أشياء تحدث لفلسطينيّي غزّة في الخارج
كثر في السنوات القليلة الأخيرة عدد الذين خرجوا، ولا سيّما من فئة الشباب، من قطاع غزّة للاستقرار خارجه، بسبب سوء الأحوال المعيشيّة وقلّة فرص العمل، علاوة على إغلاق المعابر بشكل شبه دائم. بعضهم توّجه لأوروبّا والولايات المتحدة باحثين عن فرص تعليميّة أفضل، وبعضهم تقدّم بطلب لجوء إنسانيّ، بالإضافة إلى عدد لا بأس به ممّن توجّهوا لتركيّا لسهولة حصول الفلسطينيّين على تأشيرتها. ويبدو أنّ ما يجمع هؤلاء أعراض باتت معروفة للجميع، أعراض لا تحدث إلّا مع الغزّيّين، يمكن تسميتها ببساطة: حياة ما بعد القطاع. فما الذي يحدث مع الغزّيّين في الخارج؟
هل أنت فلسطينيّ فقط، أم فلسطينيّ من قطاع غزّة؟
لا شيء يميّز جواز سفر الفلسطينيّين المقيمين في قطاع غزّة عن جواز سفر هؤلاء المقيمين في الضفّة الغربيّة، فبعكس البطاقة الشخصيّة الفلسطينيّة التي تحدّد مكان السكن، وبناء عليها تمنع السلطات الإسرائيليّة سكّان القطاع من العيش في الضفّة الغربيّة، والعكس صحيح، فإنّ جواز السفر الفلسطينيّ يُكتب عليه مكان الإصدار فقط، وهو في العادة: مدينة رام الله. فيبقى تحديد إذا ما كان الشخص الذي يسافر عبر جسر الملك حسين في الأردنّ، أو معبر رفح المصريّ، غزّيّ أم لا، رهن إجابة سؤال: هل أنت فلسطينيّ صرف أم فلسطينيّ من قطاع غزّة؟ عند السفر عبر جسر الملك حسين، يمرّ فلسطينيّو الضفّة بسلاسة، عادة، لكن يحتاج فلسطينيّو قطاع غزّة إلى تصريح مرور جسر إسرائيليّ وورقة عدم ممانعة أردنيّة. كما يحتاجون، بالغالب، إلى الوقوف على شبّاك المخابرات الأردنيّة المعروف بشبّاك رقم (10) قبل دخول الأردنّ.
الأمر لا يختلف كثيرًا عن التقديم للإقامات في كثير من البلاد العربيّة، فإجابة سؤال "غزّاوي؟" بنعم، أصبحت مرتبطة في معظم الحالات بكلمة "اتفضّل اقعد ارتاح"، في ظروف قد تستدعي أيّ مشاعر إلّا الراحة.
فوبيا الأصوات العالية
مع أنّ سكّان القطاع أصبحوا لا يكترثون كثيرًا لأيّ صوت انفجار إذا لم يكن جوار منزلهم، وذلك لكثرة أصوات الانفجارات، ما جعل منها روتينًا، إلّا أنّ معظم فلسطينيّي قطاع غزّة الذين عايشوا أيًّا من الحروب الثلاث، ثمّ انتقلوا للاستقرار في الخارج، يشتركون في أنّهم لا يستقبلون ظاهرتي الرعد والبرق بصفتها ظواهر طبيعيّة، أو أنّ أيّ صوت مرتفع ليس بالضرورة صوتًا لقصف جوّيّ أو أرضيّ لديهم، فقد تجد أحدهم قام مسرعًا ليفتح الشبابيك فور سماع الرعد خشية تحطّم زجاجها، وهو ما يفعله السكّان في غزّة عند سماع القصف الجويّ من باب الإجراءات الاحترازيّة. لا تتفاجأ كثيرًا إذا كنت تجلس مع أحد منهم ثمّ اختفى بعد سماع صوت إغلاق باب بعنف، ربّما سيكون منبطحًا أرضًا كإجراء احترازيّ أيضًا!
وابل الأسئلة العجيبة
لا يهمّ إلى أيّ بلد انتقل الغزّيّ، فحتّى لو انتقل للعيش في بلد عربيّ، سيجد دائمًا من يرميه بوابل من الأسئلة العجيبة لمجرّد معرفة أنّه من قطاع غزّة. الأسئلة قد تختلف وفق جنس المسؤول، لكنّها تبقى في إطار التعرّف على الكائن الغزّيّ وحياته. بينما قد يُسأل الشابّ عن طبيعة الحياة في منطقة عنيفة مغلقة، وعن مدى وصول التكنولوجيا إلى هناك، وعن كيفيّة الحياة بدون كهرباء؛ تتفاجأ الفتيات الغزّيّات، غالبًا، بأسئلة عمّا إذا كان يُسمح للفتاة في غزّة أن تمشي مكشوفة الوجه تحت حكم إسلاميّ، أو عمّا إذا كانت صالونات نسائيّة، أو عمّا إذا كانت المواعدة في غزّة موجودة.
التوقّعات العالية
يعاني الغزّيّون من التوقّعات العالية التي يضعها البعض عند التعامل معهم؛ فإذا خاف أحدهم من صوت مفرقعات ليلة رأس السنة، أو إذا اشتكى من انقطاع التيّار الكهربائيّ في بيته مدّة ساعتين، يتفاجأ دائمًا بقول: "ما انت جاي من غزّة!" من دون أدنى إدراك أنّ السبب الحقيقيّ الذي دفع هؤلاء للخروج من قطاع غزّة الرغبة بالتوقّف عن الخوف والمعاناة.
الانبهار بالأضواء
لا يكفّ الغزّيّون عن الحديث عن أزمة الكهرباء في غزّة كلّما رأوا مدينة مضيئة، أو شاهدوا الألعاب الناريّة، فكلّما ذهبوا إلى مدينة سياحيّة مليئة بالأضواء يبدؤون بالتساؤل عن كمّيّة الكهرباء التي استُخدمت في الإضاءة، وعن عدد الحارات التي كان من الممكن إضاءتها في غزّة باستخدام الكمّيّة نفسها. كما أنّ أيّ انقطاع للكهرباء، حتّى لو دام سويعات، كفيل بأن يعيد الذكريات غير المحببّة إلى نفوس من عايش معاناة انقطاع الكهرباء لأكثر من 15 ساعة يوميًّا.
لا يبدو أنّ الغزّيّين يبتعدون عن غزّة كثيرًا متى خرجوا منها، كما يبدو أنّها لا تخرج منهم أبدًا، وإن هم خرجوا.
• صحافيّة فلسطينيّة من قطاع غزّة. تدرس الإعلام الجديد في المعهد الأردنيّ للإعلام في عمّان.
هل أنت فلسطينيّ فقط، أم فلسطينيّ من قطاع غزّة؟
لا شيء يميّز جواز سفر الفلسطينيّين المقيمين في قطاع غزّة عن جواز سفر هؤلاء المقيمين في الضفّة الغربيّة، فبعكس البطاقة الشخصيّة الفلسطينيّة التي تحدّد مكان السكن، وبناء عليها تمنع السلطات الإسرائيليّة سكّان القطاع من العيش في الضفّة الغربيّة، والعكس صحيح، فإنّ جواز السفر الفلسطينيّ يُكتب عليه مكان الإصدار فقط، وهو في العادة: مدينة رام الله. فيبقى تحديد إذا ما كان الشخص الذي يسافر عبر جسر الملك حسين في الأردنّ، أو معبر رفح المصريّ، غزّيّ أم لا، رهن إجابة سؤال: هل أنت فلسطينيّ صرف أم فلسطينيّ من قطاع غزّة؟ عند السفر عبر جسر الملك حسين، يمرّ فلسطينيّو الضفّة بسلاسة، عادة، لكن يحتاج فلسطينيّو قطاع غزّة إلى تصريح مرور جسر إسرائيليّ وورقة عدم ممانعة أردنيّة. كما يحتاجون، بالغالب، إلى الوقوف على شبّاك المخابرات الأردنيّة المعروف بشبّاك رقم (10) قبل دخول الأردنّ.
الأمر لا يختلف كثيرًا عن التقديم للإقامات في كثير من البلاد العربيّة، فإجابة سؤال "غزّاوي؟" بنعم، أصبحت مرتبطة في معظم الحالات بكلمة "اتفضّل اقعد ارتاح"، في ظروف قد تستدعي أيّ مشاعر إلّا الراحة.
فوبيا الأصوات العالية
مع أنّ سكّان القطاع أصبحوا لا يكترثون كثيرًا لأيّ صوت انفجار إذا لم يكن جوار منزلهم، وذلك لكثرة أصوات الانفجارات، ما جعل منها روتينًا، إلّا أنّ معظم فلسطينيّي قطاع غزّة الذين عايشوا أيًّا من الحروب الثلاث، ثمّ انتقلوا للاستقرار في الخارج، يشتركون في أنّهم لا يستقبلون ظاهرتي الرعد والبرق بصفتها ظواهر طبيعيّة، أو أنّ أيّ صوت مرتفع ليس بالضرورة صوتًا لقصف جوّيّ أو أرضيّ لديهم، فقد تجد أحدهم قام مسرعًا ليفتح الشبابيك فور سماع الرعد خشية تحطّم زجاجها، وهو ما يفعله السكّان في غزّة عند سماع القصف الجويّ من باب الإجراءات الاحترازيّة. لا تتفاجأ كثيرًا إذا كنت تجلس مع أحد منهم ثمّ اختفى بعد سماع صوت إغلاق باب بعنف، ربّما سيكون منبطحًا أرضًا كإجراء احترازيّ أيضًا!
وابل الأسئلة العجيبة
لا يهمّ إلى أيّ بلد انتقل الغزّيّ، فحتّى لو انتقل للعيش في بلد عربيّ، سيجد دائمًا من يرميه بوابل من الأسئلة العجيبة لمجرّد معرفة أنّه من قطاع غزّة. الأسئلة قد تختلف وفق جنس المسؤول، لكنّها تبقى في إطار التعرّف على الكائن الغزّيّ وحياته. بينما قد يُسأل الشابّ عن طبيعة الحياة في منطقة عنيفة مغلقة، وعن مدى وصول التكنولوجيا إلى هناك، وعن كيفيّة الحياة بدون كهرباء؛ تتفاجأ الفتيات الغزّيّات، غالبًا، بأسئلة عمّا إذا كان يُسمح للفتاة في غزّة أن تمشي مكشوفة الوجه تحت حكم إسلاميّ، أو عمّا إذا كانت صالونات نسائيّة، أو عمّا إذا كانت المواعدة في غزّة موجودة.
التوقّعات العالية
يعاني الغزّيّون من التوقّعات العالية التي يضعها البعض عند التعامل معهم؛ فإذا خاف أحدهم من صوت مفرقعات ليلة رأس السنة، أو إذا اشتكى من انقطاع التيّار الكهربائيّ في بيته مدّة ساعتين، يتفاجأ دائمًا بقول: "ما انت جاي من غزّة!" من دون أدنى إدراك أنّ السبب الحقيقيّ الذي دفع هؤلاء للخروج من قطاع غزّة الرغبة بالتوقّف عن الخوف والمعاناة.
الانبهار بالأضواء
لا يكفّ الغزّيّون عن الحديث عن أزمة الكهرباء في غزّة كلّما رأوا مدينة مضيئة، أو شاهدوا الألعاب الناريّة، فكلّما ذهبوا إلى مدينة سياحيّة مليئة بالأضواء يبدؤون بالتساؤل عن كمّيّة الكهرباء التي استُخدمت في الإضاءة، وعن عدد الحارات التي كان من الممكن إضاءتها في غزّة باستخدام الكمّيّة نفسها. كما أنّ أيّ انقطاع للكهرباء، حتّى لو دام سويعات، كفيل بأن يعيد الذكريات غير المحببّة إلى نفوس من عايش معاناة انقطاع الكهرباء لأكثر من 15 ساعة يوميًّا.
لا يبدو أنّ الغزّيّين يبتعدون عن غزّة كثيرًا متى خرجوا منها، كما يبدو أنّها لا تخرج منهم أبدًا، وإن هم خرجوا.
• صحافيّة فلسطينيّة من قطاع غزّة. تدرس الإعلام الجديد في المعهد الأردنيّ للإعلام في عمّان.
أضف تعليق