23 تشرين الثاني 2024 الساعة 03:52

أين انت يا الله؟

2018-05-23 عدد القراءات : 646
الصمت العربي ليس جديداً. الغياب عن فلسطين مزمن. ليس للقدس اشقاء عرباً. ليس مستغرباً أن تبقى غزة وحيدة. حدث ذلك منذ اندلاع المأساة. مخيمات البؤس بعد الـ 48، دليل. معسكرات اعتقال ويد رخيصة برقابة امنية عاتية.
عوَّلت الانظمة على الخطابات. ثم انصرفت إلى قتال دائم ضد بعضها. صراعهم الدائم هو مع “اخوتهم”. كل نظام عدو “لشقيقه” المعادي. كذبوا جميعاً. الذين جاؤوا على ظهور الدبابات امضوا وقتهم خلف “الميكروفونات”. خطبهم اثارت غباراً وشتائم. والذين ورثوا انظمتهم، أبا عن جد، لاذوا بحماية اجنبية، داعمة لإسرائيل التقى الطرفان عند حام وداعم.
ليس جديداً ابدا. لكن ما كان طي الكتمان صار علنا. صارت اسرائيل شقيقاً مرغوباً. يتهافتون على طلب ودها. دول الخليج اسفرت عن وجهها بالتدريج. هناك من يتولى الدفاع عن حق اسرائيل بالوجود، استناداً إلى “الدين الحنيف”. وهناك، بعد حرب تشرين من اقام صلحاً بارداً انتهى مع السيسي احتفالات بقيام “دولة اسرائيل” وملاحقة كل مصري يذكِّر بالنكبة. والجديد الجديد، والذي لم يكن متوقعاً، محاولات لإقامة حلف “عربي ـ اسرائيلي”، ضد “الدولة الفارسية” التي وضعت عنوان القدس شعاراً لثورتها.
ليست المرة الأولى، تكون فيها فلسطين وحيدة، وغزة يتيمة. انما، لفلسطين ابواب كثيرة فاترك بابك مفتوحاً. أدعُ فلسطين للإقامة. لا تتركها وحيدة. هنا وهناك وهنالك من يسعى إلى قتلها. هذا زمن الموت. لا تدعها في زنزانتها. انهم يخيطون لها كفناً، وهي ترفض أن تموت. اترك لها متسعاً من المدى. دع صوتها صوتك، وليكن ماضيها حاضرك.
فلسطين أكبر من ارضها. لا تقاس بأرضها. هي ما يفيض عن ترابها. وطن الغائبين والمنفيين والأسرى والمقيمين، وطن المنتمين إلى العدل والحقيقة، وطن بلغات عديدة من كل البلاد، وطن الناس المنذرين لمحاربة الظلم، وقتال الظالمين. وطن الشعوب العربية التي لم يفرقها الدين الواحد.
من دون فلسطين تضيق الأرض كثيراً. تختنق الحياة في أمكنة مكتظة بانفعالات متوجعة. لا تدع عمرها على قارعة التفاوض الرخيص والمكلف “دماً وحياة”. من دونها يموت الله قليلاً وتفرغ السماء وتتضرج الأرض بقذارات السياسة.
اترك بابك مفتوحاً. اخرج من عندك إلى عندها. لا تريد منك غير أن تتلفظ باسمها. صبحاً وظهراً ومساءً. فلتكن تحيتك الصباحية، “تحيا فلسطين”، وليكن ليلك نقياً كي “نصبح على فلسطين”. اشد ما يؤلمها أن تكون وحيدة في أود دمها.
هي وحيدة جداً. جيرانها مشغولون عنها. ضَجَرُ الحكام فاجع. الحكام انصرفوا إلى لهو الطوائف والمذاهب. مشغولون بسنة وشيعة وأقوام خرجت من جحورها السحيقة. انهم ذاهبون إلى ماض مخزٍ. لا مكان لهم في مواقع الريادة. ملحقون بسواهم، ويقادون من انوفهم إلى مواطئ اقدام المغتصبين. ويتساءلون: لدينا ما يكفينا. فلسطين حمولة زائدة.
فاترك بابك مفتوحاً. الأنظمة أغلقت ابوابها، أُبعدت فلسطين عن شعوبها. كل الحروب متاحة. حروب متوحشة بين من كانوا أخوة بالإكراه. ولا مرة كانوا معاً. كانوا اضداداً يتضاعف عددها اعداءً. الخليج منشغل بحروبه. يعيش سجين ثروته الفائقة. يوظفها عند من يخشاه. يعوم على نفط ومال وخوف. روحه من عملةٍ بلا حساب. يقول في السياسة ما لا يتجرأ عليه بائع. فلتذهب فلسطين في صفقة العصر. اسرائيل أعز من شقيق. نتنياهو شريك من زمان، كان ينتظر قدوم دونالد ترامب… من له طاقة على احتمال هذا المشهد؟ الأمة طردت من مكانها. العروبة مقتصرة على اتفان اخطاء اللغة العربية. حال يتم واليتامى من المحيط إلى الخليج.
اياك أن تقفل بابك. يأسك أسوأ من بؤس الأنظمة ونذالة السياسة، اقبض على أملك بأصابعك وعينيك وشغاف قلبك. لا تتخلَّ عن فلسطين. من دونها أنت بلا معنى. كل المعاني الرائجة راهنا، لا معنى لها. هي مصطفة في كلمات وبيانات وبلاغات وتصريحات، أما الافعال، فأولها راجمات صواريخ ودائماً، نازحون ومناطق مأهولة بالركام. خراب يقاتل خراباً. لا أمل ولا شفاء من اليأس. بلاد شرعت ابناءها لقتال بكل الشعارات، من الله إلى ابليس وما بينهما من أسماء قبيحة. دول عظمى ووسطى وصغرى ومنظمات وجيوش وميليشيات بأسماء إلهية ومقدسة ترتكب أفظع المدنسات على الاطلاق.
لا تنسَ أن تسأل: أين أنت يا الله؟

أضف تعليق