23 تشرين الثاني 2024 الساعة 11:54

«الصفقة»: روافع .. وعقبات

2018-07-08 عدد القراءات : 619

@ما كانت تخشاه السلطة من اجراءات عقابية وقع فعلاً وهي ساكنة في مكانها
إجراءات متتالية اتخذتها كل من واشنطن وتل أبيب مست جوهر الحقوق الفلسطينية.ولا يرى الطرفان مسوغاً يجعلهما يترقبان ردات الفعل المعترضة أو يهتمان لها. والسبب أنهما مقتنعان بأن«صفقة القرن» تمضي بلاعقبات، وأن ما تملكه من روافع إقليمية يمكنها من التقدم نحو أهدافها، كونها في الأساس مصممة كي تعيد ترتيب أوضاع الإقليم وفق حسابات الطرفين وتقاطع مصالحهما.
ويتعامل الشريكان مع الشعارات والأهداف البراقة التي رفعتها مبادرات سابقة حول التسوية كـ«حمولة زائدة»، فرضتها ضرورات جذب عدد من الرسميات العربية، ومعها السلطة الفلسطينية إلى مفاوضات تنهي خطاب «المواجهة والتحرير»، الذي ساد في مراحل سابقة.
ومع ذلك، ثمة هاجس لدى الطرفين من احتمال أن تكون العقدة الفلسطينية أكبر مما يتوقعونها مع الاجماع الفلسطيني السياسي والشعبي على رفض «الصفقة».. ومقاومتها.
أضافت إدارة ترامب مؤخراً إجراءين عدوانيين على إجراءاتها السابقة ضد الفلسطينيين، فقد قررت تجميد مساعداتها المالية للسلطة الفلسطينية، كما قرر الكونغرس تخويل الرئيس ترامب باتخاذ إجراءات عقابية ضد الشركات الأميركية التي تساهم في مقاطعة إسرائيل.
ويعيد الإجراء الأول إلى الواجهة الأسس التي قامت بموجبها السلطة الفلسطينية في العام 1994، وتقرر بموجبها منذ ذلك الوقت توجيه إنفاق المبالغ التي تصلها من الدول المانحة (وأبرزها) أميركا بما لا يتعارض مع الوظيفة التي أنشأت من أجلها السلطة. وشددت تلك الأسس على أن يكون الإنفاق الريعي هو السائد في نشاط السلطة المالي، دون الاقتراب من تمويل أية مشاريع تنموية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأن ذلك من شأنه أن يعزز الاقتصاد الفلسطيني ويطور الناتج المحلي ويزيد من امكانية تبلور قدرات تبادلية لدى السوق الفلسطينية.
والأساس في شروط تمويل السلطة كان يتركز في الوقت نفسه حول الشأن الأمني بما لا يتعارض مع المصالح الأمنية للاحتلال، وكذلك الأمر بما يخص النهج السياسي للسلطة عبر التزام قواعد التسوية التي أرسيت عقب توقيع اتفاق أوسلو.
ووفق هذا الاتفاق ، تم توقيع «بروتوكول باريس» في العام 1995، وبموجبه ينحصر التبادل التجاري الفلسطيني مع الخارج عبر البوابة الإسرائيلية، وتقوم تل أبيب بتحصيل الضرائب الجمركية بديلاً عن السلطة، ومن ثم تسليمها لها. وأدى هذا البروتوكول عملياً إلى رهن وصول أموال المقاصات الجمركية بالتزام السلطة قواعد «السلوك» السياسي والأمني التي نص عليها اتفاق أوسلو، وأي تصرف تراه تل أبيب خارجاً عن هذه القواعد يشكل سبباً كافياً لحجز هذه الإيرادات ومنعها عن السلطة، وقد حصل ذلك في محطات عدة، وأدى إلى أزمات مالية أثرت على قدرة السلطة على تغطية قسم من نفقاتها.
وعلى الرغم من أن الإدارات الأميركية السابقة استخدمت مسألة تمويل السلطة كأداة ضغط على المفاوض الفلسطيني، لكنها حرصت على أن لا يستمر ذلك طويلاً بما يهدد استقرار السلطة ويؤدي إلى تطورات غير محسوبة، وقامت في محطات عدة بالضغط على تل أبيب للإفراج عن أموال السلطة المحتجزة لديها، لنفس الأسباب.
إلى جانب ذلك كان مشهد المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني مهماً في الترويج لسياسات الإدارات الأميركية كتعبير عن سطوتها على المسار الذي تريد أن يتوجه نحوه الحل السياسي للصراع، وكانت مسألة التسوية أحد العناوين البارزة في الحملات الانتخابية لدي مرشحي الرئاسة في الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء.
لكن مع إدارة ترامب لم يعد التفاوض بحد ذاته مهماً، ولجأت مباشرة إلى اتخاذ مواقف وإجراءات كشفت جوهر السياسة الأميركية تجاه التسوية في المنطقة. وانطلقت هذه الإدارة في صياغة «صفقة القرن» بإعادة موضعة أطراف المعادلة التي اعتمدتها الإدارات السابقة من زاوية إلغاء مركزية  حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، باعتباره مدخلا لازماً لتطبيع العلاقات الرسمية العربية مع تل أبيب. واعتمدت بدلا عن ذلك أولوية التطبيع، ضمن حل إقليمي يكون فيه الملف الفلسطيني هامشياً.
وانتقلت السياسة الأميركية تجاه المنطقة إلى مرحلة اتخاذ الإجراءات المباشرةـ  مستثمرة الصراعات المتأججة في عدد من البلدان العربية وما أدت إليه من انقسام وتناحر في النظام الرسمي العربي، والوضع الفلسطيني المتردي.
 وترى إدارة ترامب أن مسار خطتها أكثر «سلاسة» على خط الرسميات العربية، بعكس المؤشرات التي تدل على أن الخطة قد تتعثر على «الجبهة» الفلسطينية. والسبب في ذلك هو الثقل الذي يمثله الموقف الشعبي الفلسطيني في خيارات الحالة الفلسطينية، بغض النظر عن بوصلة القيادة الرسمية. والتطورات التي يشهدها ميدان المواجهة مع الاحتلال في الضفة والقطاع تعبر بوضوح عن صحة هذا الاستخلاص. وتدرك إدارة ترامب أن الضغوط على الأنظمة السياسية الرسمية تحكمها معادلات لا تنطبق عما يحصل عندما قامت بإجراءات ضد حقوق الشعب الفلسطيني اتجاه القدس واللاجئين عبر محاولة تصفية وكالتهم ،الأونروا.
ولا تجد القيادة الرسمية الفلسطينية في الخطة الأميركية أي دور تقوم به بعد أن أحالتها إدارة ترامب إلى التقاعد في مجال التسوية. وبالتالي، ليس من المنظور أن تحظى بأي اهتمام إلا إذا استجابت تماماً للشروط الأميركية ـ الإسرائيلية، وهو الأمر الذي لا تستطيعه، لأن النزول عند هذه الشروط يعني الموافقة على تصفية القضية الفلسطينية. والخيار المتاح أمامها(وهو واجبها) هو الانضمام إلى الجهد الوطني العام (السياسي والشعبي) في مقاومة الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية، ويبدأ ذلك أولا بتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي والقطع مع اتفاق أوسلو وقيوده السياسية والأمنية والاقتصادية، والانفتاح على الأمم المتحدة بتدويل القضية الفلسطينية وطرح حقوق الشعب الفلسطيني على بساط البحث الأممي من زاوية وجوب تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
ومن نافل القول إن ما كانت تخشاه القيادة الرسمية الفلسطينية من اجراءات أميركية وإسرائيلية ضدها في حال تحركت بالاتجاه الصحيح وقع فعلاً وهي ساكنة في مكانها، بينما تلك الاجراءات متواصلة، وربما ليس آخرها حجب المساعدات عن السلطة إذا لم تلتزم بالشروط التسعة المعروفة ومن بينها قطع رواتب أسر الشهداء والأسرى، في الوقت الذي قرر الكنيست نهب هذه الرواتب من أموال السلطة لدى إسرائيل.
 فهل من شيء آخر يبرر الانتظار؟

أضف تعليق