23 تشرين الثاني 2024 الساعة 22:31

حروب نتنياهو الانتخابية..!

2018-12-10 عدد القراءات : 690
التحذير من «المخاطر الأمنية» كان أحد وسائل نتنياهو للحفاظ على بقاء حكومته. وهو جزء من خطابه السياسي، ورافعة لتمرير الكثير من مناوراته تجاه حلفائه وخصومه على حد سواء.
لقد جرب أسلوبه هذا كرئيس للوزراء ونجح فيه على امتداد السنوات التي أعقبت تشكيل حكومته الثانية في العام 2009، عندما كرر التحذير من «الخطر الوجودي»، الذي يتهدد إسرائيل من جميع الجهات. ويراهن اليوم على نجاح هذا الأسلوب على نحو أوسع وهو يجمع وزارة الحرب إلى جانب رئاسة الحكومة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عما إذا كان التصعيد الذي يهدد به نتنياهو على «الجبهة الشمالية» سيصطدم مع تقديرات الأجهزة الأمنية وحساباتها، ويجد نفسه بالتالي في المكان الذي كان فيه وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان عشية استقالته.
يركز خصوم نتنياهو في المعارضة على أن دوافعه وراء الحديث عن «أنفاق حزب الله» والتحركات الاسرائيلية على الحدود الفلسطينية ـ اللبنانية تشكل «عرضاً مسرحياً» يهدف إلى إقناع بينيت بالقاء في الحكومة، وأشاروا في الوقت نفسه إلى العلاقة بين خطاب التصعيد وبين المصاعب القضائية المتصاعدة التي يواجهها نتنياهو، خاصة وأن الشرطة نشرت توصياتها، مؤخراً بتقديمه للمحاكمة بتهمة تلقي الرشوة والاحتيال وارتكاب مخالفات أخرى في إطار القضية التي أطلق عليها «الملف 4000». وأوضحوا أن هذا الخطاب يخدم هدف نتنياهو في تحويل الأنظار عن ملفه القضائي، وتعزيز صورته الأمنية كوزير للحرب.ويشير هؤلاء ومعهم بعض المحللين الإسرائيليين إلى أن الطريقة في إعلان «إكتشاف» الأنفاق تدل على أن نتنياهو حدد مسبقاً وظيفة هذا الإعلان من زاوية إغراق المجتمع الإسرائيلي في هواجس الخوف من اليوم التالي.
إلى جانب ذلك يوجه نتنياهو رسائل متعددة العناوين على المستويين الإقليمي والدولي تفيد بأن «الصفيح الإسرائيلي الساخن» سيكون الأرضية لبحث الكثير من الملفات في المنطقة، وأن أية محاولة لـ«تبهيت» الدور الإسرائيلي في توجيه الترتيبات القادمة في الإقليم حسب مصالحها ستبوء بالفشل.
وفي إطار تداعيات إستقالة ليبرمان التي لم تنته فصولاً، يسعى نتنياهو إلى رص صفوف الإئتلاف الحكومي، وقطع الطريق على أية مفاجئات غير سارة تضعه اليوم وجهاً لوجة مع الانتخابات المبكرة. لذلك من الطبيعي أن يتجاوب أكثر مع مطالب رئيس حزب«البيت اليهودي» بينيت لجهة التشديد على خطاب التصعيد الأمني. وهذا يخلق معادلة مركبة مابين مكونات المشهد السياسي والأمني في إسرائيل. فعلى الرغم من التصريحات النارية لعدد من قادة جيش الاحتلال، إلا أن الجميع في الحكومة والجيش يبتعد عن أي خيار باتجاه عمل عسكري واسع، ولايعتقد المراقبون أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ستغير من حساباتها «مسايرة» لطموحات رئيس الوزراء السياسية.
أوساط قيادية في «الليكود» تبدي امتعاضها من تجاوب نتنياهو مع مطالب بينيت، وترى أن الأخير سيظهر أمام الجمهور الإسرائيلي كموجه لعمل الحكومة، وأن هذا الأمر سينال من مكانة الحزب وربما يؤثر على مساحة حظوظه في الانتخابات القادمة لصالح حزب «البيت اليهودي». وتدرك هذه الأوساط أن نتنياهو مستعد لإظهار«كرمه» مع الشركاء في الائتلاف الحكومي مقابل إسناده في منصبه. ويستذكر قياديون في «الليكود» كيف منح نتيناهو مقاعد إضافية للأحزاب التي فاوضها لتشكيل الحكومة على حساب أعضاء حزبه، وخاصة حزب العمل برئاسة إيهود باراك الذي أعانه على نجاح مناورته بإفشال محاولة تسيفي ليفني في تشكيل الحكومة عقب انتخابات الكنيست في العام 2009.
وفي حال استشعر قياديو «الليكود» بأن رئيس حزبهم سيقدم على تكرار ذلك السيناريو على أبواب الانتخابات القادمة أو بعدها، فلربما يشكل هذا الإستشعار حافزاً كي يخلقوا له مشاكل داخل الحزب، على إيقاع تطور ملفه القضائي. في هذه الحال، سيكون من الصعب على حزب الليكود أن يحافظ على قوته الحالية، لأن التجارب السابقة في المشهد الحزبي الإسرائيلي تفيد بأن نشوب صراعات داخلية ضمن أي حزب سيؤدي بالضرورة إلى تراجعه ويفتح الباب على الانشقاق وتشكيل كيانات سياسية جديدة.
لذلك، يفضل نتنياهو توجيه جبهة الصراع نحو «الأعداء» الذين يشكلون «الخطر الدائم» على الدولة العبرية. ومن الملاحظ أن جبهة العدوان على الشعب الفلسطيني تنفتح على مصراعيها مع كل أزمة تمر بها الحكومة الإسرائيلية حول ملفات داخلية. ومن يتابع وقائع الاعتداءات الإسرائيلية وخطط نشر الاستيطان والانفلات في عمليات التطهير العرقي يتأكد من ذلك.
ثمة عامل لم يدخل بقوة على خط أزمات نتنياهو وحكومته، وهو جبهة المعركة الفلسطينية المفتوحة التي ينبغي أن تستهدف وجوده الاحتلالي. والسبب يعود إلى تفاقم الأزمات الفلسطينية وتراكمها. ففي السياسية، يستمر غياب البرنامج الوطني الموحد في ظل استمرار الانقسام ومسلسل تعطيل قرارات الإجماع الوطني، تجاه قضيتي استعادة الوحدة وتصويب السياسات الرسمية لجهة التزام قرارات المجلسين المركزي والوطني، وخاصة وجوب مغادرة بقايا أوسلو والقطع مع قيوده الأمنية والسياسية والاقتصادية. فالعامل الفلسطيني هو العامل الحاسم في الصراع ضد الإحتلال والإستيطان، ما يوجب إستنهاض كامل القوى الفلسطينية في المقاومة بكل أشكالها، في الإشتباك مع الاحتلال في السياسة والميدان.
وفي هذا السياق أكدت قرارات المجلسين المركزي والوطني على وجوب إطلاق المقاومة الشعبية وحمايتها سياسيا، ووضع الاحتلال الإسرائيلي أما أكلاف جدية لاحتلاله الأراضي الفلسطينية والاعتداءات اليومية على أصحابها. ففي هذه الحال فقط يبدأ الاحتلال بإعادة حساباته وفق ميزان الربح والخسارة. وفي هذه الحال أيضاً يهتم المجتمع الدولي جدياً بما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع تطور المقاومة الشعبية واتساعها واستمرارها في الضفة والقدس وقطاع غزة ، ومن الطبيعي أن تجد صداها في أراضي الـ48 في ظل السياسات العنصرية والفاشية التي تمارسها المؤسسة الصهيونية ضد الفلسطينيين.
والمهم أيضاَ، أن يستعيد المسعى الفلسطيني زخمه نحو الأمم المتحدة لجهة طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في المنتدى الدولي وتفعيل عضويتها في المؤسسات الممية وخاصة المحكمة الجنائية الدولية بتقديم شكاوى نافذة ضد جرائم الاحتلال.
عبر ماسبق، يدخل العامل الفلسطيني بقوة في مشهد الصراع الإسرائيلي ويضع الدولة العبرية أمام تداعيات أزماتها الداخلية، ويقطع الطريق على محاولات الحكومة الإسرائيلية تفريغ هذه الأزمات على حساب قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية في الاستقلال والعودة.

أضف تعليق