ماذا في خبايا التحضير لدورة «المركزي»؟
(1)
■على غرار الحملة الإعلامية التي مهدت لكلمة الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدأت، منذ الآن، حملة تمهيد لما سوف تسفر عنه دورة المجلس المركزي في 28/10/2018 [كما أوضح رئيس المجلس سليم الزعنون في آخر بيان له، مخالفاً بيان اللجنة التنفيذية الذي حدد الموعد في 25/10/2018].
قبل ذهاب الرئيس عباس إلى نيويورك توالت البيانات والتصريحات حول ماسوف يعلن عنه في خطابه المرتقب. أجمعت كلها، على اختلاف تقديراتها، أن الخطاب سوف يكون مميزاً، وسوف يحمل في طياته مفاجآت. بعضها قال سيعلن قيام الدولة الفلسطينية، كما نص على ذلك المجلس المركزي الأخير الذي أقر الانتقال من السلطة إلى الدولة(دون أن يضع سقفاً زمنياً أو آلية هذا الانتقال). بعضها الآخرقال إنه سوف يعلن سحب الاعتراف بإسرائيل والشروع في تنفيذ قرارات المجلس الوطني. وانتهت المفاجآت بالتالي: خطاب موسع في تأكيد رفض «صفقة العصر» لم يخرج عن سياق المواقف السابقة إلا في طوله وشروحاته التي لم تضف شيئاً. الإشادة بـ«رؤية الرئيس» التي أعلن عنها في 20/2/2018 أمام مجلس الأمن الدولي، وحديث عن ترحيب العالم بهذه «الرؤية»، مايتطلب، والحال هذا،التمسك بها، رغم أنها تتعارض مع قرارات المجلس المركزي (15/1/2018) والمجلس الوطني(30/4/2018) اللذين قررا طي صفحة أوسلو، والمفاوضات الثنائية والذهاب إلى مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبموجب قرارات الشرعية. والمفاجأة الأكبر كانت ملف الانقسام مع حماس وتهديدها، من على منبر الأمم المتحدة، بإجراءات أكثر قسوة. ولم تنتهِ الحملة عند هذا الحدود بل امتدت إلى مابعد الخطاب. تناولت القسم الأول منه (المعارضة الكلامية والإذاعية لصفقة العصر) واعتبرت ذلك شجاعة ما بعدها شجاعة(علماً أن العويل للمعارضة هو الموافقة عليها، وبالتالي ليس في المعارضة الكلامية ما يستحق هذا الصخب) كما تناولت القسم الأخير، أي عصا التهويد في وجه حماس، واتهامها هي بأنها تتساوق مع «صفقة العصر»(وهذا اتهام ظالم لا ينطبق على مواقف حماس وسلوكها)وفي الوقت نفسه تجاهل تام للتمسك «برؤية الرئيس»، التي تعيد القضية إلى تحت سقف ما تبقى من أوسلو، بينما تنتهك حكومة نتنياهو الاتفاق جملة وتفصيلاً ما حوّل السلطة الفلسطينية إلى «سلطة بلا سلطة» كما قال الرئيس عباس (وتجاهلت ذلك أقلام المدح على اختلاف ألوانها)
(2)
الآن بدأت همروجة إعلامية جديدة تحضيراً لدورة المجلس المركزي. الناطق بإسم المجلس الثوري لحركة فتح تحدث عن دورة مميزة للمجلس المركزي سوف تصدر عنها قرارات مصيرية. استفاض في عرض مخاطر السياسيتين الأميركية والاسرائيلية و«صمود القيادة الفلسطينية وعلى رأسها السيد الرئيس». لكن عندما سئل عن اجتماع المجلس الثوري وما سوف تصدر عنه من قرارات، قال أن المجلس الثوري سوف يناقش كل الملفات. أما عندما سئل عن القرارات التي سوف يتخذها المجلس قال: أن المجلس سيحيل مسؤولية القرارات إلى «السيد الرئيس». أي لن يتجاوز «رؤية الرئيس» والوقوف عند اتفاق أوسلو.
أعضاء في اللجنة التنفيذية، أكدوا أن اللجنة التنفيذية سوف تعقد اجتماعاً استثنائياً هذه المرة، وسوف تتخذ قرارات مهمة من شأنها أن تقود إلى تنفيذ قرارات المجلس الوطني بما يتعلق بإعادة تحديد العلاقة مع إسرائيل. اجتمعت اللجنة التنفيذية، حضر فيها الرئيس عباس لمدة نصف ساعة فقط، ثم غادر، بعد أن قدم عرضاً لجولته في الخارج، ومباحثاته في نيويورك. دون أن يقدم للجنة التنفيذية أي اقتراح من شأنه أن يفرج عن قرارات المجلس الوطني. غادر بعد نصف ساعة فقط من بدء الاجتماع، دون أن يوضح السبب (مافتح الباب للتخمينات على اختلاف أنواعها) وتولى إدارة الاجتماع من بعده أمين سر اللجنة، صائب عريقات وتحول الاجتماع، بعد ذلك، وفقاً لنظام عمل اللجنة، إلى مجرد اجتماع تشاوري، بعد مغادرة الرئيس عباس. وبقيت المشاورات في حدود تبادل وجهات النظر. وصدر البيان الختامي عن أعمال اللجنة التنفيذية، ولا يحمل أية إشارة إلى خطة عمل من أجل تطبيق قرارات المجلس الوطني سوى عبارة غامضة عن الدعوة لمؤتمر دولي لبحث «قضايا الحل الدائم»، علماً أن بحث قضايا الحل الدائم هو المرحلة النهائية من اتفاق أوسلو. أي إنه ورغم قرار المجلس الوطني، والمركزي، بالتأكيد أن اتفاق أوسلو لم يعد قائماً، وأن المرحلة النهائية قد انتهت، ولم تعد قائمة، فإن اللجنة التنفيذية مازالت متمسكة بالاتفاق، ومازالت تدعو لمفاوضات «الحل الدائم» وهي قضايا تتجاوز قرارات الشرعية، لأنها تقوم على مبدأ اتفقت عليه القيادة الرسمية مع الجانب الاسرائيلي يقول: أن ما يتم الاتفاق عليه هو التطبيق العملي لقرارات الأمم المتحدة. أي أن الطرفين تجاوزا القانون الدولي، والمفاهيم والأسس التي قامت عليها قرارات الشرعية الدولية، وتجاوزت بالتالي المضمون القانوني والسياسي للحقوق الفلسطينية، كما تفسره الأمم المتحدة وتدعو إليه. وبعد انتهاء أعمال اللجنة التنفيذية، صرح أحد أعضائها أن تطبيق قرارات المجلس الوطني سوف يتم بالتدريج. دون أن يوضح ما معنى التدريج، وما هو السقف الزمني المرسوم لخطة تنفيذ القرارات. مصدر آخر، افترض(والافتراض هنا له مصادر وحيه) أن القيادة الرسمية سوف تبدأ بالخطوة الأسهل. وهي توقيع انتساب دولة فلسطين إلى الوكالات الدولية المتخصصة. وأن الانتساب سوف يكون بداية للوكالات التي لم تهدد الولايات المتحدة بقطع التمويل عنها والانسحاب منها إذا قبلت عضوية فلسطين فيها. أي ما معناه أن التطبيق سوف يكون حريصاً على عدم الاشتباك مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل، وأن لا يقود إلى المزيد من «التصعيد» في العلاقة مع إدارة ترامب.
(3)
ما تسرب من مقر المقاطعة في رام الله أن الرئيس عباس، وهو يتحدث إلى أعضاء اللجنة التنفيذية لفت نظرهم إلى أن فرنسا، وإيرلندا، وأطرافاً أوروبية أخرى أوضحت له أنها لن تعترف بالدولة الفلسطينية قبل الوصول إلى «حل نهائي» مع إسرائيل. وأن هذه الدول، وغيرها ممن التقاها في نيويورك، «نصحته» بعدم التصعيد مع إدارة ترامب، وعدم التسرع بإتخاذ قرارات قد تزيد الأوضاع تعقيداً، ودعتهللتريث، إلى حين يكشف ترامبعن «صفقة العصر» في وقت لاحق، من المتوقع أن يكون نهاية هذا العام، أو مطلع العام القادم. والوعد رهن بالإنتخابات النصفية للكونغرس ومجلس النواب. خاصة وأن 112 عضواً في الكونغرس دعوا ترامب للتراجع عن قرار وقف تمويل وكالة الغوث. وربما يكون لهذه المذكرة أثرها في توقيت الإعلان عن «الصفقة».
هذه النصائح، لعبت بلا شك دوراً بارزاً في صياغة كلمة فلسطين في الأمم المتحدة، ودوراً في رسم نتائج اللجنة التنفيذية، ودوراً مهماً في توضيحات عدد من أعضاء التنفيذية حول مستقبل قرارات المجلس الوطني. يؤكد مثل التقدير أن اللجنة المركزية لحركة فتح عقدت إجتماعاتها برئاسة الرئيس عباس، وناقشت هي الأخرى التطورات العامة، بما في ذلك تقرير جولة نيويورك، والدعوة لمجلس مركزي في دورة جديدة، وما هي الخطوات اللاحقة الواجب اتخاذها بعد محطة نيويورك. لقد إعتادت الحالة الفلسطينية على «آلية» في اتخاذ القرار، تستند إلى إجتماع اللجنة المركزي لفتح (أولاً) ترسم فيه الإتجاهات التي سوف تتبناها الحالة الفلسطينية، ثم (ثانياً) يتلوها إجتماع للجنة التنفيذية، أو ما يسمى القيادة الفلسطينية وهي خليط من أعضاءه المركزية، والتنفيذية، ووزراء حكومة السلطة وقادة أجهزتها الأمنية، وبعض ممثلي الفصائل من خارج هذه التشكيلة و«مستشارون» للرئيس وغيرهم. أي ما يفوت الستين شخصاً، تتداول بمداخلات عامة بالأوضاع، ثم تنتهي إلى لا شيء.
لأن القرار «الرسمي» اتخذته اللجنة المركزية لفتح، الملاحظ هنا أن مركزية فتح لم تصدر بياناً ختامياً عن أعمالها، واكتفت بخبر مقتضب عما قاله الرئيس عباس في الإجتماع. النقطة الجوهرية، كما جاء في الخبر، ونشرته وكالة وفا الفلسطينية، كانت تأكيد الرئيس عباس على التمسك «برؤيته» كاستراتيجية سياسية للمرحلة القادمة. أي الإبقاء على قرارات المجلس الوطني قيد التجميد والتعطيل.
(4)
تقول بعض الأوساط المقربة من مؤسسة الرئاسة، أنه، وعشية انعقاد دورة المجلس المركزي، سوف تتم الدعوة لحوار وطني للفصائل الفلسطينية، لبحث الخطوات والقرارات التي سوف يتخذها المجلس. حتى كتابة هذه السطور (10/10/2018) لم تتم الدعوة لهذا اللقاء. في التجربة علينا أن نلاحظ أن القوى الفلسطينية، وعشية انعقاد المجلس الوطني، دعت لحوار وطني للإتفاق على مخرجات المجلس، خاصة في ضوء سياسة تعطيل قرارات المجلس المركزي في 15/1/2018. القيادة الرسمية تجاهلت هذه الدعوات. عشية انعقاد المجلس الوطني، أي قبل ساعات قليلة، دعا رئيس المجلس سليم زعنون إلى لقاء للفصائل، تداولت فيه بما سيتم الإعلان عنه في البيان الختامي واعتبرت نتائج الإجتماع ملزمة للجميع وتعبيراً عن «توافق وطني». المفاجأة أن رئيس اللجنة التنفيذية، وفي خطوة معاكسة تماماً لما تمّ التوافق عليه مع الزعنون، دعا المجلس الوطني إلى تبني «رؤيته» التي يدعو فيها للعودة إلى أوسلو، وتجاوز قرارات المجلس الوطني. وباقي القضية معروف.
في تجربة ثانية، وعشية الدعوة للمجلس المركزي في 18/8/2018، تحت عنوان «وضع آليات لتطبيق قرارات المجلس الوطني»، دعت الجبهة الديمقراطية في بيان معلن إلى عقد جلسات حوار لكل الأطراف الفلسطينية للتوافق على مخرجات المجلس المركزي. رد الفعل (غير المبرر) جاء عاصفاً، في بيان منسوب لناطق باسم فتح، وفي تعليقات صاخبة لفضائية فلسطين، أشارت بوضوح إلى الأمين العام نايف حواتمة، وتيسير خالد، عضو المكتب السياسي واللجنة التنفيذية. ما أثار حفيظة القوى السياسية بمن فيهم أعضاء في اللجنة المركزية لفتح نفسها، والتي رأت في رد الفعل على دعوة الجبهة لحوار وطني مسؤول خطوة تحمل في طياتها إشارات خطيرة لطبيعة النظام السياسي الذي أخذ يتحول إلى نظام رئاسي «ديكتاتوري» (كما وصفه تيسير خالد). وكأن دعوة الجبهة تطاولت على صلاحية «الديكتاتور» وبناء على رفض القيادة الرسمية التحضير للمجلس المركزي في إطار للحوار الوطني، وتهربها من صيغ العمل الوطني القائم على الشراكة الوطنية، أعلنت الجبهة مقاطعتها لدورة المجلس المركزي وعدم مشاركتها به.
السؤال الآن: هل تصدق الأحاديث عن نية لدى القيادة الرسمية للدعوة لحوار تحضيراً للمجلس المركزي؟ وهل تحضر القيادة الرسمية هذا الحوار، بالتراجع عن قراراتها الإنفرادية السياسية والتنظيمية لصالح احترام مبادئ الشراكة الوطنية والشروع بالتالي بتنفيذ ما تقرر في المجلسين المركزي (15/1/2018) والوطني (30/4/2018) والأهم هل ستحترم القيادة الرسمية ما سوف يتم التوصل إليه، في حال انعقدت جلسة الحوار، أم أنها سوف تتسمك بما أكدت عليه في مركزية فتح، التمسك «برؤية الرئيس»؟
أسئلة إجاباتها ستعبر عنها سلوكيات القيادة الرسمية حتى موعد انعقاد المجلس المركزي.■
أضف تعليق