المقاومة هي الشرعية
• الأول: أن ما ينطبق على الضفة الفلسطينية من دور لأمن السلطة، ينطبق على قطاع غزة.
• الثاني: بندقية واحدة، هي بندقية السلطة.
وكان أمراً طبيعياً أن تثير هذه القضية نقاشات واسعة، خلصت في مداخلات بعض القوى، ومنها مداخلة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إلى التالي:
• أولاً: لا يمكن المساواة بين الضفة الفلسطينية، وبين قطاع غزة.
ففي الضفة احتلال يمتد في طول البلاد وعرضها، وهناك التزامات التنسيق الأمني، التي أعلنها رئيس السلطة «أمراً مقدساً». بينما في القطاع مقاومة مسلحة، ليس بالبندقية فقط، بل بما هو أبعد من البندقية. وهناك حصار إسرائيلي، وهناك خطر العدوان اليومي على الشعب، وعلى المقاومة، وعلى قيادتها. كما أننا في القطاع أحرزنا تقدماً في المسار الوطني هو خروج الاحتلال والاستيطان من القطاع، الأمر الذي لم يتحقق بعد في الضفة الفلسطينية. لذلك يجب أن تكون هناك صيغة للسلطة، متحررة من كل أشكال التنسيق الأمني، ضماناً لأوضاع القطاع. وهذا لا يتم إلا بالتنسيق بين السلطة والمقاومة.
• ثانياً: وهو استكمال لما سبق. لا تناقض على الاطلاق بين سلاح السلطة وبين سلاح المقاومة. فسلاح السلطة، هو لضمان الأمن الداخلي للسكان، وتطبيق القانون وبما يضمن الاستقرار الداخلي. وهذا شرطه ألا تتدخل فيه أطراف المقاومة، وأن تترك للأجهزة الأمنية للسلطة أن تؤدي واجباتها بما يتعلق بالأمن الداخلي، علماً أن هذا من شأنه أن يعفي المقاومة من الانشغال بالهم اليومي للمواطنين، وأن تتفرغ لواجباتها النضالية والقتالية ضد الحصار والعدوان والاحتلال. أما سلاح المقاومة، فهو سلاح وظيفته أن يدافع عن الشعب في القطاع ضد الخطر الاسرائيلي، الأمر الذي يتطلب تنظيم أوضاع المقاومة بطريقة تضمن حمايتها، وتوحيد قرارها السياسي والعسكري والأمني، عبر غرفة عمليات مشتركة، ذات مرجعية سياسية وطنية موحدة، تكون السلطة عضواً في هذه المرجعية، التي من واجباتها أن تتخذ قرار القتال والتصعيد عند اللزوم، وقرار التهدئة عند اللزوم أيضاً. وهو قرار يتم بالتوافق وملزم بطبيعة الحال لغرفة العمليات العسكرية المشتركة.
* * *
اصطدمت تطبيقات تفاهمات 12/10 و 22/11/2017 بعدد من العراقيل. ولم تنجح المبادرات المصرية في إزاحة هذه العراقيل، ومن ضمنها الجولة الجارية على قدم وساق، في القاهرة.
الجديد في الأمر أن السلطة، أخذت تصعد في مواقفها، واشتراطاتها، وتصوغ شعارات، تدرك هي، قبل غيرها، أنها لن تكون مقبولة لا من حماس، ولا من أطراف المقاومة. على سبيل المثال «من الباب للمحراب»، أو «سلطة واحدة قانون واحد، وبندقية واحدة»، وهذا هو الأخطر، «بندقية السلطة هي وحدها الشرعية». وهذه كلها أمور لم يتم الاتفاق عليها، بل جرت مناقشتها وتم التوصل إلى حلول وطنية لها، كما أشرنا، خاصة مسألة الأمن والبندقية والتنسيق مع الاحتلال، والتحوط لخطط الحصار والعدوان.
ولعل أخطر ما في هذه الشعارات، هو حصر «الشرعية» ببندقية السلطة، وكأننا بتنا في دولة مستقلة، كاملة السيادة، تمارس هذه السيادة على كل شبر من أراضيها، وتصون بها سيادة شعبها على وطنه. وكأن بندقية السلطة ليست «شرعية»، بل هي بندقية خارجة على القانون، يحملها مجموعة من قطاع الطرق، المتمردين على القانون، والواجب تجريدهم منها، لتسييد القانون على الجميع.
لا بد من التذكير هنا أن بندقية المقاومة، لم تولد مع ولادة السلطة، ولم تولد في مواجهة السلطة. بل هي ولدت مع الثورة الفلسطينية المعاصرة، وصارت عنواناً للكرامة الوطنية لشعب فلسطين، صنعت مع البرنامج الوطني (العودة وتقرير المصير) مكانة جديدة للشعب الفلسطيني، بعدما جرت محاولات شطبه، وتحويله إلى مجموعات من اللاجئين. والبندقية، مع البرنامج الوطني، هي التي أدخلت م.ت.ف، الأمم المتحدة وكرستها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني. إلى أن وقع الانقلاب السياسي الكبير على البندقية (على المقاومة والانتفاضة) وعلى البرنامج الوطني، في اتفاق أوسلو. وعلى الجميع ألا يتناسى أن بعد وصول فريق أوسلو ومساره التفاوضي في كامب ديفيد (تموز/يوليو/2000)، لم يجد وسيلة آنذاك لاستعادة الحقوق الوطنية، إلا بالعودة إلى البندقية في الانتفاضة الثانية إلى حين رحيل الرئيس السابق للسلطة الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات، وقرار التهدئة في الحوار الوطني في القاهرة (2005) بناء لطلب الرئيس الجديد للسلطة محمود عباس.
التهدئة لم تعنِ إحالة البندقية إلى التقاعد، والتخلي عن خيار المقاومة تحت سقف البرنامج الوطني، وإن كان الرئيس عباس، قد بادر وحده إلى تفكيك كتائب شهداء الأقصى، الذراع العسكري لحركة فتح، وجردها من سلاحها. وكل أشكال وجولات العدوان الإسرائيلي، في القدس، والضفة الفلسطينية، وقطاع غزة، أثبتت أن السلطة، عاجزة بصيغتها الحالية وبالقيود السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية التي تكبلها، عن حماية الشعب الفلسطيني، وأرضه، بل هي عاجزة عن حماية عناصر وضباط أجهزتها الأمنية أنفسهم، عندما تتطاول عليهم دوريات الاحتلال، وتجردهم من سلاحهم.
* * *
نحن نعرف تماماً، كما يعرف أصحاب الدعوة لبندقية «شرعية» واحدة، أن المسألة ليست تقنية، ولا إدارية، ولا تتعلق بازدواجية السلاح بين السلطة والمقاومة، بل هي أولاً، وقبل كل شيء، مسألة خيار سياسي. إن الدعوة لسحب سلاح المقاومة، تعني الرجوع إلى ما تبقى من اتفاق أوسلو، كخيار سياسي، والتخلي عن خيار البرنامج الوطني والمقاومة، في الميدان، ضد الاحتلال، بكل أشكال النضال، وفي المحافل الدولية.
وعلى الجميع أن يدرك أن صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في مسيرات العودة وكسر الحصار، وثباته، وتضحياته، ما كانت لتأخذ هذا الطابع البطولي، إلا لأن الشعب مطمئن إلى أن خلفه تقف مقاومة، تدافع عنه، في الميدان، وتصون حقوقه، وأن هذه التضحيات لن تكون ورقة مساومة تحت سقف أوسلو أو غيره من مشاريع الحلول الهابطة.
والأمر ينطبق على الضفة الفلسطينية والقدس، وما كل هذه العمليات البطولية الفردية هنا، وهناك، إلا جزء لا يتجزأ من خيار المقاومة الشاملة، بمعانيها الميدانية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وجزء لا يتجزأ من جبهة إسقاط أوسلو أو ما تبقى من أوسلو.
وكذلك الحال في صمود اللاجئين وثباتهم في مخيماتهم ورفضهم للمشاريع البديلة لحق العودة. إدراكهم أن هناك بديلاً وطنياً، هو البرنامج الوطني، بكل أشكال مقاومته، وصونه بتضحياتهم ومعاناتهم، هو الذي يكفل لهم حق العودة.
لذلك دعونا نحسم الأمر، ولمرة واحدة وإلى الأبد:
بندقية المقاومة هي الشرعية..
وما عداها، فعليه أن يعيد النظر بسياسته ليستعيد «شرعيته الثورية» عبر العودة إلى البرنامج الوطني.■
أضف تعليق