23 كانون الأول 2024 الساعة 08:59

«بدنا نعيش».. غزة تنتفض ضد السياسات التي أفقرت أهلها

2019-03-27 عدد القراءات : 915
غزة- كتب وسام زغــبر
■اشتعلت شوارع غزة في احتجاجات شعبية عارمة طالت أنحاء متفرقة من قطاع غزة، بدعوة من «الحراك الشعبي» الذي حمل شعار «بدنا نعيش» رفضاً للغلاء والضرائب والرسوم الجديدة التي تواصل وزارة المالية بغزة فرضها دون النظر إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تجتاح القطاع على وقع الحصار الإسرائيلي والإجراءات العقابية للسلطة الفلسطينية، في امتهان لكرامة المواطن وحقه في العيش بحياة كريمة.
وأكد المراقبون أن الحراك الشعبي مطلبي سلمي وغير مسيسن حمل شعار «بدنا نعيش»، حيث دعا في بيانه الأول للتظاهر السلمي في (14/3/2019)، ويقوده شباب فلسطيني وصل إلى ذروة الغضب، تجمعهم المعاناة والبؤس والمستقبل المجهول، معبرين عن احتجاجهم على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي لم تكن وليدة اللحظة بل بفعل تراكمات الحالة الداخلية والتي لم تعد تحتمل بفعل الاحتلال والحصار الإسرائيلي، والانقسام وتداعياته من خصومات فرضتها الحكومة الفلسطينية لتطال رواتب موظفي السلطة وإحالة عدد كبير منهم للتقاعد المبكر، إلى جانب فرض سلطة الأمر الواقع الضرائب والرسوم الجديدة على السلع الأساسية دون أن توفر فرص عمل دائمة لمئات الآلاف من الخريجين والعمال.
وقد فرقت الأجهزة الأمنية الاحتجاجات المطلبية بحملة قمع وتنكيل واسعة، والتي لم يسلم منها الصحفيون والحقوقيون، مما زاد الأوضاع توتراً وتأزماً، وسط مطالبات فصائلية وصحفية وحقوقية لـ«حماس» بوقف قمع أجهزتها الأمنية للمتظاهرين السلميين.
وعلى إثر ذلك، عقدت الأطر والكتل والمؤسسات الصحفية اجتماعاً طارئاً طالبت بالإفراج الفوري واللا مشروط عن الصحفيين والعمل على ضمان حرية العمل الصحفي وتحييد الصحفيين، فيما أصدرت القوى والفصائل الفلسطينية بياناً للرأي العام، قالت فيه، إنها «ترفض رفضاً مطلقاً كل اشكال القمع، وتؤكد على حق التظاهر السلمي»، كما دعت الجهات المسؤولة في غزة لوقف كل أشكال الضرائب والجباية.
انطلاق شرارة الحراك
ورغم اعتقال عدد من نشطاء «الحراك الشعبي» يوم (10/3) في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، إلا أن الشرارة الأولى للاحتجاجات الشعبية انطلقت بمضامينها المطلبية من مفترق «الترنس» بمخيم جباليا لمناطق واسعة في القطاع منها، مخيم الشاطئ والشيخ رضوان بمدينة غزة لتتسع إلى حيي الصبرة والشجاعية ودير البلح والبريج وخانيونس ورفح.
وأشعل المحتجون إطارات السيارات ورفعوا لافتات ضد الانقسام والحصار والضرائب وغلاء الأسعار. وهاجمت الشرطة والأجهزة الأمنية في القطاع تلك الاحتجاجات بقمع المتظاهرين واعتقالهم وضربهم بالهراوات وإطلاق النار بالهواء، في حين دعت حركة حماس أعضاءها ومناصريها للنزول إلى الميادين ذاتها الذي دعا إليها «الحراك الشعبي»، ورفعوا شعارات مناوئة لرئيس السلطة محمود عباس وإجراءاته العقابية، مما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف المتظاهرين وسط تعتيم إعلامي لوزارة الصحة بغزة عن عدد المصابين.
واحتجزت الأجهزة الأمنية في غزة (16/3)، خمسة من طواقم منظمات حقوق الإنسان أثناء قيامها برصد الانتهاكات في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، من مراكز الميزان والضمير والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وأفرجت عنهم بعد التحقيق معهم وأخذ إفاداتهم، بعد أقل من 24 ساعة على الاعتداء بالضرب على مدير الهيئة المستقلة لحقوق الانسان المحامي جميل سرحان، ومسؤول الشكاوى في الهيئة المحامي بكر التركماني، أثناء قيامهما بمهامهما في دير البلح وسط القطاع.
وتواصلت الانتهاكات ضد الصحفيين بين اعتقال واعتداء واستدعاء لتطال(40) صحفياً أثناء تغطيتهم الصحفية لـ«الحراك الشعبي» في قطاع غزة، وصادرت بعضاً من معداتهم، وأجهزة الاتصال والهواتف النقالة لمنعهم من التصوير، في انتهاك لحرية العمل الصحفي وفقاً للمادة (19) من القانون الأساسي الفلسطيني، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
واعتدى مسلحون مساء يوم 18/3 على الناطق باسم حركة فتح في قطاع غزة عاطف أبو سيف شمال القطاع، ما أدى لإصابته بكسور وجروح بليغة في أنحاء جسده، وطال الاعتداء العميد المتقاعد عبد المنعم جاد الله.
استنكار حقوقي
بدوره، استنكر مركز الميزان لحقوق الإنسان، توقيف نشطاء حقوق الإنسان وعرقلة عملهم في الميدان، وفض التجمعات السلمية بالقوة، والاعتداء على صحفيين ومنعهم من القيام بواجبهم في تغطية مجريات الأحداث، مما أوقع عدد من الإصابات واعتقال عدد منهم من داخل مشافي القطاع.
وتحدثت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عن احتجاز نحو 1000 مواطن على خلفية الحراك، بشكل ينتهك الحق في المشاركة بالتجمعات السلمية والحماية من الاحتجاز التعسفي، كما رافق تلك الانتهاكات دخول ومداهمة المنازل، وترويع قاطنيها من النساء والأطفال، وكسر الأبواب وتكسير محتويات المنزل والعبث فيه، ومصادرة الهواتف المحمولة المستخدمة في تصوير قمع وفض التجمعات والاعتداء على المتظاهرين.
واتهم المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف حركة حماس ومسلحيها بقمع الاحتجاجات السلمية بعنف. مضيفاً: أن «أهالي غزة الذين طالت معاناتهم احتجوا على الوضع الاقتصادي المؤلم وطالبوا بتحسين نوعية حياتهم، هذا حقهم في الاحتجاج بدون خوف من الانتقام».
ويقول المراقبون إن «حماس استغلت دخول السلطة الفلسطينية وحركة فتح على خط الدفاع عن الحراك الشعبي وتخصيص موجات مفتوحة على شاشة فضائية فلسطين الرسمية لإبراز أعمال القمع والتنكيل بحق المتظاهرين، لتقول إن الحراك الاجتماعي مسيس ومدفوع من جهات تخاصم الحركة».
ويبين المراقبون، أن حركة حماس بفرضها الضرائب والرسوم الجمركية على البضائع والسلع التموينية الأساسية في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ومواصلة الإجراءات العقابية للسلطة، ودون الأخذ بعين الاعتبار التقارير الدولية التي حذرت من أن قطاع غزة لن يكون صالحاً للحياة في عام 2020، يؤكد أن حماس لا تملك رؤية اقتصادية واجتماعية للقطاع.
ويقول مراقبون: إن «تضييق الخناق على «الحراك الشعبي» الذي يتسع نطاقه، ومحاولة الالتفاف على قضاياه المطلبية دون فتح حوار جدي مع نشطائه، بمشاركة القوى السياسية والمجتمعية، وبما يضمن تحسين الأوضاع الحياتية والمعيشية المتردية،سيفتح الباب مجدداً لتصاعد الحراك بزخم في الميدان مرة أخرى».
ويضيف مراقبون أن جوهر المعالجة الجذرية لانتشال القطاع من أزماته سياسي بامتياز، يكون عبر إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تحضر لانتخابات شاملة وفق نظام التمثيل النسبي الكامل.■
المصدر: مجلة الحرية في العدد الأسبوعي 1719

أضف تعليق