23 تشرين الثاني 2024 الساعة 22:41

بعد «إشعال» باريس.. غضب «السترات الصُفر» إلى أين؟

2018-12-09 عدد القراءات : 604
يترقب الفرنسيون نتائج المشاورات واللقاءات التي شرع بإجرائها رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب، وفيما إذا كانت ستفلح في احتواء احتجاجات «السترات الصُفر» والحؤول دون نزولهم مجدداً إلى الشارع أم لا؟، علماً أنّ حكومته لوّحت بفرض حال الطوارئ في البلاد، إثر الاضطرابات التي أشعلت باريس وحوّلتها إلى ما يشبه «ساحة حرب» (1/12)، ووصفت بأنها «الأسوأ» منذ احتجاجات عام 1968، وخاصة بعد أن استهدف محتجون «قوس النصر»، في قلب العاصمة الفرنسية، ولحقت به أضرار جسيمة، بعد أن خرجت التظاهرات عن السيطرة، وشهدت أعمال عنف وشغب وتخريب، أسفرت عن 263 جريحاً، بينهم 133 في باريس، و412 معتقلاً، حسب بيانات الشرطة الفرنسية.
وقد بدأت الاحتجاجات عفوية تعبيراً عن «غضب شعبي» من زيادة أسعار الوقود، لكنها وعلى رغم افتقادها للقيادة السياسية الواضحة، فقد كشفت مع تواصلها للأسبوع الثالث على التوالي واتساع نطاقها وحدتها، عن أنّها «تتجاوز مجرد رفض قرار حكومي»، وأنّ «الشارع الفرنسي يعيش حالة احتقان شديدة بسبب سياسات الرئيس ماكرون الاقتصادية»، الـ«بعيدة تماماً عن مشاغل وهموم عامة الفرنسيين، لا سيما الطبقات الوسطى والفقيرة منهم»، كما يعتبرها كثير من الفرنسيين.
دوافع الاحتجاجات
وكانت الاحتجاجات اندلعت في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وانتشرت بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مستقطبة فئات اجتماعية مختلفة من شتى الألوان السياسية، وذلك رداً على قرار ماكرون رفع أسعار الوقود. ولكن، مستفيدة أيضاً من مشاعر الاستياء الشديد من الإصلاحات الاقتصادية التي أقدم عليها الرئيس، وصبّت بمجملها في طاحونة الأثرياء والشركات الكبيرة، بينما أدّت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القدرة الشرائية بالنسبة للطبقات الوسطى والفقيرة.
وقد أشارت دراسة أجراها المرصد الفرنسي للأوضاع الاقتصادية أخيراً، إلى تراجع الدخل السنوي للأسر الفرنسية بمقدار 440 يورو بين 2008 و2016. وانطلاقاً من هذا الواقع، فإن حركة «السترات الصفر» نجحت في جمع أكثر من 270 ألف شخص، من غير أن يقودها زعيم سياسي أو نقابي!. وبذلك فهي تفتح فصلاً جديداً في تاريخ فرنسا الطويل من الإضرابات والاحتجاجات المعيشية، وذكّرت في جوانب منها بـ«انتفاضة الفلاحين على الزيادات الضريبية أيام الملكية عام 1358»، حسب قول بعض المؤرخين الفرنسيين.
كما قارن كثيرون بين ما عاشته العاصمة الفرنسية يوم 1/12، وبين ما عرفته في ربيع عام 1968، المعروف بـ«الثورة الطلابية»، التي دامت أسابيع، وتخللتها مواجهات دامية، انتهت لاحقاً برحيل الجنرال ديغول عن السلطة. وقد أطلقت في الاحتجاجات الأخيرة شعارات تدعو إلى «رحيل» الرئيس ماكرون الذي بنى جزءاً من سمعته السياسية على تطبيق ما يسميه «الإصلاحات الاقتصادية»!. وهو عاد وشدّد في خطابه بشأن الأزمة، على أنه لن يتراجع عن تلك «الإصلاحات» وفرض الضرائب، خلافاً لأسلافه كما قال، على رغم إشارته إلى أنه «فهم رسالة الاحتجاجات»!.
تعنّت ماكرون
وفي تعليقه على أحداث العاصمة، نضحت تصريحات ماكرون بالتشدد لجهة تأكيده على «معاقبة المشاغبين الذين دنّسوا» - حسب تعبيره - قوس النصر وقبر الجندي المجهول. وقال إنه «لن يرضى أبداً بالعنف» الذي ارتكبه المشاغبون المنضمون إلى «السترات الصفراء». بيد أن المشكلة الحقيقية، وفقاً لكثير من المراقبين، أن الدولة ما زالت على مواقفها المتشدّدة والرافضة لإطفاء الشعلة التي «أوقدت» الاحتجاجات، والمتمثلة في برنامج زيادة الرسوم على المحروقات.
ويبدو للمراقبين أن «المعالجة الحكومية» للأزمة التي اقتصرت على بعدها الأمني من جهة، وعلى استغلال أعمال الشغب التي رافقتها لنزع الشرعية عنها، إضافة إلى المراهنة على إنهاك المحتجين وتراجع التعبئة في صفوفهم، وانتظار تفكك التعاطف الشعبي معهم، من جهة أخرى، لم تنجح، رغم أعمال العنف التي حصلت!. وأشار المراقبون إلى ظهور تباينات في الرأي حول سبل معالجة الأزمة حتى في صفوف الغالبية البرلمانية لحزب ماكرون.
ويحظى المحتجون بتأييد يُعتبر سابقة لدى الرأي العام (نحو 70 %)، وبنجاح عريضة لـ «خفض أسعار المحروقات» وقّعها أكثر من مليون شخص. وحصلت حركتهم أخيراً على دعم اتحاد القوة العمالية للنقل، مع التنبيه إلى أنّ الحركة الاحتجاجية لم تعد محصورة في رسوم المحروقات، بل تحولت إلى «سلة مطالب» منها خفض الضرائب، ورفع الرواتب الدنيا، وزيادة المعاشات التقاعدية.
كما أن الاحتجاجات لم تقتصر أصلاً على العاصمة وحدها، بل شملت معظم المناطق الفرنسية، حيث شهدت مدن في بوردو وتولوز وتارب وأوش، وفي مناطق أخرى جنوب غربي فرنسا، صدامات بين المحتجين ورجال الأمن.
مواقف القوى والأحزاب السياسية
وتميّزت ظاهرة «السترات الصفراء» بغياب للقيادة الواضحة وعدم وقوف أحزاب أو نقابات كبيرة وراءها، لكنها حظيت في الوقت نفسه بدعم واضح من أحزاب يمينية ويسارية. وقد تركّزت أبرز مقترحات المعارضة، في الدعوة إلى تراجع الحكومة عن قرار زيادة ضرائب الوقود، المتوقع دخوله حيز التنفيذ في بداية الشهر المقبل.
والتقى زعيم «فرنسا المتمردة»، جان لوك ميلانشون، مع زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية مارين لوبان، في الموقف من التعاطي الفرنسي الرسمي مع الاحتجاجات، واتفقا على الدعوة إلى استقالة ماكرون وحلّ البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة. واعتبر ميلونشون أنه «بين تعنّت الحكومة الفرنسية وإصرار أصحاب السترات الصفراء، هناك طريقة واحدة لحسم هذا الجدل هو الانتخابات».
ودعا رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه الحكومة الى تقديم «ردّ سياسي» على الأزمة، فيما طالب رئيس حزب «الجمهوريين» (اليمين الديغولي)، لوران فوكييه، باستفتاء حول السياسية البيئية والضريبية لماكرون.
أما زعيم الحزب الاشتراكي، أوليفييه فور، فقد طالب بتشكيل لجان وطنية بشأن القدرة الشرائية، فيما طلب السياسي بونوا أمون إطلاق حوار وطني مع «السترات الصفراء» والنقابات والمنظمات غير الحكومية حول القدرة الشرائية وتوزيع الثروات وعملية الانتقال البيئية.
فيما دعا فرانسوا آسيلينو، رئيس الاتحاد الشعبي الجمهوري، إلى إجراء غير مسبوق، تنصّ عليه المادة 68 من الدستور الفرنسي. ويقضي بـ«عزل الرئيس من قبل البرلمان».

أضف تعليق