هذا ما قاله بالتفصيل محققو الشاباك لـ"عهد التميمي ..
القدس المحتلة (الاتجاه الديمقراطي)- عندما اعتُقلت في العشرين من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لم تكن عهد التميمي قد أكملت عامها السادس عشر، لكنها أظهرت رباطة جأش في مواجهة ضغوط رجال الـ «شاباك» الإسرائيلي، أثناء التحقيق، ما جعلهم يفقدون صوابهم مرات عدة، كما ظهر في فيديو حصلت عليه محاميتها الإسرائيلية، ووصلت إلى «الحياة» نسخة كاملة منه.
وقالت المحامية غابي لانسكي إنها حصلت على تفاصيل جلسة التحقيق مصوَّرة «دقيقة بدقيقة»، لأن عهد تعتبر قاصراً (تحت السابعة عشرة)، ومن حق المحامي الاطلاع على حيثيات التحقيق مع القاصرين، بموجب القانون الإسرائيلي.
يدخل ثلاثة رجال إلى غرفة التحقيق، ومعهم عهد، يجلس اثنان، ويقف الثالث على الباب. يسألها المحقق بالعربية المكسّرة: بدّك تشربي شي (هل تريدين شرب أي شيء)؟ تردّ عليه عهد قائلة: «لا..». يسألها: أكلتِ شي؟ ترد: «لا...». يسألها من جديد: «بدّك تاكلي شي (هل تريدين أن تأكلي شيئاً)؟ تجيب: لا».
يطلعها المحقق على حقوقها وفق نص مكتوب باللغة العربية، ويطلب منها أن تقرأه، وتكون النقطة الأولى فيه إن من حق المتّهم القاصر التزام الصمت، ثم يبدأ التحقيق. يسألها: «هل رميتِ حجارة؟» تجيب: «ألتزم حق الصمت».
وتتوالى الأسئلة: «هل ضربت جنوداً؟» الجواب: «ألتزم حق الصمت». «هل تودّين قول شيء قبل بدء التحقيق؟»، تجيب: «ألتزم حق الصمت». يتابع: «أعطيك فرصة ثانية، هل تريدين قول شيء؟» تردّ بالعامية: «لا، بديش أحكي (لا أريد أن أتكلم)». يسألها: «أين تسكنين؟، تجيب: «ألتزم حق الصمت»، شو اسمك؟ «ألتزم حق الصمت». «هل تسكنين في الضفة الغربية أم في إسرائيل؟»، ترد: «ألتزم حق الصمت».
ينفعل المحقق: «الاسم والسكن ليس دليلاً؟» فتردّ عليه: «ألتزم حق الصمت». يضيف: «هل حققت معك الشرطة؟»، «ألتزم حق الصمت». وهنا يفقد أحد المحققين صوابه، ويصرخ عليها قائلاً: «في كل المسيرات أنت عاملة حالك مسؤولة عن كل العالم، وهنا لا شيء؟» تبقى عهد صامتة ولا تجيب.
يُخرج المحققان أساليب التحقيق المعروفة في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، ويأخذان بتطبيقها على الطفلة الصغيرة التي لا تظهر أي مشاعر قلق أو خوف، وتحافظ على قوة صمتها. يحاول المحقق أن يبني علاقة ثقة ومحبّة شخصية مع عهد، كي يستدرجها إلى الاعتراف والندم، يقول لها: «هل تعرفين لماذا أنا هنا؟ أنا هنا من أجلك، أنا لست محققاً، لكن عندما رأيت صورتك مع الشرطة، قلت: ملاك مثلك يجب ألا يكون في السجن، وقلت يجب أن أتحدث إليك، وطلبت منهم أن يأتوا بي إلى هنا، قلت: سأتحدث معها كما أتحدث مع أختي الصغيرة».
ويمضي المحقق في محاولة زعزعة ثقة الفتاة الصغيرة بنفسها وبقضيتها التي اعتقلت من أجلها قائلاً: «أنت يجب أن تكوني في المدرسة، أو في المول (المركز التجاري) وليس في السجن. عندما أشوف (أرى) عينيك مثل الملاك، عندما أشوفك (أراكِ) وأشوف (أرى) عينيك أقول: حرام تكوني هون (هنا).. وين (أين) أصحابك؟ في المدرسة، يجب أن تكوني معهم».
ثم يمضي المحقق في لعبة التفكيك، وبناء علاقة ثقة، فيقول لها: «أنت مثل أختي الصغيرة، أختي بتروح (تذهب) إلى السينما، وتتعلم، وتروح مع أصحابها... تذهب إلى «زارا» و «مانغو» محلات ألبسة عالمية...». ثم يسألها: هل لديك «فايسبوك»؟ فلا تجيب... هل تسمعين موسيقى؟ ولا تجيب. ثم يجيب المحقق: «أنا أحب المغني محمد عساف، وهو يغني فلسطيني... فلسطيني». وهنا يحاول أن يدفعها لمقارنة مصيرها في السجن مع مصير المغني محمد عساف، قائلاً: «هل تعرفين من أين هو محمد عساف؟ ويجيب: «إنه من خان يونس (في قطاع غزة المحاصر)، لكن أين يعيش اليوم، في بيروت، ولديه الكثير من الفلوس».
وأمام صمتها الكبير، يمعن المحقق في محاولة جرّها للحديث والاعتراف... يقول لها: «أنت شقراء مثل أختي، في الشمس، تبدو أختي مثل قطعة الهامبرغر، وأنت كيف تبدين في الشمس: حمراء؟» فلا ترد عليه.
يهددها باعتقال والدها، وأشقائها الصغار بعدما يعرض فيديو يظهرهم وهم يشاركون في التظاهرات، ويذكرها بأن والدتها معتقلة.
يواصل المحقق الذي يلعب دور «الشرطي السيء» الصراخ عليها، بعدما يعرض على جهاز الحاسوب أدلة مصورة على مشاركتها في التظاهرات، لكنها لا تجيب، وتواصل الصمت.
وقال والد عهد لـ «الحياة» إن ابنته التي حُكم عليها بالسجن ثمانية شهور بتهمة ضرب وإهانة جنديَّين إسرائيليين في ساحة بيت العائلة، رفعت دعوى على المحقق من داخل السجن. وأضاف: «المحامية الإسرائيلية التي اطلعت على شريط الفيديو خلصت إلى نتيجة أن هذه التعابير تحتوي تحرشاً لفظياً، ولا علاقة لها بمجريات القضية، لذلك قررت رفع دعوى ضد المحقق».
وتابع أن «القانون الدولي يلزم إسرائيل السماح بتواجد امرأة أثناء التحقيق مع امرأة، وينصّ أيضاً على أن تكون جلسات التحقيق قصيرة، وليس أثناء ساعات الليل المتأخرة، وألا تحتوي صراخاً وتهديداً.
وعلى رغم قسوة المشاهد التي تظهر فيها الصغيرة عهد وحيدة أمام محققين أشداء يمارسان الصراخ والتهديد، إلا أن والدها يشعر بفخر شديد بابنته، ويقول: «على رغم قسوة الموقف، إلا أنه يظهر ابنتي قوية وجبارة مثل الجبال العالية، لا تلين أمام جبروتهم».
وأضاف: «عهد بطلة وأنا فخور بها، ستعود إلينا قريباً، وستواصل معنا معركة الحرية، وهم (المحققون) إلى زوال».
أضف تعليق