23 كانون الأول 2024 الساعة 20:33

حملة مقاطعة منتجات الاحتلال.. مكانك سر

2019-01-09 عدد القراءات : 644
الحدث الأبرز في مجال مقاطعة منتجات الاحتلال هو افتتاح فرع جديد لسلسلة مراكز التسوق المعروفة باسم صاحبها رجل الاعمال الاحتلالي (رامي ليفي) يوم أمس في مدينة القدس المحتلة. وهو واحد من مراكز تسوق عديدة تم افتتاحها خلال السنوات الاخيرة، واقيم بعضها في حدود مستوطنات احتلالية بُنيت على اراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية، ومحاذية تماماً لبعض المدن والتجمعات الفلسطينية الكبرى كمدن الخليل، القدس، رام الله، ونابلس. وتستهدف هذه المراكز المستوطنين في المستوطنات القريبة اضافة الى الفلسطينيين سكان المناطق المحيطة، وتركز في تجارتها على البيع بأسعار منافسة جداً لمراكز التسوق الاخرى (الفلسطينية وغير الفلسطينية)، وهي تستند في ذلك، وتستفيد من سلسلة من التسهيلات والاعفاءات التي يمنحها الاحتلال لجذب المستوطنين والاستثمارات الى المستوطنات.
قبل وخلال الساعات الاولى من افتتاح الفرع الجديد في مدينة القدس ضجت الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي بتناقل أخبار هذا الافتتاح وتفاصيله. مكان إقامة المركز، حجم الإقبال الذي شهده، طبيعة المتاجر التي يتضمنها، والكثير الكثير من التفاصيل الأخرى. وكان لافتاً في هذا النقاش أن التركيز ينصب على أن هناك مجموعة من التجار الفلسطينيين الذين قاموا فعلاً بتأسيس فروع لمصالحهم التجارية في هذا المركز كتجار الملابس، الأحذية، المطاعم... وغيرها. وبالطبع فإن هذا الامر تم استخدامه بشكل مناسب من أجل اجتذاب الفلسطينيين للتسوق من هذا المركز. وهو ما ظهر خلال الساعات الاولى من الاعلان عن افتتاحه، حيث تداول العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تشير الى اقبال فلسطيني على التسوق في هذا المركز.
سرعان ما اعطت تلك الصور والاخبار مزيداً من الروح والنشاط على الجدل القائم اصلاً حول حملات مقاطعة منتجات الاحتلال، ومن المتوقع ان يتصاعد الجدل أكثر خلال الفترة القادمة، خاصة مع ترافق هذا الحدث مع اخبار متواصلة عن سلسلة نجاحات تحرزها حملات المقاطعة الدولية المعروفة بالاسم المختصر (BDS) لدولة الاحتلال.
حصيلة ما تابعته حتى الآن من هذا الجدل يتركز على الادوات والوسائل التي تغلب على لغة الخطاب الذي يستخدمه الداعون الى المقاطعة، وهو في غالبيته يقوم على نفس تلك المفردات التي تم استخدامها عبر سنوات طويلة وتتلخص في جوهرها على مضمون اتهام، يصل في بعض الأحيان حد التخوين، لكل من يذهب الى هذه المراكز التجارية لشراء منتجاتها وبضاعتها، ويشمل ذلك أيضاً التجار المشاركين، وحتى العمال العاملين فيها.
بكل موضوعية انا ارى ان الموضوع يحتاج الى مناقشة عميقة وجذرية وليس الاكتفاء بخطاب جاهز. وارى ان مدخل توزيع التهم والالقاب لا يصب اطلاقاً في خدمة أية دعوة للمقاطعة، بل بالعكس من الممكن ان يساهم في تراجعها وانكفائها داخلياً. وبدلا من ذلك فإن من الانسب دائماً البحث في تفاصيل الامور، وتفكيك كل عوامل الجذب لبضائع الاحتلال ومنتجاته، وتعزيز عوامل الجذب للبضائع والمنتجات المحلية. وعلى كل حال فإنني اعتقد ان هناك سؤال جوهري ينبغي طرحه على الطاولة، والبحث عن اجابات، ليس واضحة فقط، وانما مقنعة لدى المواطنين الفلسطينيين. وبدلاً من الخطاب الذي يتضمن "لغة التخوين" او على الاقل التقليل من وطنية فئة من فئات مجتمعنا فإنني اقترح ان يجري البحث في السؤال التالي: ما الذي يدفع بعض الفلسطينيين الى العزوف عن الشراء من المتاجر الفلسطينية، والذهاب للشراء من متاجر الاحتلال؟ وفي بعض التفاصيل المشتقة عن السؤال سؤال آخر هو: ما الذي يحرك المستهلك لتفضيل شراء منتج احتلالي (سواء كان يباع في متجر احتلالي او متجر فلسطيني) وعدم شراء منتج فلسطيني؟
كنت قد كتبت قبل أكثر من اربعة اعوام مقالة حول نفس الموضوع بعنوان: حملة مقاطعة منتجات الاحتلال.. حتى لا تتحول الى مجرد هبّة وتحدثت فيها عن جملة من القضايا الجوهرية التي لا بد من الانتباه الواعي لها إذا رغبنا في تأسيس وترسيخ حركة مقاطعة لمنتجات الاحتلال على اسس صلبة ومتينة حتى تصبح نمط حياة وسلوك يومي لكل مواطن، وبدونها فان حركة المقاطعة ستبقى تراوح مكانها، وتعتمد الموسمية في عملها.
خلاصة القول انه آن الاوان للتخلص نهائياً من لغة الخطاب "المعلبة" والجاهزة، وبدلاً منها الارتكاز الى مواقف مبنية على اسس منطقية عقلانية قادرة على مخاطبة فئات الشعب ومصالحها وربطها بالخطاب الوطني العام. وهذا لن يكون في متناول التحقيق دون الاهتمام ببناء منظومة كاملة تستند بالأساس على تعزيز ثقة المواطن الفلسطيني بهيئاته ومؤسساته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال قدرتها على تمثيله والتعبير الدقيق عن المصالح اليومية والمباشرة لفئاته المختلفة وربطها بالمصالح الوطنية العامة. وحينها فقط يمكننا التغلب وتفكيك الخطاب المعادي مهما كانت قوته وزخمه.

أضف تعليق