27 كانون الأول 2024 الساعة 19:51

كي نستعيد عناصر القوة الفلسطينية

2018-03-17 عدد القراءات : 775

 (1)
في الإقليم: أين نقف؟ وإلى أين نسير؟
اتجاهان

 
 
 


بنظرة على أوضاع الإقليم بتداعياتها المتواصلة وبحراكها المستمر، نلاحظ المزيد من التبلور لاتجاهين رئيسين:
■ الاتجاه الأول: مع بقاء مخطط استهداف الدولة الوطنية واستمراره واعتماده أشكالاً جديدة، يُسجل صمود الدولة الوطنية، لا بل تقدمها في ميدان المواجهة في بلدين مفتاحين: سوريا والعراق، ما قاد إلى فشل العدوان الرامي إلى النيل من مكانة الدولة الوطنية وموقعيتها، وإلى ضرب تحالفاتها، من خلال مواصلة محاولات زجها في سلسلة لا تنتهي من الأزمات المتوالية وبهدف حشرها للدفع بها لولوج أحد طريقين:
• إما الخضوع والاستسلام لسياسة واشنطن واستتباعاً إسرائيل، والالتحاق بالمشروع الإقليمي الأميركي - الإسرائيلي؛
• أو مواصلة استنزافها بأشكال مختلفة، عبر التدخلات المباشرة، أو بالواسطة، وصولاً إلى ضعضعة مرتكزاتها، بغرض التقسيم الضمني، أو بالأمر الواقع، للبلاد.
الاتجاه الثاني: المزيد من التهافت في موقف عدد من الدول العربية المؤثرة، التي بدعوى مواجهة مخاطر تمدد النفوذ الإيراني في الإقليم، تسير على طريق تلبية شروط الاقتراب من إسرائيل، من بوابة التطبيع والتعاون الأمني وتطوير العلاقات الاقتصادية معها، على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والمصلحة القومية العربية الجامعة.
■ الاتجاه الأول (صمود الدولة الوطنية)، من شأنه أن يصون المصالح الوطنية والقومية للشعوب، في إطار وحدة دولتها الوطنية القائمة على وحدة الأراضي والشعب والسيادة الوطنية؛ وهو، في هذا السياق، يخدم النضال الوطني التحرري لشعوب المنطقة، ويفتح الأفق أمام تطورها الاقتصادي والديمقراطي، في إطار الحرية والتعددية السياسية والتقدم الإجتماعي. كما أنه، وفي السياق نفسه، يخدم النضال الوطني التحرري لشعب فلسطين، الذي يستلزم تقدمه، توفر عمق عربي وإقليمي، يحتضن نضاله ويسانده بالأشكال والصيغ المتاحة كافة.
أما الإتجاه الثاني (الإنفتاح على إسرائيل)، فمن شأنه أن يعمق، بسياسته هذه، التبعية للدور والمصالح الأميركية في المنطقة، ويكرس مكانة إسرائيل في الإقليم النازعة لأن تكون القوة العسكرية والإقتصادية المهيمنة. وبالتالي، فهو يلحق أفدح الأضرار بالمصالح الحيوية الوطنية والقومية لشعوب المنطقة، ويهدد مستقبلها. ولعل من أبرز المتضررين في هذا كله هو الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، في نضاله ضد المشروع الصهيوني والإحتلال والإستيطان.
■ هذان الاتجاهان – إتجاه صمود الدولة الوطنية، وإتجاه التقارب مع المشروع الأميركي والإنفتاح على إسرائيل - يسيران في حقلين مستقلين وبحدود معيّنة متداخلين، لكنهما – بالنتيجة - وعلى مستوى معين، متعاكسان، بل ومتصارعان، يؤثر أحدهما بالآخر.
وفي كل الأحوال، فإن الحفاظ على الدولة الوطنية بسماتها المعروفة، مع التطويرات المستحقة على نظامها السياسي، من شأنه أن يحاصر، في الوقت نفسه، الإتجاه الآخر المتساوق مع سياسة الولايات المتحدة،  والمهادن لإسرائيل، والعكس صحيح. ما يعني – بالمحصلة – أن هذين الإتجاهين، هما في نهاية المطاف، متصارعان، ويخدم تراجع أي منهما تقدم الآخر■

 

 

 

 

 

 

 

(2)
فلسطينياً : أين نقف؟ وإلى أين نسير؟
إستراتيجيتان

تتنازع الحالة الفلسطينية إستراتيجيتان:
■ الأولى، هي الإستراتيجية الرسمية المعتمدة القائمة على أولوية العمل السياسي بأشكاله المتعددة تحت عنواني المفاوضات والتدويل؛ والأخير يعني توسيع دائرة الإعتراف بدولة فلسطين + إكتساب عضوية الوكالات والإتفاقيات الدولية، بما في ذلك العضوية العاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة + محاسبة إسرائيل على جرائمها المقترفة بحق شعبنا من خلال مقاضاتها (محكمة الجنايات الدولية..) ومقاطعتها (الـ BDS وغيرها من أشكال المقاطعة) الخ..
والمشكلة في هذه الإستراتيجية المعتمدة رسمياً أنها أبقت الحالة الفلسطينية أسيرة لعملية أوسلو وإلتزاماتها، وبالذات التنسيق (التعاون) الأمني مع الإحتلال والتبعية الإقتصادية للإقتصاد الإسرائيلي، مما أضعف حالة اليقين لدى الحالة الشعبية الفلسطينية وأضعف وتيرة نموها وإتساعها وتطورها، كما أضعف روح التضامن الشعبي العربي مع القضية الفلسطينية ونضالات شعبها، فضلاً عن تدمير الإقتصاد الوطني الفلسطيني، وتعطيل مشاريع إعادة بنائه تحت الإحتلال، وحوّل السلطة الفلسطينية  - موضوعياً – إلى جزء من آلية إدامة منظومة الإحتلال، فباتت «سلطة بلا سلطة» «لإحتلال بلا كلفة»، ما جعل رئيس اللجنة التنفيذية يطلق صرخته أمام أعلى محفل دولي، أي مجلس الأمن (20/2/2018): «نحن نعمل عند الإحتلال، لذلك نقول فلتتحمل إسرئيل مسؤولياتها كقوة قائمة بالإحتلال، ليس لدينا مانع أن تتحمل مسؤولياتها بالضفة وغزة، إما أن يبقى الوضع على ما هو عليه، فهذا غير مقبول».
كما أن هذه الإستراتيجية أدت الى إدارة الظهر لموضوع الوحدة الداخلية، تقديراً من مركز القرار الرسمي أن من شأن هذه الوحدة أن تفرض قيودها الوطنية على حرية حركته السياسية وعلى إلتزاماته نحو إتفاق أوسلو وبروتوكول باريس؛ إلى جانب أن هذه الإستراتيجية أدت إلى مفاقمة حالة الإنقسام، بين حركتي فتح وحماس، الذي إنطلق بشكله الدموي في 14/6/2007.
مثل هذه السياسة شكلت قيداً على النضال في الميدان، وفرضت عليه حدوداً لا يتجاوزها، كالإدعاء بالتمسك بالمقاومة الشعبية «السلمية»، والحديث – على خلفية دفع التهمة عن الذات - عن رفض وإدانة العنف والإرهاب، حتى لا يؤثر النهوض الشعبي، وتطور الحراك والنضال في الميدان، وإتساع مساحة المساهمة الشعبية، على إدارة القيادة الرسمية الفلسطينية للملف الوطني وتكتيكاتها بشأنه، إن إلى طاولة المفاوضات، أو في المحافل الدولية.
■ الإستراتيجية الثانية تقوم على أولوية خط المقاومة، وبالذات المقاومة الشعبية في الميدان، وبأشكالها المختلفة، والمقاومة في المحافل الدولية لنزع الشرعية عن الإحتلال، وعزل دولة إسرائيل، ولو أدى ذلك الى الصدام مع سياسة الولايات المتحدة، التي باتت منحازة بلا شروط لإسرائيل ورؤيتها للحل في المنطقة.
إن إعتماد خط المقاومة يتطلب توفير روافعها، وأهمها العمل على إعادة بناء الوحدة الداخلية. فوحدة الشعب ووحدة قواه السياسية، ووحدة مؤسساته على قاعدة البرنامج المشترك، هي عناصر رئيسية من شأنها أن تولد في الرأي العام الفلسطيني حالة من اليقين بجدوى المقاومة، في ظل أفق سياسي مفتوح على تحقيق الأهداف الوطنية في الخلاص من الإحتلال والإستيطان، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وتوفير حل لقضية اللاجئين بموجب القرار 194 الذي يكفل حق العودة.
 المقاومة تفترض في الوقت نفسه إستنهاضاً للعمل السياسي والدبلوماسي، أي ما يصطلح على تسميته «تدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية»، إنما مع تقدير دقيق وواقعي لمثل هذه العملية وما يمكن أن يتمخض عنها من نتائج، يرسم حدود هذه النتائج الخلل القائم على صعيد نسبة القوى في الصراع الدائر. هذا دون أن نتجاهل واقع أن المقاومة المرتكزة إلى إسمنت الوحدة الداخلية، إنما تُكسب العمل السياسي أبعاده الوطنية المجدية، كما أن العمل السياسي بالحدود الوطنية المطلوبة يفتح أمام المقاومة آفاق النهوض والتطور واكتساب المزيد من الفعالية■

 

 

 

(3)
فلسطينياً.. أين نقف؟ وإلى أين نسير؟
خلاصتان

■ الخلاصة الأولى التي يمكن الوصول إليها، مما سبق في رؤيتنا للإستراتيجيتين، تتيح لنا القول أنه، رغم التشابه في العناوين بما خص العمل السياسي وتدويل القضية، إلا أن الفارق بين الإستراتيجيتين يبقى كبيراً، إن في الأولويات، أو في التعريف لمضمون عناوين العمل السياسي ووظائفه وأدواته. فخط المقاومة، على سبيل المثال، يضع شروط تقديم المقاومة الشعبية وصولاً إلى الإنتفاضة الشاملة، وعلى طريق التحول إلى العصيان الوطني، في الموقع الأول بكل ما يتطلبه ذلك من تأمين الحماية السياسية للحراك الشعبي، وتوفير عناصر تطوره ونهوضه وصموده، والزج بالمزيد من القوى والشرائح الشعبية، وغيرها من ضرورات توحيد الشعب ونسق حركته الكفاحية وتوحيد قواه السياسية في الميدان.
في هذا الشأن، من المهم التوقف أمام وظائف السلطة الفلسطينية ودورها، فخط المقاومة لا ينطلق من الرأي الذي يعتبر السلطة القائمة بوزاراتها وإداراتها إنما تشكل بنية دولة جاهزة لا ينقصها سوى الولاية السيادية؛ بل يعتبر، على العكس من ذلك، أن تغيير وظائف السلطة خدمة لمتطلبات المقاومة الشعبية أمر لازم، بغرض توفير صمود المجتمع الفلسطيني في معركته المديدة والقاسية ضد الإحتلال.
وهذا يفترض بدوره إعادة صياغة مضمون السلطة وبرامجها الإجتماعية والإقتصادية، لتعديل وظائفها، وفي مقدمة شروط هذه العملية هي التحرر من قيود أوسلو، وبروتوكول باريس الإقتصادي، عبر وقف كل أشكال التنسيق والتعاون الأمني مع الإحتلال، وفك الإرتباط والتبعية للإقتصاد الإسرائيلي، عبر خطوات متدرجة، بما في ذلك وفي سياق تأمين البدائل الكريمة، سحب اليد العاملة الفلسطينية من المستوطنات الإسرائيلية ومقاطعة المنتج الإسرائيلي، لصالح المنتج الوطني الفلسطيني، ووضع الدراسات والخطط العملية لوقف التعامل بالشيكل الإسرائيلي، وهو الأمر الذي ينتقل بالسلطة من كونها – موضوعياً – متوضعة ضمن منظومة الإحتلال، إلى سلطة وطنية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، ويجعل من بقاء الإحتلال والإستيطان، أمراً باهظ الكلفة مادياً وبشرياً وسياسياً، ومعنوياً.
■ أما الخلاصة الثانية، والمستمدة من الأولى، ولا تنفصل عنها، فهي أن الإستراتيجية المحكومة بأولوية العملية السياسية، وكما أثبتت التجربة، لا أفق حقيقي لها. لأنها محكومة على الدوام بسقفين لا إمكانية بالسياسة الحالية، ووفق موازين القوى القائمة لإختراقهما:
• السقف الأول هو السقف الإسرائيلي الذي تلتقي فيه القوى الحاسمة في المجتمع، كما في النظام السياسي، على هدف تصفية القضية والحقوق الوطنية لشعب فلسطين، بمثال شطب حق العودة وقضية اللاجئين من جدول الأعمال، كما بمثال رفض الإنسحاب من القدس المحتلة باعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل، وكذلك ضم الضفة الفلسطينية الذي لا تتباين الرؤى فيه بين مختلف القوى السياسية الصهيونية سوى من زاوية المدى والتوقيت ليس إلا.
• أما السقف الثاني فهو السقف الأميركي الذي إنتقل مع إدارة ترامب في التعاطي مع المسألة الفلسطينية من أسلوب «إدارة الصراع» إلى أسلوب «إنهاء الصراع»، أي الإنتقال من السعي لتحقيق تسوية متحيزة بشكل واضح لإسرائيل، إلى محاولة فرض وتمرير الحل الإسرائيلي القاضي بتصفية القضية والحقوق الوطنية.
■ هذا ما عبرت الإدارة الأميركية الجديدة بوضوح منذ إنتقال ترامب إلى البيت الأبيض من خلال الإعلان بأن الإستيطان «لا يشكل عقبة في طريق السلام»( )، ومن ثم الموافقة على أي حل يُتفق عليه بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني (دولة، دولتان، أو أي صيغة أخرى)( )؛ ما يعني – عملياً - تمرير الموافقة الضمنية على الصيغة الإسرائيلية للحل.
بعد هذه المقدمات ذات الدلالة أتى خطاب ترامب المفصلي في 6/12/2017 الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، وما تلا ذلك من مواقف تقوم على تصفية حق العودة وقضية اللاجئين، من مدخل إعادة تعريف اللاجيء الفلسطيني، وتغيير وظائف وكالة الغوث، فضلاً عن الموافقة على ضم الكتل الإستيطانية إلخ.. إلى سائر نقاط «صفقة العصر» التي باتت معروفة، وكشف عنها بوضوح التقرير الذي تقدم به أمين سر اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، إلى المجلس المركزي في دورة 15/1/2018، تلك «الصفقة» التي مازالت تتنظر إنعقاد شرطها الإقليمي العربي والفلسطيني قبل أن تعلن رسمياً.
ولعل عودة منا إلى التجربة التفاوضية البائسة تحت سقف أوسلو، بالرعاية الأميركية المنفردة، والتي إستمرت حوالي ربع قرن، توضح لنا فشل الرهان على العملية السياسية كأولوية في إستراتيجية العمل الوطني، في مواجهة هذين السقفين، خاصة وأنها ألحقت بالقضية الوطنية العديد من الكوارث، وزرعت الإنقسام في الصفوف، وأضعفت روح الوحدة الداخلية، فضلاً عن إضعاف الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية وباقي المؤسسات الوطنية■

 

 

 

 

 

(4)
كي نستعيد عناصر القوة الفلسطينية (I)..
القطع مع أوسلو

■ لتحرير الحالة الوطنية الفلسطينية من القيود التي تكبلها، ومن أجل شق طريق التقدم نحو إنجاز المشروع الوطني الفلسطيني ـــــ لا يملك الشعب الفلسطيني وقواه السياسية وحركته الوطنية سوى خيار إعتماد إستراتيجية تقوم على أولوية المقاومة، وما يحيط بهذا الخيار من محاور عمل أخرى، سياسية ومؤسساتية وسواها، تدعم هذا الخيار بروافد تُعظِّم زخمه وفعله وتأثيره في مجريات الصراع. إن هذا التوجه لا يعني أقل من إستعادة عناصر القوة الفلسطينية المتمثلة بأمرين رئيسين: القطع مع إتفاقات أوسلو، وبناء الوحدة الداخلية..
■ القطع مع إتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس الإقتصادي والتحرر من إملاءاتهما وإلتزاماتهما، يقتضي الإقدام على ثلاث خطوات رئيسية نصت عليها – من بين قرارات أخرى - قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين (2015 + 2018)، وهي: سحب الإعتراف بإسرائيل، وقف التنسيق والتعاون الأمني مع الإحتلال، الإنفكاك من التبعية الإقتصادية لإسرائيل.
المطلوب، بعد ما جرى التوافق على هذه القرارات، وأصبحت ملزمة للمؤسسة الوطنية الفلسطينية أي للجنة التنفيذية، هو العمل على تنفيذ هذه القرارات، وليس العمل على إحالتها إلى لجان إختصاص تحيلها هي الأخرى إلى لجان، في لعبة باتت معروفة، الهدف منها تعطيل هذه القرارات، ترحيلها، لصالح إدامة السياسات الفاشلة المستندة إلى إتفاق أوسلو وبروتوكول باريس. فمنذ أن إتخذت هذه القرارات في 5/3/2015 وأعيد التأكيد عليها في 15/1/2018، وهي معلقة، في سوق المساومة السياسية، على وهم التلويح بها، للوصول إلى مكاسب سياسية، فشلت هذه الإستراتيجية في تحقيقها حتى في ظل حكومة إسرائيلية أقل تصلباً وتشدداً، وفي ظل إدارة أميركية أقل إنحيازاً. إن العودة إلى سياسة بناء الأوهام على إمكانية الوصول إلى حلول معيّنة عبر الإستراتيجية الرسمية التي مازالت معتمدة، لا يخدم تطور الكفاح الوطني، بل يسهم في تبديد الوقت الذي نجح الجانب الإسرائيلي في تجنيده لصالحه، عبر زرع الوقائع على الأرض، لفرض النتائج المسبقة، على أية عملية تفاوضية قد تستأنف في يوم ما.
■ بالتالي فإن ما إصطلح على تسميته «رؤية الرئيس للسلام» أي المبادرة التي أطلقها رئيس اللجنة التنفيذية في خطابه في مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، ما هي إلا عودة إلى القديم الذي لا يملك مقومات النجاح، خاصة وأنه يستعيد تجارب فاشلة، كتجربة مؤتمر أنابوليس (27/11/2007) التي انتهت المفاوضات الثنائية المنبثقة عنه بالفشل الذريع، وبحرب دموية شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي نهاية العام 2008 على قطاع غزة، أو كتجربة مؤتمر باريس (15/1/2017)، الذي جرى التمهيد له تحت الشروط الأميركية، وفي ظل تنازلات فلسطينية مسبقة وكانت جلسته الأولى هي الأخيرة، وانتهى إلى الفشل الذريع.
إن مثل هذه المبادرات، الفاشلة مسبقاً، لا وظيفة لها سوى فتح الفراغ على مزيد من الفراغ، والتهرب من استحقاقات وتحديات «إستراتيجية المقاومة أولاً، وتدويل القضية والحقوق الوطنية ثانياً»، ومتطلباتها الوطنية والعربية والإقليمية. وأهمها إعادة بناء الوحدة الداخلية■

(5)
كي نستعيد عناصر القوة الفلسطينية(II)..
بناء الوحدة الداخلية

 
 
 

■ بناء الوحدة الداخلية يملي التمسك الحازم بالنتائج التي تحققت في أواخر العام 2017 على يد ورقة التفاهم بين حركتي فتح وحماس في 12/10/2017، بالرعاية المصرية، لإنهاء الإنقسام وإنجاز المصالحة، والتي أعيد التأكيد عليها في بيان الفصائل الفلسطينية في القاهرة (أيضاً) في 22/11/2017، وتأكيداً لبيان القاهرة في أيار (مايو) 2011.
إن المصالحة بين فتح وحماس شرط رئيسي لاستعادة الوحدة الداخلية، أي إستعادة وحدة المؤسسة، والقوانين، والشروع في العمل لإعادة بناء الوحدة الوطنية الجامعة والإئتلافية. وهذا يملي على الحركتين التحلي بأعلى درجات المسؤولية لعدم تبديد الفرصة المتاحة أمام الحالة الفلسطينية لاستعادة وحدتها الداخلية وإغلاق ملف الإنقسام، ووقف نزيفه.
على هذا الأساس، يفترض أن تتوفر لحكومة السلطة الفلسطينية الشروط الضرورية لتمكينها من أداء واجباتها وتحمل مسؤولياتها في إدارة قطاع غزة، ورفع والحصار عنه، وإعادة بناء بنيته التحتية، وإطلاق مشاريع التنمية الطارئة والإستراتيجية، بما يرفع عن كاهله الظلم الذي لحق به خلال أكثر من عشر سنوات من الإنقسام، والحصار، والإحتراب السياسي والعدوان الإسرائيلي المتكرر.
وكل هذا مع الأخذ بالإعتبار تباين الظروف في إدارة السلطة بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، خاصة على الصعيد الأمني وفي العلاقة مع سلطات الإحتلال، مع حفظ المكانة المميزة لبندقية المقاومة، في صيغة تضمن سلامة الأمن الداخلي بإشراف الحكومة ومسؤوليتها، وسلامة بندقية المقاومة في غرفة عمليات مشتركة بمرجعية سياسية وطنية موحدة، تمتلك قرار القتال والتصعيد، كما تملك قرار التهدئة.
■ كذلك من شروط بناء الوحدة الداخلية السعي الجاد لاستعادة الطابع التمثيلي الشامل لمؤسسات م.ت.ف، عبر توفير الشروط لمشاركة جميع مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية في هذه المؤسسات وبخاصة في المجلسين الوطني والمركزي، واللجنة التنفيذية في م.ت.ف.
أما بشأن دعوة اللجنة التنفيذية لعقد المجلس الوطني الفلسطيني في 30/4/2018، فإن صون شروط إستعادة الوحدة الداخلية، وشروط تعزيز الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع لكل مكونات الحالة السياسية الفلسطينية، تتطلب دعوة اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني التي إلتأمت في بيروت (10-11/1/2017) لإستئناف أعمالها، ودعوة «لجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف»، التي يعود آخر إجتماع لها إلى العام 2013، إلى إجتماع عاجل وفوري لتجهيز الأوضاع لعقد دورة ناجحة ومثمرة للمجلس الوطني، خارج سياسة التفرد والإستفراد، وسياسة عقد الصفقات في «المطبخ السياسي»، أو سياسة فك وتركيب الهيئات والمؤسسات الوطنية في خدمة سياسات ومصالح فئوية، لا تجاري المصالح الوطنية والوحدة الداخلية ولا تخدمهما.
■ في هذا الاطار نؤكد على الأهمية الفائقة للإلتزام بتنفيذ قرارات المجلس المركزي، أعلى هيئة مشرعة ومقررة في م.ت.ف في ظل إنقطاع دورات المجلس المركزي منذ أكثر من عقدين من الزمن، كما نشير إلى سلبيات إستخدام هذه القرارات في غير مقاصدها، كما جرى مع قرارات المجلس المركزي في دورة آذار (مارس) 2015، عندما تم الإتفاق مع الإدارة الأميركية على تجميد 3 قرارات ملزمة للجنة التنفيذية: وقف التنسيق الأمني + مقاضاة إسرائيل على جرائم الحرب أمام محكمة الجنايات الدولية + طلب الانضمام إلى 22 وكالة دولية.. مقابل تعهد واشنطن بعدم نقل سفارتها إلى القدس، إلى جانب تجميد البناء الإستيطاني خارج كتل الإستيطان الرئيسية(!).. وجميعنا شاهد على هذه المقايضة البائسة التي لم تحل دون نقل السفارة إلى القدس، لا بل بالإعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، هذا إلى جانب إرتفاع وتيرة الإستيطان، داخل الكتل الرئيسية وخارجها.
■ إن الخشية، كل الخشية أن تتكرر ممارسات التجاوز على قرارات المجلس المركزي الأخيرة، لكن هذه المرة على يد اللجنة التنفيذية، التي قررت في الفقرة 3 من بيانها الصادر في 7/3/2018 «إعتماد رؤية الرئيس محمود عباس لعقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات  بمظلة دولية» [لاحظ الخلط المتعمد والرطانة: «مؤتمر دولي بمظلة دولية» (!!)]، بينما تنص الرؤية المذكورة في أحد البنود التنفيذية للخطة التي تتقدم بها، وفي الفقرة ج من البند التنفيذي أولاً بالتحديد على «تشكيل آلية دولية متعددة الأطراف تساعد الجانبين في المفاوضات لحل جميع قضايا الوضع الدائم حسب إتفاق أوسلو الخ..»؛ كما تنص نفس «الرؤية» في البند التنفيذي ثانياً من الخطة على «عدم إنضمام دولة فلسطين للمنظمات التي إلتزمنا بها سابقاً. (وهي 22 منظمة دولية من أصل 500 منظمة ومعاهدة)».
■«إن آلية دولية متعددة الأطراف تساعد الجانبين الخ..» تختلف تماماً عن المؤتمر الدولي كامل الصلاحيات، الذي ينعقد على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بمشاركة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ويواكب العملية التفاوضية من ألفها إلى يائها. إن الآلية الدولية المقترحة في «الرؤية»، والتي تستند بنصها إلى سابقتي مؤتمري أنابوليس وباريس، لن تكون أكثر من محطة إفتتاحية لإطلاق مفاوضات ثنائية فلسطينية – إسرائيلية، على غرار مسار أوسلو، لكن هذه المرة بمسار إضافي، هو المسار الإقليمي الذي سيبحث بقضايا التطبيع والتعاون الإقتصادي والأمني بين إسرائيل وعدد من دول الإقليم. وغني عن القول، أن المسار الإقليمي سيكون هو الغالب، لأن «صفقة العصر» بالأساس، وكما ورد على لسان غرينبلات، ليست مطروحة للتعديل مع الجانب الفلسطيني الذي عليه الإلتزام بها، باعتبار أن الطرف المقرر في هذه «الصفقة» ستكون دول الإقليم المعنية بالترتيبات الأوسع.
■ قد تستهدف «المبادرة/ الرؤية» التي عُرضت في 20/2/2018 أمام مجلس الأمن تهيئة الحالة الفلسطينية للقبول بها كقرارات صادرة عن الدورة القادمة للمجلس الوطني في حال إنعقاده. وقد تكون «للمبادرة/ الرؤية» وظائف أخرى لسنا مطلعين عليها، لكنها قطعاً، وفي عدد من البنود التنفيذية التي تقترح، ولأنها تتعاكس بوضوح مع قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين، لا تصلح كأساس لاستراتيجية عمل كفاحي يوحد الصف الوطني على طريق الإرتقاء بالمقاومة الشعبية إلى مستوى الإنتفاضة الشاملة■
* نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

 

 

لتحميل الدراسة كاملة من خلال الرابط التالي:

 

 

هنا

أضف تعليق