بكل الحقائق وأهمها:
1) أنه فشل في الوصول إلى قيادة الجبهة الديمقراطية.
2) أنه فشل في تفجير المبنى المركزي للجبهة الديمقراطية، ونجح فقط في تدمير أجزاء من الدرج.
3) أن العملية بموجب كل الحسابات فاشلة ، وقد وصفها المحرر الإسرائيلي بـ «النكسة».
4) أنه غطى على العدد الحقيقي لقتلاه حيث أدعى أنهم أثنان، علماً أن شهادة مقاتلي الجبهة تؤكد أن خمسة منهم وقعوا دفعة واحدة، في الدقائق الأولى من المعركة.
5) أنه ادعى بقتل 35 من عناصر الجبهة، وهو ما تكذبه الوقائع، حيث بادرت الجبهة إلى الإعلان عن عدد شهدائها. وهم خمسة، ثم توفي سادس في العام 1996 متأثراً بجراحه، إلى جانب ذلك لا يعقل أن يقيم في مبنى مركزي هذا العدد من المقاتلين أي أكثر من 35 مقاتل، فضلاً عن أن حجم القوة الإسرائيلية المهاجمة يكذب هذا الرقم. فمن يقتحم مبنى فيه أكثر من 35 مقاتل، توجب عليه حشد قوة أكبر من تلك التي حاولت اقتحام مبنى الجبهة■

أضف تعليق