14 تشرين الثاني 2024 الساعة 19:31

عن السياسة الأميركية المتوحشة

2019-02-03 عدد القراءات : 919
تعبر«صفقة العصر» بخطواتها المعلنة وبآليات فرضها عن نقلة نوعية في السياسة الخارجية الأميركية من زاوية اعتماد تطبيق الأهداف قبل إعلانها،وهذا يعني على الأقل إزاحة مبدأ الحلول الوسط أو التفاوض حولها، واستبداله بفرض ماتريده واشنطن بواسطة القوة بأشكالها المتعددة.وبهذا الأسلوب تعاملت إدارة ترامب منذ مجيئها مع الخصوم والحلفاء على حد سواء.
ويزداد تأثير هذه السياسة طرداً مع ازدياد حاجة الطرف المستهدف إلى «الرضى» الأميركي اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، فيما يستثير سخط واشنطن وغضبها سياسات الدول التي تجتهد في شق طريقها بعيداً عن الهيمنة الأميركية واشتراطاتها، فتعمل أميركا على التحريض ضدها في الداخل والخارج وتسعى إلى محاصرتها، وتضغط على حلفائها وأتباعها لاتخاذ إجراءات مماثلة.
الأمثلة على ذلك كثيرة وأبرزها خطوات ترامب العدوانية ضد الحقوق الفلسطينية،وماتقوم به إدارته وأتباعها هذه الأيام في مسعى لتقويض استقلال فنزويلا البوليفارية ونهب ثرواتها.
عندما فاز بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة الاسرائيلية عقب انتخابات العام 2009،أعلن أنه بصدد «إعادة الاعتبار للصهيونية»،وهو بذلك يكثف انتقاداته لمن سبقه من رؤساء الحكومات واتهامهم بأن السياسات التي اتبعوها جعلت من إسرائيل دولة «أقل صهيونية»،بمن فيهم شارون الذي شكل في العام 2005 حزب «كاديما» على أنقاض حزبي الليكود والعمل وقدم نفسه في خانة «يمين الوسط».
ومع أن الحكومات التي سبقته تمادت على الدوام في التغول على حقوق الشعب الفلسطيني وكانت في غرفة عمليات واحدة مع القوى الإمبريالية في مواجهة الدول التي تحاول أن تشق درب التنمية بما يحفظ مصالح شعوبها،إلا أن نتنياهو رأى أن بقاءه على رأس الحكومة وتحقيق حلمه في الاستمرار طويلاً في موقعه رهن بجعل أعمدة السياسات اليمينية وحواملها رافعة لحكمه. لذلك، عمل تدريجياً على إخراج فكرة الانسحاب الإسرائيلي من الضفة من قاموس التسوية ومبادراتها.وجعل المجتمع الإسرائيلي يقف على قدم واحدة على إيقاع طبول الحرب التي قرعها محذراً من الخطر الوجودي على إسرائيل والمتمثل بالمقاومة الفلسطينية وإيران وحزب الله. وقد ساعده في تحقيق ماخطط له عوامل كثيرة أساسها علاقات التحالف الإستراتيجي مع واشنطن بإداراتها المتعاقبة.
وفي أواخر العام 2016، فاز ترامب بمقعد رئاسة الولايات المتحدة، وبدأ الحديث عن «الخطايا» التي ارتكبتها الإدارة السابقة، ولم يقتصر الأمر على تمرير قرار مجلس الأمن بخصوص الاستيطان، بل تجاوزه إلى ملفات داخلية مثل الهجرة وقانون الضمان الصحي وغيرهما، وكل ذلك قبل «دحرجة» أية خطوة من خطوات «صفقة العصر». وشقت إدارة ترامب سياساتها الخارجية ضمن منظومة من الإملاءات المترافقة بالتهديد واضعة الإمكانات الاقتصادية والعسكرية والسياسية لواشنطن كفزاعة في وجه جميع الأطراف بمن فيهم الحلفاء. وهو ماأدى لأن يسود التوتر والاحتقان في العلاقات الدولية مستعيداً بذلك خطاب «الحرب الباردة».
ومنذ فوز ترامب، شجعت إدارته الحركات اليمينية الشعبوية وشكلت نموذجاً لها، ودخلت على خط القوى والأحزاب اليسارية والديمقراطية في غير مكان وخاصة في أميركا اللاتينية التي شهد في مرحلة قريبة سابقة وصول عدد من هذه الأحزاب إلى سدة الحكم في بلادها.

أضف تعليق