23 تشرين الثاني 2024 الساعة 08:25

مع خالد نزال: 32 عاماً على الرحيل

2018-06-10 عدد القراءات : 670

يُحكى أن الحوار يستمر بين الأحبة ما بعد الموت. الحوار الأخير مع الشهيد «خالد نزال» جاء مغلفاً بحُلْمٍ خاطف، إشارات تبدو عادية ومفهومة. الأحلام تتكثف حين العجز والهزال. واقعياً لا يمكن النظر لها سوى تعبير عن إسقاط ذهني رغائبي من صاحبتها، محاولات لتركيب أحجية ناقصة القطع.
يُحكى أن خالد أهدى رفيقته حباً ذهبياً، فأهدته ذاكرة باذخة. يُحكى أن من لا ذاكرة له فقير؛ تحت خط الفقر. يُحكى أنها تخرج في كل عام تتفقد ذاكرتها الإسفنجية، تنزُّ بعض فوائضها في حزيران، تبوح باختزاناتها، تتفحص منسوبها، صعوداً وهبوطاً، تُلَمّع ما كلح لونه، تخلصها من الشوائب. تبرر وتفسر إصرارها على هزيمة الموت: « أصطحب ذاكرتي في رحلة سنوية، أمسح على رأس مَوْت بَكَّرَ في مباغتتي، قدم لي قصتي الفلسطينية الخاصة، القصة التي لم تكتمل». وتضيف: «لا أريد قفلها، أرتبط بحروفها مدى الحياة، قدرها وقدري، بلا نهاية».
يا ريما:
منذ سنوات لم تأتِ لزيارتي في قبري. اشتقت جلوسك على حافته، أرقب حديثك الصامت أسفل شجرة الزيتون؛ بينما تجددين طِلاء العَلَم واسمي المنقوشين على الشاهد. تعالي؛ ليس كافياً التقاط كلماتك بأصابعي الموغلة في العظم، هيّا نتلوها معاً؛ وجهاً لوجه.
يا خالد:
أذهب قاصدة المقبرة تلبية لطلبك مني في حُلم مُغلَّف بصدفة. تخيفني إشاراتك التي تبدو لوحة تجريدية تشبه الواقع. للأموات مكانة هامة في تراثنا، نورثها لأولادنا، انها الحياة الأخرى. لدينا تفاسير مختلفة لإشارات الأموات وقراءة رسائلهم، بعضها شؤم وبعضها فأل، مدارس ومناهج. جميعها تؤكد على تشبث الراحلين بدواخلنا، واستمرارنا في مناداة حضور الغائبين. 
لا بد من الاعتذار عن إخفاقي في العثور على القبر، مضى وقت طويل منذ آخر لقاء، وما دام الحديث يستدرجُ مثيله، أعتذر منك انقطاعي عن الزيارة، والاعتذار يجرُ اعتذاراً جديداً، أعتذر عن عدم إيفاء الوعد الذي وعدناك به يوم دفناك في مقبرة «سحاب»، نقل رفاتك الغالي إلى التراب الغالي.
سأجلس على سور المقبرة، أنثر أزهار الاكليل الثاني بعد الثلاثين ورقة ورقة، في فضاء المقبرة، أتمتم: «سأكتب لك ما كنت قد بَيَّتُ قوله بالقرب منك، ليس قبل أن أنجز تكحيل اسمك المنقوش على شاهد القبر، وتدكين ألوان العَلَم».
يُحكى أن الحديث بينهما طال وتشعب كما لم يحدث من قبل، يقولون إنها إحدى المرات القليلة التي لا يمسُّ فيها الحديث قلبيهما، نظرا لبعضهما بعيون مليئة بالأسئلة. تسأله عن سر ضيقه، فيحار بين الأسباب الكثيرة. يسألها أسئلة لا تحسن الردّ عليها.
يحكى أنه في نهاية دورة الأسئلة، ولمقتضيات التخلص من وحشتها، ومغادرة  مرمى نيرانها، تحدثت عن طرق غائمة وفوضى، قبل أن تنطق ببعض العبارات التي لا تحسن الصمت، عن الثقة ببعض الذخائر التي لم تنفد، عن قلوب الشباب المُشِعّة بالحزن، عن مقاليع وإطارات وطائرات ورقية وحجارة، عن استثنائية الشهداء في زمن النصوص الرديئة.

أضف تعليق