الإجراءات العقابية وصفقة ترامب والمصالحة
فكرت أن أكتب عن المجلس الوطني، وخصوصًا بعد قرار الجبهة الشعبية بمقاطعة دورته المزمع عقدها نهاية الشهر، جرّاء عدم الالتزام بمتطلبات عقد مجلس وطني توحيدي، ولأنه سيعقد تحت حراب الاحتلال، بما لا يُمكِّن الكثير من الأعضاء من المشاركة، الأمر الذي يمس بالمكانة التمثيلية للمنظمة.
وفكرت أن أكتب للمرة الثالثة عن مسيرة العودة لأنها بارقة الأمل وسط الظلام الذي يحيط بنا. ولكنني نحيت هذا وذاك، وقررت أن أكتب عن تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة في ظل استمرار الحصار الخانق الذي حوّل القطاع إلى أكبر سجن في التاريخ، لا سيما بعد وقف رواتب الموظفين، الذي جعل أهلنا يعيشون في وضع أشبه بالجحيم، وسط تكاثر الأحاديث والمعلومات عن الشروع في عقوبات جديدة ستفرض بالتدريج بعد انتهاء المهلة التي منحتها السلطة الفلسطينية لحركة حماس لقبول عرض الرئيس محمود عباس لها، وهي "أن تشيل الحكم كاملًا في غزة أو تتركه كاملًا للسلطة".
فرض هذا الموضوع نفسه عليّ بشكل كلي، وخصوصًا أنا اليوم في زيارة إلى غزة، وبعد أن قرأت ما قاله والد الشهيد الطفل محمد أيوب وهو يودعه "آسف لأنني لم أتمكن من تأمين الطعام لك ولأخوتك طوال الشهر الماضي".
وقف الرواتب ... خلل سياسي
إن قرار وقف الرواتب عن الموظفين ليس خللًا فنيًا، فالخلل الفني لا يمتد إلى ثلاثة وعشرين يومًا حتى كتابة هذه السطور، ويصعب تصور اقتصاره على موظفي القطاع دون غيرهم، في حين تلتزم الحكومة صمت القبور من دون أن يصدر تصريح منها لتفسير وتبرير ما الذي يحدث. فالحكومة لا تملك الجرأة للدفاع عن قرار وقف الرواتب لأنه قرار غير إنساني ولا أخلاقي ولا قانوني، ولا يوجد ما يبرره، لأن معاقبة "حماس" لا يمكن أن تمر على عذابات أهلنا في القطاع، ولا على أجساد الموظفين الملتزمين بقرارات الحكومة عندما تَركوا أماكن عملهم ولزموا بيوتهم منذ وقوع "الانقلاب" وحتى الآن.
الخلل الفني، وادعاء عدم المعرفة من قيادات فصائلية مختلفة، ليسا أكثر من ورقة لا تستطيع أن تستر العورات التي كشفها هذا القرار وغيره الكثير.
سأحاول في هذه العجالة أن أحلل ما الذي يقف وراء فرض إجراءات عقابية جماعية ضد شعبنا في القطاع، والتهديد بفرض المزيد منها.
سياسة عباس وصفقة ترامب
هناك من يقول إن السبب وراء فرض الإجراءات تمرير صفقة ترامب، وهذا القول أبعد ما يكون عن الحقيقة. فالمسؤول عن الإجراءات هو الرئيس الذي اتخذ موقفًا شجاعًا ضد صفقة ترامب، لدرجة أنه قرر وقف الاتصالات السياسية مع الإدارة الأميركية، وجَنَّدَ العرب والعالم كله تقريبًا ضدها، وهذا موقف لا يمكن إنكار أهميته، ويجب البناء عليه، رغم أن هذا القرار لم يترافق مع وضع خطة ملموسة وتوفير متطلبات نجاحها، مثل إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أسس وطنية وتعددية تشاركية وديمقراطية توافقية، واستعاض عنها الرئيس بشتم دونالد ترامب وسفيره في إسرائيل، وشتم "حماس" وقادتها.
إن الذي يمكن أن يفسر هذه السياسة أن الرئيس عباس أدرك بعد تقديم طلب أميركي من قبل إدارة ترامب، تكرر بإلحاح في كل اللقاءات الفلسطينية الأميركية، عن ضرورة عودة السلطة الشرعية إلى قطاع غزة، أن ذلك تم بضوء أخضر إسرائيلي، في تغيير دراماتيكي للموقف الإسرائيلي الذي كان يلقى قبولًا أميركيًا ويقوم على فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة الذي بدأ تطبيقه عشية التوقيع على اتفاق أوسلو، وتواصل بعده وصولًا إلى طرح وتنفيذ خطة فك الارتباط عن القطاع.
ما الذي عدا عما بدا، واقتضى مثل هذا التغيير؟
فكرت طويلًا ومليًا في الأمر، وتوصلت إلى أن ما دفع السلطة إلى القلق، بل الذعر والتصرف بصورة غير عقلانية، اتضاح معالم خطة ترامب بصورة أكبر، بعد ما تسرب عنها لأطراف عربية ودولية، وكما ظهر من خلال التصريحات والقرارات الأميركية بخصوص القدس والاستيطان واللاجئين والأونروا ومكتب المنظمة في واشنطن وتقليص والتهديد بوقف المساعدات الأميركية للسلطة، التي تصب كلها بشكل عام في اتجاه اعتبار غزة مركز الدويلة الفلسطينية العتيدة، التي من المخطط أن ترتبط بها المعازل المأهولة بالسكان ومقطعة الأوصال بالضفة.
ولتشجيع الفلسطينيين بدأ التهويل بالازدهار الاقتصادي الذي سيشهده القطاع بعد اكتشاف الغاز والنفط، والتلويح بالمشاريع الضخمة من محطات الكهرباء وتحلية المياه إلى المطار والميناء وإعادة الإعمار .
المصالحة وصفقة ترامب
في هذا السياق، تخوفت السلطة من المصالحة واعتبرتها قاطرة لمرور صفقة ترامب، لذا أصرت على ضرورة تمكين الحكومة من الألف إلى الياء فيما بدا شرطًا تعجيزيًا يدل إما على عدم النية لإنجاح المصالحة، أو وضع ممر إجباري لها.
وحتى يفتح هذا الممر لا بد من خضوع "حماس" لشروط السلطة كاملة عبر تخليها عن سلطة الأمر الواقع، والموافقة على برنامج الرئيس (سلطة واحدة وقرار واحد وسلاح واحد)، وإذا لم تخضع ستتعرض لاحتمال الدخول في مجابهة عسكرية غير متكافئة مع الاحتلال، أو مع ثورة شعبية ضدها، لذلك تعتقد السلطة أن العذاب الذي سيتحمله القطاع من الإجراءات العقابية ضريبة لا بد منها لإنهاء سلطة الأمر الواقع التي تعتبر أحد مصادر هذا العذاب.
ما لا تأخذه السلطة بالحسبان أن خضوع "حماس" أو نشوب ثورة الشعب ضدها أو المجابهة العسكرية ليست الاحتمالات الوحيدة، بل هناك احتمالات أخرى مثل انهيار القطاع وانفجاره، وانتشار الفوضى والفلتان الأمني، وتعدد السلطات ومصادر القرار في وقت ليست فيه السلطة قوية بما فيه الكفاية، ولن تستطيع السيطرة على القطاع، وستكون في أحسن الأحوال مجرد سلطة من سلطات متعددة متناحرة.
خيارات "حماس"
إن سياسة السلطة تعزز الشقاق والشرذمة، ومن احتمال اندفاع "حماس" نحو تقديم المطلوب منها أو جزء مهم منه إلى إسرائيل وأميركا والمجتمع الدولي (كما تدل التصريحات عن الاستعداد للمفاوضات مع إسرائيل ومع إدارة ترامب في وقت شرعت فيه بتنفيذ خطة لتصفية القضية)، الذي يخشى من عواقب انهيار القطاع، ولعل مسيرات العودة دليل على وجود احتمالات أخرى لم تكن تخطر على البال .
وهناك احتمال قيام تحالف بين "حماس" وتيار محمد دحلان ومن يوافق من القوى القائمة في القطاع على المضي في خيار منفصل ستكون له مبررات قوية، من ضمنها أن السلطة دفعت إليه، ولم تدع مكانًا لخيارات أخرى، و"لم تترك للصلح مطرح".
منذ وقوع "الانقسام/الانقلاب" تراهن السلطة على انهيار سلطة الأمر الواقع في القطاع، وهي لم تسقط، وكانت دائمًا تتجاوز المآزق الشديدة التي واجهتها، من خلال صمودها في وجه الحصار والعدوان المتكرر، ومن خلال صفقة تبادل الأسرى، لا سيما في ظل مشاورات لصفقة جديدة، وها هي مسيرة العودة تثبت بشكل جلي عن وجود مخارج إذا لم تنه المأزق فإنها تخفف منه، والأهم أنها تلقي المزيد من المسؤولية عما يجري على السلطة.
صفقة ترامب ... تهديد للجميع
هناك خيار آخر يستند إلى أن صفقة ترامب تهدد الجميع، وهي موجهة ضد القضية والشعب، ولا تميز بين فلسطيني وآخر، لا بين "حماس" و"فتح"، أو معتدل ومتطرف، ولعل في تبادل الاتهامات بين طرفي الانقسام بأن كل واحد منهما يساعد أو يتساوق مع صفقة ترامب دليل دامغ على أنها صفقة تستهدف الكل الفلسطيني بلا تمييز.
على الرئيس و"فتح" والسلطة التفكير باحتمال وارد جدًا، وهو ألا تخضع "حماس" ولا يثور الشعب ضدها. فما العمل في هذه الحالة؟
الحل موجود
هناك متفائلون يقولون إن الرئيس لن يمضي في خطته إلى النهاية، وإنه سيبحث عند نقطة ما عن التوصل إلى مساومة أفضل تكون "حماس" مستعدة لها. نأمل أن يكون هذا التفاؤل في محله، مع أن الحل واضح وضوح الشمس وطرحناه مرارًا وتكرارًا ويحتاج إلى إرادة لاعتماده فورًا، ويقوم على:
• تخلي "حماس" عن السلطة في غزة، وعن سعيها لمراكمة إنجازات على سيطرتها الانفرادية في القطاع، ولتقاسم السلطة ووظائفها ومكاسبها. السلطة التي يجب أن تكون فوق الفصائل ومن أجل الشعب كله.
• تخلي "فتح" عن الهيمنة على السلطة والمنظمة على أساس الشراكة وبرنامج القواسم المشتركة، بما يتيح تغيير السلطة لتصبح سلطة للجميع وأداة من أدوات المنظمة الموحدة، وتغيير وظائفها والتزاماتها، وإعادة بناء مؤسساتها وأجهزتها على أسس وطنية ومهنية بعيدًا عن الحزبية، وبما يستجيب للمصالح والأولويات والاحتياجات الفلسطينية.
سلطة واحدة وقرار واحد وسلاح واحد. نعم، شرط أن تكون سلطة تمثل الجميع بعيدًا عن التفرد والهيمنة والإقصاء والفصائلية، وعن تحكم مراكز القوى السياسية والأمنية والاقتصادية، ومرجعيتها منظمة التحرير الموحدة التي تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وإستراتيجية سياسية ونضالية قادرة على تحقيق الأهداف والحقوق الفلسطينية.
وفكرت أن أكتب للمرة الثالثة عن مسيرة العودة لأنها بارقة الأمل وسط الظلام الذي يحيط بنا. ولكنني نحيت هذا وذاك، وقررت أن أكتب عن تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة في ظل استمرار الحصار الخانق الذي حوّل القطاع إلى أكبر سجن في التاريخ، لا سيما بعد وقف رواتب الموظفين، الذي جعل أهلنا يعيشون في وضع أشبه بالجحيم، وسط تكاثر الأحاديث والمعلومات عن الشروع في عقوبات جديدة ستفرض بالتدريج بعد انتهاء المهلة التي منحتها السلطة الفلسطينية لحركة حماس لقبول عرض الرئيس محمود عباس لها، وهي "أن تشيل الحكم كاملًا في غزة أو تتركه كاملًا للسلطة".
فرض هذا الموضوع نفسه عليّ بشكل كلي، وخصوصًا أنا اليوم في زيارة إلى غزة، وبعد أن قرأت ما قاله والد الشهيد الطفل محمد أيوب وهو يودعه "آسف لأنني لم أتمكن من تأمين الطعام لك ولأخوتك طوال الشهر الماضي".
وقف الرواتب ... خلل سياسي
إن قرار وقف الرواتب عن الموظفين ليس خللًا فنيًا، فالخلل الفني لا يمتد إلى ثلاثة وعشرين يومًا حتى كتابة هذه السطور، ويصعب تصور اقتصاره على موظفي القطاع دون غيرهم، في حين تلتزم الحكومة صمت القبور من دون أن يصدر تصريح منها لتفسير وتبرير ما الذي يحدث. فالحكومة لا تملك الجرأة للدفاع عن قرار وقف الرواتب لأنه قرار غير إنساني ولا أخلاقي ولا قانوني، ولا يوجد ما يبرره، لأن معاقبة "حماس" لا يمكن أن تمر على عذابات أهلنا في القطاع، ولا على أجساد الموظفين الملتزمين بقرارات الحكومة عندما تَركوا أماكن عملهم ولزموا بيوتهم منذ وقوع "الانقلاب" وحتى الآن.
الخلل الفني، وادعاء عدم المعرفة من قيادات فصائلية مختلفة، ليسا أكثر من ورقة لا تستطيع أن تستر العورات التي كشفها هذا القرار وغيره الكثير.
سأحاول في هذه العجالة أن أحلل ما الذي يقف وراء فرض إجراءات عقابية جماعية ضد شعبنا في القطاع، والتهديد بفرض المزيد منها.
سياسة عباس وصفقة ترامب
هناك من يقول إن السبب وراء فرض الإجراءات تمرير صفقة ترامب، وهذا القول أبعد ما يكون عن الحقيقة. فالمسؤول عن الإجراءات هو الرئيس الذي اتخذ موقفًا شجاعًا ضد صفقة ترامب، لدرجة أنه قرر وقف الاتصالات السياسية مع الإدارة الأميركية، وجَنَّدَ العرب والعالم كله تقريبًا ضدها، وهذا موقف لا يمكن إنكار أهميته، ويجب البناء عليه، رغم أن هذا القرار لم يترافق مع وضع خطة ملموسة وتوفير متطلبات نجاحها، مثل إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أسس وطنية وتعددية تشاركية وديمقراطية توافقية، واستعاض عنها الرئيس بشتم دونالد ترامب وسفيره في إسرائيل، وشتم "حماس" وقادتها.
إن الذي يمكن أن يفسر هذه السياسة أن الرئيس عباس أدرك بعد تقديم طلب أميركي من قبل إدارة ترامب، تكرر بإلحاح في كل اللقاءات الفلسطينية الأميركية، عن ضرورة عودة السلطة الشرعية إلى قطاع غزة، أن ذلك تم بضوء أخضر إسرائيلي، في تغيير دراماتيكي للموقف الإسرائيلي الذي كان يلقى قبولًا أميركيًا ويقوم على فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة الذي بدأ تطبيقه عشية التوقيع على اتفاق أوسلو، وتواصل بعده وصولًا إلى طرح وتنفيذ خطة فك الارتباط عن القطاع.
ما الذي عدا عما بدا، واقتضى مثل هذا التغيير؟
فكرت طويلًا ومليًا في الأمر، وتوصلت إلى أن ما دفع السلطة إلى القلق، بل الذعر والتصرف بصورة غير عقلانية، اتضاح معالم خطة ترامب بصورة أكبر، بعد ما تسرب عنها لأطراف عربية ودولية، وكما ظهر من خلال التصريحات والقرارات الأميركية بخصوص القدس والاستيطان واللاجئين والأونروا ومكتب المنظمة في واشنطن وتقليص والتهديد بوقف المساعدات الأميركية للسلطة، التي تصب كلها بشكل عام في اتجاه اعتبار غزة مركز الدويلة الفلسطينية العتيدة، التي من المخطط أن ترتبط بها المعازل المأهولة بالسكان ومقطعة الأوصال بالضفة.
ولتشجيع الفلسطينيين بدأ التهويل بالازدهار الاقتصادي الذي سيشهده القطاع بعد اكتشاف الغاز والنفط، والتلويح بالمشاريع الضخمة من محطات الكهرباء وتحلية المياه إلى المطار والميناء وإعادة الإعمار .
المصالحة وصفقة ترامب
في هذا السياق، تخوفت السلطة من المصالحة واعتبرتها قاطرة لمرور صفقة ترامب، لذا أصرت على ضرورة تمكين الحكومة من الألف إلى الياء فيما بدا شرطًا تعجيزيًا يدل إما على عدم النية لإنجاح المصالحة، أو وضع ممر إجباري لها.
وحتى يفتح هذا الممر لا بد من خضوع "حماس" لشروط السلطة كاملة عبر تخليها عن سلطة الأمر الواقع، والموافقة على برنامج الرئيس (سلطة واحدة وقرار واحد وسلاح واحد)، وإذا لم تخضع ستتعرض لاحتمال الدخول في مجابهة عسكرية غير متكافئة مع الاحتلال، أو مع ثورة شعبية ضدها، لذلك تعتقد السلطة أن العذاب الذي سيتحمله القطاع من الإجراءات العقابية ضريبة لا بد منها لإنهاء سلطة الأمر الواقع التي تعتبر أحد مصادر هذا العذاب.
ما لا تأخذه السلطة بالحسبان أن خضوع "حماس" أو نشوب ثورة الشعب ضدها أو المجابهة العسكرية ليست الاحتمالات الوحيدة، بل هناك احتمالات أخرى مثل انهيار القطاع وانفجاره، وانتشار الفوضى والفلتان الأمني، وتعدد السلطات ومصادر القرار في وقت ليست فيه السلطة قوية بما فيه الكفاية، ولن تستطيع السيطرة على القطاع، وستكون في أحسن الأحوال مجرد سلطة من سلطات متعددة متناحرة.
خيارات "حماس"
إن سياسة السلطة تعزز الشقاق والشرذمة، ومن احتمال اندفاع "حماس" نحو تقديم المطلوب منها أو جزء مهم منه إلى إسرائيل وأميركا والمجتمع الدولي (كما تدل التصريحات عن الاستعداد للمفاوضات مع إسرائيل ومع إدارة ترامب في وقت شرعت فيه بتنفيذ خطة لتصفية القضية)، الذي يخشى من عواقب انهيار القطاع، ولعل مسيرات العودة دليل على وجود احتمالات أخرى لم تكن تخطر على البال .
وهناك احتمال قيام تحالف بين "حماس" وتيار محمد دحلان ومن يوافق من القوى القائمة في القطاع على المضي في خيار منفصل ستكون له مبررات قوية، من ضمنها أن السلطة دفعت إليه، ولم تدع مكانًا لخيارات أخرى، و"لم تترك للصلح مطرح".
منذ وقوع "الانقسام/الانقلاب" تراهن السلطة على انهيار سلطة الأمر الواقع في القطاع، وهي لم تسقط، وكانت دائمًا تتجاوز المآزق الشديدة التي واجهتها، من خلال صمودها في وجه الحصار والعدوان المتكرر، ومن خلال صفقة تبادل الأسرى، لا سيما في ظل مشاورات لصفقة جديدة، وها هي مسيرة العودة تثبت بشكل جلي عن وجود مخارج إذا لم تنه المأزق فإنها تخفف منه، والأهم أنها تلقي المزيد من المسؤولية عما يجري على السلطة.
صفقة ترامب ... تهديد للجميع
هناك خيار آخر يستند إلى أن صفقة ترامب تهدد الجميع، وهي موجهة ضد القضية والشعب، ولا تميز بين فلسطيني وآخر، لا بين "حماس" و"فتح"، أو معتدل ومتطرف، ولعل في تبادل الاتهامات بين طرفي الانقسام بأن كل واحد منهما يساعد أو يتساوق مع صفقة ترامب دليل دامغ على أنها صفقة تستهدف الكل الفلسطيني بلا تمييز.
على الرئيس و"فتح" والسلطة التفكير باحتمال وارد جدًا، وهو ألا تخضع "حماس" ولا يثور الشعب ضدها. فما العمل في هذه الحالة؟
الحل موجود
هناك متفائلون يقولون إن الرئيس لن يمضي في خطته إلى النهاية، وإنه سيبحث عند نقطة ما عن التوصل إلى مساومة أفضل تكون "حماس" مستعدة لها. نأمل أن يكون هذا التفاؤل في محله، مع أن الحل واضح وضوح الشمس وطرحناه مرارًا وتكرارًا ويحتاج إلى إرادة لاعتماده فورًا، ويقوم على:
• تخلي "حماس" عن السلطة في غزة، وعن سعيها لمراكمة إنجازات على سيطرتها الانفرادية في القطاع، ولتقاسم السلطة ووظائفها ومكاسبها. السلطة التي يجب أن تكون فوق الفصائل ومن أجل الشعب كله.
• تخلي "فتح" عن الهيمنة على السلطة والمنظمة على أساس الشراكة وبرنامج القواسم المشتركة، بما يتيح تغيير السلطة لتصبح سلطة للجميع وأداة من أدوات المنظمة الموحدة، وتغيير وظائفها والتزاماتها، وإعادة بناء مؤسساتها وأجهزتها على أسس وطنية ومهنية بعيدًا عن الحزبية، وبما يستجيب للمصالح والأولويات والاحتياجات الفلسطينية.
سلطة واحدة وقرار واحد وسلاح واحد. نعم، شرط أن تكون سلطة تمثل الجميع بعيدًا عن التفرد والهيمنة والإقصاء والفصائلية، وعن تحكم مراكز القوى السياسية والأمنية والاقتصادية، ومرجعيتها منظمة التحرير الموحدة التي تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وإستراتيجية سياسية ونضالية قادرة على تحقيق الأهداف والحقوق الفلسطينية.
أضف تعليق