لا أحلام وردية لأطفال غزة في ظل الحصار والانقسام
غزة، تقرير تامر عوض الله
■ يعاني الأطفال الفلسطينيون في قطاع غزة، من الحرمان من أبسط الحقوق، نتيجة الظروف السياسة والاقتصادية والاجتماعية القاسية، بفعل تداعيات الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، والانقسام الفلسطيني الداخلي، ومشكلات القطاع الاقتصادية، التي أدت إلى ارتفاع نسب الفقر والبطالة، حيث بددت أمال أطفاله وأحلامهم الوردية، فأصبحوا ضحايا الواقع الأليم وأمام المستقبل المجهول.
لقد أصبح مشهد الباعة المتجولين من الأطفال في قطاع غزة، مألوفا، فنجدهم على أرصفة الشوارع والمفترقات العامة وقارعة الطرقات، وفي الشواطئ والحدائق والمتنزهات العامة، حتى وصلت إلى «مسيرات العودة وكسر الحصار» على الحدود الشرقية للقطاع، يبيعون العلكة أو السجائر أو الحلويات المغلفة أو المناديل الورقية وغيرها من السلع ، حيث يدفع الاحتياج هؤلاء الأطفال إلى تحمل مسؤوليات وأعباء الكبار للمساعدة بتأمين موارد الأسرة.
هؤلاء الأطفال يتعرضون لمخاطر هذا العمل من إنهاك وضعف جسدي بسبب كثرة التجوال والوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة، دون تناول غذاء متكامل ومنتظم. كما يعانون متاعب وضغوطا نفسية جراء عملهم الشاق، مما يجعلهم عرضة للعنف والتسرب المدرسي.
شهادات من معاناتهم
يروي الطفل حسن الذي لم يتجاوز عمره 12 عاماً، وهو يبيع السجائر في حديقة الجندي المجهول وسط مدينة غزة أنه يتوجه إلى هذا المكان مع إشراقة صباح كل يوم، وليس لديه أي خيار سوى العمل في بيع السجائر لمساعدة أسرته التي تعتمد في دخلها على مخصصات وزارة التنمية والشؤون الاجتماعية، وتتلقى مخصص مالي كل ثلاثة أشهر.
ويقول حسن«ازدادت معاناة عائلتي بعد المماطلة في مواعيد صرف شيكات الشؤون، حيث يختلق المسؤولون في رام الله منذ 17آذار/ مارس2017، حججا ومبرراتٍ واهية لتأخير صرف تلك الشيكات في مواعيدها المحددة، كأسباب فنية ومالية تتعلق بالجهات المانحة.
وفي ميناء غزة البحري، ذلك المكان الذي يعج بالكثير من العائلات برفقة أطفالهم الذين يلعبون ويلهون، وبات متنفساً لأهالي القطاع، يجلس الطفل محمد البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، بجانب عربته المخصصة لبيع المشروبات الساخنة، حيث يتوجه كل يوم إلى الميناء، بعد أن ينهي دوامه المدرسي في وقت الظهيرة، ليساعد والده الذي أصبح يبيع القهوة والشاي، بعد أن كان يعمل في مجال التجارة، ويستورد السلع والمواد الغذائية من الخارج، ويبيعها بالجملة داخل القطاع، لكن الحصار الإسرائيلي قضى على كل شيء، وألحق خسائر مالية فادحة بوالده، قدرت بمئات آلاف الدولارات، حيث كانت محتجزة في أحد المعابر الفاصلة بين قطاع غزة وأراضي الـ48، ما أدى إلى تلف تلك السلع، وتراكم الديون على والده، حيث لا يعوضهم عن خسارتهم أحد.
وفي سوق اليرموك التجاري في مدينة غزة الذي يضج بمئات البسطات الشعبية، ويتوافد آلاف المواطنين والباعة إليه في يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وتباع به الأدوات والأجهزة والسلع القديمة، التي تلبي احتياجات المواطنين بأسعار منخفضة، يقف الطفل أحمد البالغ من العمر ستة عشر عاماً بجانب قطعة من القماش أفترشها على الأرض، ووضع عليها بعض الأحذية المستخدمة، آملاً في بيعها، بعدما عجز والداه وإخوته عن توفير قوت يومهم، بعد قيام السلطة الفلسطينية بقطع راتب والده الجريح في بداية العام 2019، والذي أصيب في غارة إسرائيلية على غزة في العام 2004، وتسببت له إعاقة جسدية دائمة.
أحمد الذي كانت تبدو على وجهه ملامح اليأس والغضب، وجه مناشدةً عاجلة لكل المسؤولين في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، بأن ينظروا لوضع أسرته الإنساني، ووضع والده الصحي الذي يمنعه من العمل. وقال أحمد: «لا تحرمونا من لقمة عيشنا، لا تحرمونا من الدراسة، كفاكم انقساماً وتدميراً، يجب أن نعيش حياة كريمة، ماذا تنتظرون؟ تنتظرون أن نموت، لا يوجد طعام في منزلنا، لم يتبق لنا إلا جدران المنزل الذي يسترنا».
إحصائيات رسمية
وحسب إحصائية رسمية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني صدرت في 17 شباط/ فبراير 2019، فإن معدلات البطالة ارتفعت بشكلٍ كبير في قطاع غزة، مقارنة بالضفة الفلسطينية المحتلة خلال العام 2018. وأوضح المركز ارتفاع نسبة البطالة في القطاع خلال العام الماضي لتصل لـ (52%)، بينما في الضفة الفلسطينية وصلت إلى (18%).
ووفق الجهاز المركزي، فإن معدل الأطفال الفقراء في الضفة والقطاع، ارتفعت من (27%) في العام 2011 إلى (31%) في العام 2017، حيث بلغ عدد الأطفال الفقراء 645 ألف طفل، بواقع (53%) في قطاع غزة و(14%) في الضفة الفلسطينية. وبلغ عدد الأطفال الذين يعانون من الفقر المدقع في قطاع غزة، 90 ألف طفل، بواقع (43%)، فيما شكلت نسبة عمال الأطفال في فلسطين (3%)، وفق مسح القوى العاملة لعام 2018.
ويقف أطفال قطاع غزة عاجزين عن الحصول على حقهم في التعليم والصحة واللعب والعيش والحياة الكريمة، فيما يعيش أطفال العالم بحرية وأمان، مما تقع المسؤولية على المنظمات الدولية التي تقف متفرجة أمام الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة لحقوق الأطفال الفلسطينيين، وكذلك الحال على طرفي الانقسام الذين يغضون نظراتهم عن الواقع الأليم لأطفال غزة، ومعاناة أسرهم. ■
نشر بالتزامن مع مجلة الحرية الاسبوعية في عددها رقم 1723
■ يعاني الأطفال الفلسطينيون في قطاع غزة، من الحرمان من أبسط الحقوق، نتيجة الظروف السياسة والاقتصادية والاجتماعية القاسية، بفعل تداعيات الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، والانقسام الفلسطيني الداخلي، ومشكلات القطاع الاقتصادية، التي أدت إلى ارتفاع نسب الفقر والبطالة، حيث بددت أمال أطفاله وأحلامهم الوردية، فأصبحوا ضحايا الواقع الأليم وأمام المستقبل المجهول.
لقد أصبح مشهد الباعة المتجولين من الأطفال في قطاع غزة، مألوفا، فنجدهم على أرصفة الشوارع والمفترقات العامة وقارعة الطرقات، وفي الشواطئ والحدائق والمتنزهات العامة، حتى وصلت إلى «مسيرات العودة وكسر الحصار» على الحدود الشرقية للقطاع، يبيعون العلكة أو السجائر أو الحلويات المغلفة أو المناديل الورقية وغيرها من السلع ، حيث يدفع الاحتياج هؤلاء الأطفال إلى تحمل مسؤوليات وأعباء الكبار للمساعدة بتأمين موارد الأسرة.
هؤلاء الأطفال يتعرضون لمخاطر هذا العمل من إنهاك وضعف جسدي بسبب كثرة التجوال والوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة، دون تناول غذاء متكامل ومنتظم. كما يعانون متاعب وضغوطا نفسية جراء عملهم الشاق، مما يجعلهم عرضة للعنف والتسرب المدرسي.
شهادات من معاناتهم
يروي الطفل حسن الذي لم يتجاوز عمره 12 عاماً، وهو يبيع السجائر في حديقة الجندي المجهول وسط مدينة غزة أنه يتوجه إلى هذا المكان مع إشراقة صباح كل يوم، وليس لديه أي خيار سوى العمل في بيع السجائر لمساعدة أسرته التي تعتمد في دخلها على مخصصات وزارة التنمية والشؤون الاجتماعية، وتتلقى مخصص مالي كل ثلاثة أشهر.
ويقول حسن«ازدادت معاناة عائلتي بعد المماطلة في مواعيد صرف شيكات الشؤون، حيث يختلق المسؤولون في رام الله منذ 17آذار/ مارس2017، حججا ومبرراتٍ واهية لتأخير صرف تلك الشيكات في مواعيدها المحددة، كأسباب فنية ومالية تتعلق بالجهات المانحة.
وفي ميناء غزة البحري، ذلك المكان الذي يعج بالكثير من العائلات برفقة أطفالهم الذين يلعبون ويلهون، وبات متنفساً لأهالي القطاع، يجلس الطفل محمد البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، بجانب عربته المخصصة لبيع المشروبات الساخنة، حيث يتوجه كل يوم إلى الميناء، بعد أن ينهي دوامه المدرسي في وقت الظهيرة، ليساعد والده الذي أصبح يبيع القهوة والشاي، بعد أن كان يعمل في مجال التجارة، ويستورد السلع والمواد الغذائية من الخارج، ويبيعها بالجملة داخل القطاع، لكن الحصار الإسرائيلي قضى على كل شيء، وألحق خسائر مالية فادحة بوالده، قدرت بمئات آلاف الدولارات، حيث كانت محتجزة في أحد المعابر الفاصلة بين قطاع غزة وأراضي الـ48، ما أدى إلى تلف تلك السلع، وتراكم الديون على والده، حيث لا يعوضهم عن خسارتهم أحد.
وفي سوق اليرموك التجاري في مدينة غزة الذي يضج بمئات البسطات الشعبية، ويتوافد آلاف المواطنين والباعة إليه في يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وتباع به الأدوات والأجهزة والسلع القديمة، التي تلبي احتياجات المواطنين بأسعار منخفضة، يقف الطفل أحمد البالغ من العمر ستة عشر عاماً بجانب قطعة من القماش أفترشها على الأرض، ووضع عليها بعض الأحذية المستخدمة، آملاً في بيعها، بعدما عجز والداه وإخوته عن توفير قوت يومهم، بعد قيام السلطة الفلسطينية بقطع راتب والده الجريح في بداية العام 2019، والذي أصيب في غارة إسرائيلية على غزة في العام 2004، وتسببت له إعاقة جسدية دائمة.
أحمد الذي كانت تبدو على وجهه ملامح اليأس والغضب، وجه مناشدةً عاجلة لكل المسؤولين في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، بأن ينظروا لوضع أسرته الإنساني، ووضع والده الصحي الذي يمنعه من العمل. وقال أحمد: «لا تحرمونا من لقمة عيشنا، لا تحرمونا من الدراسة، كفاكم انقساماً وتدميراً، يجب أن نعيش حياة كريمة، ماذا تنتظرون؟ تنتظرون أن نموت، لا يوجد طعام في منزلنا، لم يتبق لنا إلا جدران المنزل الذي يسترنا».
إحصائيات رسمية
وحسب إحصائية رسمية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني صدرت في 17 شباط/ فبراير 2019، فإن معدلات البطالة ارتفعت بشكلٍ كبير في قطاع غزة، مقارنة بالضفة الفلسطينية المحتلة خلال العام 2018. وأوضح المركز ارتفاع نسبة البطالة في القطاع خلال العام الماضي لتصل لـ (52%)، بينما في الضفة الفلسطينية وصلت إلى (18%).
ووفق الجهاز المركزي، فإن معدل الأطفال الفقراء في الضفة والقطاع، ارتفعت من (27%) في العام 2011 إلى (31%) في العام 2017، حيث بلغ عدد الأطفال الفقراء 645 ألف طفل، بواقع (53%) في قطاع غزة و(14%) في الضفة الفلسطينية. وبلغ عدد الأطفال الذين يعانون من الفقر المدقع في قطاع غزة، 90 ألف طفل، بواقع (43%)، فيما شكلت نسبة عمال الأطفال في فلسطين (3%)، وفق مسح القوى العاملة لعام 2018.
ويقف أطفال قطاع غزة عاجزين عن الحصول على حقهم في التعليم والصحة واللعب والعيش والحياة الكريمة، فيما يعيش أطفال العالم بحرية وأمان، مما تقع المسؤولية على المنظمات الدولية التي تقف متفرجة أمام الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة لحقوق الأطفال الفلسطينيين، وكذلك الحال على طرفي الانقسام الذين يغضون نظراتهم عن الواقع الأليم لأطفال غزة، ومعاناة أسرهم. ■
نشر بالتزامن مع مجلة الحرية الاسبوعية في عددها رقم 1723
أضف تعليق