23 تشرين الثاني 2024 الساعة 14:46

خطاب التضليل

2018-10-07 عدد القراءات : 877

قدم نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة «عرضاً حربياً» وضع فيه إسرائيل على دريئة الاستهداف من قبل «أعدائها» في الشمال والجنوب والشرق، وحمل في جعبته صورا وخرائط ليثبت ادعاءات حول إيران سرعان ما كذبتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وبخصوص القضية الفلسطينية، أوجز نتنياهو خطابه باتجاه واحد شدد فيه على أن مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 مسقوف بالمصالح الأمنية والتوسعية الإسرائيلية، وأنه لا مكان لدولة فلسطينية مستقلة بين «النهر والبحر».

ومابين دورتي اجتماعات الجمعية العامة السابقة والأخيرة، كان واضحاً أن نتنياهو أكثر اطمئناناً، بعدما دحرجت إدارة ترامب باتجاهنا خطوات«صفقة العصر»، التي حسمت عبرها الموقف من قضايا جوهرية في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لصالح رؤية الاحتلال.

وكان واضحا أيضا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتحدث باعتبار تل أبيب في مقدمة المعنيين برسم خريطة المنطقة، ربطاً بتقاطع المصالح مع واشنطن.

 

من الملاحظ أن نتنياهو بقي على هدوئه بعدما أعلن ترامب عن تأييده لـ«حل الدولتين»، والسبب في ذلك أنه يعرف (ونحن قبله) بأن الخطوات العملية التي نفذتها إدارة ترامب هي التعبير الحقيقي عن السياسة الأميركية تجاه التسوية. وأن المهم بالنسبة لحكومة نتنياهو هو التطابق مع واشنطن حول طبيعة الكيانية الفلسطينية «المستقبلية» ووظيفتها وليس اسمها. وكان السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان واضحاً عندما علق على إعلان ترامب الأخير بأن المهم بالنسبة له أولاً هو السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الضفة.

والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على الضفة (في داخلها وعلى حدودها وأجوائها) تعني السيادة المطلقة للاحتلال، وهذه بالنسبة لواشنطن وتل أبيب مسألة غير قابلة للنقاش. وبالتالي، فإن مساحة الوجود الفلسطيني في الضفة مرهونة بالخريطة النهائية للاستيطان، بعد تنفيذ جميع المشاريع الاستيطانية وتحقيق أهدافها في حشر الفلسطينيين في معازل متقطعة الأوصال.

ومنذ إعلان مواقف إدارة ترامب، انتقلت حكومة نتنياهو، بخصوص الاستيطان، من مرحلة السباق مع الزمن كي تنفذ مشاريعها استباقاً للضغوط، إلى مرحلة تطبيق الترجمة الاسرائيلية الفورية لقرارات ترامب، وبلورة منظومة «قانونية» وتشريعية تضمن من خلالها مستقبل الاستيطان وتشرع حقوق المستوطنين في أراضي الفلسطينيين على إيقاع «قانون القومية».

ولهذه الأسباب، لم تعد مسألة التسوية السياسية مع الجانب الفلسطيني تشكل هاجسا لدى نتنياهو وحكومته. ولقد حاولت جكومة نتنياهو، ومنذ إعلان مواقف ترامب ضد الحقوق الفلسطينية أن تقدم خطاباً داخل إسرائيل وفي المحيط، وجوهره أن موقع إسرائيل اختلف تماماً، ولم تعد حكومتها مجرد طرف مدعو للمفاوضات، كما كان سابقاً، بل هي اليوم ركن مقرر في رسم أهداف هذه المفاوضات ومآلاتها، باعتبارها شريكاً للولايات المتحدة في رسم مستقبل المنطقة.

من وظائف هذا الخطاب الضغط على الرسميات العربية كي تسرع خطواتها التطبيعية مع إسرائيل، وتوجيه رسالة لها بأن لا أفق أمام استقرارها وحفاظها على مواقعها دون الالتحاق بالسياسات الأميركية والإسرائيلية.

ومن وظائف هذا الخطاب تكرار القول إلى القيادة الرسمية الفلسطينية بأن العودة مستحيلة إلى ثنائية «العصا والجزرة»، لأن الخطة الأميركية تفترض التنفيذ لا النقاش والإقناع. وإن مفهوم الدولة الفلسطينية المستقلة غير موجود في أدبيات «التسوية الجديدة».

ومن وظائف هذا الخطاب أيضاً، رسالة إلى الناخب الإسرائيلي مع اقتراب استحقاق انتخابات الكنيست، مفادها أن الائتلاف الحكومي بقيادة «الليكود» ورئيسه نتنياهو هو الذي أوصل العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية إلى هذا المستوى من التحالف، بعدما تمكن نتنياهو من تجاوز ضغوط إدارة أوباما بشأن الاستيطان وغيره. وهي دعوة مباشرة إلى تجديد ولاية الائتلاف وبرئاسة نتنياهو.

 لكن التهديد في لهجة خطاب نتنياهو ومضمونه يتصاعد تجاه قضايا وملفات تعتبرها تل أبيب مهمة وملحة لدواع كثيرة.

فقطاع غزة الملتهب، وفي ظل توقف محادثات التهدئة، يشكل هاجساً أمنياً لدى إسرائيل.وهي حاولت خلال الأشهر الماضية أن تجعل من اقتراحاتها«لحل الأزمة الإنسانية» في القطاع، الخريطة المعتمدة لهذا الحل، مع سيل الإغراءات والوعود التي «بعثرتها» أمام سكان القطاع. ومع توقف المحادثات المذكورة، لجأت تل أبيب إلى التصعيد العسكري، في محاولة للتأثير على زخم المشاركة الجماهيرية الواسعة في «مسيرات العودة». لذلك، كان من الملاحظ أن قوات الاحتلال تعمدت  إيقاع أكبر عدد من الضحايا بين صفوف المشاركين.

والذي يثير قلق حكومة نتنياهو أيضاً، أن مساحة الاشتباك الفلسطيني مع سياساتها التوسعية والعنصرية تتسع باضطراد، في الأراضي المحتلة عام 1967 وفي أراضي الـ48. وبذلك تقف هذه الحكومة أمام حقائق تجاهلتها عمداً، وهي أن الاطمئنان إلى أن مسار التسوية لن يتحرك إلا وفق مصالحها بفضل الدعم الأميركي، لا يلغي حقيقة أن المواجهة السياسية والشعبية الفلسطينية العامة ستخلق معادلات جديدة على الأرض، بعدما تغولت بسياساتها الاحتلالية العنصرية.

وماتحاول حكومة نتنياهو الهروب منه في حال استجدت عملية التسوية وفق قواعد مختلفة أهمها اعتماد قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ستجد نفسها على مقربة منه مع تصاعد المقاومة الشعبية ضد الاحتلال بكل أشكاله وفي المقدمة الاستيطان وهدم المنازل والتهويد.

ماسبق، يضعنا مجدداً أمام ضرورة تصحيح المعادلة الميدانية والسياسية في الصراع مع الاحتلال.وهذا يعني خوض معركة مفتوحة معه. ومن البديهي أن يبدأ هذا بتنفيذ القرارات التي اتخذها المجلسين المركزي والوطني، وأولا القطع مع السياسات التي أوصلتنا إلى أوسلو ومغادرة بقايا هذا الاتفاق وقيوده الأمنية والسياسية والاقتصادية، ومعالجة الأوضاع الفلسطينية المتردية بدءاً من إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

وفي هذا السياق، من الطبيعي أن نرحب بتفعيل الجهود لإنجاح المصالحة،في الوقت الذي نؤكد فيه أن الطريق الصحيح نحو استعادة الوحدة يمر بالضرورة عبر تنفيذ قرارات الحوارات الوطنية الشاملة في هذا الخصوص، وأن العودة إلى المحاصصة الثنائية والوقوف عند عتباتها، سيزرع المزيد من الألغام في طريق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى وحدة الجهود في مواجهة الأخطار الكبرى التي تهدد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

 

لقد أكدت التجارب السابقة، أن التزام قرارات الاجماع الوطني قد أثمر وحقق العديد من الانجازات الكبرى، من بينها نجاح المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة (خريف 2012) والحصول على قرار الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال بحدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. دون هذا الطريق سيبقى باب مشاريع تصفية القضية والحقوق .. مشرعاً على مصراعيه.

أضف تعليق