ما الجديد في القمة العربية في الظهران؟
يصف المراقبون قمة الظهران أنها واحدة من تلك القمم العربية التي لم يلتفت إليها الفلسطينيون (وصف واسع جداً من العرب) لإدراكهم المسبق أنها عاجزة عن حل القضايا العربية – العربية، وعن الارتقاء بمستوى الصراع وأدواته مع الاحتلال والمشروع الاسرائيلي، وأن قراراتها واعلاناتها لن تطور في العلاقات البينية بين الدول العربية، لا على المستوى السياسي، ولا على المستوى الاقتصادي. بل إن كثيرين يعتقدون أن ما تقوله قرارات القمم العربية شيء، وأن ما تفعله الدول العربية شيء آخر.
قمة الظهران: هل من جديد
لعل الجديد في قمة الظهران أنها حملت اسم القدس، إدراكاً من قادة الدول العربية أن حدة الصراع مع إسرائيل قد وصلت مرحلة أكثر خطورة باتت فيها قدرة كل طرف على بناء وقائع ميدانية، لتثبيت مشروعه، وتعطيل مشروع الطرف الآخر، هي المعيار الأبرز، الذي من خلاله يمكن معاينة مسار الحدث وتداعياته. وبالتالي شكلت عنواناً بارزاً لمرحلة تجاهلت فيها القمة العربية أن معركة القدس، وحمايتها لم تعد مع إسرائيل وحدها، بل مع الإدارة الأميركية أيضاً، التي أعلنت المدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل، وقررت نقل سفارة بلادها إليها في 14/5/2018.
بيان القمة العربية تحدث مطولاً عن القدس، وعن الاحتلال الاسرائيلي، لكنه تعامى عن الدور الأميركي، في هذا الشأن، وعن السياسة الأميركية التي أصبحت ليس فقط أكثر انحيازاً للجانب الاسرائيلي، بل وكذلك طرفاً من أطراف الصراع، تلعب هذا الدور علناً، بعد ما كانت تحاول سابقاً، أن تميز نفسها بشيء من التوازن النسبي. ولعل هذه القضية (أي تجاهل الدور الأميركي) هي القضية الأولى في بيان القمة العربية.
هي ليست هفوة، بل هي موقف سياسي، لا يكتفي بأن يتجنب الاحتكاك بالدور الأميركي فحسب، بل، وهذا هو الأخطر، يقيم تحالفاً معلناً مع الولايات المتحدة، في صراعات اقليمية، أعادت إلى الخلف الصراع مع اسرائيل والمشروع الصهيوني، ووضعت مكانه الصراع مع إيران وامتداداتها في المنطقة، وأشهرت مشاريع السلام والمفاوضات مع اسرائيل، وأشهرت إعلانات الحرب مع إيران.
من هنا، مثلاً بقيت قرارات القمة العربية بشأن القدس مجرد عبارات تطلق في الفضاء، ولا تحمل في طياتها أية خطوة عملية, على سبيل المثال:
• لم تتخذ موقعاً من الولايات المتحدة بشأن قرارها بشأن القدس. بل أطلقت نداء عاماً (لمن يهمه الأمر) بعدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعدم نقل سفاراتها إليها. علماً أن الجريمة واضحة، وأن الجاني معلوم للقاصي والداني.. إدارة ترامب.
• لم تتخذ موقفاً من مسألة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بل مازالت سفارات اسرائيل مفتوحة في عدد من العواصم العربية، ومازال سفراء هذه الدول يمارسون مهامهم في اسرائيل، وكأن شيئاً لم يقع.
• لم تتخذ موقفاً من مسألة التطبيع القائم على قدم وساق مع عدد من الدول العربية بعضه معلن، والبعض الآخر غير معلن.
• لم تحدث النقلة المطلوبة في صراعها الدبلوماسي مع إسرائيل، حيث أشادت الى قرارات الأمم المتحدة، ذات الصلة، ومنها القرار 2334 بشأن الاستيطان، والذي وافق عليه مجلس الأمن الدولي بالإجماع وبالتالي لم تقرر نقل تنفيذ هذه القرارات الى الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حتى لا تصطدم بموقف إدارة ترامب التي من المؤكد أنها ستعترض. وبالتالي غلبت القمة العربية حرصها على حسن العلاقة مع إدارة ترامب، وعلى حرصها على صون القدس وحمايتها، وصون الأرض الفلسطينية من الاستيطان.
• لم تحدث النقلة المطلوبة في تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك إحالة جرائم الحرب الإسرائيلية الى محكمة الجنايات الدولية.
• وفي الخلاصة يمكن القول أن قرارات القمة العربية بشأن القدس هي مجرد حبر على ورق، إلا إذا استثنينا الإعلان عن منح العربية السعودية للقدس 150 مليون دولار، سيبدو مبلغاً هزيلاً إذا ما قورنت بمئات الملايين من الدولارات التي ترصدها بعض الدول الخليجية في صراعاتها الإقليمية، خارج الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي.
قضايا غيبتها القمة
من جانب آخر، غيبت القمة العربية عدداً من الملفات الفلسطينية الرئيسة ومنها:
• ملف حق العودة للاجئين، مع التمييز بين «اللاجئين»، وبين ملف «حق العودة». صحيح أن القمة أشادت الى ضرورة مواصلة تمويل وكالة الغوث، وأعلن خلالها رئيس القمة ملك العربية السعودية منح «الوكالة» خمسين مليون دولار. إلا أن الصحيح أيضاً أن هذا الموقف لا يختلف كثيراً عن مواقف الإتحاد الأوروبي الذي مازال حريصاً على إدامة عمل الوكالة وإدامة تمويلها. وصحيح أن هذه المسألة مهمة ولا يمكن تجاهلها، إلا أن الصحيح أيضاً، أن بيان القمة لم يأتِ على ذكر حق العودة للاجئين. وليس هو فقط، بل وكذلك خطاب الرئيس محمود عباس. والإشارة اليتيمة للاجئين، في بيان القمة جاءت في سياق الدعوة الى المفاوضات، والإشارة الى «مبادرة السلام العربية» في بيروت عام 2002، التي أثبتت على عقد سلام شامل مع إسرائيل، عربي وإسلامي، مقابل دولة فلسطينية، وشطب حق العودة. ولعل الإشارة لأكثر من مرة، في البيان، إلى المفاوضات، والى «حل الدولتين»، والاكتفاء بالحديث عن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وتجاهل حق العودة، وقضية اللاجئين ربطاً بـ«حل الدولتين»، مؤشر واضح الدلالة أن القمة العربية مازالت تتمسك بموقفها من مسألة حق العودة باعتبارها الضحية الواجب سلخها على مذبح تطبيع العلاقات العربية الإسلامية بعد الوصول الى «حل الدولتين».
• بدا البيان هزيلاً، وهو يتجاهل تماماً الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في القدس والضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وهي الممتدة بأشكال متباينة، منذ الربع الأخير من العام 2015، وقد تصاعدت حدتها مع قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وشكلت واحدة من ذرواتها يوم الأرض في 30/3/2018. ولعل الإشارة الخجولة في خطاب الرئيس عباس لأيام الغضب، واكتفائه بإشارة سريعة ليوم الأرض، بدت هي الأخرى «خارج النص الفلسطيني» الذي يكتبه الشباب الفلسطيني في الشارع في وجه الاحتلال والاستيطان، ودفاعاً عن القدس والمقدسات والقضية والحقوق الوطنية، وهو نص يعلن بوضوح سقوط اتفاق أوسلو، ومشروع أوسلو، والعودة إلى مشروع الانتفاضة والمقاومة، المشروع الوطني لحركة تحرر وطني تناضل وتكافح من أجل تقرير المصير والاستقلال والحرية والعودة والكرامة الوطنية.
• كان مشهداً «غير مريح» البتة أن يضمن رئيس السلطة خطابه في القمة فقرة مطولة عن انقسام حركة فتح مع حركة حماس. وكان مشهداً «غير مريح» أن يحاول تبرير إجراءاته العقابية ضد القطاع، والتي لم تتوقف فصولاً أمام قادة الدول العربية في الوقت الذي كان فيه الوفد المصري في غزة يدير حواراً مع حماس، ويهيئ لجولة جديدة للحوار الثنائي بين حماس وفتح في القاهرة. كذلك كان مشهداً غير مريح أن يقفز رئيس السلطة في كلمته عن «التفاهم» بين فتح وحماس في 12/10/2017، وعن تفاهمات وتوافقات 2011، بين القيادات الفلسطينية، ليضع شروطه الخاصة للمصالحة وإنهاء الانقسام، الأمر الذي من شأنه تعقيد الأوضاع، وليس فتح نوافذ لها. الغريب أن تفتح القمة نوافذها أمام التطبيع مع إسرائيل، وأمام العلاقات «الممتازة» مع الولايات المتحدة، وأن يأتي رئيس السلطة ليرسم اشتراطاته المنفردة في ملف يطال مصير قطاع غزة برمته.
• وأخيراً، وليس آخراً، كان لافتاً للنظر، ومثيراً للاستغراب والدهشة، ولطرح العديد من التساؤلات، أن يجدد رئيس السلطة الفلسطينية طرح موقعه من المفاوضات، والعودة إلى اتفاق أوسلو، كما أعلن عنه في مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، داعياً إلى مفاوضات لقضايا الحل الدائم، كما نص عليها اتفاق أوسلو، وتحت رعاية فريق دولي، بديلاً لرعاية الأمم المتحدة، ومؤتمر لحل شاكلته مؤتمر أنابوليس وباريس، بديلاً لمؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة ومجلس أمنها، بالمقابل يتجاهل النقلة الكبرى التي أحدثها المجلس المركزي في م.ت.ف، في 15/1/2018، وقبلها في 5/3/2015، بإعلان فك الارتباط بأوسلو وبروتوكول باريس، والتحرر من التزاماتهما وقيودهما، وسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي.
كان يفترض أن يعرض الوضع على «حقيقته» أمام القمة العربية، أي الوضع الذي رسمته «الشرعية الفلسطينية» ممثلة بالمجلس المركزي، وليس العرض الذي ترسمه سياسة التفرد والإنفراد بالقرار الوطني. لقد فوت الوفد الفلسطيني فرصة ثمينة على القضية الفلسطينية لو أنه قدم قرارات المجلس المركزي عنواناً للمرحلة الجديدة، ودعا الدول العربية لتحمل مسؤولياتها والارتقاء بدورها الدبلوماسي، والمالي، وغيرها، في دعم القضية الفلسطينية في ظل برنامجها الوطني كما اعتمدته قرارات المجلس المركزي. لكن، كما يبدو، ما ذهب إليه خطاب الرئيس عباس، لم يتخطى على الإطلاق ما يسمى بـ«المبادرة العربية للسلام».
ملاحظات أخيرة
من المعلوم أن بيان القمة العربية يتم تحضيره من قبل وزراء خارجية الدول العربية في اجتماعات تحضيرية تدوم عادة بين يومين أو ثلاثة، وفي هذه الاجتماعات يدور النقاش السياسي العقلي والحقيقي. أما قمة «القادة»، فإنها تكتفي بإلقاء خطابات الجلسة الافتتاحية، ثم جلسة مغلقة قصيرة، يتم بعدها إصدار البيان الختامي، والتقاط الصور التذكارية.
وهذا ما يدفعنا للسؤال عن الدور الذي قام به الوفد الفلسطيني إلى اجتماع وزراء الخارجية، ودور وزير خارجية السلطة الفلسطينية. خاصة أننا لم نسمع أنه قدم مشروعاً فلسطينياً خاصاً بالبيان، سوى ما سمعناه من الرئيس عباس داعياً لاعتماد «رؤيته للسلام» (وخطابه في مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018) في البيان الختامي.
مرة أخرى، تذهب القيادة الرسمية إلى مؤتمرات إقليمية أو دولية أو عربية، بسقف منخفض، تفترق فيه، بمسافة بعيدة، عن المزاج الشعبي الفلسطيني، ولا تمثله على الإطلاق، كما تنتهك فيه قرارات الشرعية الفلسطينية كما رسمتها الهيئات الرسمية كالمجلس المركزي وغيره.
قمة عربية انعقدت، لن يتبقى منها، سوى أمرين:
1) الأول الصراع الإقليمي، مع إيران، تحت الرعاية الأميركية.
2) وخطوة إستقوائية من القيادة الفلسطينية لفرض «رؤيتها» للسلام على المجلس الوطني في دورة 30/4/2018، بذريعة أنها باتت تتمتع بالشرعية العربية.
قمة الظهران: هل من جديد
لعل الجديد في قمة الظهران أنها حملت اسم القدس، إدراكاً من قادة الدول العربية أن حدة الصراع مع إسرائيل قد وصلت مرحلة أكثر خطورة باتت فيها قدرة كل طرف على بناء وقائع ميدانية، لتثبيت مشروعه، وتعطيل مشروع الطرف الآخر، هي المعيار الأبرز، الذي من خلاله يمكن معاينة مسار الحدث وتداعياته. وبالتالي شكلت عنواناً بارزاً لمرحلة تجاهلت فيها القمة العربية أن معركة القدس، وحمايتها لم تعد مع إسرائيل وحدها، بل مع الإدارة الأميركية أيضاً، التي أعلنت المدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل، وقررت نقل سفارة بلادها إليها في 14/5/2018.
بيان القمة العربية تحدث مطولاً عن القدس، وعن الاحتلال الاسرائيلي، لكنه تعامى عن الدور الأميركي، في هذا الشأن، وعن السياسة الأميركية التي أصبحت ليس فقط أكثر انحيازاً للجانب الاسرائيلي، بل وكذلك طرفاً من أطراف الصراع، تلعب هذا الدور علناً، بعد ما كانت تحاول سابقاً، أن تميز نفسها بشيء من التوازن النسبي. ولعل هذه القضية (أي تجاهل الدور الأميركي) هي القضية الأولى في بيان القمة العربية.
هي ليست هفوة، بل هي موقف سياسي، لا يكتفي بأن يتجنب الاحتكاك بالدور الأميركي فحسب، بل، وهذا هو الأخطر، يقيم تحالفاً معلناً مع الولايات المتحدة، في صراعات اقليمية، أعادت إلى الخلف الصراع مع اسرائيل والمشروع الصهيوني، ووضعت مكانه الصراع مع إيران وامتداداتها في المنطقة، وأشهرت مشاريع السلام والمفاوضات مع اسرائيل، وأشهرت إعلانات الحرب مع إيران.
من هنا، مثلاً بقيت قرارات القمة العربية بشأن القدس مجرد عبارات تطلق في الفضاء، ولا تحمل في طياتها أية خطوة عملية, على سبيل المثال:
• لم تتخذ موقعاً من الولايات المتحدة بشأن قرارها بشأن القدس. بل أطلقت نداء عاماً (لمن يهمه الأمر) بعدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعدم نقل سفاراتها إليها. علماً أن الجريمة واضحة، وأن الجاني معلوم للقاصي والداني.. إدارة ترامب.
• لم تتخذ موقفاً من مسألة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بل مازالت سفارات اسرائيل مفتوحة في عدد من العواصم العربية، ومازال سفراء هذه الدول يمارسون مهامهم في اسرائيل، وكأن شيئاً لم يقع.
• لم تتخذ موقفاً من مسألة التطبيع القائم على قدم وساق مع عدد من الدول العربية بعضه معلن، والبعض الآخر غير معلن.
• لم تحدث النقلة المطلوبة في صراعها الدبلوماسي مع إسرائيل، حيث أشادت الى قرارات الأمم المتحدة، ذات الصلة، ومنها القرار 2334 بشأن الاستيطان، والذي وافق عليه مجلس الأمن الدولي بالإجماع وبالتالي لم تقرر نقل تنفيذ هذه القرارات الى الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حتى لا تصطدم بموقف إدارة ترامب التي من المؤكد أنها ستعترض. وبالتالي غلبت القمة العربية حرصها على حسن العلاقة مع إدارة ترامب، وعلى حرصها على صون القدس وحمايتها، وصون الأرض الفلسطينية من الاستيطان.
• لم تحدث النقلة المطلوبة في تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك إحالة جرائم الحرب الإسرائيلية الى محكمة الجنايات الدولية.
• وفي الخلاصة يمكن القول أن قرارات القمة العربية بشأن القدس هي مجرد حبر على ورق، إلا إذا استثنينا الإعلان عن منح العربية السعودية للقدس 150 مليون دولار، سيبدو مبلغاً هزيلاً إذا ما قورنت بمئات الملايين من الدولارات التي ترصدها بعض الدول الخليجية في صراعاتها الإقليمية، خارج الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي.
قضايا غيبتها القمة
من جانب آخر، غيبت القمة العربية عدداً من الملفات الفلسطينية الرئيسة ومنها:
• ملف حق العودة للاجئين، مع التمييز بين «اللاجئين»، وبين ملف «حق العودة». صحيح أن القمة أشادت الى ضرورة مواصلة تمويل وكالة الغوث، وأعلن خلالها رئيس القمة ملك العربية السعودية منح «الوكالة» خمسين مليون دولار. إلا أن الصحيح أيضاً أن هذا الموقف لا يختلف كثيراً عن مواقف الإتحاد الأوروبي الذي مازال حريصاً على إدامة عمل الوكالة وإدامة تمويلها. وصحيح أن هذه المسألة مهمة ولا يمكن تجاهلها، إلا أن الصحيح أيضاً، أن بيان القمة لم يأتِ على ذكر حق العودة للاجئين. وليس هو فقط، بل وكذلك خطاب الرئيس محمود عباس. والإشارة اليتيمة للاجئين، في بيان القمة جاءت في سياق الدعوة الى المفاوضات، والإشارة الى «مبادرة السلام العربية» في بيروت عام 2002، التي أثبتت على عقد سلام شامل مع إسرائيل، عربي وإسلامي، مقابل دولة فلسطينية، وشطب حق العودة. ولعل الإشارة لأكثر من مرة، في البيان، إلى المفاوضات، والى «حل الدولتين»، والاكتفاء بالحديث عن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وتجاهل حق العودة، وقضية اللاجئين ربطاً بـ«حل الدولتين»، مؤشر واضح الدلالة أن القمة العربية مازالت تتمسك بموقفها من مسألة حق العودة باعتبارها الضحية الواجب سلخها على مذبح تطبيع العلاقات العربية الإسلامية بعد الوصول الى «حل الدولتين».
• بدا البيان هزيلاً، وهو يتجاهل تماماً الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في القدس والضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وهي الممتدة بأشكال متباينة، منذ الربع الأخير من العام 2015، وقد تصاعدت حدتها مع قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وشكلت واحدة من ذرواتها يوم الأرض في 30/3/2018. ولعل الإشارة الخجولة في خطاب الرئيس عباس لأيام الغضب، واكتفائه بإشارة سريعة ليوم الأرض، بدت هي الأخرى «خارج النص الفلسطيني» الذي يكتبه الشباب الفلسطيني في الشارع في وجه الاحتلال والاستيطان، ودفاعاً عن القدس والمقدسات والقضية والحقوق الوطنية، وهو نص يعلن بوضوح سقوط اتفاق أوسلو، ومشروع أوسلو، والعودة إلى مشروع الانتفاضة والمقاومة، المشروع الوطني لحركة تحرر وطني تناضل وتكافح من أجل تقرير المصير والاستقلال والحرية والعودة والكرامة الوطنية.
• كان مشهداً «غير مريح» البتة أن يضمن رئيس السلطة خطابه في القمة فقرة مطولة عن انقسام حركة فتح مع حركة حماس. وكان مشهداً «غير مريح» أن يحاول تبرير إجراءاته العقابية ضد القطاع، والتي لم تتوقف فصولاً أمام قادة الدول العربية في الوقت الذي كان فيه الوفد المصري في غزة يدير حواراً مع حماس، ويهيئ لجولة جديدة للحوار الثنائي بين حماس وفتح في القاهرة. كذلك كان مشهداً غير مريح أن يقفز رئيس السلطة في كلمته عن «التفاهم» بين فتح وحماس في 12/10/2017، وعن تفاهمات وتوافقات 2011، بين القيادات الفلسطينية، ليضع شروطه الخاصة للمصالحة وإنهاء الانقسام، الأمر الذي من شأنه تعقيد الأوضاع، وليس فتح نوافذ لها. الغريب أن تفتح القمة نوافذها أمام التطبيع مع إسرائيل، وأمام العلاقات «الممتازة» مع الولايات المتحدة، وأن يأتي رئيس السلطة ليرسم اشتراطاته المنفردة في ملف يطال مصير قطاع غزة برمته.
• وأخيراً، وليس آخراً، كان لافتاً للنظر، ومثيراً للاستغراب والدهشة، ولطرح العديد من التساؤلات، أن يجدد رئيس السلطة الفلسطينية طرح موقعه من المفاوضات، والعودة إلى اتفاق أوسلو، كما أعلن عنه في مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، داعياً إلى مفاوضات لقضايا الحل الدائم، كما نص عليها اتفاق أوسلو، وتحت رعاية فريق دولي، بديلاً لرعاية الأمم المتحدة، ومؤتمر لحل شاكلته مؤتمر أنابوليس وباريس، بديلاً لمؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة ومجلس أمنها، بالمقابل يتجاهل النقلة الكبرى التي أحدثها المجلس المركزي في م.ت.ف، في 15/1/2018، وقبلها في 5/3/2015، بإعلان فك الارتباط بأوسلو وبروتوكول باريس، والتحرر من التزاماتهما وقيودهما، وسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي.
كان يفترض أن يعرض الوضع على «حقيقته» أمام القمة العربية، أي الوضع الذي رسمته «الشرعية الفلسطينية» ممثلة بالمجلس المركزي، وليس العرض الذي ترسمه سياسة التفرد والإنفراد بالقرار الوطني. لقد فوت الوفد الفلسطيني فرصة ثمينة على القضية الفلسطينية لو أنه قدم قرارات المجلس المركزي عنواناً للمرحلة الجديدة، ودعا الدول العربية لتحمل مسؤولياتها والارتقاء بدورها الدبلوماسي، والمالي، وغيرها، في دعم القضية الفلسطينية في ظل برنامجها الوطني كما اعتمدته قرارات المجلس المركزي. لكن، كما يبدو، ما ذهب إليه خطاب الرئيس عباس، لم يتخطى على الإطلاق ما يسمى بـ«المبادرة العربية للسلام».
ملاحظات أخيرة
من المعلوم أن بيان القمة العربية يتم تحضيره من قبل وزراء خارجية الدول العربية في اجتماعات تحضيرية تدوم عادة بين يومين أو ثلاثة، وفي هذه الاجتماعات يدور النقاش السياسي العقلي والحقيقي. أما قمة «القادة»، فإنها تكتفي بإلقاء خطابات الجلسة الافتتاحية، ثم جلسة مغلقة قصيرة، يتم بعدها إصدار البيان الختامي، والتقاط الصور التذكارية.
وهذا ما يدفعنا للسؤال عن الدور الذي قام به الوفد الفلسطيني إلى اجتماع وزراء الخارجية، ودور وزير خارجية السلطة الفلسطينية. خاصة أننا لم نسمع أنه قدم مشروعاً فلسطينياً خاصاً بالبيان، سوى ما سمعناه من الرئيس عباس داعياً لاعتماد «رؤيته للسلام» (وخطابه في مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018) في البيان الختامي.
مرة أخرى، تذهب القيادة الرسمية إلى مؤتمرات إقليمية أو دولية أو عربية، بسقف منخفض، تفترق فيه، بمسافة بعيدة، عن المزاج الشعبي الفلسطيني، ولا تمثله على الإطلاق، كما تنتهك فيه قرارات الشرعية الفلسطينية كما رسمتها الهيئات الرسمية كالمجلس المركزي وغيره.
قمة عربية انعقدت، لن يتبقى منها، سوى أمرين:
1) الأول الصراع الإقليمي، مع إيران، تحت الرعاية الأميركية.
2) وخطوة إستقوائية من القيادة الفلسطينية لفرض «رؤيتها» للسلام على المجلس الوطني في دورة 30/4/2018، بذريعة أنها باتت تتمتع بالشرعية العربية.
أضف تعليق