15 تشرين الثاني 2024 الساعة 07:28

كيف يمكن عدم حني رؤوسنا أمام الفلسطينيين

2018-11-30 عدد القراءات : 556

كتب جدعون ليفي

ايضا لليسار الراديكالي ثمة استحواذ: الاحتلال. ليس هناك استحواذ اكثر احقية منه لأن الاحتلال نفسه هو ظاهرة قسرية. خلافا لاستحواذات اخرى استحواذ اليسار الصهيوني مثلا. استحواذ الاحتلال ليس هروبا من الشيء الاساسي، بل هو الانشغال به. عندما يدور الحديث عن أمر مصيري جدا، لا يوجد اكثر مصيرية منه على الماهية العميقة لدولة اسرائيل، من المستحيل أن لا تكون قهريا.
اضافة الى ذلك، الحاجة الى الاستحواذ ايضا هي أمر ملزم على ضوء قمع المجتمع، الاعلام والجهاز السياسي في اسرائيل. هنا يتحدثون عن كل شيء، وفقط ليس عن الاحتلال. لذلك، عندما يدور الحديث عن أمر مصيري الذي تقريبا كل المجتمع يهرب من امامه كهروبه من النار فلا خيار سوى أن تتحول الى قهري. بقدر ما هي قهرية فانها تتغير. ليس ككل تأرجح، فان تأرجح الاحتلال هو علامات الحياة الاخيرة تقريبا للمجتمع في احتضاره الاخلاقي، الذي يعيش في انكار كامل – قليلة هي المجتمعات التي تكذب على نفسها في أن تعرف مثله.
ولكن من المحظور أن نخطيء: قبل أي شيء آخر، الضحايا المباشرين للاحتلال الذين يفطرون القلب هم الفلسطينيون وليس الاسرائيليون. اليسار الصهيوني لا يهتم بمصيرهم. اذا كان يمد يده الى النار، فانها دائما ممسوسة بأخذ دور الضحية الدائم للاسرائيليين. انظروا ماذا يفعل الاحتلال بنا، كيف يفسدنا، يجب انهاءه لأننا نريد العيش في دولة يهودية، وأنه في النهاية سينفجر في وجوهنا.
نحن، نحن ونحن. الاحتلال حقا يلحق اضرار ايضا بنا، لكن نحن لسنا ضحاياه الاوائل. يجب علينا التماهي مع معاناة الفلسطينيين، والى جانب التضامن علينا الاعتراف بذنب كل الاسرائيليين. اليسار الدولي يستطيع الاكتفاء باظهار التماهي مع الضحية، مشاعر انسانية اساسية، ولكن اليسار الاسرائيلي يجب أن يتحمل المسؤولية المباشرة عن الاحتلال. المسؤولية التي يحملها كل واحد منا على عاتقه لكونه اسرائيلي.
ولكن اليسار الصهيوني لا يتعامل مع ذلك، هو يهرب من التعامل مع تهمة 1948 ويهرب من تهمة 1967. ليس لديه أي شعور بالذنب على ما نفعله طوال 100 سنة و50 سنة. الشعور بالذنب هذا للضعفاء، ليس لليسار الصهيوني، وبالطبع ليس لليمين. ولكن كيف يمكنك أن تكون اسرائيلي لديه ضمير ولا تحني رأسك أمام الشعب الفلسطيني؟ كيف يمكن أن لا تعترف بالذنب؟ وأن لا تتحمل المسؤولية؟ ما تفعله اسرائيل بهم يلطخ سمعة الصهيونية حتى الآن، وبدون توقف. هو من التنكيلات الكبيرة في التاريخ. من لا يعترف بذلك – اغلبية الاسرائيليين – هو كما يبدو لا ضمير له.
ولكن لنترك جانبا ألم الضمير. الانشغال بالاحتلال كان يجب أن يحتل مكان رئيسي في الحوار الاسرائيلي بسبب تأثيره المصيري على الحياة اليومية وعلى صورة الدولة. ليس هناك شيء اليوم يعرف اسرائيل اكثر من الاحتلال، رغم انجازات بندورة الشيري والسايبر. اليسار الصهيوني يحاول محاربة الاعراض دون مهاجمة مصدر المرض، يتعامل مع الاعراض الجانبية وليس مع الورم الرئيسي. معظم التشريعات القومية المتطرفة للحكومة استهدفت ترسيخ الاحتلال وتخليده، من قانون الولاء في الثقافة وحتى قانون القومية، من قانون النكبة وحتى قوانين المواطنة والمحاربة المجنونة لـ بي.دي.اس، شرطة الافكار في مطار بن غوريون، محاربة منظمات اليسار وحتى ضد المحكمة العليا – كل ذلك من اجل تخليد الاحتلال، احراق اوكار المقاومة ضده، ووضع الاساس القانوني له.
لولا الاحتلال لما كانت هناك حاجة الى كل ذلك. اليمين خلد على الارض أمر واقع، مع المستوطنات، والآن هو يريد ايضا انتصار بحكم القانون. اليسار الصهيوني يعرف اضرار هذه الخطوات ويحاول محاربتها، واذا صعد الى الحكم – سيتنكر لمعظمها. ولكن ليست لديه أي نية جدية لانهاء الاحتلال. بدون ذلك فان معالجة الاعراض الجانبية عديمة الفائدة. ستدمر واحدا منها، سيظهر آخر. اجل، الاحتلال يثير الغضب والانشغال به ليس أقل من ذلك. ولكن كيف يمكن أن لا تكون استحواذيا فيما يتعلق به؟.
هآرتس – 29/11/2018

أضف تعليق