23 تشرين الثاني 2024 الساعة 19:12

مسيرات العودة واستحقاقات التهدئة

2018-11-22 عدد القراءات : 617
قطعت «مسيرات العودة وكسر الحصار» في قطاع غزة شوطاً هاماً منذ انطلاقها آخر شهر آذار/مارس الماضي.وشكلت بزخمها الشعبي وفعالياتها المتواصلة هاجساً أمنياً وسياسياً أقلق حكومة نتنياهو.لذلك، كان وقف هذه المسيرات ضمن شروط تل أبيب للتوصل إلى تهدئة مع فصائل المقاومة.
في الأسابيع الثلاثة الماضية،تواصلت فعاليات المسيرات دون أن تشهد كما الفترة السابقة إطلاق البالونات والطائرات الورقية الحارقة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1948،وهذا مؤشر على أن الجانب الفلسطيني في مفاوضات التهدئة غير المباشرة يتعامل (حتى الآن) مع استحقاقات التهدئة ضمن معادلة «مسيرات متواصلة باشتباك أقل»،وهذا طبيعي، لأن سلمية المسيرات هي طابعها الذي انطلقت به،دون أن يعني ذلك أن العدو لن يستهدف المشاركين.لكن الأساس هو استمرارها والحفاظ على الزخم الشعبي الذي انطلقت به، والتقليل ماأمكن من الخسائر بين صفوف المشاركين.
الهدف الاسرائيلي تجاه المسيرات واضح،وهو اخمادها.وعبرعن ذلك بالقتل العمد،ضمن أوامر مستويات عسكرية قيادية مسبقة وجهت جنود الاحتلال وقناصته باطلاق الرصاص الحي على كل فلسطيني يتحرك أمامهم. وارتكب الاحتلال واحدة من أكبر جرائمة عندما قتل أكثر من 60 مشاركاً وأصاب المئات في الذكرى السبعين للنكبة. وهو يعتبر أية فعالية أو مسيرة يطالب المشاركون فيها بالعودة إلى الديار والممتلكات بمثابة حرب ضد الدولة العبرية يستهدف تقويضها،ولذلك تصف الماكنة الاعلامية الصهيونية مايقوم به جيش الاحتلال من جرائم ضد المتظاهرين بـ«الدفاع عن النفس».
يمكن القول إن تحقيق الشعارات والأهداف التي رفعتها المسيرات (كسر الحصار والعودة) يقوم على مبدأ المراكمة في تاثيرهذه المسيرات على أطراف كثيرة وفي المقدمة الرأي العام الدولي والمحيط على الصعيدين السياسي والمجتمعي. وأيضاً على تأثيرها المفترض على عموم الحالة الفلسطينية من زاوية تظهير مطلب إنهاء الانقسام، وهذا يشكل بوابة حل الأزمات الفلسطينية.وخاصة أن مسيرات العودة تجري ضمن إشراف وتوجيه هيئة وطنية تضم معظم القوى السياسية والمجتمعية في القطاع.
وهي بالأساس(المسيرات) ليست مشروع اشتباك عسكري مع الاحتلال،بل مشروع إنهاض للحالة الفلسطينية الشعبية والسياسية في القطاع وتوجيه الاحتقان الشعبي بفعل تداعيات العدوان والحصار نحو مسببه الأساسي، والانفجار في وجهه على مرأى ومسمع الجميع، وخاصة في ظل رهان الاحتلال على انفجار الاحتقان في الجسم الفلسطيني، بعدما وصلت تجاذبات الانقسام إلى حد اتخاذ السلطة الفلسطينية إجراءات عقابية بحق القطاع مست حياة الكثيرين وزادت أزمات غزة تعقيداً.
لقد بدأت شروط الاحتلال في الوصول إلى التهدئة بوقف إطلاق البالونات والطائرات الورقية الحارقة.ولايخفي اشتراطه إنهاء هذه المسيرات بشكل كامل،ويضغط مع حلفائه لتحقيق هذا الغرض، وكأن الوصول إلى التهدئة يعني حكماً إنهاء الحصار.وبالتالي حققت المسيرات نصف أهدافها. ويتجاهل الاحتلال أنه حتى في حال التخفيف من إجراءات الحصار والسماح بدخول مواد ضرورية لحياة الغزيين على المستويين الاقتصادي والخدمي، إلا أن هذه التسهيلات تحصل وفق استنسابية احتلالية، وبقرارات مؤقتة دون ضمانات إقليمية وأممية مكتوبة تكفل استمرارها واتساعها بشكل يوصل إلى إنهاء الحصار.
لذلك من الضروري الاشارة إلى أن المسيرات لم تعط ثماراً ناضجة بعد حتى يتم قطافها، بما يذكرنا بماحصل مع الانتفاضة الأولى مع ملاحظة الفارق في السياق والظرف بين طرفي المقارنة. لكن مثل هذه النظرة تحول المسيرات إلى ورقة للتفاوض على حلول لاتؤدي إلى إنهاء الحصار ،بما يخلق حالة من الاحباط تعيدنا إلى المربع الأول.
 والأهم من كل ماسبق هو أن المعركة مع الاحتلال شاملة وجبهاتها متكاملة ضد الحصار والعدوان والاستيطان والتهويد والاعتقال.وهذا يعني أن الفصل التعسفي بين التهدئة واستحقاقات المصالحة إنما هو دوران في الفراغ. ونذكر جميعا في العام 2014 كيف وضع الوفد الفلسطيني الموحد المفاوض حول التهدئة جميع الأطراف المعنية أمام موقف واجه بقوة ادعاءات الاحتلال، بأنه يصارع جهة معينة في القطاع،محاولاً التأليب عليها باعتبارها«إرهابية» في التعريف الأميركي ـ الاسرائيلي.
وهذا يعني في الوقت نفسه ضرورة تطوير المواجهة الشعبية مع الاحتلال في الضفة والقدس وانهاض المقاومة الشعبية بما يضع المجتمع الدولي أمام وقائع ميدانية لايستطيع تجاهلها،ويضع الاحتلال أيضاً أمام نهاية الاحتلال المجاني للأراضي الفلسطينية،ويبدأ بدفع الأكلاف السياسية والمادية جراء هذا الاحتلال،وهذا يؤثر مع تراكمه على المجتمع الاسرائيلي ويفكك نسبياً حالة الالتفاف حول السياسات اليمينية المتطرفة والعنصرية التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
يفضل الاحتلال وحلفاؤة التعامل مع الموضوع الفلسطيني ضمن ملفات منفصلة تعود لجهات متعددة ومتصارعة، وهذا تحقق له بعد وقوع الانقسام.ومع مجيء إدارة ترامب،وجدت هذا الوضع مناسباً كي تجعل منه ركناً في آليات تحقيق«صفقة العصر»التي استوعبت خطة نتنياهو في «السلام الاقتصادي». وسعت واشنطن وتل أبيب إلى فصل قضايا قطاع غزة وأهلة ومستقبله عن قضايا الضفة وأهلها ومستقبله بعد شطب القدس عن جدول الأعمال.وبات لديهما مشروعان،لكل من غزة والضفة. ولكن مشروع  رزمة من الشروط تملى على كل من سلطتي غزة ورام الله.
ولاترى كل من واشنطن وتل أبيب أي سبب لإعادة حساباتها تجاه القضية الفلسطينية، إلا إذا تمكنت الحالة الفلسطينية من تجاوز أسباب أزماتها من بوابة تنفيذ قرارات الاجماع الوطني بدءاً من القرارات الخاصة بإنهاء الانقسام مروراٌ بتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي،وخاصة المرتبطة بالخروج من بقايا اتفاق أوسلو وقيودة السياسية والأمنية والاقتصادية،والانفتاح على الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ومواصلة المسعى الفلسطيني الأممي بتقديم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين،وطلب الحماية للشعب الفلسطيني من جرائم الاحتلال وسياساته التوسعية واجراءات التهويد المتسارعة.
لقد أدت سياسة الرهان على التسوية بشروطها المجحفة وبالرعاية الأميركية الحصرية إلى انفلات تل أبيب في نشر الاستيطان دون رادع ،وتسعى اليوم بالتحالف مع إدارة ترامب إلى فرض حل سياسي يتعارض مع حقوق الشعب الفلسطيني، كما تسعى إلى وضع معاناة قطاع غزة وأهلها ضمن مقايضات تبتز من خلالها الحالة الفلسطينية في غزة بهدف تمرير مشاريع احتلالية من بوابة الحلول الانسانية. ومن بين هذه المقايضات إخماد مسيرات العودة وكسر الحصار والخلاص من الهواجس الأمنية والسياسية التي خلقتها وكانت عنواناً لصراع بين مكونات الائتلاف الحكومي الإسرائيلي حول الطريقة للوصول إلى هذا الهدف.

أضف تعليق