22 تشرين الثاني 2024 الساعة 06:36

هل هي الفوضى في أداء مؤسسات الحكومة أم أنها التزام بما تبقى من اتفاق أوسلو؟

2018-02-22 عدد القراءات : 770
 شهدت المؤسسة الفلسطينية سلسلة وقائع مثيرة للاستغراب، وإن كانت تدل على شيء، فهي تدل على فوضى عارمة، تجتاح المؤسسة، في ظل غياب احترام قرارات المجلس المركزي، وإما على محاولات واعية لتدمير المؤسسة تدميراً كاملاً، وإفراغها مما تبقى لها من دور، وإحالة كل الصلاحيات، إلى المطبخ السياسي الذي يقيم في مقر «المقاطعة» في رام الله.
فغداة انعقاد المجلس المركزي ، وبعد تأخر دام حوالي ثلاثة أسابيع، عقدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير اجتماعها النظامي الأول بعد قرار ترامب بشأن القدس (اتخذ ترامب قراره في 6/12/2017، واجتمعت اللجنة التنفيذية في 3/2/2018، أما المجلس المركزي فقد اجتمع في 15/1/2018).
وخلافاً لما كان متوقعاً، أحالت اللجنة التنفيذية، باقتراح من رئيسها، مهامها إلى لجنتين: الأولى أطلق عليها اللجنة العليا، والثانية تشكلت من ممثلي الفصائل. الأولى لبحث "آليات تنفيذ قرارات المجلس المركزي" والثانية للبحث في دعوة المجلس الوطني الفلسطيني للاجتماع. وكان واضحاً أن الهدف من تشكيل اللجنة الأولى، برئاسة صائب عريقات، هو التهرب من استحقاقات تنفيذ قرارات المجلس المركزي، وهدر الوقت، والرهان على وعود أوروبية بأن «هدايا» الولايات المتحدة لا تقتصر على إسرائيل، بل هناك «هدية» للجانب الفلسطيني بينما قالت مصادر مطلعة أن تهرب رئيس اللجنة التنفيذية من هذا الاستحقاق، كان سببه ألا يريد لأي قرار قد يصدر عن اللجنة التنفيذية أن «يشوش» عليه استعداداته للتحدث أمام مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، وتقديم "مبادرة جديدة للسلام" في المنطقة. أما الهدف من تشكيل اللجنة الثانية، أي من ممثلي الفصائل، لبحث اجتماع المجلس الوطني، فقد جاء في سياق محاولات القيادة الرسمية، «لتحديد شرعيتها» وهي تخوض غمار اللعب مع "صفقة القرن" للوصول معها إلى «حل وسط»، مهما كان مستواه «متقدماً»، فإنه، وفقاً لتقديرات الدوائر الدولية المطلعة، لن يلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية.
الفصائل: لا للمجلس الوطني القديم
اجتمعت الفصائل الفلسطينية في رام الله، تلبية لدعوة من عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح. الذي قدم اقتراحاً، يمثل رأى القيادة الرسمية، يدعو لعقد اجتماع سريع للمجلس الوطني الفلسطيني، بقوامه الحالي، لإعادة انتخاب لجنة تنفيذية ومجلس مركزي جديدين. وكما تبين من النقاش لم تلقَ دعوة عزام استجابة لدى الفصائل، والتي بلورت رأياً للأغلبية استند إلى التالي:
1) «المجلس الوطني الحالي بات فاقداً للشرعية، وهو معطل منذ العام 1996 ولابد من تجديده. وبعد أن اعتمدنا مبدأ الانتخابات في البلديات والمجلس التشريعي، بات لزاماً علينا أن نعتمد الانتخابات وسيلة لإعادة بناء المجلس الوطني الجديد».
2) «هذا يستدعي دعوة اللجنة التحضيرية لاستئناف أعمالها برئاسة رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون، لتضع الاجراءات والآليات لتنظيم الانتخابات في الداخل والخارج، لاختيار الأعضاء الجدد في المجلس الوطني».
3) «كما يستدعي هذا أيضاً دعوة «لجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف"، للاجتماع هي الأخرى، للتداول حول الاستراتيجية السياسية للمرحلة المقبلة، وعلى الخط العام الذي سيتبناه المجلس الوطني، للتصدي للمشاريع البديلة للمشروع الوطني، وفي المقدمة مشروع ترامب».
التقت عند هذا الموقف الجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية وحزب فدا وحزب الشعب الفلسطيني. بينما من جانبه أوضح عزام الأحمد موقف القيادة الرسمية بأن لا مكان لحركة حماس في المجلس الوطني الفلسطيني، ولا لقاء معها في لجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف إلا بعد "تسليم" قطاع غزة كاملاً لحكومة السلطة الفلسطينية. وعندما سئل عن اجراءات العقاب الجماعي، أنكر أن تكون اجراءات حكومة السلطة الفلسطينية "عقابية" بل هي اجراءات من «صلب صلاحيات الحكومة».
ممثل حزب الشعب الفلسطيني اقترح أن يتم التشاور مع حماس، وأن تعطى الحالة الفلسطينية مدة ثلاثة أشهر، قد تكون فترة كافية لحل القضايا العالقة مع حماس. وبذلك انتهى الاجتماع دون الوصول إلى اتفاق على عقد المجلس الوطني الحالي، وكذلك دون الاتفاق على عقد اللجنة التحضيرية أو «لجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف».
اللجنة العليا
اجتمعت اللجنة العليا، وكان من بينها صائب عريقات، وتيسير خالد (الجبهة الديمقراطية) وأحمد مجدلاني (نضال) وواصل أبو يوسف(فلسطينية) وعزام الأحمد، وآخرون.
•  القضية الأولى: كما طرح الأحمد دعوة المجلس الوطني للاجتماع، ونقل عن اجتماع الفصائل "موافقتهم بالإجماع" على ذلك. أيده في ذلك بعض الحاضرين (مجدلاني وأبو يوسف بشكل خاص) أما تيسير خالد فقد أوضح أن اجتماع الفصائل الذي عقد في 6/2/2018 لم يتفق على عقد المجلس الوطني القديم، وأن الرأي كان بالدعوة للانتخابات.
غير أن عزام الأحمد عاد وأكد أن ثمة قراراً سابقاً بعقد المجلس، وأنه كان قد اتفق مع رئيس المجلس سليم الزعنون على ذلك وأن رئاسة المجلس كانت قد حددت موعداً للاجتماع غير أن رئيس السلطة، هو من أوقف الدعوة وأجلها. وبالتالي «ما نتحدث عنه الآن»، والقول لعزام الأحمد، «هو إحياء دعوة سابقة».
•  القضية الثانية كانت قضية قطاع غزة، التي أثيرت بحدة خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاجتماعية فيه إلى درجة مأساوية. وقد تبلور موقف في اللجنة بضرورة إسراع حكومة السلطة لمعالجة قضايا القطاع الاجتماعية بحلول فورية، خاصة قضايا الكهرباء والماء والمعبر وغيرها. غير أن عزام الأحمد عاد من جهته يؤكد تحميل حماس مسؤولية تعطيل تقدم اتفاق المصالحة، وربط مرة أخرى بين رفع الاجراءات العقابية عن القطاع وبين تمكين حكومة السلطة في إدارة القطاع بشكل كامل، دون أي استدراك أو نقصان.
•  القضية الثالثة كانت قضية المقاومة الشعبية وآفاقها. وكان واضحاً من خلال النقاش أن المسألة «لا تتعلق بقضايا تقنية، بل بالاستراتيجية السياسية الواجب اتباعها في المرحلة القادمة». ويبدو أن اللجنة رأت أن الأمر يتجاوز حدود صلاحياتها وأن ثمة قضايا سياسية «تحتاج إلى حسم بشكل واضح»، لذلك اقترحت أن يدعى لاجتماع يحضره رئيس السلطة والأمناء العامون للفصائل، أو من ينوب عنهم «لبحث هذه المسألة من جانبها السياسي والتوافق على استراتيجية العمل للمرحلة القادمة».
•  القضية الرابعة هي قضية نقل الشكوى إلى محكمة الجنايات الدولية، وتنسيب دولة فلسطين إلى المنظمات والوكالات الدولية، ومنها 22 منظمة «تعهدت السلطة الفلسطينية لإدارة أوباما بعدم الانتساب لها، مقابل وقف مشاريع الاستيطان. وقد جددت السلطة الفلسطينية هذا التعهد لإدارة ترامب (وهذا ما اعترف به لاحقاً رئيس السلطة في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018) مع أن الاستيطان لم يتوقف ليوم واحد». وقد أحيلت هذه القضية إلى ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لفتح « لتقديم الدراسة القانونية» بذلك.
وهكذا يكون اجتماع اللجنة العليا، قد انتهى دون أن يقدم أي «اقتراح عملي» لتنفيذ قرارات المجلس المركزي التي مازالت معلقة، ومازالت حكومة السلطة الفلسطينية بالمقابل، تعمل بموجب التزامات اتفاق أوسلو، أو ما تبقى منه.
حكومة السلطة وقرارات "المركزي"
المراقبون لاحظوا، في تتبعهم للحركة السياسية لحكومة السلطة الفلسطينية، أن الحالة السياسية الوطنية في واد، وأن حكومة السلطة الفلسطينية في وادي آخر، حتى بعد أن أحالت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى حكومة السلطة مهمة «دراسة كيفية وآليات تطبيق قرارات المجلس المركزي، في الميادين التي تهم الحكومة وتدخل في اختصاصها». كوقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، أو فك الارتباط بالاقتصاد الاسرائيلي، ووضع حلول بديلة.
خلافاً لهذا كله لاحظ المراقبون أن حكومة السلطة، قامت بالخطوات التالية:
•  في 15/2/2018، أي بعد شهر من صدور قرار المجلس المركزي بفك الارتباط بالاقتصاد الاسرائيلي والتحرر من التزامات بروتوكول باريس الاقتصادي، عقدت وزيرة الاقتصاد في حكومة السلطة الفلسطينية عبير عودة اجتماعاً مع نظيرها الاسرائيلي، في باريس، بناء على دعوة من الرئيس الفرنسي ماكرون، «لدراسة تطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية الفلسطينية – الاسرائيلية». وقد اتفقا، كما نقلت وسائل الإعلام من باريس على «توسيع نطاق التجارة بينهما» (بينما المطلوب مقاطعة البضائع الإسرائيلية) و«دفع الاستثمارات المشتركة»(بينما المطلوب سحب هذه الاستثمارات) المصادر التي نقلت الخبر قالت إن إسرائيل والسلطة الفلسطينية تعملان في اطار ضريبي مشترك (أي التحاق ضريبي فلسطيني بالنظام الضريبي الاسرائيلي) بموجب بروتوكول باريس، منذ العام 1994، وأن لقاء باريس الأخير «عمق من الارتباط الاقتصادي الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي وتبعيته له».
•  في 19/2/2018 عقد في ديوان رئيس الحكومة في السلطة الفلسطينية لقاء ضم إلى جانب رامي الحمدلله، وزير المال في السلطة الفلسطينية، وضابط الارتباط مع الإدارة المدنية للاحتلال حسين الشيخ، مقابل وزير المال الاسرائيلي، ومنسق الإدارة المدنية للاحتلال يواف مردخاي، وأن الجانبين ناقشا «سبل تطوير العلاقة بينهما»، وحل القضايا العالقة، و«تطوير آليات التعاون الاقتصادي والمالي»، في ظل الامساك الاسرائيلي الكامل بالمعابر، وجبايتها لأموال الضرائب العائدة على هذه المعابر، وتحويلها لها بنظام عمل معتمد.
هذه النقلات النوعية في أداء حكومة السلطة الفلسطينية في اتجاهات معاكسة لقرارات المجلس المركزي، وقرارات اللجنة التنفيذية، أثارت لدى القوى الوطنية والديمقراطية الانتقادات الساخنة، الأمر الذي لفت نظر وسائل الاعلام والمراقبين، والمعلقين في الصحف، ما دعاهم للتساؤل: أين هي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ ومن هي المرجعية السياسية لحكومة السلطة الفلسطينية؟ ومن يصوغ القرار السياسي الفلسطيني الملزم؟ وإلى أين تتجه السفينة الفلسطينية في ظل التناقضات الصارخة بين قرارات المجلس المركزي، وبين السياسات المعتمدة من حكومة السلطة الفلسطينية ومن رئيس السلطة نفسه، في جولاته السياسية والتي تجاهل فيها قرارات المجلس المركزي، واعتبر العودة إلى المفاوضات هو الخيار الوحيد ولا خيار غيره.
المطبخ هو السيد
يقول المراقبون إن ما تشهده الحالة الفلسطينية وفقاً لوقائع الأسبوع الماضي، تتسم بالازدواجية الشكلية، لكنها في الجوهر، «مازالت تسير وفق الخط الاستراتيجي الذي يتبعه رئيس السلطة الفلسطينية في تمسكه بالتعهدات السياسية والأمنية والاقتصادية كما ينص عليها اتفاق أوسلو». وأن سقف رد فعله على قرار ترامب بشأن القدس لا يتعدى الحديث عن أن الولايات المتحدة لم تعد هي الراعي الوحيد لأية مفاوضات قادمة، وأن المطلوب رعاية «فريق دولي»، أو رعاية «متعددة الأطراف»، «دون الخروج، عملياً من تحت سقف أوسلو».
لذلك في الوقت الذي يتخذ فيه المجلس المركزي قراراً بسحب الاعتراف بإسرائيل، يحال القرار إلى «لجنة عليا» لدراسته، تحيله هي الأخرى إلى لجنة ثانية لدراسته، في رحلة الموت بين اللجان.
وفي الوقت الذي يتخذ فيه قراراً بفك الارتباط بالاقتصاد الاسرائيلي، تذهب وزيرة الاقتصاد في السلطة نحو اتفاقيات جديدة مع الجانب الاسرائيلي.
إذن، نحن أمام سياستين، يقول المراقبون:
•  سياسة ترسمها المؤسسات الوطنية، لكنها تبقى معلقة في الهواء ولا تنفذ. هذا ما حصل لقرارات المجلس المركزي في 5/3/2015، وفي 15/1/2018.
•  سياسة يرسمها المطبخ السياسي الفلسطيني هي التي تعمل بها السلطة ومؤسساتها التنفيذية، في ظل غياب الرقابة التشريعية والشعبية، وفي ظل هذه الازدواجية تبقى السفينة الفلسطينية في بحر متلاطم من المشاريع الأميركية الاسرائيلية وفي مواجهة خطوات واجراءات اسرائيلية ميدانية ترسم الوقائع الدامغة، والمعطلة للمشروع الوطني.
أما القيادة الرسمية، فمازال ارتباطها باتفاق أوسلو قائماً، ومازال حنينها إلى المفاوضات الثنائية متقداً، ومازال حرص الفئات الأعلى في بيروقراطية السلطة على مصالحها أقوى مما هو على مصالح القضية الوطنية.

أضف تعليق