«قمة هلسنكي».. هل بدأت حقبة جديدة في العلاقات الأميركية ـ الروسية؟
اتجهت أنظار العالم إلى القمة التاريخية التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب في هلسنكي (16/7)، والتي جاءت بعد أيام قليلة من قمة قادة «الناتو» في بروكسيل، وقبلها قمة الدول السبع في كندا، اللتان شهدتا انتقادات ومواقف «ترامبية» حادّة لحلفاء بلاده، وعقب حرب تجارية أعلنتها الإدارة الأميركية على الصين، وبدرجة أقل على أوروبا. إضافة إلى كندا والمكسيك؟.
كما جاءت في أعقاب اتهامات وحروب كلامية بالجملة شنّها الرئيس ترامب ضدّ القوى التقليدية؛ كالاتحاد الأوروبي أو الصين، وحتى روسيا، رأى فيها المراقبون مؤشرات تعبّر عن «الهواجس» الأميركية من نهاية حقبة «القطب الواحد» المُتسيّد على العالم وتوجهاته الاستراتيجية، ومحاولات لإعادة ترتيب النظام العالمي وهياكله السياسية من حلف الناتو إلى الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، مروراً بعلاقات السيطرة الاقتصادية التي تنتقل بدورها إلى طور جديد.
وتساءل مراقبون فيما إذا كانت مصادفة أن تعقد القمة الرسمية الأولى بين الرئيسين الأميركي والروسي في العاصمة الفنلندية هلسنكي تحديداً، التي تُمثل أرضاً «محايدة» وتتمتع بعلاقات متميزة مع كل من واشنطن وموسكو، لأنها ليست جزءاً من الـ«ناتو»، على رغم عضوية فنلندا في الاتحاد الأوروبي. فضلاً عن قيمتها «الرمزية» تاريخياً إذ أن اللقاءات التي استضافتها، من قبل، بين صناع القرار في واشنطن وموسكو، أعقبتها تغيرات وانعطافات نوعية على مستوى العلاقات الأميركية ـ الروسية خصوصاً والدولية عموماً. وهذه المرة الرابعة التي يلتقي فيها رؤساء من البلدين، حيث سبقتها القمم بين جيرالد فورد وليونيد بريجنيف (1975)، وجورج بوش الاب وميخائيل غورباتشيوف (1990)، وبيل كلينتون وبوريس يلتسين (1997..).
محادثات «مثمرة»
وخلال مؤتمر صحافي مشترك بين الرئيسين، أشاد الجانبان بنجاح القمة، على رغم إقرارهما بمشكلات كثيرة «لا زالت تنتظر الحل». ووصف ترامب المحادثات بـ «المثمرة»، وبأنها أسفرت عن «تجاوز مرحلة حرجة في العلاقات بين البلدين».
واعتبر ترامب أن القمة مع بوتين «ليست سوى بداية لعملية استعادة العلاقات»، وأنّ «الحوار مع روسيا يفتح الطريق نحو الصداقة والسلام في العالم». ورأى أنّ «من مصلحة كل منا مواصلة حوارنا واتفقنا على القيام بذلك...»، معرباً عن أمله في «التوصل إلى حل المشاكل التي ناقشناها».
وقال إنه بحث مجموعة كبيرة من القضايا الحسّاسة للبلدين، ومنها الحرب في سورية، وقضية إيران، والإرهاب العالمي، والحد من الأسلحة النووية، وقضية التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية.
وبدوره، وصف بوتين القمة بـ «الناجحة والمثمرة»، فيما وصف وزير خارجيته سيرغي لافروف القمة بأنها «أكثر من ممتازة». ونقل أنّه قال لترامب إن الوقت قد حان للتحدّث عن العلاقات بين موسكو وواشنطن. ودعا الدولتين إلى العمل معاً بشكل أكبر في المستقبل، بقوله «لا توجد أسباب موضوعية للخلافات بين روسيا والولايات المتحدة.. الحرب الباردة انتهت».
واقترح بوتين على ترامب العمل معاً لتنظيم أسواق النفط والغاز لأن «الانخفاض الحاد في الأسعار لا يخدم مصالحنا». وفي مسعى إلى طمأنة المخاوف من أن يهدد خط أنابيب غاز «نورد ستريم 2» (عبر البلطيق وألمانيا)، إمداد الغاز لأوكرانيا، حليفة الولايات المتحدة، أكد بوتين أن روسيا مستعدة للإبقاء على عبور الغاز الروسي في أوكرانيا بعد تشييد خط أنابيب غاز «نورد ستريم 2» لنقل هذا الخام إلى أوروبا.
وما يدفع للاعتقاد بأن العالم سيكون بعد قمة هلسنكي أمام نظام عالمي جديد؛ تغريدات ترامب بشأن العلاقات المستقبلية وتجاوز ما تسبب فيه «الغباء الأميركي»، من جهة، ومن جهة أخرى، التصريحات الأوروبية القلقة بشأن مخرجات قمة هلسنكي وانتقادات قادة الناتو والاتحاد الأوروبي للرئيس الأميركي وتكرار عبارات من قبيل أنّ على أوروبا أن تعتمد على نفسها.
العلاقة مع أوروبا
وكان ترامب أماط اللّثام بشكل رسمي عن حقيقة نواياه، عندما عمَدَ إلى استفزاز الدول الأوروبية وتأكيده، قبل لقاء بوتين بساعات قليلة، أن «الاتحاد الأوروبي والصين خصمان للولايات المتحدة لأسباب عدة». موضحاً أن «الاتحاد الأوروبي خصم بسبب ما يفعله في ملف التجارة»، وأن «روسيا خصم في بعض الجوانب. أمّا الصين فهي خصم اقتصادي»، قبل أن يضيف أن «ذلك لا يعني أنهم سيئون. لا يعني شيئا. هذا يعني أنهم منافسون»!.
وقد عكست تصريحات قادة الاتحاد الأوروبي اهتزاز ثقتهم بالصداقة مع الإدارة الأميركية، وقال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس: «النتيجة الأولى الواضحة للقمة لا يمكن أن تكون سوى حاجتنا إلى التقارب أكثر في أوروبا»، وأضاف: «يجب ألا تترك أوروبا نفسها مُقسّمة».
من جانبه، كتب رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، في تغريدة على «تويتر» (16/7): «أميركا والاتحاد الأوروبي أعز صديقين. من يقل إننا أعداء يشيع أخباراً كاذبة». ولطالما استخدم ترامب عبارة «أخبار كاذبة» لمهاجمة وسائل الإعلام التي لا تروق له تقاريرها.
وأضاف في تغريدة أخرى؛ إن «هلسنكي مسؤولة بشكل مشترك عن تحسين النظام العالمي وليس تدميره». ولاحظ تاسك أن «البناء العالمي يتبدل أمام أنظارنا»، مشدداً على أن «العالم الذي بنيناه على مدى عقود... أتى بالسلام لأوروبا، والنمو للصين، وبنهاية الحرب الباردة».
أضف تعليق