المعركة في الضفة وليست في غزة
■ لم تعد «صفقة ترامب» تحوي أسراراً مغلقة، تضيف إلى مخاطرها المعلنة مخاطر جديدة، إلا في التفاصيل الجزئية التي لن تغير في المنحى العام للخطة، والقائم على تصفية القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، لصالح مشروع «إسرائيل الكبرى»، وإعادة تفتيت الهوية الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني، وتحويله إلى مجرد تجمعات سكانية، مبعثرة، في حالة تبعية والتحاق مع الجوار، للضفة والقطاع، وتوطين في الدول المضيفة للاجئين.
فمن القدس، إلى اللاجئين، إلى تشريع الاستيطان، وشطب حق العودة، وحل وكالة الغوث، وإعادة تعريف اللاجئ، إلى الاعتراف بضم إسرائيل للجولان ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا، إلى جانب تصريحات رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل، حول استعداد الولايات المتحدة للاعتراف بسيطرة (ضم) إسرائيل على الضفة الفلسطينية، وتصريحات نتنياهو برفضه تفكيك أية مستوطنات إسرائيلية في الضفة، أي إصراره على ضم المستوطنات كافة، في الوقت الذي مازال فيه مشروع الاستيطان ناشطاً على قدم وساق في أنحاء الضفة والقدس والخليل، في عملية سباق مع الزمن.
بالمقابل يواصل نتنياهو اللعب على حبال الانقسام، فيطلق تصريحاته حول إجراءاته وسياساته لإدامة الانقسام، وحول رفضه عودة السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس عباس إلى قطاع غزة، ورغبته أن يبقى القطاع تحت سلطة الأمر الواقع لحركة حماس.
ويبدو أن تصريحات نتنياهو، إلى جانب سياساته الميدانية والعملية في فرض الوقائع على السلطة الفلسطينية، أثارت المزيد من الرعب في صفوفها. وبدلاً من التوجه نحو مجابهة سياسات نتنياهو، توجهت لتحميل حماس المسؤولية.
* * *
لوضع النقاط على الحروف لابد من التأكيد على التالي:
1) لم يكن لنتنياهو أن يلعب لعبته في البناء على الانقسام، لولا أن الانقسام كان موجوداً. وبالتالي يتحمل مسؤولية توفير الفرصة لنتنياهو للعب على خلافات الحالة الفلسطينية طرفا الانقسام، فتح وحماس، كل من جهته، ومن موقع مسؤوليته عن إنهاء الانقسام، باعتبار أن قرار الإنهاء والعودة إلى الوحدة الداخلية يملكه الطرفان، وليس أحد غيرهما. هما أساس المشكلة، وهما مفتاح الحل. وبالتالي فإن إغلاق الطريق أمام ألاعيب نتنياهو مسؤولية الطرفين وليس واحداً دون الآخر.
2) إن دولة الاحتلال، تنظر إلى قطاع غزة باعتباره حمولة زائدة، وتعمل في كل الاتجاهات للتخلص منه وفك الارتباط معه. وفي عودة إلى المشاريع التي قدمت لحل القضية الفلسطينية عبر تاريخ هذه القضية، يلاحظ أن المنحى العام للحل، عند الغرب، هو فصل القطاع عن الضفة الفلسطينية (التي كانت آنذاك تحت الإدارة الأردنية)، وكما أوضح الصحفي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، فقد عرضت إسرائيل على م.ت.ف، عام 1970 (بعد حرب أيلول) أن تأخذ على عاتقها قطاع غزة، في إطار التمهيد للحلول الثنائية مع الدول العربية المعنية. غير أن القاهرة نصحت آنذاك قيادة المنظمة بعدم التورط في هذا المشروع لأسباب عدة.
وبالتالي، رأت دولة الاحتلال في الانقسام بين فتح وحماس فرصة لتحويل الوضع إلى انفصال، تعمل على تشجيعه، وتغذيه بالتصريحات النافرة والاستفزازية، وتستغل الأوضاع الاجتماعية المدمرة للقطاع، وتوافق على حلول لهذه الأوضاع، تشارك فيها أطراف متعددة، تعمل إسرائيل على تسهيل مهامها، مقابل أن تضمن هدوءه، وأن تحيّد عنصر المقاومة فيه، وأن تخرجه من المعادلة السياسية، وكل ذلك على قاعدة تشجيع وتوسيع الانقسام. ويبدو أن الطرفين بلعا الطعم. فحماس تتباهى أنها باتت طرفاً في صنع القرار الإقليمي (!) من موقع مشاركتها في حل الأزمة الحياتية للقطاع، وفتح يدب الزعر في أوساطها، وهي تشاهد حماس تدخل في المعادلات السياسية وتتحرر من الضغوط المالية لسلطة رام الله وترفع وتيرة تنسيقها مع دولة الاحتلال.
3) إن المعركة الحقيقة هي في الضفة الفلسطينية وأن القيادة الرسمية الفلسطينية التي بيدها زمام القرار تعيش مأزقاً سياسياً، ينعكس بسلبياته القاتلة والمدمرة والكارثية، في ظل حالة انتظاريه، تراقب المشهد السياسي وتكتفي بالتعليق عليه، لكنها لا تغادر موقعها في اتفاق أوسلو، والتزاماته، واستحقاقاته وقيوده. وعلى هذا الأساس تقيم رهانات فاشلة. مرة تراهن على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، ليسقط هذا الرهان مع أوراق الاقتراع ونتائجها. ومرة تراهن على الحالة العربية.
ففي القمة طلبت القيادة الفلسطينية من الأنظمة العربية شبكة أمان مالية في مواجهة سياسة الحصار المالي الإسرائيلية – الأميركية. غير أن الرد كان سلبياً. وطلبت دعماً في مواجهة حماس. الرد كان واضحاً في مغادرة الوفد القطري لجلسة الافتتاح والانسحاب من القمة. وطلبت دعماً سياسياً. الأخبار الواردة من نيويورك تقول إن الوفود العربية أجلت التحرك ضد السياسات الأميركية والإسرائيلية حتى لا تصطدم بالولايات المتحدة، ورهانها يقوم على تشجيع واشنطن على تصعيد عدوانها ضد إيران، ما «يحتم» على العرب إعلان هدنة مع إدارة ترامب. أما الرد الأكثر قسوة فكان الرد العماني الذي انقلب فيه وزير الخارجية بن علوي على القضية الفلسطينية، بأسلوب ارتقى إلى أعلى مستويات الاستفزاز، وانحدر إلى أدنى مستويات الوضاعة الأخلاقية.
4) إن الاستمرار في هاتين السياستين، من رام الله وغزة، ليس من شأنه سوى أن يلحق الكوارث بالقضية الوطنية وبحقوق شعب فلسطين، وأن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء وأن يستعيد أجواء النكبة.
* * *
لم يعد البحث عن الحل أمراً عسيراً بل إن الوقائع الواضحة، تحتم على الأطراف الفلسطينية، خاصة فتح وحماس إعادة النظر بسياساتهما لصالح البديل الوطني:
أولاً: محور الصراع هو مع الاحتلال ومشاريعه، وفي شكل مركز مع صفقة ترامب التي يبني عليها نتنياهو سياساته. الرد على صفقة ترامب يكون بالانسحاب من اتفاق أوسلو وتطبيق قرارات المجلس الوطني. ما يعني أن الكرة هي في ملعب القيادة الرسمية التي تملك وحدها زمام القرار.
ثانياً: إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية وإغلاق الطريق على مناورات نتنياهو، والأطراف الأخرى، ووضع الجميع أمام استحقاقات إنهاء الانقسام. الكرة في ملعب الطرفين، فتح وحماس.
ثالثاً: إعادة بناء المؤسسة الوطنية على أسس ديمقراطية بانتخابات شاملة لرئيس السلطة، وللمجلسين التشريعي والوطني بنظام التمثيل النسبي الكامل، بإشراف حكومة وحدة وطنية يتوفر لها الغطاء السياسي من الأطراف كافة لإنجاز هذه المهمة التاريخية.
أما كل ما هو خارج هذا السياق، فليس إلا هدر للوقت، لا يصب إلا في خدمة المشاريع البديلة.■
فمن القدس، إلى اللاجئين، إلى تشريع الاستيطان، وشطب حق العودة، وحل وكالة الغوث، وإعادة تعريف اللاجئ، إلى الاعتراف بضم إسرائيل للجولان ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا، إلى جانب تصريحات رئيس حكومة دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل، حول استعداد الولايات المتحدة للاعتراف بسيطرة (ضم) إسرائيل على الضفة الفلسطينية، وتصريحات نتنياهو برفضه تفكيك أية مستوطنات إسرائيلية في الضفة، أي إصراره على ضم المستوطنات كافة، في الوقت الذي مازال فيه مشروع الاستيطان ناشطاً على قدم وساق في أنحاء الضفة والقدس والخليل، في عملية سباق مع الزمن.
بالمقابل يواصل نتنياهو اللعب على حبال الانقسام، فيطلق تصريحاته حول إجراءاته وسياساته لإدامة الانقسام، وحول رفضه عودة السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس عباس إلى قطاع غزة، ورغبته أن يبقى القطاع تحت سلطة الأمر الواقع لحركة حماس.
ويبدو أن تصريحات نتنياهو، إلى جانب سياساته الميدانية والعملية في فرض الوقائع على السلطة الفلسطينية، أثارت المزيد من الرعب في صفوفها. وبدلاً من التوجه نحو مجابهة سياسات نتنياهو، توجهت لتحميل حماس المسؤولية.
* * *
لوضع النقاط على الحروف لابد من التأكيد على التالي:
1) لم يكن لنتنياهو أن يلعب لعبته في البناء على الانقسام، لولا أن الانقسام كان موجوداً. وبالتالي يتحمل مسؤولية توفير الفرصة لنتنياهو للعب على خلافات الحالة الفلسطينية طرفا الانقسام، فتح وحماس، كل من جهته، ومن موقع مسؤوليته عن إنهاء الانقسام، باعتبار أن قرار الإنهاء والعودة إلى الوحدة الداخلية يملكه الطرفان، وليس أحد غيرهما. هما أساس المشكلة، وهما مفتاح الحل. وبالتالي فإن إغلاق الطريق أمام ألاعيب نتنياهو مسؤولية الطرفين وليس واحداً دون الآخر.
2) إن دولة الاحتلال، تنظر إلى قطاع غزة باعتباره حمولة زائدة، وتعمل في كل الاتجاهات للتخلص منه وفك الارتباط معه. وفي عودة إلى المشاريع التي قدمت لحل القضية الفلسطينية عبر تاريخ هذه القضية، يلاحظ أن المنحى العام للحل، عند الغرب، هو فصل القطاع عن الضفة الفلسطينية (التي كانت آنذاك تحت الإدارة الأردنية)، وكما أوضح الصحفي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، فقد عرضت إسرائيل على م.ت.ف، عام 1970 (بعد حرب أيلول) أن تأخذ على عاتقها قطاع غزة، في إطار التمهيد للحلول الثنائية مع الدول العربية المعنية. غير أن القاهرة نصحت آنذاك قيادة المنظمة بعدم التورط في هذا المشروع لأسباب عدة.
وبالتالي، رأت دولة الاحتلال في الانقسام بين فتح وحماس فرصة لتحويل الوضع إلى انفصال، تعمل على تشجيعه، وتغذيه بالتصريحات النافرة والاستفزازية، وتستغل الأوضاع الاجتماعية المدمرة للقطاع، وتوافق على حلول لهذه الأوضاع، تشارك فيها أطراف متعددة، تعمل إسرائيل على تسهيل مهامها، مقابل أن تضمن هدوءه، وأن تحيّد عنصر المقاومة فيه، وأن تخرجه من المعادلة السياسية، وكل ذلك على قاعدة تشجيع وتوسيع الانقسام. ويبدو أن الطرفين بلعا الطعم. فحماس تتباهى أنها باتت طرفاً في صنع القرار الإقليمي (!) من موقع مشاركتها في حل الأزمة الحياتية للقطاع، وفتح يدب الزعر في أوساطها، وهي تشاهد حماس تدخل في المعادلات السياسية وتتحرر من الضغوط المالية لسلطة رام الله وترفع وتيرة تنسيقها مع دولة الاحتلال.
3) إن المعركة الحقيقة هي في الضفة الفلسطينية وأن القيادة الرسمية الفلسطينية التي بيدها زمام القرار تعيش مأزقاً سياسياً، ينعكس بسلبياته القاتلة والمدمرة والكارثية، في ظل حالة انتظاريه، تراقب المشهد السياسي وتكتفي بالتعليق عليه، لكنها لا تغادر موقعها في اتفاق أوسلو، والتزاماته، واستحقاقاته وقيوده. وعلى هذا الأساس تقيم رهانات فاشلة. مرة تراهن على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، ليسقط هذا الرهان مع أوراق الاقتراع ونتائجها. ومرة تراهن على الحالة العربية.
ففي القمة طلبت القيادة الفلسطينية من الأنظمة العربية شبكة أمان مالية في مواجهة سياسة الحصار المالي الإسرائيلية – الأميركية. غير أن الرد كان سلبياً. وطلبت دعماً في مواجهة حماس. الرد كان واضحاً في مغادرة الوفد القطري لجلسة الافتتاح والانسحاب من القمة. وطلبت دعماً سياسياً. الأخبار الواردة من نيويورك تقول إن الوفود العربية أجلت التحرك ضد السياسات الأميركية والإسرائيلية حتى لا تصطدم بالولايات المتحدة، ورهانها يقوم على تشجيع واشنطن على تصعيد عدوانها ضد إيران، ما «يحتم» على العرب إعلان هدنة مع إدارة ترامب. أما الرد الأكثر قسوة فكان الرد العماني الذي انقلب فيه وزير الخارجية بن علوي على القضية الفلسطينية، بأسلوب ارتقى إلى أعلى مستويات الاستفزاز، وانحدر إلى أدنى مستويات الوضاعة الأخلاقية.
4) إن الاستمرار في هاتين السياستين، من رام الله وغزة، ليس من شأنه سوى أن يلحق الكوارث بالقضية الوطنية وبحقوق شعب فلسطين، وأن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء وأن يستعيد أجواء النكبة.
* * *
لم يعد البحث عن الحل أمراً عسيراً بل إن الوقائع الواضحة، تحتم على الأطراف الفلسطينية، خاصة فتح وحماس إعادة النظر بسياساتهما لصالح البديل الوطني:
أولاً: محور الصراع هو مع الاحتلال ومشاريعه، وفي شكل مركز مع صفقة ترامب التي يبني عليها نتنياهو سياساته. الرد على صفقة ترامب يكون بالانسحاب من اتفاق أوسلو وتطبيق قرارات المجلس الوطني. ما يعني أن الكرة هي في ملعب القيادة الرسمية التي تملك وحدها زمام القرار.
ثانياً: إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية وإغلاق الطريق على مناورات نتنياهو، والأطراف الأخرى، ووضع الجميع أمام استحقاقات إنهاء الانقسام. الكرة في ملعب الطرفين، فتح وحماس.
ثالثاً: إعادة بناء المؤسسة الوطنية على أسس ديمقراطية بانتخابات شاملة لرئيس السلطة، وللمجلسين التشريعي والوطني بنظام التمثيل النسبي الكامل، بإشراف حكومة وحدة وطنية يتوفر لها الغطاء السياسي من الأطراف كافة لإنجاز هذه المهمة التاريخية.
أما كل ما هو خارج هذا السياق، فليس إلا هدر للوقت، لا يصب إلا في خدمة المشاريع البديلة.■
أضف تعليق