23 تشرين الثاني 2024 الساعة 07:55

... ليست قدراً

2018-06-02 عدد القراءات : 630

ترى إدارة ترامب (ومعها حكومة نتنياهو) أن "صفقة القرن"  تمتلك عوامل تطبيقها، وتجد في سطوتها على مواقف عدد غير قليل من الرسميات العربية رافعة تساعد على فرض الصفقة على الإقليم. لذلك،لا تقدم الإدارة الأميركية مشروعها للتداول وحشد التأييد الإقليمي والدولي حولها، بل كخارطة طريق باتجاه واحد.
 وللمرة الأولى في مسار المساهمات الأميركية في "التسوية"، يسبق التطبيق «المتدرج» عناوين الخطة وتفاصيلها وحتى أهدافها.وباعتبارها مشروعاً لـ"حل إقليمي" متكامل الجبهات والوظيفة، تدير واشنطن غرف عمليات متعددة تضع كل طرف مستهدف بخطتها تحت وطأة الضغط و"الإغراء"، ربطاً بالملفات التي تؤرقه.. والهواجس التي تنتابه.
واللافت أن القيادة الرسمية الفلسطينية وجدت نفسها في هذه الصفقة بلا "بطاقة تفاوض" حول مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحل قضايا الصراع مع الاحتلال بعد أن "أفتت" إدارة ترامب بحلها لصالح التوسعية الإسرائيلية.
سبق لنتنياهو أن اعتبر القرارات التي اتخذتها إدارة ترامب حول الاستيطان والقدس واللاجئين الفلسطينيين بمثابة انتصارات شخصية له، ويعزو ذلك إلى نجاحه في التصدي لمحاولات إدارة أوباما فرض تجميد الاستيطان قبل المفاوضات التقريبية التي جرت في العام 2010، وأن خطابه في جامعة بار إيلان (14/6/2009) كان رداً قوياً على خطاب أوباما في القاهرة (4/6/2009) والذي تحدث فيه عن حق الفلسطينيين بدولة مستقلة ودعا إلى تجميد الاستيطان ووقف هدم المنازل الفلسطينية.
ولطالما أسهب نتنياهو في القول وهو يعرض المساعي التي بذلها مع «أصدقائه» في الحزبين الجمهوري والديمقراطي وفي الكونغرس لتشكيل لوبي قوي ضغط على إدارة أوباما حتى تراجعت عن مضمون خطاب رئيسها في القاهرة بشأن التسوية، واستطاع هو بالتالي ، تجاوز المفاوضات التقريبية والمباشرة دون تقديم شيء للفلسطينيين، إضافة إلى قيام وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون بتحميل المفاوض الفلسطيني مسؤولية فشل المفاوضات المباشرة التي لم تلتئم سوى مرتين، واصطدمت برفض تل أبيب الخوض في بحث القضايا الجوهرية في الصراع، وبخاصة مسألتي الحدود والقدس، وتمسكت بموقفها اقتصار البحث على ملف الأمن.
وتكرر الأوساط المقربة من نتنياهو القول بأن تلك النتيجة مكنت رئيس الوزراء من تدعيم موقفه في حزبه الليكود أولاً ومن ثم في الائتلاف الحكومي، خاصة مع نجاحه في تجاهل الطلب الأميركي بإخراج ليبرمان وحزبه من الحكومة وإدخال تسيبي ليفني رئيسة «كاديما»(المنهار في ذلك الوقت والمتلاشي فيما بعد) لتتولى ملف المفاوضات.
يمكن القول إن نتنياهو أتقن إدارة التجاذبات مع واشنطن في ذلك الوقت، لكن السبب الحقيقي في تآكل خطاب أوباما بشأن الاستيطان والدولة الفلسطينية هو أن ما طرحه الخطاب جاء لجذب المفاوض الفلسطيني إلى المفاوضات بعد فشل جولاتها عقب "مؤتمر أنابوليس" ولم تخرج حتى بـ"اتفاق إطار". كما أن المواقف اللفظية الأميركية بشأن الاستيطان لم تترافق بضغط جدي على حكومات الاحتلال المتعاقبة، وكذلك الأمر بخصوص الدولة الفلسطينية، وتبين ذلك بوضح مع انتهاء الفترة الانتقالية المنصوص عليها باتفاق أوسلو، عندما حذرت واشنطن القيادة الفلسطينية الرسمية من الإقدام على إعلان قيام الدولة الفلسطينية، بعد تنصل تل أبيب من استكمال نبضات تسليم مناطق في الضفة إلى السلطة الفلسطينية.
مواقف إدارة أوباما ومن سبقتها بشأن سبل حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي مكنت الاحتلال من مواصلة سياساته التوسعية بمعدلات سريعة وعملت على بلورة شبكة استيطانية قوية، وكان واضحاً أن امكانية قيام دولة فلسطينية تتضاءل مع مرور الوقت، وما قدمته تلك الإدارات من سيناريوهات بشأن القدس يتحدث عن ضواح  معينة حول المدينة كعاصمة محتملة للدولة الفلسطينية في حال قيامها، وفي ذلك إنكار لوجوب أن تكون القدس الشرقية هي العاصمة. أما بخصوص قضية اللاجئين الفلسطينيين فالموقف الأميركي والإسرائيلي واحد لجهة إنكار حق العودة والدفع باتجاه التوطين والتشتيت.
النقلة النوعية في السياسة الأميركية بخصوص القضية الفلسطينية مع مجيء إدارة ترامب هي في آليات تطبيق هذه السياسة وليس في محدداتها، بالانتقال من الضغط على القيادة الفلسطينية الرسمية لقبول الشروط والرؤية الأميركية والاسرائيلية إلى اتخاذ خطوات واجراءات تمس جوهر القضية دون الاهتمام بقبولها من قبل هذه القيادة أو رفضها. ولم يستحدث ترامب وإدارته أي قانون يضع الفلسطينيين أمام استهدافات سياسية ومالية جديدة ، وما قام به هو تفعيل قوانين سابقة تمس الحالة الشعبية والسياسية الفلسطينية ولم تلغها الإدارات الأميركية على الرغم من توقيع اتفاق أوسلو، كما استخدم صلاحيات وفرها له الكونغرس كي يقرر نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
وساهمت الأوضاع التي تعيشها المنطقة العربية وما تشهده من صراعات وحروب وانقسامات حادة في تظهير الجوانب الأكثر توحشاً في السياسة الأميركية في ظل تقديرات تقول إن الشروط متوافرة كي تعيد الولايات المتحدة ترتيب أوضاع المنطقة وفق مصالحها. وينطبق الأمر على الحالة الفلسطينية لجهة الانقسام المتفاقم واستمرار غياب البرنامج الوطني الموحد وتداعيات ذلك على استمرار التمسك بسقف أوسلو السياسي.  
ما سبق لا يعني أن "صفقة العصر" قدر محتوم على المنطقة عموماً والفلسطينيين على وجه الخصوص. فوضع حكومة أو قيادة رسمية في مرمى الضغط السياسي والمالي شيء.. ووضع شعب وحقوقه الوطنية تحت مثل هذا الضغط شيء آخر، وخاصة أنه يعيش إما تحت سطوة الاحتلال أو في مرارة اللجوء والشتات.
وهذا الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ينتج يومياً آلاف الأسباب والدوافع كي يرفض ويقاوم أية مشاريع أو مبادرات تستهدف إدامة واقع الاحتلال واللجوء والتشتت، وتشهد عشرات الهبات والانتفاضات على تمسك الفلسطينيين بحقوقهم ودفاعهم عنها ،وما يشهده قطاع غزة منذ يوم الأرض أحد الأدلة على ذلك.
إلى جانب ما سبق تشكل" صفقة القرن" استفزازاً صارخاً للفلسطينيين كونها تبدأ بإنكار حقوقهم الوطنية .. وفوق ذلك تطالبهم بأن يتنكروا هم لها! 
ولا يوجد في عناوين السياسة الأميركية ( حتى للاستهلاك الإعلامي) تجاه القضية الفلسطينية اليوم  ما يمكن تسويقه من قبل أي كان. لذلك ،من المهم التأكيد أن التقدم بعد تأخير كبير من قبل القيادة الرسمية الفلسطينية بملف الشكاوى إلى "الجنائية الدولية" ينبغي أن يكون خياراً حاسماً، وله بالضرورة ما يستتبعه في السياسة.. والملفات الفلسطينية الداخلية.

أضف تعليق