23 تشرين الثاني 2024 الساعة 04:29

من غزة إلى حيفا.. وبالعكس

2018-05-26 عدد القراءات : 775
تعيد المواجهات الشعبية مع الاحتلال الأمور إلى نصابها الصحيح. وما جرى في حيفا من تظاهرات تنديدا بالمجازر الإسرائيلية في غزة هو أبعد من صدى لما يقع في القطاع، بعد أن وجدت حكومة نتنياهو نفسها أمام معركة اتحدت جبهاتها الفلسطينية في ميدان المواجهة.
وإذا كان واقع التشتت فرض نفسه على الشعب الفلسطيني وتنوعت هموم تجمعاته، فإن النكبة واستحقاقاتها كانت وما تزال الحبل السري الذي يجمع الفلسطينيين ويوحد جهودهم على طريق تجسيد حق العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.
وكما حصل في «هبة أوكتوبر» في أراضي الـ48 العام 2000،«صدحت» مجدداً جوقة التصريحات الصهيونية توجه التهديدات للفلسطينيين ونوابهم في الكنيست، وحرضت على استهدافهم كما جاء على لسان المتطرف ليبرمان.
الانزياح المتسارع نحو التطرف اليميني في إسرائيل شكل مع مرور الوقت مناخاً سياسياً خصباً مكَّن عتاولة التطرف في الأحزاب الصهيونية من تحويل خطابهم العنصري إلى مشاريع قوانين في الكنيست، الذي بدوره كرس وظيفته البرلمانية لترسيم هذا الخطاب. وبات الهجوم على الفلسطينيين في أراضي الـ48 وأحزابهم سلوكاً مألوفاً في المشهد السياسي الصهيوني، على خلفية إعلان انتمائهم لشعبهم الفلسطيني وتظهير وحدة الأهداف وتكاملها في المشروع الوطني الفلسطيني العام باعتبارهم من أبرز روافع تحقيقه. ورأت الأحزاب الصهيونية في هذا الانتماء عداء للدولة العبرية. لذلك، يصفونهم بـ«الطابور الخامس».
يتعلق الأمر بالأساس بالنكبة الفلسطينية التي تنكر دولة الاحتلال وقوعها. وبالتالي، تعتبر أن تمسك فلسطينيي الـ48 بالرواية الحقيقية لما وقع في العام 1948 بمثابة «خيانة للدولة التي ينبغي أن يدينوا لها بالولاء». وهذا بالأساس أحد دوافع اقتراح مشروعي «قانون الولاء» و«قانون النكبة» في الكنيست قبل أعوام. وهذا وضع على المحك ادعاء الدولة العبرية أنها «دولة لكل مواطنيها»، مع انكشاف عنصرية هذه الدولة على نحو غير مسبوق وخاصة بعد طرح «قانون القومية» في الكنيست وإجازته بالقراءة الأولى.
لقد راهنت الدولة العبرية على إمكانية احتواء الوجود الفلسطيني بعيد توقيع اتفاق أوسلو، وظهرت كتابات كثيرة توقعت أن فلسطينيي الـ48 متجهون قدماً نحو «الأسرلة». ورأى أصحاب هذا الاستخلاص أن انتهاء الصراع شرق «الخط الأخضر»، ينعكس حكماً على تطلعات فلسطينيي الـ48 وأهدافهم، لجهة التفاتهم الحصري نحو حل مشاكلهم اليومية مع السلطات الإسرائيلية. وبالتالي فك الترابط العضوي والتكامل البرنامجي بين عموم مكونات الشعب الفلسطيني، والذي لطالما أقلق القائمين على المشروع الصهيوني.
وتبين بسرعة أن أصحاب هذا التوقع لم يقرؤوا بشكل صحيح طبيعة الصراع، وأن جوهره هو الأرض، وهذا لا يتعلق فقط بالأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان العام 1967، بل هو قائم في أراضي الـ48 مع مسعى دولة الاحتلال بشكل متواصل لتجديد نكبتهم في النقب والمثلث والجليل وباقي التجمعات الفلسطينية في المدن الأخرى. وساهمت إسرائيل نفسها في وضع سيناريو «الأسرلة» خارج التداول مع توغلها في الاستيطان والتهويد ورفضها قيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.
الإدراك السياسي والشعبي لعقم التسوية وفق أوسلو ومخاطرها على الحقوق الوطنية كان وراء اندلاع «انتفاضة الاستقلال» أواخر أيلول من العام 2000، وأدى ما رافق انطلاقتها من قمع وحشي على يد الاحتلال إلى اشتعال الغضب في أراضي الـ48 في «هبة أوكتوبر» بعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع الانتفاضة، وبذلك انقلبت الرهانات بتدجين فلسطيني الـ48 على أصحابها، وبدت على نحو واضح وحدة الشعب الفلسطيني وتكامل حقوقه الوطنية وهذا ما قوبل بردات فعل عنيفة من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي تعاملت مع الاحتجاجات بإطلاق النار مباشرة على المشاركين فيها مما أوقع 13 شهيداً، وتصاعدت الأصوات الصهيونية التي تدعو إلى طرد الفلسطينيين من بلادهم وترحيلهم إلى الضفة الفلسطينية وكان ليبرمان كالعادة في مقدمة الذين يدعون إلى ذلك.
ومع كل عدوان على قطاع غزة أو الضفة كان فلسطينيو الـ48 في مقدمة الصفوف استنكاراً لهذه الاعتداءات، وشهدت الذكرى السبعون للنكبة هذا العام نقلة نوعية في الفعاليات التي أقيمت في أراضي الـ48، ومع ارتكاب جيش الاحتلال للمجازر في غزة أعلن فلسطينيو الـ48 الإضراب العام إلى جانب تظاهرات عارمة بدأت في حديقة وانتقلت إلى مدن المثلث والجليل.
ومن نافل القول إن وحدة الدم والمصير الوطني التي أعلنها عموم الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده قد وضعت دولة الاحتلال مجدداً في زاوية صعبة في ظل تنديد أممي بمجازرها بحق الفلسطيني في غزة، وفي ظل القرارات الدولية المتقدمة نصرة للشعب الفلسطيني، وهذا يفترض أولاً.
متابعة القضايا المرفوعة ضد الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية وعدم الخضوع لأية ضغوط تستهدف سحبها والتراجع عنها. وحتى لا يكون التحرك معلقاً في الجانب الحقوقي والقانوني من الضروري أن تخرج القيادة الرسمية الفلسطينية من دوامة أوسلو وقيوده الأمنية والسياسية والاقتصادية، التزاماً بقرارات المجلس الوطني وقرارات المجلس المركزي في دورتيه السابقتين.
ومن هذه الزاوية تنهض مهمة دعم المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال والاستيطان في إطار إستراتيجية سياسية جديدة تقوم على الانتفاضة ومقاومة الاحتلال بعيداً عن الرهان على تسوية لا تلتزم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
ومن المهم الإشارة إلى أن تصويب السياسية الرسمية الفلسطينية والتزامها قرارات الإجماع الوطني سينعكس إيجاباً على أوضاع فلسطينيي الـ48، مثلما انعكس سلباً الدخول في نفق أوسلو وشجع الرهان على إحباطهم والحديث الذي تصاعد حينها عن «أسرلتهم». وبقدر ما هو مهم أن يتضامن فلسطينيو الـ48 مع أشقاءهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة والشتات بقدر ما هو مهم أن يتلقوا الدعم من كافة مكونات الشعب الفلسطيني بدءاً من صيانة البرنامج الوطني العام الذي يوحد الجميع.
المعركة مع الاحتلال والاستيطان والعنصرية وسياسات التمييز العنصري معركة واحدة .. بجبهات متعددة.

أضف تعليق