هل يحق للمحكمة الدستورية أن تحل المجلس التشريعي؟!
انشغل الناس في الآونة الأخيرة بنقاش وتحليل حكم المحكمة الدستورية الفلسطينية القاضي بحل المجلس التشريعي الفلسطيني ، لأنه لا يقوم بممارسة اختصاصاته التشريعية والرقابية، ولأنه في حالة تعطل وغياب تام من تاريخ 5/7/2007، وما زال معطلا وغائبا بشكل كامل حتى تاريخه، ولأن ولايته الزمانية انتهت في 25/1/2010، ولأن مصلحة الشعب الفلسطيني العليا تقتضي هذا الحل. وكأن المحكمة أخذت بكامل بالأسباب التي أودعها وزير العدل في طلب التفسير للمحكمة لعدة قواعد قانونية في القانون الأساس.
يعتبر حكم المحكمة الدستورية سابقة هامة وخطيرة في القانون الدستوري ليس على صعيد فلسطين وحدها، بل على صعيد إقليمي. فلم تذكر كتب فقه القانون الدستوري مثل هذا الأمر بمثل هذا الفهم وإنما أتت عليه ضمن معنى آخر مختلف تماما. وقد يعتقد البعض لسبب أو لآخر، أن المحكمة الدستورية المصرية قد شهدت أحكاما مماثلة في عامي 1988 و1992 حينما أبطلت نتائج الانتخابات وما أسفر عنها من سلطة تشريعية ومجلس شعب، ذلك أن المحكمة الدستورية المصرية، قررت آنذاك بطلان نصوص في قانون الانتخاب المصري، وبالتالي أبطلت عملية الانتخاب برمتها، وعليه أبطلت وجود مجلس الشعب المصري الذي انتخب بموجب هذه النصوص غير الدستورية، ولكن المحكمة الدستورية المصرية لم تجرؤ على التلفظ بحل مجلس الشعب المصري، لأنها تعرف الفرق بين الحل وبين البطلان في القانون الدستوري. ولو كان هناك تماثلا بين الحالة الفلسطينية والمصرية ، لاستندت إليها محكمتنا الدستورية ولو من قبيل الاستئناس.
المحكمة الدستورية لم تكتف بقرار حل المجلس التشريعي ، بل خطت خطوة خارج اختصاصها، فتزيّدت حين أرفقت بقرارها دعوة خاصة لفخامة رئيس الدولة لإجراء انتخابات تشريعية خلال ستة اشهر من تاريخ نشر المحكمة في الجريدة الرسمية، وهو أمر حتما خارج اختصاصها.
تصرفت المحكمة الدستورية هنا كدار إفتاء، بل هي ليست دار نصح وإرشاد، فهي محكمة تقضي وفق اختصاصها المحدد. إن قضاءها قضاء عيني، يتعلق بالنص القانوني المحدد من حيث تطابقه مع الدستور من عدمه، وأنه قضاء مشروعية وليس قضاء ملاءمة، وهو هنا يتعلق بتفسير قاعدة قانونية تشريعية. فرغم جلال المطلب وأهميته القصوى للشعب الفلسطيني والقاضي بإجراء الانتخاب لمجلس تشريعي جديد، إلا أنه ليس من اختصاصات المحكمة الدستورية كما رسمه قانونها. فضلا عن أنها ليست الأمينة الوحيدة على مصالح الشعب الفلسطيني فهناك السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
ويبدو أن المحكمة تناست في هذه الدعوة،عن قصد واضح، المادة الثانية من قانون الانتخاب رقم 9 لسنة 2005 والتي تنص على ( يتم انتخاب الرئيس وأعضاء المجلس في آن واحد في انتخابات عامة حرة ومباشرة بطريق الاقتراع السري ) ، حيث أنها في ذات القرار لم تدع الرئيس إجراء انتخابات رئاسية لدولة فلسطين متزامنة أو غير متزامنة مع الانتخابات التشريعية، واكتفت بدعوة الرئيس إجراء انتخابات تشريعية دون الرئاسية.
والغريب أن محكمة دستورية اختصاصها محدد بتفسير القواعد القانونية، تخطت هذا الاختصاص حينما لم تكتف بتفسير للقواعد القانونية التي طلبها وزير العدل، بل بادرت إلى عمل إضافي ليس من اختصاصها وهو دعوة الرئيس إجراء انتخابات تشريعية في خروج واضح وفاضح عما رسمه قانونها لولايتها . وفي عمل تمييزي واضح، آثرت في نفس القرار تجاهل قانون الانتخاب الفلسطيني، وقامت بعمل انتقائي، حيث قصرت الانتخابات على أعضاء المجلس التشريعي واستبعدت الانتخاب الرئاسي مع أن السبب واحد والإجراء واحد والنص واحد.
الأمر الثاني الذي جانب المحكمة الدستورية فيه التوفيق، هو تخطيها صلاحياتها واختصاصها عبر قرارها بحل المجلس التشريعي، نتيجة للأسباب التي ذكرناها في افتتاحية هذا المقال. فالمادة الثانية من القانون ألأساس تنص على أن " الشعب مصدر السلطات،ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي.
ولو استعرضنا الباب السادس الخاص بالسلطة القضائية نصا نصا من القانون الأساس لعام 2003 ، لما وجدنا نصا واحدا يسمح لأية محكمة ولا لأي سلطة باي وضع وبأي شكل، بحل المجلس التشريعي. ولو التجأنا للمادة 103 من القانون الأساس والخاصة بالمحكمة الدستورية وقرأناه وحللناه لما وجدنا به صلة بحل المجلس التشريعي. بل لو استعرضنا نصوص القانون الأساس كلها حول صلاحية سلطة أو جهة ما بحل المجلس التشريعي، لما وجدنا مثل هذا النص ولنفينا مثل هذا الاختصاص أو هذه القدرة أو الولاية عن أي كان.
من هنا، يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا جوهريا: إذا كان القانون الأساس في باب السلطة القضائية وغيره من الأبواب والفصول، يخلو من صلاحية حل المجلس التشريعي ، فمن أين استمدت بل أقحمت المحكمة الدستورية، هذه الولاية، أو هذا الاختصاص، الذي لم يقل به أي تشريع فلسطيني مهما كانت درجته؟
وهل يمكن لسلطة مهما كان اسمها وتشكل ركيزة من ركائز الدولة أن تحل سلطة أخرى تحت أي سبب أو حجة؟ بعبارة أخرى هل يعقل أن تقوم السلطة القضائية الفلسطينية والمتمثلة بالمحكمة الدستورية، المعينة بطريقة أوتوقراطية، أن تحل مجلسا تشريعيا منتخبا بشكل ديموقراطي؟ كيف يمكن أن تحل سلطة قضائية أو غير قضائية، بحل سلطة أخرى تمثلت مجلس تشريعي أو قل سلطة تشريعية، أو بسلطة تنفيذية؟ هل يمكن لهذا الإجراء أن يتوافق وأن يتسق مع مبدأ الفصل بين السلطات؟ أوليس الأصل أن يكون بين هذه السلطات فصل مرن بينها، فكيف إذا نصبنا سلطة فوق هذه السلطات جميعا وأعطيناها الحق في حل اي سلطة تريد أو ترغب بحجة أنها جاوزت مصلحة الشعب. ألا يعيدنا هذا إلى تركيز السلطات جميعا في يد واحدة، أولا يقود هذا إلى الاستبداد والطغيان. لطالما ناضلت الشعوب والأمم والمفكرين لفصل بين السلطات كضمانة لسيادة القانون ، وها نحن نعيد الكرّة إلى المربع الأول ونقيم سلطة قضائية رقيبا على بقية السلطات وهو أمر حذّر منه رافضوا فحص دستورية القوانين من زمن.
تقول لنا كتب القانون الدستوري أن حل البرلمان، عبارة عن إجراء توازن في الأنظمة البرلمانية بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية مقابل إجراء سحب الثقة. فعبر تطور النظام البرلماني في بريطانيا تقرر مزايا للبرلمان في مواجهة السلطة التنفيذية أي الحكومة، تمثلت في السؤال والاستجواب والتحقيق وقمتها في سحب الثقة من الحكومة، التي عليها أن تستقيل حينذاك، بالمقابل منح النظام البرلماني رئيس السلطة التنفيذية ( الملك ) الحق في حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة، ليتفادى هذه الأزمة الدستورية التي أطبقت على خناقه. بكلام آخر حينما تشهد البلاد أزمة دستورية مستعصية، يقوم رئيس السلطة التنفيذية بحل البرلمان لتفادي الأزمة الدستورية. وأشدد هنا أن الذي يحل البرلمان هو رئيس السلطة التنفيذية الذي قد يكون ملكا أو رئيس جمهورية، ولم يكن يوما يملك هذا الحق رئيس المحكمة الدستورية ولا المحكمة نفسها .
وبالتالي فإن المحكمة الدستورية الفلسطينية، نظرا للأوضاع السياسية المستفحلة والصعبة، بين حركتي فتح وحماس، والتي غدت أزمة دستورية يصعب حلها عبر إجراءات عادية، قررت أن تستعير صلاحية محصورة لرئيس السلطة التنفيذية في القانون الدستوري المقارن، وأن تمنحها لذاتها أي للمحكمة الدستورية بدون اي سند قانوني صحيح، بل الأمرلا يعدو أن يكون غصبا للصلاحيات ولكن عن حسن نية. حتى رئيس السلطة التنفيذية الرئيس محمود عباس، لا يستطيع قانونيا حل المجلس التشريعي، اي بموجب القانون الأساس الفلسطيني لعام 2003، لأنه ببساطة ليس في مكنة أحد قانونا أن يحل المجلس التشريعي أو تعطيله ولا في الظروف الطارئة. أضف أنه ليس من صلاحية أحد قانونا أن يراقب عمل المجلس التشريعي وأن يشكل هيئة رقابية على أعمال المجلس من حيث الملاءمة سواء من ناحية شكلية أو من ناحية موضوعية رغم أهمية الحجج والأسباب التي تقود إلى خلاف ذلك ، بل العكس هو الصحيح. فالمجلس التشريعي يستطيع مراقبة عمل السلطة التنفيذية بل إن أساس قيامه ووظيفته الأساسية تتمثل في الرقابة على عمل السلطة التنفيذية وسن التشريعات.
الغريب ايضاً أن المحكمة الدستورية الفلسطينية لم تتطرق من قريب ولا من بعيد لقرار المجلس المركزي الفلسطيني في عام 2009 بتمديد ولاية عمل الرئيس والمجلس التشريعي لحين إجراء انتخابات جديدة رئاسية وتشريعية. ويبدو أن المحكمة لم ترد صداما مع جهة سياسية، ولم ترغب في تقييم عمل المجلس المركزي السياسية من ناحية قانونية، ولم تجهد نفسها في تحليل مدى شرعية هذا القرار من عدمه، وكيف يوقع السياسيون القانونيون في خطأ أفعالهم ثم يطلبون تبريرها وإجازتها وإسباغ الشرعية عليها.
يبقى الأمر الأهم وهو أن المجلس التشريعي استنفذ ولايته الزمانية بحلول 25/1/2010. ولا يسعفه المادة 47 مكرر من القانون الأساس، فهذه المادة قصد منها معالجة الفترة الانتقالية الممتدة بين موعد إجراء الانتخابات وبين حلف اليمين لأعضاء المجلس الجديد، وأية قراءة أخرى هي قراءة سياسية ومخالفة لأبسط قواعد التفسير والمنطق. فالانتخاب للمجلس التشريعي، يجب أن يكون دوريا كل أربع سنوات أي لفترة زمنية محدودة. فالفائز فيها لا يتولاها أبد الدهر أو طول العمر وإلا شكل ذلك الأمر استفتاء وليس انتخابا.
وإذا ما حصل ذلك، يتحول الانتخاب إلى سلطة تحكمية تسلطية، تأسيسا لقيام نظام بوليسي أو استبدادي. ولو نظرنا للواقع الفلسطيني لوجدنا انتخابات عام 2006، وبعدها توقفت الانتخابات. ببساطة شديدة من انتخب في عام 2006 فقد شرعيته في بداية عام 2010 رغم استمرار دفع مكافئاته الشهرية غير الشرعية مما شجع الادعاء بشرعيته. وبالتالي فقد المجلس التشريعي شرعيته اعتبارا من 25/1/2010 لأن الأربع سنين وهي المدة المحددة لولاية المجلس التشريعي انتهت بذلك التاريخ. وعليه لم يعد هناك مجلس تشريعي بمهامه المرسومة في القانون الأساس ولا يستطيع ممارستها لأن شرعيته انتهت بنهاية فترته الزمنية. وقطعا بعد هذا التاريخ لم توجد انتخابات ولا مجلس تشريعي في فلسطين رغم أقوال هنا وهناك وصيحات سياسية، فهذه كلها مناكفات سياسية ولا صلة للقانون الأساس والتفسير الصحيح له.
يقال عادة أن الألفاظ وعاء المعاني. لذا المحكمة الدستورية الفلسطينية لا تستطيع حل المجلس التشريعي الفلسطيني عملا بمبدأ الفصل بين السلطات، ولأن السلطة التنفيذية ولا السلطة القضائية لا تملكان هذا الاختصاص. أما ما كانت تملكه المحكمة الدستورية وما زالت فهو إعلان انتهاء ولاية المجلس التشريعي الزمانية وفق الفقرة الثالثة من المادة 47 من القانون الأساس وفق تعديل القانون الأساس لعام 2005.
أما وقد صدرت المحكمة الدستورية الفلسطينية حكمها الذي لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة، وحكمها ملزم لجميع سلطات الدولة وللكافة فحديثنا غدا ترفا فكريا قانونيا، لذا لا بد من إجراء الانتخابات تنفيذا لحكمها، متمنين أن يرافق ذلك انتخابات رئاسية إعمالا للمادة الثانية من قانون الانتخابات. وتبقى الانتخابات لوحدها لا تشكل بديلا الديموقراطية، فهي ليست غاية بل وسيلة، وسيكون من المؤسف خلط الغاية بالوسيلة وتناسي الحقيقة القائلة بأن معنى كلمة الديموقراطية يتجاوز مجرد الإدلاء دوريا بأصواتنا في انتخابات دورية نزيهة سرية مع فصلها عن الأوضاع السائدة في المجتمع الفلسطيني التي تقضي حماية مصالح وحقوق المواطنين وحرياته وسيادة القانون فيه، فلكل سحابة بطانة من فضة!!!
يعتبر حكم المحكمة الدستورية سابقة هامة وخطيرة في القانون الدستوري ليس على صعيد فلسطين وحدها، بل على صعيد إقليمي. فلم تذكر كتب فقه القانون الدستوري مثل هذا الأمر بمثل هذا الفهم وإنما أتت عليه ضمن معنى آخر مختلف تماما. وقد يعتقد البعض لسبب أو لآخر، أن المحكمة الدستورية المصرية قد شهدت أحكاما مماثلة في عامي 1988 و1992 حينما أبطلت نتائج الانتخابات وما أسفر عنها من سلطة تشريعية ومجلس شعب، ذلك أن المحكمة الدستورية المصرية، قررت آنذاك بطلان نصوص في قانون الانتخاب المصري، وبالتالي أبطلت عملية الانتخاب برمتها، وعليه أبطلت وجود مجلس الشعب المصري الذي انتخب بموجب هذه النصوص غير الدستورية، ولكن المحكمة الدستورية المصرية لم تجرؤ على التلفظ بحل مجلس الشعب المصري، لأنها تعرف الفرق بين الحل وبين البطلان في القانون الدستوري. ولو كان هناك تماثلا بين الحالة الفلسطينية والمصرية ، لاستندت إليها محكمتنا الدستورية ولو من قبيل الاستئناس.
المحكمة الدستورية لم تكتف بقرار حل المجلس التشريعي ، بل خطت خطوة خارج اختصاصها، فتزيّدت حين أرفقت بقرارها دعوة خاصة لفخامة رئيس الدولة لإجراء انتخابات تشريعية خلال ستة اشهر من تاريخ نشر المحكمة في الجريدة الرسمية، وهو أمر حتما خارج اختصاصها.
تصرفت المحكمة الدستورية هنا كدار إفتاء، بل هي ليست دار نصح وإرشاد، فهي محكمة تقضي وفق اختصاصها المحدد. إن قضاءها قضاء عيني، يتعلق بالنص القانوني المحدد من حيث تطابقه مع الدستور من عدمه، وأنه قضاء مشروعية وليس قضاء ملاءمة، وهو هنا يتعلق بتفسير قاعدة قانونية تشريعية. فرغم جلال المطلب وأهميته القصوى للشعب الفلسطيني والقاضي بإجراء الانتخاب لمجلس تشريعي جديد، إلا أنه ليس من اختصاصات المحكمة الدستورية كما رسمه قانونها. فضلا عن أنها ليست الأمينة الوحيدة على مصالح الشعب الفلسطيني فهناك السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
ويبدو أن المحكمة تناست في هذه الدعوة،عن قصد واضح، المادة الثانية من قانون الانتخاب رقم 9 لسنة 2005 والتي تنص على ( يتم انتخاب الرئيس وأعضاء المجلس في آن واحد في انتخابات عامة حرة ومباشرة بطريق الاقتراع السري ) ، حيث أنها في ذات القرار لم تدع الرئيس إجراء انتخابات رئاسية لدولة فلسطين متزامنة أو غير متزامنة مع الانتخابات التشريعية، واكتفت بدعوة الرئيس إجراء انتخابات تشريعية دون الرئاسية.
والغريب أن محكمة دستورية اختصاصها محدد بتفسير القواعد القانونية، تخطت هذا الاختصاص حينما لم تكتف بتفسير للقواعد القانونية التي طلبها وزير العدل، بل بادرت إلى عمل إضافي ليس من اختصاصها وهو دعوة الرئيس إجراء انتخابات تشريعية في خروج واضح وفاضح عما رسمه قانونها لولايتها . وفي عمل تمييزي واضح، آثرت في نفس القرار تجاهل قانون الانتخاب الفلسطيني، وقامت بعمل انتقائي، حيث قصرت الانتخابات على أعضاء المجلس التشريعي واستبعدت الانتخاب الرئاسي مع أن السبب واحد والإجراء واحد والنص واحد.
الأمر الثاني الذي جانب المحكمة الدستورية فيه التوفيق، هو تخطيها صلاحياتها واختصاصها عبر قرارها بحل المجلس التشريعي، نتيجة للأسباب التي ذكرناها في افتتاحية هذا المقال. فالمادة الثانية من القانون ألأساس تنص على أن " الشعب مصدر السلطات،ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي.
ولو استعرضنا الباب السادس الخاص بالسلطة القضائية نصا نصا من القانون الأساس لعام 2003 ، لما وجدنا نصا واحدا يسمح لأية محكمة ولا لأي سلطة باي وضع وبأي شكل، بحل المجلس التشريعي. ولو التجأنا للمادة 103 من القانون الأساس والخاصة بالمحكمة الدستورية وقرأناه وحللناه لما وجدنا به صلة بحل المجلس التشريعي. بل لو استعرضنا نصوص القانون الأساس كلها حول صلاحية سلطة أو جهة ما بحل المجلس التشريعي، لما وجدنا مثل هذا النص ولنفينا مثل هذا الاختصاص أو هذه القدرة أو الولاية عن أي كان.
من هنا، يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا جوهريا: إذا كان القانون الأساس في باب السلطة القضائية وغيره من الأبواب والفصول، يخلو من صلاحية حل المجلس التشريعي ، فمن أين استمدت بل أقحمت المحكمة الدستورية، هذه الولاية، أو هذا الاختصاص، الذي لم يقل به أي تشريع فلسطيني مهما كانت درجته؟
وهل يمكن لسلطة مهما كان اسمها وتشكل ركيزة من ركائز الدولة أن تحل سلطة أخرى تحت أي سبب أو حجة؟ بعبارة أخرى هل يعقل أن تقوم السلطة القضائية الفلسطينية والمتمثلة بالمحكمة الدستورية، المعينة بطريقة أوتوقراطية، أن تحل مجلسا تشريعيا منتخبا بشكل ديموقراطي؟ كيف يمكن أن تحل سلطة قضائية أو غير قضائية، بحل سلطة أخرى تمثلت مجلس تشريعي أو قل سلطة تشريعية، أو بسلطة تنفيذية؟ هل يمكن لهذا الإجراء أن يتوافق وأن يتسق مع مبدأ الفصل بين السلطات؟ أوليس الأصل أن يكون بين هذه السلطات فصل مرن بينها، فكيف إذا نصبنا سلطة فوق هذه السلطات جميعا وأعطيناها الحق في حل اي سلطة تريد أو ترغب بحجة أنها جاوزت مصلحة الشعب. ألا يعيدنا هذا إلى تركيز السلطات جميعا في يد واحدة، أولا يقود هذا إلى الاستبداد والطغيان. لطالما ناضلت الشعوب والأمم والمفكرين لفصل بين السلطات كضمانة لسيادة القانون ، وها نحن نعيد الكرّة إلى المربع الأول ونقيم سلطة قضائية رقيبا على بقية السلطات وهو أمر حذّر منه رافضوا فحص دستورية القوانين من زمن.
تقول لنا كتب القانون الدستوري أن حل البرلمان، عبارة عن إجراء توازن في الأنظمة البرلمانية بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية مقابل إجراء سحب الثقة. فعبر تطور النظام البرلماني في بريطانيا تقرر مزايا للبرلمان في مواجهة السلطة التنفيذية أي الحكومة، تمثلت في السؤال والاستجواب والتحقيق وقمتها في سحب الثقة من الحكومة، التي عليها أن تستقيل حينذاك، بالمقابل منح النظام البرلماني رئيس السلطة التنفيذية ( الملك ) الحق في حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة، ليتفادى هذه الأزمة الدستورية التي أطبقت على خناقه. بكلام آخر حينما تشهد البلاد أزمة دستورية مستعصية، يقوم رئيس السلطة التنفيذية بحل البرلمان لتفادي الأزمة الدستورية. وأشدد هنا أن الذي يحل البرلمان هو رئيس السلطة التنفيذية الذي قد يكون ملكا أو رئيس جمهورية، ولم يكن يوما يملك هذا الحق رئيس المحكمة الدستورية ولا المحكمة نفسها .
وبالتالي فإن المحكمة الدستورية الفلسطينية، نظرا للأوضاع السياسية المستفحلة والصعبة، بين حركتي فتح وحماس، والتي غدت أزمة دستورية يصعب حلها عبر إجراءات عادية، قررت أن تستعير صلاحية محصورة لرئيس السلطة التنفيذية في القانون الدستوري المقارن، وأن تمنحها لذاتها أي للمحكمة الدستورية بدون اي سند قانوني صحيح، بل الأمرلا يعدو أن يكون غصبا للصلاحيات ولكن عن حسن نية. حتى رئيس السلطة التنفيذية الرئيس محمود عباس، لا يستطيع قانونيا حل المجلس التشريعي، اي بموجب القانون الأساس الفلسطيني لعام 2003، لأنه ببساطة ليس في مكنة أحد قانونا أن يحل المجلس التشريعي أو تعطيله ولا في الظروف الطارئة. أضف أنه ليس من صلاحية أحد قانونا أن يراقب عمل المجلس التشريعي وأن يشكل هيئة رقابية على أعمال المجلس من حيث الملاءمة سواء من ناحية شكلية أو من ناحية موضوعية رغم أهمية الحجج والأسباب التي تقود إلى خلاف ذلك ، بل العكس هو الصحيح. فالمجلس التشريعي يستطيع مراقبة عمل السلطة التنفيذية بل إن أساس قيامه ووظيفته الأساسية تتمثل في الرقابة على عمل السلطة التنفيذية وسن التشريعات.
الغريب ايضاً أن المحكمة الدستورية الفلسطينية لم تتطرق من قريب ولا من بعيد لقرار المجلس المركزي الفلسطيني في عام 2009 بتمديد ولاية عمل الرئيس والمجلس التشريعي لحين إجراء انتخابات جديدة رئاسية وتشريعية. ويبدو أن المحكمة لم ترد صداما مع جهة سياسية، ولم ترغب في تقييم عمل المجلس المركزي السياسية من ناحية قانونية، ولم تجهد نفسها في تحليل مدى شرعية هذا القرار من عدمه، وكيف يوقع السياسيون القانونيون في خطأ أفعالهم ثم يطلبون تبريرها وإجازتها وإسباغ الشرعية عليها.
يبقى الأمر الأهم وهو أن المجلس التشريعي استنفذ ولايته الزمانية بحلول 25/1/2010. ولا يسعفه المادة 47 مكرر من القانون الأساس، فهذه المادة قصد منها معالجة الفترة الانتقالية الممتدة بين موعد إجراء الانتخابات وبين حلف اليمين لأعضاء المجلس الجديد، وأية قراءة أخرى هي قراءة سياسية ومخالفة لأبسط قواعد التفسير والمنطق. فالانتخاب للمجلس التشريعي، يجب أن يكون دوريا كل أربع سنوات أي لفترة زمنية محدودة. فالفائز فيها لا يتولاها أبد الدهر أو طول العمر وإلا شكل ذلك الأمر استفتاء وليس انتخابا.
وإذا ما حصل ذلك، يتحول الانتخاب إلى سلطة تحكمية تسلطية، تأسيسا لقيام نظام بوليسي أو استبدادي. ولو نظرنا للواقع الفلسطيني لوجدنا انتخابات عام 2006، وبعدها توقفت الانتخابات. ببساطة شديدة من انتخب في عام 2006 فقد شرعيته في بداية عام 2010 رغم استمرار دفع مكافئاته الشهرية غير الشرعية مما شجع الادعاء بشرعيته. وبالتالي فقد المجلس التشريعي شرعيته اعتبارا من 25/1/2010 لأن الأربع سنين وهي المدة المحددة لولاية المجلس التشريعي انتهت بذلك التاريخ. وعليه لم يعد هناك مجلس تشريعي بمهامه المرسومة في القانون الأساس ولا يستطيع ممارستها لأن شرعيته انتهت بنهاية فترته الزمنية. وقطعا بعد هذا التاريخ لم توجد انتخابات ولا مجلس تشريعي في فلسطين رغم أقوال هنا وهناك وصيحات سياسية، فهذه كلها مناكفات سياسية ولا صلة للقانون الأساس والتفسير الصحيح له.
يقال عادة أن الألفاظ وعاء المعاني. لذا المحكمة الدستورية الفلسطينية لا تستطيع حل المجلس التشريعي الفلسطيني عملا بمبدأ الفصل بين السلطات، ولأن السلطة التنفيذية ولا السلطة القضائية لا تملكان هذا الاختصاص. أما ما كانت تملكه المحكمة الدستورية وما زالت فهو إعلان انتهاء ولاية المجلس التشريعي الزمانية وفق الفقرة الثالثة من المادة 47 من القانون الأساس وفق تعديل القانون الأساس لعام 2005.
أما وقد صدرت المحكمة الدستورية الفلسطينية حكمها الذي لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة، وحكمها ملزم لجميع سلطات الدولة وللكافة فحديثنا غدا ترفا فكريا قانونيا، لذا لا بد من إجراء الانتخابات تنفيذا لحكمها، متمنين أن يرافق ذلك انتخابات رئاسية إعمالا للمادة الثانية من قانون الانتخابات. وتبقى الانتخابات لوحدها لا تشكل بديلا الديموقراطية، فهي ليست غاية بل وسيلة، وسيكون من المؤسف خلط الغاية بالوسيلة وتناسي الحقيقة القائلة بأن معنى كلمة الديموقراطية يتجاوز مجرد الإدلاء دوريا بأصواتنا في انتخابات دورية نزيهة سرية مع فصلها عن الأوضاع السائدة في المجتمع الفلسطيني التي تقضي حماية مصالح وحقوق المواطنين وحرياته وسيادة القانون فيه، فلكل سحابة بطانة من فضة!!!
أضف تعليق