ليس تصريحاً بل مشروع سياسي
شد بنيامين نتنياهو قوس عنصريته حتى أوسع مداياته، عندما قال للفلسطينيين، أصحاب الأرض والتاريخ في بلادهم، بأن يعيشوا انتمائهم الوطني والقومي في مكان آخر غير وطنهم. وإذا كان هناك من وضع هذا التصريح العنصري في خانة الدعاية الانتخابية، وتحشيد أصوات جمهور اليمين الصهيوني المتطرف خلف «الليكود» ورئيسه، فإن المسار السياسي الذي حكم مواقف نتنياهو منذ عودته إلى رئاسة الحكومة العام 2009 وحتى اليوم يؤكد أن ما صرح به رئيس «الليكود» يقع في صميم مشروعه السياسي.
ومن يتابع وقائع السياسية الإسرائيلية على الأرض في الضفة والقدس وقطاع غزة يتأكد من صحة هذا الاستخلاص. ولذلك، من الضروري أن تضع الحركة الوطنية الفلسطينية هذا الأمر الخطير بنظر الاعتبار في سياق بناء الاستراتيجية الوطنية المطلوبة لمقاومة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي وإفشال أهدافه.
في عامه الأول على رأس الحكومة، لم يستطع نتنياهو في خطابه في جامعة بار إيلان تجاوز موضوعة الدولة الفلسطينية، دون أن يذكرها بالاسم، مكتفياً بالقول «ليسموا كيانهم كما يشاؤون». وعلى الرغم من أنه لا يفضل مبدأ التفاوض مع الجانب الفلسطيني حول مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن مسار التسوية لم يشكل عبئاً على مشروعه السياسي لأن المفاوضات لم تدخل عملياً على خط تنفيذ السياسة التوسعية الإسرائيلية. ومن هذه الزاوية حافظت تل أبيب على حضورها الشكلي في هذه المفاوضات.
المرة الوحيدة التي رأى نتنياهو في المفاوضات خطرا على مشروعه السياسي هي عندما ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه الشهير في جامعة القاهرة (4/6/2009) وأشار فيه إلى ضرورة تجميد الاستيطان ووقف هدم منازل الفلسطينيين، كمقدمة لازمة لإعادة إطلاق المفاوضات التي توقفت في العام 2008، دون أن تخرج حتى باتفاق إطار في ولاية رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، والرئيس الأميركي الأسبق بوش الابن. وقد خاض نتنياهو تجاذبات مع إدارة أوباما وانتهى الأمر بتآكل مضمون «خطاب القاهرة»، الذي ثبت أن ما جاء فيه كان مجرد تحفيز لفظي للمفاوض الفلسطيني وأعضاء «الرباعية العربية».
بقاء نتنياهو على رأس الهرم السياسي في إسرائيل مكنه من تظهير مشروعه والسير به على الأرض، وخاصة فيما يتصل بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وسبل حله. ونذكر أن أكثر ما شدد عليه في خطاب «بار إيلان» هو عزمه على «إعادة الاعتبار للصهيونية»، في إشارة واضحة إلى أن من سبقه في رئاسة الحكومة قد خرج نسبيا عن هذا السياق. وهذا يعني بالنسبة له أن المشروع الصهيوني في فلسطين لم يبلغ كامل غاياته. وتأكد بالممارسة أن نتنياهو ينطلق في مشروعه أولا من تثبيت مكاسب الاحتلال من عملية التسوية وفق أوسلو في الجانبين الأمني والاقتصادي، وخارج هذا الاطار لا يبتعد عن المفهوم التوراتي للصراع القائم. لذلك لوحظ أنه يركز كثيرا على تحشيد المجتمع الإسرائيلي خلف فزاعة «الخطر الوجودي» الذي يتهدد إسرائيل على يد «الأغيار».
وعلى اعتبار أنه لا يعترف بالأساس بالمضمون التحرري للقضية الفلسطينية، فقد وجه المؤسستين الأمنية والعسكرية للتعامل مع مقاومة الاحتلال، الشعبية والمسلحة باعتبارها خطرا إرهابيا محدقا ينبغي القضاء عليه. ولهذا نلحظ في السنوات القلية الأخيرة انتشار ظاهرة «الاعدام الميداني» بحق الفلسطينيين حتى على «شبهة» أن أحدهم يحمل أداة حادة. وبات الاعدام الميداني جزءا من عقيدة أفراد المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيلية وماتزال الجرائم المرتكبة بحق المشاركين في «مسيرات العودة وكسر الحصار» في غزة ماثلة ومتكررة حتى اللحظة.
ولقد دفع نتنياهو بقوة باتجاه تحفيز المجتمع الإسرائيلي باتجاه التطرف والعنصرية. وهومن دفع بعصابات المستوطنين في وجه الفلسطينيين وشجعهم على ارتكاب الجرائم بحقهم، وقدم لهم الحماية والدعم. كما نقل نتنياهو عملية الاستيطان والتهويد إلى مستوى «المشروع المقدس» من أجل بناء «إسرائيل الكبرى»، وقد أعلن ذلك بصراحة عندما اعتبر أن حدود إسرائيل تمتد من البحر الأبيض إلى نهر الأردن.
إلى جانب الإجراءات على الأرض، دفعت حكومة نتنياهو باتجاه إصدار عشرات القوانين العنصرية وفي المقدمة «قانون القومية» الذي يحصر حق تقرير المصير بالشعب اليهودي وينكره على الفلسطينيين. ومن هذا المنطلق خرجت تصريحاته العنصرية ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض. ولأنه يعتبر أن المشروع الصهيوني في فلسطين لم يكتمل، فهذا يعني بالنسبة له أن النكبة الفلسطينية لم تنته فصولا وينبغي استكمالها، وهذا ما يفسر المخططات والمشاريع التي تسعى لاستكمال تهويد فلسطين، ومن بينها «مخطط برافر» الذي يهدف لاقتلاع من تبقى من الفلسطينيين في النقب وحشرهم في معازل.
ويمكن القول إن نتنياهو قد شجع على نمو خطاب الكراهية والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وحتى من هم أعضاء في الكنيست، ونلحظ أنه في سياق دعايته الانتخابية يتهم خصومه بأنهم «أصدقاء الفلسطينيين». واللافت أن السياسات التوسعية والعنصرية التي يتبعها نتنياهو باتت محل مزايدات يتبجح بها مرشحو الأحزاب الصهيونية في جوقة متكاملة من التطرف شكلت السمة السائدة في المشهد السياسي والحزبي الصهيوني.
فما صرح به نتنياهو من عنصرية ضد الفلسطينيين هو جزء أصيل من أدوات مشروعه السياسي الذي يبدأ بإنكار وجود احتلال للأراضي الفلسطينية، وأن الوجود الاسرائيلي فيها هو حق أصيل. وأن الفلسطينيين بالتالي مجموعة سكانية يمكن أن تعيش في إطار صيغة دنيا من الحكم الاداري الذاتي خارج أية سمات استقلالية أو سيادية، لا في السياسة ولا في الأمن والاقتصاد.
من نافل القول أن المشروع الذي خرجت به إدارة ترامب تحت مسمى «صفقة العصر» قد جاء كحامل قوي لمشروع نتنياهو عبر ما يسمى بـ«الحل الاقليمي»، الذي يخرج العامل الفلسطيني كطرف صاحب حقوق، والحاقة في صفقة إقليمية تبدأ بتطبيع العلاقات العربية الرسمية مع الاحتلال لتشكل ضغطا على الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية في محاولة لإرغامه على القبول بالصفقة.
مشروع نتنياهو واضح المعالم، وازداد خطورة مع اتحاده مع المشروع الأميركي في المنطقة، وهو ما ينبغي على الحالة الفلسطينية أن تتعامل بشكل جدي مع استحقاقاته دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية المهددة بالتبديد، وفي مقدمة هذه الاستحقاقات إنهاء الانقسام وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري.
من دون ذلك.. لن يجد المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي ما يكبحه عن تنفيذ أهدافه.
ومن يتابع وقائع السياسية الإسرائيلية على الأرض في الضفة والقدس وقطاع غزة يتأكد من صحة هذا الاستخلاص. ولذلك، من الضروري أن تضع الحركة الوطنية الفلسطينية هذا الأمر الخطير بنظر الاعتبار في سياق بناء الاستراتيجية الوطنية المطلوبة لمقاومة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي وإفشال أهدافه.
في عامه الأول على رأس الحكومة، لم يستطع نتنياهو في خطابه في جامعة بار إيلان تجاوز موضوعة الدولة الفلسطينية، دون أن يذكرها بالاسم، مكتفياً بالقول «ليسموا كيانهم كما يشاؤون». وعلى الرغم من أنه لا يفضل مبدأ التفاوض مع الجانب الفلسطيني حول مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن مسار التسوية لم يشكل عبئاً على مشروعه السياسي لأن المفاوضات لم تدخل عملياً على خط تنفيذ السياسة التوسعية الإسرائيلية. ومن هذه الزاوية حافظت تل أبيب على حضورها الشكلي في هذه المفاوضات.
المرة الوحيدة التي رأى نتنياهو في المفاوضات خطرا على مشروعه السياسي هي عندما ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه الشهير في جامعة القاهرة (4/6/2009) وأشار فيه إلى ضرورة تجميد الاستيطان ووقف هدم منازل الفلسطينيين، كمقدمة لازمة لإعادة إطلاق المفاوضات التي توقفت في العام 2008، دون أن تخرج حتى باتفاق إطار في ولاية رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، والرئيس الأميركي الأسبق بوش الابن. وقد خاض نتنياهو تجاذبات مع إدارة أوباما وانتهى الأمر بتآكل مضمون «خطاب القاهرة»، الذي ثبت أن ما جاء فيه كان مجرد تحفيز لفظي للمفاوض الفلسطيني وأعضاء «الرباعية العربية».
بقاء نتنياهو على رأس الهرم السياسي في إسرائيل مكنه من تظهير مشروعه والسير به على الأرض، وخاصة فيما يتصل بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وسبل حله. ونذكر أن أكثر ما شدد عليه في خطاب «بار إيلان» هو عزمه على «إعادة الاعتبار للصهيونية»، في إشارة واضحة إلى أن من سبقه في رئاسة الحكومة قد خرج نسبيا عن هذا السياق. وهذا يعني بالنسبة له أن المشروع الصهيوني في فلسطين لم يبلغ كامل غاياته. وتأكد بالممارسة أن نتنياهو ينطلق في مشروعه أولا من تثبيت مكاسب الاحتلال من عملية التسوية وفق أوسلو في الجانبين الأمني والاقتصادي، وخارج هذا الاطار لا يبتعد عن المفهوم التوراتي للصراع القائم. لذلك لوحظ أنه يركز كثيرا على تحشيد المجتمع الإسرائيلي خلف فزاعة «الخطر الوجودي» الذي يتهدد إسرائيل على يد «الأغيار».
وعلى اعتبار أنه لا يعترف بالأساس بالمضمون التحرري للقضية الفلسطينية، فقد وجه المؤسستين الأمنية والعسكرية للتعامل مع مقاومة الاحتلال، الشعبية والمسلحة باعتبارها خطرا إرهابيا محدقا ينبغي القضاء عليه. ولهذا نلحظ في السنوات القلية الأخيرة انتشار ظاهرة «الاعدام الميداني» بحق الفلسطينيين حتى على «شبهة» أن أحدهم يحمل أداة حادة. وبات الاعدام الميداني جزءا من عقيدة أفراد المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيلية وماتزال الجرائم المرتكبة بحق المشاركين في «مسيرات العودة وكسر الحصار» في غزة ماثلة ومتكررة حتى اللحظة.
ولقد دفع نتنياهو بقوة باتجاه تحفيز المجتمع الإسرائيلي باتجاه التطرف والعنصرية. وهومن دفع بعصابات المستوطنين في وجه الفلسطينيين وشجعهم على ارتكاب الجرائم بحقهم، وقدم لهم الحماية والدعم. كما نقل نتنياهو عملية الاستيطان والتهويد إلى مستوى «المشروع المقدس» من أجل بناء «إسرائيل الكبرى»، وقد أعلن ذلك بصراحة عندما اعتبر أن حدود إسرائيل تمتد من البحر الأبيض إلى نهر الأردن.
إلى جانب الإجراءات على الأرض، دفعت حكومة نتنياهو باتجاه إصدار عشرات القوانين العنصرية وفي المقدمة «قانون القومية» الذي يحصر حق تقرير المصير بالشعب اليهودي وينكره على الفلسطينيين. ومن هذا المنطلق خرجت تصريحاته العنصرية ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض. ولأنه يعتبر أن المشروع الصهيوني في فلسطين لم يكتمل، فهذا يعني بالنسبة له أن النكبة الفلسطينية لم تنته فصولا وينبغي استكمالها، وهذا ما يفسر المخططات والمشاريع التي تسعى لاستكمال تهويد فلسطين، ومن بينها «مخطط برافر» الذي يهدف لاقتلاع من تبقى من الفلسطينيين في النقب وحشرهم في معازل.
ويمكن القول إن نتنياهو قد شجع على نمو خطاب الكراهية والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وحتى من هم أعضاء في الكنيست، ونلحظ أنه في سياق دعايته الانتخابية يتهم خصومه بأنهم «أصدقاء الفلسطينيين». واللافت أن السياسات التوسعية والعنصرية التي يتبعها نتنياهو باتت محل مزايدات يتبجح بها مرشحو الأحزاب الصهيونية في جوقة متكاملة من التطرف شكلت السمة السائدة في المشهد السياسي والحزبي الصهيوني.
فما صرح به نتنياهو من عنصرية ضد الفلسطينيين هو جزء أصيل من أدوات مشروعه السياسي الذي يبدأ بإنكار وجود احتلال للأراضي الفلسطينية، وأن الوجود الاسرائيلي فيها هو حق أصيل. وأن الفلسطينيين بالتالي مجموعة سكانية يمكن أن تعيش في إطار صيغة دنيا من الحكم الاداري الذاتي خارج أية سمات استقلالية أو سيادية، لا في السياسة ولا في الأمن والاقتصاد.
من نافل القول أن المشروع الذي خرجت به إدارة ترامب تحت مسمى «صفقة العصر» قد جاء كحامل قوي لمشروع نتنياهو عبر ما يسمى بـ«الحل الاقليمي»، الذي يخرج العامل الفلسطيني كطرف صاحب حقوق، والحاقة في صفقة إقليمية تبدأ بتطبيع العلاقات العربية الرسمية مع الاحتلال لتشكل ضغطا على الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية في محاولة لإرغامه على القبول بالصفقة.
مشروع نتنياهو واضح المعالم، وازداد خطورة مع اتحاده مع المشروع الأميركي في المنطقة، وهو ما ينبغي على الحالة الفلسطينية أن تتعامل بشكل جدي مع استحقاقاته دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية المهددة بالتبديد، وفي مقدمة هذه الاستحقاقات إنهاء الانقسام وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني التحرري.
من دون ذلك.. لن يجد المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي ما يكبحه عن تنفيذ أهدافه.
أضف تعليق