24 تشرين الثاني 2024 الساعة 05:36

التجمع الديمقراطي الفلسطيني.. حاجة وطنية يجب احتضانها

2019-01-15 عدد القراءات : 1286
بعد انتظار طال وقته، شهدت الفترة الماضية ولادة التجمع الديمقراطي الفلسطيني الذي يتشكل من خمسة فصائل فلسطينية تنضوي في اطار منظمة التحرير الفلسطينية اضافة الى تيارات مجتمعية وعدد من الشخصيات المستقلة، لتتقدم الى الواجهة بارقة امل يتمنى الكثيرون لها النجاح في اخراج الحالة السياسية الفلسطينية من واقعها الراعن، كما ان كثيرين ايضا يتمنون لها الفشل وعدم النجاح خاصة من اولئك الذين يعيشون على "نعم الانقسام والشرذمة".
هي محاولة يجب تشجيعها وتشجيع جميع المبادرات الوطنية التي لا هدف لها سوى انها ترى باستمرار الواقع الراهن خطيئة وطنية ويجب ان تتوقف، لكن طالما ان جميع المحاولات السابقة للملمة الاوضاع الداخلية لم تنجح ولم تعد تجدي نفعا باعتمادها على الوصفات القديمة، فكان لا بد من صرخة وطنية ومن سعي لايجاد صيغ عمل اخرى يمكنها ان تشكل رافعة وطنية تنهض بالحالة النضالية التي انحدرت الى ادنى مستوياتها بفعل تردي الاداء السياسي الرسمي لقطبي الانقسام وسعي كل طرف الى جر الطرف الاخر الى بيت طاعته تحت مسميات مختلفة هي بحد ذاتها تحصيل حاصل، إذ كل يوم يتعمق يمضي دون معالجات نرى الانقسام يتغلغل في الجسد الفلسطيني آخذا اشكالا سلبية مختلفة من الفعل ورد الفعل لتبدو الصورة الماثلة امام الشعب الفلسطيني ان لا قضية وطنية يناضل من اجلها ولا احتلال جاثم فوق صدور الجميع، وان قضيتنا الوحيدة التي ننام ونصحو عليها هي تفاصيل هذا الانقسام الذي بات يؤذي اصحابه، كأفراد وجماعات، قبل ان يؤذي القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في مختلف تجمعاته.
في هذا السياق لا نخفي سرا القول ان ما شهدته بعض مخيمات لبنان، خلال الفترة الماضية، كان احد ارتدادات هذا الانقسام الذي اخذ شكله العدائي والتناحري والتخوين، بل رفض الجلوس الى طاولة واحدة ورفض العمل المشترك بين الطرفين. ولولا بعض التدخلات من قوى لبنانية حريصة على امن واستقرار المخيمات، لكانت صورة المخيمات اكثر سوءا وسوادا مما هي عليه اليوم. وكل هذا يجري دونما افق بل على حساب التناقض والصراع الاساسي الذي هو مع العدو الذي يسعى عبر تغذية كل هذه التناقضات ومدها بكل اسباب استمرارها وتعميقها، كونها ازاحت عنه عبء مشاغلته والضغط عليه في الميادين كافة بالتسليم لحقوقنا الوطنية، بل تجاوز هذا العدو امعانا في مصادرة حقوقنا الوطنية والتاريخية عبر كل اجراءاته العنصرية من قانون القومية للدولة اليهودية بكل ما يعنيه من ابعاد عنصرية تسعى اولا واخرا الى خلق واقع ديمغرافي جديد يقيد حركة فلسطيني الداخل المحتل ويسعى الى ترانسفير جديد لترحيل فلسطيني ال ٤٨ في ظل استمرار سياسة القضم التدريجي والضم والاعتقالات والاعتداء على المقدسات والتنكيل والقتل والعبث بكل مقدرات شعبنا. كل هذا يأتي مترافقا مع الدعم المطلق من قبل ادارة ترامب الفاشية والتي وفرت كل سبل الدعم والحماية لبقاء هذا العدو متفوقا  ويحظى بمظلة دولية وفرتها الدول التي تدور في الفلك الامريكي، ومخطئ من يظن ان المشروع الاميركي في المنطقة قد انتهى او انهزم، بل يمكن القول انه يعيش بعض العثرات بعد ان تعرض لضربات موجعة، لكنه ما زال قائما، وهذا ما يتطلب من جميع القوى الحية، فلسطينية وعربية بل ودولية، احداث المزيد من الصيغ الوحدوية والتنسيقية، وما يؤكد اهمية وجود مثل هذه الصيغ جولة المبعوث الاميركي في المنطقة بداية العام حاملا معه خرائط جيوسياسية  تشبه الى حد بعيد خرائط  سايكس بيكو وايضا اثارة مسألة نقل السفارة الامريكية الى القدس والضغط على اكثر من دولة لنقل سفاراتها، وهذا جزء يسير لما يجري تخضيره للمرحلة القادمة التي تنبئ بالاسوأ، في ضوء هرولة عربية غير مسبوقة للتطبيع مع هذا العدو الآخذ بالنمو على اكثر من صعيد سياسي وثقافي ورياضي وفني واقتصادي والامني، بهدف جعل اسرائيل جزءا طبيعيا من نسيج المنطقة والقوة الاساس المحركة بتعريف العدو، واقامة الاحلاف العسكرية والاستعداد لشن الحروب وقلب شكل الصراع من عربي اسرائيلي الى فلسطيني اسرائيلي وعربي فارسي. وكل من يرفض المشاريع الامريكية الاسرائيلية عليه تسديد فواتير جمة اهمها في الاقتصاد عبر تجويع الشعوب والدول.
 بالتزامن مع كل هذه المشاريع الخطرة تسعى بعض الدوائر الغربية الرسمية، وبحكم تبعيتها السياسية والاقتصادية المطلقة للادارة الامريكية، الى رسم خرائط جيوسياسية جديدة الى تثبيت هوية دولة العدو ككيان اصيل وقائد في المنطقة بحكم قوته وقدراته وتقاطع المصالح ومعترف به كأمر واقع وعبر مروحة المصالح المشتركة من جهة اخرى ومحاولة خلق كيانات قومية واخرى دينية مذهبية جديدة من جهة اخرى، وزعزعة استقرار  اكثر من دولة وتقويض السلم الداخلي لاكثر من بلد عربي، وكل هذا يشكل في مجمله ضغطا متزايدا على الحالة الفلسطينية ويضيق هامش المناورة امامها، بل  يعيق كل سبل الوصول الى اي شكل من اشكال التوافق على رزنامة عمل وطني تتيح المجال للكل الفلسطيني بالمشاركة  الفاعلة في المشروع التحرري الوطني الفلسطيني الذي يعيش ازمة حقيقية، نتيجة الانقسام والتشرذم والخلل في موازين القوى ناهيك عن اغداق المال السياسي الذي من ضمن اهدافه احداث حالة الطلاق الكامل بين غزة ورام الله وبلا عودة كخطوة يحسبها اي متبصر لابجدية السياسة المعادية والتي طلت علينا منذ قدوم الرئيس ترامب بمسمى صفقة القرن التي سعت وتسعى الى نفض اليد من القضية الفلسطينية وايجاد وطن بديل وتفتيت الفلسطينيين شيعا متناحرة وتذويبهم في كيانات المنطقة وخارجها وقتل حلم المشروع الوطني الفلسطيني الذي اجمعت عليه كافة المؤسسات الوطنية الفلسطينية وحظي باجماع اممي.
يجب العمل بأي شكل وطني ومسؤول على فكفكة حالة الانقسام المتمثلة بساطة في غزه وسلطة في رام الله والنضال من اجل سلطة واحدة ومشروع وطتي واحد يطال جميع الاراضي المحتلة بعدوان عام 1967. فالصراع اليوم هو صراع على سلطة لا سلطة لها على شئ واحتلال موجود لكنه دون كلفة، وفقا لكلام الرئيس محمود عباس، صراع على كيان افتراضي غير قائم بل ويصعب قيامه في ظل هذا الاختلال الفاضح في موازين القوة وفي ظل الاصرار على التمسك بما تبقى من اتفاقات اوسلو ومفرداتها. وهنا لا يصلح القول ان الصراع هو صراع على السلطة بل هذا الشكل لا يستند الى اي مسوغات علمية لها اسسها على ارض الواقع خاصة في مرحلة التحرر الوطني، وقد يصح هذا في مرحلة بناء الدولة المنشودة، فهذا الشكل من الصراع يصنف بالعدمي الذي ارّقت الرصيد الوطني للكل الفلسطيني وعزز نقاط قوة العدو...
صحيح ان كل ما طرح يفوق قدرة التجمع الديمقرااطي وليس مطلوبا منه بالاساس التصدي لكل هذه المخاطر التي تتطلب حالة فلسطينية موحدة في ميدان المواجهة، وهذه احدى المهمات الرئيسية للتجمع بمراكمة قوى تشد طرفي الانقسام الى مربع العمل الوحدوي ومن ثم نتوجه مجتمعين بموقف سياسي واستراتيجية واحدة طالبين دعم العالم لمشروعنا بالخلاص من الاحتلال وعلى ارضية حركة شعبية في الميدان يوفر لها كل الدعم والاسناد السياسي. لذل نقول ان التجمع الديمقراطي يجب ان يشكل رافعة وطنية تنقلنا من حالة الصراعىالداخلي الى وضع برنامج نضالي وطني جامع، خاصة وان التجمع مفتوح العضوية لكل من له مصلحة وطنية بالخروج من حالة الانقسام ومواجهة مخاطر المشروع الامريكي الاسرائيلي. وان هذا الاطار ليس بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية ولكنه رديفا لها يعيد عقارب الساعة الفلسطينية الى زمانها وربطه بأجندة المشروع الوطني الجامع، بل هو ليس بديلا عن الفصائل المؤتلفة في اطاره، انه اطار وطني للجميع ومن اجل الجميع يضم الى جانب مكوناته السياسية الخمسة شخصيات ومؤسسات تتقاطع مواقفها معه ولها مصلحة في تصويب ارهاصات المرحلة وزج كل طاقاتنا التي تُستنزف في غير مكانها الى حيث يجب ان تكون..
صحيح ان الجميع يتحمل مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع الداخلية الفلسطينية من انحدار، لكن تبقى المسؤولية نسبية بين من يمسك بقرار السلطة السياسي والامني والمالي وبين من لا يملك سوى موقفه وحالته الجماهيرية التي تبدي استعدادات عالية للتضحية، وبالنسبة الينا كجبهة ديمقراطية فنحن سنسعى بمد هذا التجمع بكل مقومات النجاحه، ولن نألو جهدا من اجل عدم فشل هذا المسعى الوحدوي، انطلاقا من ادراكنا لمعنى ان يتشكل تيار ثالث في الساحة الفلسطينية يستند الى التقاطعات والقواسم الوطنية المشتركة، ونعلم أيضا معنى فشل هذه التجربة النظيفة وما يمكن ان تعكسه من ارتداد سلبي على الحالة الشعبية التي يشكل هذا التجمع مصلحة لها. نعم المسؤولية الوطنية ليست فردية او على هذا التجمع وحده، بل على الكل الشعبي الفلسطيني والوطني عليه ان يشكل حاضنة وطنية لهذا التجمع كونه يعبر عن المصالح الحقيقية للاجماع الوطني، وان لا يطالب هذا التجمع شعبيا بدفع فواتير اخطاء الماضي السياسية منها والمالية وشعبنا يعلم أن التجمع الديمقراطي بمعظم فصائله عانى من الحصار  والاقصاء منذ عقود حتى لا يشكل خطر حقيقي على طرفي الانقسام، ولا يجب ان ننسى ان نخب هذين الطرفين سيقفان بكل قوتهما لافشال اي محاولة او قيامة هذا التجمع الجبهوي، وهذا يعني ان اقطاب وجمهور هذا الفريق يجب ان يعلمو انهم ليسوا ذاهبين في نزهة وانما ينتظرهم عمل شاق طويل ومُضني لكن فلسطين تستحق ولها علينا الكثير..

أضف تعليق