23 تشرين الثاني 2024 الساعة 08:27

ثلاث خطوات يعمل لها فريدمان تمهيداً لـ «صفقة القرن»

2018-06-28 عدد القراءات : 789
■ تؤكد الأخبار أن السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان أختلف مع جاريد كوشنر، وجيسون غرينبلات، بشأن موعد إطلاق «صفقة القرن» والإعلان عن تفاصيلها. ففي الوقت الذي يرى فيه الثنائيان كوشنر و غرينبلات أن «الأجواء الإقليمية» باتت جاهزة لهذه الخطوة، فإن فريدمان يرى العكس، داعياً إلى إرجاء الأمر لوقت آخر، لأن ثمة ثلاثة «شروط» لا بد من تلبيتها، قبل الإعلان عن الصفقة. ويؤمن فريدمان في ما دعا له ناطق باسم الخارجية الأميركية بعدم الكشف عن مضمون ونصوص الصفقة «إلا بعد أن تتوفر الشروط الضرورية لتطبيقها». «فالصفقة» ليست مشروعاً للإعلان عنه، بل هو خطة متكاملة، في خطوطها العامة، على المستوى الإقليمي، من جهة، وعلى المستوى الفلسطيني من جهة أخرى. لا تقف عند نصوص جامدة، بل هي خطة «متدحرجة»، يتم العمل على تطبيقها، خطوة خطوة، وفي الميدان، إن على المستوى الإقليمي، لإنضاج الأوضاع العربية المنشودة لتطبيع العلاقة مع إسرائيل والدخول في حلف سياسي إقليمي معها ضد «إيران و امتداداتها في المنطقة» أو على المستوى الفلسطيني، للوصول إلى حل «سلمي»، يفتح الأفق ويزيل العقبات من أمام الحلف الإقليمي، وفي إطار قناعة سياسية أميركية ـــــ إسرائيلية مشتركة أن قيام الدولة الفلسطينية «لم يعد شرطاً ضرورياً» للوصول إلى السلام الإقليمي، أي العربي ـــــ الإسرائيلي. بل يمكن أن يكون حل من نوع آخر، سبيلاً إلى ذلك. وهذا «الحل من نوع آخر»، هو ما يرى فريدمان أن الظروف لم تتوفر بعد لطرحه وشق الطريق إليه. وفي هذا السياق يرى فريدمان أن توفير هذه الظروف يتعلق بالملفات الثلاثة المذكورة أعلاه.
*   *   *
• الملف الأول وهو ملف إقليمي. يرى فريدمان أن الظروف لم تنضج بعد لإنجازه، وهو «اعتراف الولايات المتحدة بضم الجولان المحتل إلى إسرائيل». وكما أوصى فريدمان في تصريحات له، فقد طرحت حكومة نتنياهو عليه البدء بتناول هذا الملف، لحسم قضايا الصراع ومنها قضية الجولان، على قاعدة أن ضم هذه المنطقة المحتلة من الأرض السورية لإسرائيل هو «الحل الوحيد». وقد طلب فريدمان من وزراء الليكود ونوابه التروي قليلاً لإنضاج المسألة، تمهيداً لإعلان واشنطن اعترافها بالجولان منطقة إسرائيلية، كما اعترفت بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقلت سفاراتها إليها. حسم مصير الجولان ركن من أركان الحل الإقليمي الذي يرى فريدمان ضرورة توفير الظروف الضرورية لتحقيقه.
• الملف الثاني هو الموقف الأردني. فالأردن، ووفقاً لتصريحات عمان ما زال متمسكاً بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 حزيران، وعاصمتها القدس الشرقية عاصمة لها، ومازال متمسكاً بالولاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة، ويرفض أية حلول بديلة، قد تفتح على خطوات «مجهولة»، كان الملك عبد الله الثاني قد حذر منها في تعليقه على الحراك الشعبي في الأردن ضد الغلاء وارتفاع الضرائب. ويعتقد فريدمان أنه دون دور للأردن في تطبيق «صفقة العصر»، فإن الإعلان عنها يعتبر أمراً سابقاً لأوانه. ويراهن فريدمان على ضغوط خليجية، وإقليمية أخرى، يجب أن تمارس على الأردن «لإقناعه» بالتراجع عن مواقفه المعلنة والقبول بحلول بديلة، يحتمل أن يكون لعمان دور كبير فيها، على غرار ما يتم تسريبه: دولة فلسطينية في قطاع غزة، مع توسيع مساحته نحو سيناء، وإقليم تحت الإدارة الذاتية للسكان في الضفة الفلسطينية، تكون عاصمته أبوديس (وتسمى بالقدس العربية) يرتبط بعلاقات معينة بعمان، ويقيم علاقات اقتصادية في إطار كونفدرالي ثلاثي يضمه مع الأردن وإسرائيل. مثل هذه الخطوات، يرى فريدمان أن واحداً من متطلباتها عودة عمان عن قرار فك الارتباط بالضفة الفلسطينية الذي كانت اتخذته في تموز 1988 قبل أسابيع من إعلان الاستقلال تحت وهج الانتفاضة الوطنية الكبرى (الانتفاضة الأولى) في المناطق المحتلة.
ويقول المراقبون إن زيارة نتنياهو، والثنائي كوشنر وغرينبلات لعمان تندرج في هذا السياق. لكنهم يلاحظون في الوقت نفسه أن عمان حرصت بعد هذه الزيارات على تحديد موقفها من ضرورة حل يقوم على دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وعلى حدود  حزيران ما يدلل على أن الأمور لم تنضج كما يرغب الجانبان الأميركي والإسرائيلي.
أما الملف الثالث فهو إتاحة المزيد من الوقت لبنيامين نتنياهو وحكومته لفرض المزيد من الوقائع على الأرض، في مجالات الاستيطان، والتهويد، والمصادرات، والإجراءات القانونية والأمنية والاقتصادية، وتهيئة المسرح السياسي لتصبح «صفقة القرن» أمراً واقعاً، حتى قبل الإعلان عنها، بحيث نصدق تنبؤات ترامب، وكوشنر، وغرينبلات، أن الصفقة سوف تتم شاء الفلسطينيون أم أبوا. حسب الخطط الموضوعة، خطة للتنفيذ، خطوة خطوة وليست خطة للتبشير بها، أو للتفاوض حولها.
*    *    *
بالمقابل علينا أن نلاحظ حالة العجز والضعف والارتباك التي تعانيها القيادة الرسمية الفلسطينية، ولجوئها إلى الصوت العالي، بديلاً للخطوات العملية للرد على صفقة القرن.
فالقول إن رهان القيادة الرسمية على دور عربي في رفض الصفقة، هو قمة العجز والوهن. فلا القيادة الرسمية خطت خطوة واحدة عملية من شأنها أن تعرقل صفقة العصر، ولا «الدور العربي» هو الآخر خطا مثل هذه الخطوة.
والقول إن صفقة القرن همها إسقاط «الشرعية الفلسطينية»، فيه تسخيف لطبيعة المعركة، كإبراز الخطر على «الشرعية الفلسطينية»، وتجاهل المخاطر الكبرى التي تتهدد القضية والحقوق الوطنية. فالقدس في قلب الخطر. ولا حديث عنها في إعلام السلطة وتصريحاتها. وحقوق اللاجئين ومصير وكالة الغوث في خطر. ولا حديث عنها في إعلام السلطة أو تصريحاتها. تدار المعركة وكأنها مع حركة حماس، وليست مع الاحتلال. وتدار المعركة وكأنها مع الحركة الشعبية في الضفة وهي تطالب برفع العقوبات عن قطاع غزة وسكانه. وهذا كله لإبعاد النظر عن حالة العجز التي تعانيها القيادة الرسمية. ولإبعاد النظر عن تلكؤها في تطبيق قرارات المجلس الوطني بشأن الارتباط بأوسلو والتزاماته.
فعدم سحب الاعتراف بإسرائيل، عمل يخدم «صفقة القرن» ومواصلة التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال من شأنه هو أيضاً أن يخدم صفقة القرن والصمت عن التبعية الاقتصادية لإسرائيل يحافظ على الأرضية الاقتصادية لتطبيق «صفقة القرن». وعدم نقل المعركة إلى الأمم المتحدة بموجب قرارات المجلس الوطني، هو خدمة لصفقة القرن، خاصة في ظل العزلة التي تعانيها إسرائيل والولايات المتحدة، إن في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو مجلس الأمن الدولي، أو في المجلس الدولي لحقوق الإنسان.
وفي خلاصة نقول أن التمسك «برؤية الرئيس»(خطاب 20/2/2018 أمام مجلس الأمن الدولي) بديل لهذا كله، يشكل، إلى جانب كونه انتهاكاً للشرعية الفلسطينية، شرعية المؤسسة الوطنية (أي المجلس الوطني والمجلس المركزي)، محاولة للبحث عن تقاطعات ومنافذ للدخول في «صفقة القرن».  ولم يعد خافياً أن بعض العواصم العربية التي لم تقطع مشاوراتها مع واشنطن بشأن «صفقة القرن» لا تتوقف عن تقديم ضمانات وتطمينات للقيادة الفلسطينية بأن مقعدها في «صفقة القرن» محفوظ منذ الآن، وأن عليها عدم تعطيل مسارات التمهيد لهذه الصفقة.
وهذا، مرة أخرى، ما يفسر القول بالرهان على الدور العربي في التصدي «لصفقة القرن».
وهذا، مرة أخرى، ما يفسر لماذا تعتمد القيادة الرسمية خطاب 20/2/2018 بديلاً لقرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني في دورتيهما الأخيرتين.■

أضف تعليق